ملخص: تتبنى الشركات مثل "غيت هاب" و"جوجل" على نحو متزايد سياسات تتيح للفرق قدراً كبيراً من الاستقلالية فيما يتعلق باختيار أفرادها وما تعمل عليه، إذ يساعد ذلك على منح الموظفين شعوراً أكبر بالسيطرة على عملهم وبالتالي فهو يعزز الإبداع والابتكار، ولكن الأبحاث الجديدة تشير إلى أنه من السهل أن تتجاوز الاستقلالية الحدّ. توصل المؤلفون في دراسة جديدة إلى أن الفرق التي أتيح لها اختيار أفرادها والأفكار التي تعمل عليها كان أداؤها أسوأ بكثير مقارنة بالفرق التي سمح لها باختيار إما أفرادها وإما أفكار العمل. بناء على هذه النتائج المفاجئة يقول المؤلفون إن السؤال الذي يجب على المدراء طرحه على أنفسهم يتعلق بنوع الاستقلالية التي يجب أن يمنحوها لفرقهم وليس بما إذا كان عليهم منح فرقهم الاستقلالية أم لا، وبدلاً من السماح للاستقلالية بالاستحواذ على تفكيرنا دوناً عن أي شيء آخر يقترحون أن يتبع المدراء نهجاً أكثر دقة ويفكروا على نحو نقدي في المجالات التي ستستفيد من الاستقلالية والمجالات التي لن تستفيد منها.
ما مقدار الاستقلالية الذي يعتبر أكبر مما يجب؟ في حين تتبع بعض الشركات نهجاً صارماً لتعيين المهام فقد أصبح من الشائع بدرجة متزايدة منح الموظفين درجة أكبر من الحرية في اختيار ما يعملون عليه ومن يعملون معهم. وقد عممت شركات مثل "سبوتيفاي" و"غيت هاب" و"جوجل" سياساتها التي تتيح للموظفين اختيار مشاريعهم والفرق التي يعملون معها بأنفسهم، بدعوى أن هذه الاستراتيجية تحفز مستويات أعلى من السيطرة والإبداع وبالتالي فهي تؤدي إلى أفكار أفضل ومبتكرة بدرجة أكبر.
قد يبدو ذلك بديهياً، ولكن بحثنا الجديد يشير إلى إمكانية أن تتجاوز الاستقلالية الحدّ المقبول. قمنا بتجربة ميدانية شارك فيها أكثر من 900 طالب في دورة تعليمية للمرحلة الجامعية مدتها 11 أسبوعاً حول ريادة الأعمال في الشركات الناشئة الرشيقة، حيث قسمنا الطلاب إلى مجموعات تضم فرقاً يضمّ كل منها 3 أشخاص وأوكلنا إليهم مهمة تطوير أفكار لشركات ناشئة وعروض ترويجية لها. وقمنا من دون علم الطلاب والمدرسين بتوزيع الطلاب عشوائياً على 4 مجموعات، وحددنا لكل مجموعة درجة مختلفة من الاستقلالية المتاحة للطلاب فيما يتعلق باختيار الأفكار التي يعملون عليها وتشكيل فرقهم؛ في المجموعة الأولى تم توزيع الطلاب على الفرق وتحديد الفكرة التي سيعمل عليها كل فريق، وفي المجموعة الثانية كان بإمكان الطلاب اختيار أفراد فرقهم ولكن تم تحديد الفكرة التي سيعمل عليها كل فريق، وفي المجموعة الثالثة تم توزيع الطلاب على الفرق ومنحوا الاستقلالية في اختيار الأفكار التي سيعملون عليها، وفي المجموعة الأخيرة سمح للطلاب باختيار أفراد فرقهم والأفكار التي سيعملون عليها.
طورت الفرق عروضاً ترويجية عملت على تقييمها لجنة تتألف من خبراء ممارسين من رواد الأعمال والمستثمرين الملائكة والمستثمرين أصحاب رأس المال المغامر (الجريء). من أجل ضمان أن يكون التقييم عادلاً، تم حذف أسماء الطلاب وصورهم ولم يسمح لأفراد لجنة التحكيم بالتواصل فيما بينهم قبل تقديم تقييماتهم، وتم منح كل عرض ترويجي 3 تقييمات مستقلة. طلبنا من الحكام أولاً تقييم أداء العروض الترويجية في 5 مجالات: الحداثة وسهولة التنفيذ وإمكانات السوق واحتمال النجاح واحتمال دعوة الفريق الذي طور العرض إلى اجتماع متابعة. وبمجرد تم تقييم كل عرض ترويجي على حدة، طلبنا من الحكام تخصيص ميزانية استثمار وهمية تصل إلى مليون دولار للمشاريع التي عملوا على تقييمها (بإمكانهم إنفاق مبلغ الميزانية كله أو جزء منه أو عدم إنفاق شيء منه على الإطلاق).
ما الذي توصلنا إليه؟ المثير للاهتمام هو أن تحليلنا أشار إلى أن الاستقلالية الجزئية، لا الكاملة، أدت إلى أفضل النتائج. كان أداء الفرق التي لم تتمتع بأي درجة من الاستقلالية في اختيار الأفكار وأفراد الفريق هو الأسوأ، في حين كان أداء الفرق التي تمتعت باستقلالية كاملة أفضل بدرجة ضئيلة إذ كان تقييم احتمالات نجاح الأخيرة أفضل من الأولى بأقل من 1%.
وبالعكس، كان أداء الفرق التي تمتعت باستقلالية جزئية أفضل بدرجة كبيرة من الفرق التي تمتعت باستقلالية كاملة والتي لم تتمتع بأي درجة من الاستقلالية، وكان تقييم احتمالات نجاح الفرق التي منحت استقلالية جزئية لاختيار أفراد الفريق أو فكرة المشروع (أحدهما فقط) أعلى بنسبة 50% من الفرق التي لم تتمتع بأي درجة من الاستقلالية، وبنسبة 49% من الفرق التي تمتعت باستقلالية كاملة. كما أنها حصلت على ميزانية استثمار وهمية أكبر من التي حصلت عليها الفرق التي لم تتمتع بالاستقلالية بنسبة 82% وأكبر من التي حصلت عليها الفرق التي تمتعت بالاستقلالية الكاملة بنسبة 23%. عموماً، كانت الفرق ذات الأداء الأعلى هي التي تم تحديد أفرادها ومُنحت الاستقلالية لاختيار الأفكار التي ستعمل عليها، تليها بفارق ضئيل الفرق التي تم تحديد الأفكار التي ستعمل عليها ومُنحت الاستقلالية لاختيار أفرادها.
لماذا حدث ذلك؟ لاحظنا أن العامل الأساسي الذي يحفز هذه النتائج هو أن الفرق التي تمتعت باستقلالية جزئية كانت أكثر قدرة على مطابقة الأفكار مع أفراد الفريق. تمكنت الفرق التي حددنا أفرادها ومنحناها الاستقلالية لاختيار الأفكار التي ستعمل عليها من اختيار أفكارها بناء على اهتمامات أفرادها، في حين أن الفرق التي حددنا لها الأفكار ومنحناها الاستقلالية لاختيار أفرادها تمكنت من اختيار الأفراد على نحو استراتيجي بناء على مدى ملاءمتهم للعمل على الفكرة المحددة. أما الفرق التي لم تتمتع بأي درجة من الاستقلالية فلم تتمكن من تحقيق هذا النوع من التوافق، وواجهت صعوبة مماثلة في إحداث التوافق بين أفراد الفرق والأفكار بفعالية عندما طُرح الأمران للنقاش.
كما لاحظنا عاملاً ثانوياً محفزاً لهذه النتائج؛ هو أن إمكانية اختيار أفراد الفريق والأفكار معاً غذى شعور الثقة المفرطة الذي يعرف بأنه يوقع آثاراً سلبية على الأداء، إذ طلبنا من الفرق وصف أدائها وقدراتها مقارنة بمجموعة مرجعية ولاحظنا أن الفرق التي تمتعت باستقلالية كاملة تبالغ غالباً في تقدير قدراتها.
من الجدير بالذكر، أننا لاحظنا فائدة واحدة للاستقلالية تشترك بها المجموعات كافة: بعد انتهاء الدورة التعليمية، سألنا الطلاب عن درجة سعادتهم وتوصلنا إلى أنه كلما ازدادت درجة الاستقلالية التي منحت للطلاب ازدادت درجة سعادتهم. كانت الفرق التي تمكنت من اختيار الأفكار التي ستعمل عليها سعيدة بأفكارها أكثر، وكانت الفرق التي تمكنت من اختيار أفرادها سعيدة بهم أكثر، والفرق التي تمكنت من اختيار أفرادها وأفكارها معاً كانت الأكثر سعادة من الجميع. لكن للأسف، وعلى الرغم من المؤلفات الكثيرة التي تتحدث عن الرابط بين العواطف الإيجابية والأداء الأفضل فقد لاحظنا في هذه الحالة على الأقل أن رواد الأعمال الأكثر سعادة لم يقدموا العروض الترويجية الأعلى أداء.
نصائح لمكان العمل
هناك اختلاف كبير بالطبع بين الطلاب في فصل ريادة الأعمال والمهنيين الممارسين في شركات العالم الواقعي. فشروط القاعة الدراسية تتيح بيانات واسعة النطاق وبيئة تجريبية خاضعة للمراقبة يصعب الحصول عليها في أماكن العمل التقليدية، لكن من الضروري إدراك قيودها. على الرغم من أن الأبحاث السابقة تشير إلى أنه من المنطقي أن نستقرئ سلوك الموظفين في عالم العمل بناء على سلوك الطلاب في الدراسات المشابهة لدراستنا، لكن سيكون من الحكمة أن يفكر المدراء في اختلاف سياق العمل لديهم عن السياق الذي وصفناه في دراستنا والتكيف وفقاً لذلك. بأخذ هذا التحذير الذي ينطبق على كثير من النصائح القائمة على الأبحاث في الحسبان نقترح استراتيجيتين لمساعدة المدراء على الاستفادة من الاستقلالية في فرقهم بفعالية أكبر:
أولاً، السؤال الذي يجب طرحه ليس عما إذا كان عليك منح الفرق الاستقلالية أو لا، بل عن نوع الاستقلالية التي يجب أن تمنحها لها. الاستقلالية ليست مفيدة بالكامل ولا ضارة بالكامل، قمنا في بحثنا باستكشاف إمكانية تعزيز الأداء عن طريق التوصل إلى فهم أدق للاستقلالية فيما يتعلق بأبعاد تكوين الفريق وتوليد الأفكار، وما هذان إلا نوعان فقط من الاستقلالية، وهناك أنواع أخرى منها يمكن للمدراء أخذها في حسبانهم. في حين أنه من النادر أن تحقق الاستقلالية الكاملة فائدة تذكر، يمكن أن يقوم المدراء بالتجارب من أجل توضيح أنواع القرارات التي تحتاج إلى مزيد من توجيهات القيادة والقرارات التي من الأفضل أن يتمتع الموظفون بحرية التصرف فيها.
ثانياً، يوضح عملنا قوة العشوائية. أحد أكثر العناصر المفاجئة في نتائجنا هو أنه عندما قامت الفرق التي تم تعيين أفرادها بصورة عشوائية باختيار الأفكار التي ستعمل عليها قدمت أداء أفضل من أداء الفرق التي قام أفرادها باختيار زملائهم. بينت أبحاث سابقة أن الموظفين ينجذبون تجاه أصدقائهم أو الأشخاص المشابهين لهم، ولاحظنا النمط نفسه في الفرق التي اختارت أفرادها. لم يؤد ذلك إلى أداء هذه الفرق الرديء بصورة مباشرة، لكنه كان يعني بصورة غير مباشرة أن الفرق التي تتمتع بالاستقلالية الكاملة علقت في غرف الصدى التي ضخمت ثقتها في عروضها الترويجية وأدت في نهاية المطاف إلى الإضرار بأدائها. نحن لا نقول إنه يجب تشكيل جميع الفرق على نحو عشوائي، لكن نتائجنا تشير بالفعل إلى أن توفر عنصر العشوائية في تعيين الفرق قد يؤدي إلى تحسين الأداء ضمن بعض السياقات.
لا يوجد حل موحد لتحديد مقدار الاستقلالية التي يجب أن تمنحها لفريقك، بل يجب أن يعتمد المدراء نهجاً أكثر دقة لتحديد طريقة صنع القرارات الرئيسية. وهذا يعني تخطي طرق التفكير المبنية على خيار الأبيض أو الأسود فقط والتفكير على نحو نقدي في المجالات التي ستستفيد من الاستقلالية والمجالات التي لن تستفيد منها.