هل أضر العمل من المنزل بقطاع ألعاب الفيديو؟

10 دقائق
قطاع ألعاب الفيديو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كان قطاع ألعاب الفيديو مهيأً أكثر من معظم القطاعات الأخرى للانتقال إلى نموذج العمل عن بُعد، ومع ذلك توصل الباحثون إلى أن الشركات التي انتقلت إلى العمل عن بُعد في أثناء الجائحة عانت من حالات تأخير أكثر من التي تمكنت من الاستمرار بالعمل في المقارّ المكتبية. لماذا؟ لقد تضررت الروابط الضعيفة أو العلاقات السطحية بين الموظفين. وبالنظر إلى بيانات تواصل الموظفين الإداريين (موظفي الياقات البيضاء) نلاحظ أن العلاقات الوطيدة ازدادت قوة والعلاقات الضعيفة باتت أضعف. وهذا بدوره أدى إلى تعطل وتسبب بالتأخر عن المواعيد النهائية أو أعاق الاستمرار بالابتكار على الرغم من أن الموظفين كانوا منتجين كلاً على حدة. باختصار، كان ذلك فشلاً مؤسسياً. إذن، ما الذي يجب على الشركات فعله؟ ليس من الممكن أن نعود بالزمن، ويتعين على الشركات التوصل إلى طرق لتشجيع الموظفين على إنشاء الروابط الضعيفة بينهم مع الإقرار بأن ثقافة المقرّ المكتبي تغيرت بصورة جوهرية. يجب أن تقوم بما يلي: 1) الإقرار بأن الاستراتيجية الموحدة للعمل عن بُعد لن تفلح على الأرجح، 2) التفكير بإنشاء فريق يساعد في تشجيع الموظفين على بناء الروابط الضعيفة أو تنفيذ استراتيجية تساعد على بناء العلاقات في الشركة، 3) الإقرار بأن توقعات الموظفين اختلفت ومحاولة تحقيق توازن بين المرونة ووقت الحضور الشخصي، 4) الحرص على التمتع بسرعة الحركة والاستمرار بتقييم النهج المتبع مع مرور الوقت.

من بين القطاعات التي انتقلت بسرعة إلى العمل عن بُعد نتيجة لجائحة “كوفيد-19″، بدا أن قطاع تطوير ألعاب الفيديو يتمتع بوضع جيد يتيح له الاستمرار بالعمل بنجاح. تكاد تكون شركات ألعاب الفيديو المنتِج الوحيد للمنتجات الرقمية غير المقيدة بسلاسل التوريد، ولذلك يكون أي تأخير تواجهه ناتجاً عن صعوبات في العمل التعاوني. كما أنه مع التزام معظم الناس منازلهم ازداد شراؤهم لألعاب الفيديو بدرجة كبيرة، وفي عام 2020 حقق القطاع نمواً بنسبة تزيد على 20% وبلغت إيراداته 280 مليار دولار.

قطاع ألعاب الفيديو

وبذلك يكاد يكون قطاع ألعاب الفيديو حالة اختبار مثالية لمدى نجاح القوة العاملة الموزعة بالكامل. لو كان موظفو المعرفة أكثر إنتاجية في العمل عن بُعد كما افترض البعض لشهد قطاع تطوير ألعاب الفيديو تسارعاً كبيراً بحلول عام 2021، وأصبح نموذجاً تحتذي به الشركات التي تفكر في التخلص تماماً من أصول المقارّ المكتبية المادية والاعتماد بصورة كاملة على العمل عن بُعد والعمل الهجين. ولكان من الممكن على وجه الخصوص توقع إطلاق الألعاب في مواعيدها المحددة وتناقص شكاوى المطورين بشأن الصعوبات التي يواجهونها في عملية التطوير في تصريحاتهم العلنية.

لكن لم يحدث ذلك.

بل واجه كثير من هذه الشركات صعوبات كبيرة؛ عانى ثلث المطورين من حالات تأخير مرتبطة بالجائحة، بحسب الدراسة الاستقصائية التي أجراها مؤتمر مطوري الألعاب في شهر أغسطس/آب الماضي بعنوان “تقرير حالة قطاع الألعاب لعام 2020: نسخة خاصة بالعمل من المنزل“، وفي دراسة استقصائية أحدث أصدرها مؤتمر مطوري الألعاب في شهر أبريل/نيسان، تبين أن 44% من المطورين أبلغوا عن حالات تأخير. أرجع المشاركون في استطلاع عام 2020 حالات التأخير هذه إلى عوامل خارجية، مثل الانتقال الصعب إلى العمل من المنزل في المؤسسات الشريكة وغيرها من تباطؤ الأعمال بسبب الجائحة، إلى جانب المشكلات الداخلية أيضاً، مثل صعوبة حلّ المشكلات الظرفيّة من دون الحضور إلى نفس المساحة المادية. كما اشتكت الشركات أيضاً من مواجهة صعوبة في تسجيل التعليقات الصوتية والضغط المتزايد على الخوادم وتأخير الشحن. ونتيجة لذلك، وصل التأخير في إصدار بعض الألعاب التي برزت أسماؤها في شاشات العرض وتم الترويج لها على أنها تنافس على لقب “لعبة العام” إلى أسابيع أو حتى أشهر، وكلف الشركات في بعض الحالات ما يصل إلى مليون دولار في اليوم.

يمكن أن يُعزى بعض هذا إلى الاحتراق الوظيفي ومسؤوليات تقديم الرعاية الإضافية والضغط العام الناتج عن الجائحة، ولكن هذا لا يخبرنا القصة كاملة. توصلنا إلى أن شركات ألعاب الفيديو التي انتقلت إلى نموذج العمل عن بُعد شهدت تأخيرات واضطرابات كثيرة كالتي يمكن أن تستمر بصورة أساسية في أثناء العمل من المقرّ المكتبي، ويجب على القطاعات الأخرى الانتباه للصعوبات المحددة التي واجهها قطاع ألعاب الفيديو في أثناء الانتقال إلى نموذج العمل عن بعد. فكما هو الحال في قطاعات أخرى عمل مطورو الألعاب عدد ساعات أكبر في أثناء الجائحة، لكن كان هذا الجهد الفردي الكثيف يفشل غالباً في تحقيق تقدم، وعلى الرغم من تحقيق بعض النتائج قصيرة الأمد على شكل دفعات فقد تعثرت نسبة كبيرة من الابتكارات والمشاريع المرحلية المهمة. لم تكن هذه حالات فشل موظفين أفراد، بل كانت فشل الأدوات والإجراءات التي يستخدمونها ونستخدمها جميعاً في العمل التعاوني.

ومن أجل فهم ما حدث في قطاع ألعاب الفيديو بدقة وإلقاء نظرة معمقة في طرق تفادي الأخطاء المماثلة، عملنا على جمع البيانات من مصدرين. المصدر الأول هو نصوص مكالمات الأرباح في 25 من أكبر شركات تطوير ألعاب الفيديو في العالم تعود بتاريخها إلى الربع الأول من عام 2019. قمنا بترميز هذه النصوص للإشارة إلى حالات تأخير الإصدار والصعوبات التي تواجهها عملية التطوير في كل مكالمة للمقارنة بين ما قبل الجائحة وما بعدها. والمصدر الثاني هو مجموعة بيانات نموذجية من بيانات العمل التعاوني في شركات من مجموعة “غلوبال فورتشن 1000” العالمية التي يشكل موظفو المعلومات الغالبية العظمى من قوتها العاملة. وقمنا على وجه التحديد بجمع البيانات الوصفية من البريد الإلكتروني وجداول المواعيد والمحادثات على مدى فترة تتجاوز العام من أكثر من 12 شركة، وتجاوز مجموع البيانات 20 مليار حادثة تواصل. أتاحت لنا مجموعة البيانات هذه معرفة كيف تغيرت طرق العمل التعاوني في الشركات التي تتماثل آليات العمل فيها مع آليات العمل بشركات ألعاب الفيديو خلال الجائحة.

ويتعين على الشركات أن تفكر في النتائج عند تقييمها لخطواتها التالية إذا كانت تحاول تحديد شكل العمل في المقارّ المكتبية عند العودة إليها، أو اتخاذ القرار بالعودة أو عدمها.

الرقابة عن بُعد

لدينا عدة أسباب تجعل قطاع ألعاب الفيديو مناسباً لقياس آثار الانتقال إلى العمل عن بُعد. أولاً، يعلن القطاع عن تواريخ إصدار المنتجات الرئيسية وهو ملزم بها (أسلوب يهدف إلى الحدّ من المنافسة مع الألعاب المماثلة التي يمكن أن تضعف الطلب بشدة). من ناحية أخرى يقدم القطاع حالات اختبار متجاورة؛ لم تنتقل شركات ألعاب الفيديو جميعها إلى نموذج العمل من المنزل، إذ احتفظت عدة مؤسسات في كوريا واليابان تحديداً بنموذج العمل في المقرّ المكتبي بصورة أساسية حتى بداية عام 2021، وهذه المؤسسات كان أداؤها من ناحية الصحة العامة أفضل نسبياً من أداء نظيراتها الأميركية والأوروبية. لذلك يمكننا إلى حدّ ما مراقبة تأثيرات السوق من خلال دراسة الشركات التي لم تعتمد نموذج العمل عن بُعد في نفس القطاع.

لاحظنا فرقاً شاسعاً؛ إذ أبلغت شركات ألعاب الفيديو العامة التي انتقلت إلى نموذج العمل عن بُعد عن حالات تأخير أكثر بمقدار 4.4 مرات مقارنة بما قبل الجائحة. وفي المقابل، أبلغت شركات ألعاب الفيديو التي لم تنتقل إلى العمل عن بُعد عن حالات تأخير تساوي نصف حالات التأخير التي شهدتها قبل الجائحة. لئلا نفسر ذلك في ضوء التأثير الإقليمي، فإن شركة “بانداي نامكو” (Bandai Namco)، التي يقع مقرها الرئيسي في اليابان والتي انتقلت بسرعة إلى نموذج العمل عن بُعد، أبلغت عن حالات تأخير تساوي 6 أضعاف التأخير الذي شهدته قبل الجائحة. وفي نفس الوقت، أبلغت شركة “نينتندو” (Nintendo) التي يقع مقرها الرئيسي في اليابان أيضاً ولكنها استمرت بالعمل من المقارّ المكتبية حتى بداية عام 2021، عن عدد حالات تأخير وصعوبات في عمليات التطوير أقل بمعدل النصف مقارنة بما قبل الجائحة.

ثمة حالات شهدت تأخيراً كبيراً عن موعد الإصدار؛ خذ، مثلاً، شركة “هالو إنفينيت” (Halo Infinite)، التي كان من المفترض أن تحفز مبيعات الجيل الجديد من وحدات تحكم لعبة “إكس بوكس” (Xbox)، فقد تأخرت بنحو عام. (وقد يكون التأخير أكبر من ذلك). لولا أزمة أشباه الموصلات التي فرضت ضغوطاً على تصنيع وحدات التحكم لشكلت خسائر هذا التأخير كارثة أكبر من الإنفاق على عملية تطوير المنتج لعام آخر. بما أن جزءاً من الإصدارات الرئيسية التي تمت في الفترة التي امتدت من عام 2020 إلى بداية عام 2021 تم تطويرها قبل الجائحة، لم يعد لدى المطورين ألعاباً جديدة للبيع، ويبدو الجدول الزمني لإصدارات عام 2021 فارغاً مقارنة بالأعوام السابقة، ما يعني أننا لم نشعر بعد بالتأثير الكامل لهذه التأخيرات والصعوبات التي تواجه عملية التطوير.

عند البحث عن الأسباب يمكننا أخذ إشارات من بعض الاقتباسات من التصريحات العلنية للمطورين التي تحدثوا فيها عن هذه التحديات.

خذ منتج ألعاب الفيديو في شركة “سكوير إنيكس” (Square Enix)، ناوكي يوشيدا، مثلاً، يقول:

أنا واثق أن الجميع أدركوا أن العمل من المنزل يساعد على إنجاز العمل إلى حدّ ما، لكننا شهدنا خسائر محددة في التواصل الدقيق جداً والمفصل. خذ، مثلاً، عندما كنت تجلس أمام جهاز الكمبيوتر محاطاً بزملائك في الفريق، ويقوم أحد المبرمجين باستدعاء أفراد فريقه قائلاً: “هل يمكنكم الحضور وإلقاء نظرة على شاشتي ورؤية هذا الأمر؟”. لا يمكنك فعل ذلك وأنت تعمل من المنزل.

أبلغ دانييل ساسمان من شركة “هارمونيكس” (Harmonix) عن مشكلات مشابهة، يقول:

تسبب العمل عن بُعد في نشوء صعوبة كبيرة في العمل التعاوني المباشر بين أفراد الفريق، علماً أن هذا التعاون هو جزء مهم من صناعة الألعاب. اعتادت شركة “هارمونيكس” تصميم الألعاب وبنائها باستخدام عملية تكرارية، ونتبع عملية لتقديم المراجعات الاجتماعية على عملية البناء حيث يتفاعل أفراد الفريق مع النماذج الأولية أو الميزات الجديدة أو الرسوم الجديدة أو أي شيء آخر. وقد أدى الانتقال إلى العمل عن بعد إلى جعل هذا الجانب من عملنا صعباً.

ويتمتع الاقتباس التالي عن تشاد غرينير من شركة “ريسبون إنترتينمنت” (Respawn Entertainment) بأهمية كبيرة، إذ قال:

بصرف النظر عن الصعوبات التقنية فثمة عقبة في وجه الإبداع، إذ فقدنا المحادثات مع الزملاء في الردهة، وفقدنا الموظفين الذين يجلسون على الأريكة ويناقشون أمراً لمدة ساعة أو اثنتين، وفاتتنا الحوارات التي نخوضها مع الرفاق في وقت الغداء، فقد يختفي كل ذلك ويصبح بنوداً على جدول المواعيد بدلاً من أن يحدث بشكل طبيعي.

تؤكد هذه العبارات أحد الأسباب المحتملة لحالات التأخير؛ تناقص المحادثات غير الرسمية والعفوية التي تؤدي إلى التبادل الضمني للمعرفة والأفكار الجديدة والإبداعية. (تعكس بيانات مكالمات الأرباح وجهة النظر هذه أيضاً ولكن ليس بهذا الإيجاز.). تدعم بيانات التعاون التي جمعتها شركة “هيومانايز” (Humanyze) لتحليلات مكان العمل التي أسسها أحد مؤلفي هذا المقال وجهة النظر التي تقدمها هذه القصص. على وجه التحديد، لاحظت شركة “هيومانايز” تراجعاً بنسبة 21% في الروابط الضعيفة بالشبكات المؤسسية ضمن الشركات التي انتقلت إلى نموذج العمل عن بُعد، والتي يتم تعريفها هنا على أنها روابط تمثل تواصلاً فردياً يستمر ما بين 5 إلى 15 دقيقة أسبوعياً (عن طريق البريد الإلكتروني والدردشة والاجتماعات).

أشارت الأبحاث التي استمرت عقوداً من الزمن إلى أهمية هذه الروابط الضعيفة بالنسبة للإبداع والابتكار اللذين يتمتعان بأهمية كبيرة للإنجازات قصيرة الأمد ضمن المشاريع الكبيرة في شركات ألعاب الفيديو. من المرجح أن تؤدي العلاقات الضعيفة إلى الوصل بين الموظفين في فرق مختلفة لا تعمل معاً بانتظام، وفي غياب التواصل بين هذه الفرق يزداد احتمال حدوث تأخير في عملية التطوير. يحدث ذلك غالباً بسبب عدم اكتمال مواصفات العمل التعاوني وعملياته الرسمية التي تنشئها الفرق لتتمكن من القيام به من دون أن تتواصل فيما بينها على نحو مباشر، ما يؤدي إلى حدوث الأخطاء.

لكن لم تكن التغييرات التي رأيناها في أنماط العمل التعاوني كلها سيئة. مثلاً، كان الموظفون قادرين على التواصل مع أشخاص في مستويات مختلفة من التسلسل الهرمي في بيئة العمل عن بُعد أكثر بنسبة 24% في غياب الإشارات الاجتماعية التي تعيق العمل التعاوني والتي تكون حاضرة داخل المقرّ المكتبي، كالمكاتب الخاصة والطوابق المخصصة للمناصب التنفيذية مثلاً. كما قضى الموظفون وقتاً أكبر بنسبة 16% مع من تربطهم بهم علاقات قوية (أي الذين يتواصلون معهم بصورة فردية لمدة تزيد على ساعة أسبوعياً)، أي إن كثيراً من الموظفين حددوا مسبقاً مواعيد لعقد اجتماعات والتواصل مع أهم المتعاونين معهم. يعد قضاء وقت أكبر مع هؤلاء المتعاونين المقربين ضرورياً للأداء على المدى المنظور، كما أنه قادر على تحسين مشاركة الموظفين عن طريق بناء علاقات أقوى بينهم.  لكن يمكن أن تؤدي هذه العلاقات إلى نتائج عكسية بالنسبة للابتكار إذ يتزايد تجمّع الموظفين في مجموعات أصغر منعزلة ومترابطة على نحو وثيق ومعرضة للانجراف في التفكير الجماعي.

كل هذا يؤدي إلى قصة نجاح فردي وفشل مؤسسي. عموماً، يبدو أن الموظفين تعمدوا التعاون على نحو فعال، لكن المؤسسات لم تتمكن من خلق بيئة يزدهر فيها العمل التعاوني المهم الذي ينشأ بالمصادفة. يبدو أنه في العمل عن بُعد تؤدي الأدوات والعمليات الأساسية في العمل التعاوني إلى إعاقة إنشاء روابط ضعيفة جديدة والحفاظ على الروابط القديمة. من الصائب أن يتركز الجزء الأكبر من وعي الفرد على النتائج قصيرة الأمد، لكن من الصعب جداً دفع إدراكه الواعي إلى التركيز على الروابط الضعيفة، إذ من المحتمل أن تستغرق تأثيراتها الإيجابية طويلة الأمد شهوراً أو أعواماً كي تتضح.

وعلى الرغم من أنه بإمكان الإدارة دون شك الحدّ من هذه المشكلة باستخدام برامج مختلفة، فليس من السهل تحفيز التغيير في جزء صغير نسبياً من أسبوع العمل، لكنه للأسف ما تعتمد عليه مواجهة التحديات طويلة الأمد لنموذج العمل عن بُعد بدرجة كبيرة. وستؤكد البيانات الناتجة من شركات ألعاب الفيديو أن عدم إجراء هذه التغييرات يحمّل الشركات تكاليف حقيقية ستتضح أكثر مع مرور الوقت.

تحديثات استراتيجية

يتعين على الشركات فهم هذه المخاطر والعمل على إعداد استراتيجيات للتخفيف منها في الوقت الذي تعمل فيه على تطوير استراتيجية مكان العمل طويلة الأمد.

أولاً، يجب أن يدرك القادة أن غالبية المؤسسات لن تكون قادرة على اتباع نهج موحد للعمل عن بُعد. ما الذي يميز الفرق التي كان العمل التعاوني فيما بينها فعالاً؟ لطبيعة العمل أهميتها؛ إذ تختلف الاحتياجات والعادات بين مطوري ألعاب الفيديو وفرق التسويق المسؤولة عن الترويج للألعاب المنتهية على سبيل المثال. هل يمكنك تطبيق أفضل الممارسات المتبعة في الفرق التي أنشأت روابط ضعيفة وحافظت عليها ضمن الفرق الأخرى في شركتك؟

ثانياً، يتعين على الشركات الاستمرار بتعزيز إنشاء الروابط الضعيفة لأجل صحة الشركة على المدى الطويل سواء كان الموظفون يعملون عن بُعد أو في موقع مشترك. يجب أن تفكر الشركات في إنشاء فريق له مهمة وحيدة تتمثل في إنشاء العلاقات الضعيفة والحفاظ عليها عن طريق الفعاليات واستراتيجيات مكان العمل وما شابه. توصلت شركة “هيومانايز” من خلال بيانات عدد من المؤسسات إلى أنه يتعين على الشركات الاستمرار بتجديد مبادرات مثل فعاليات “الساعة السعيدة” الافتراضية لأن تأثيرها على إنشاء الروابط الضعيفة قصير الأمد. إذا كان الموظفون يعملون في المقرّ المكتبي، فمن الضروري الحرص على حضور موظفين من فرق مختلفة في نفس الأيام ضماناً لوقوع أكبر قدر من التفاعلات العفوية بينهم، ويستدعي ذلك تحديد الأيام التي يجب أن يحضر الموظفون فيها إلى المقرّ المكتبي بدلاً من ترك الخيار كله لهم.

تنطوي هذه الاستراتيجيات على بعض المخاطر، فمن المؤكد أن توقعات الموظفين بشأن مكان عملهم قد تغيرت، وباتوا يتوقعون مرونة أكبر من أي وقت مضى. لذلك من المرجح أن تخسر الشركات موظفيها إذا حاولت إجبارهم على العودة إلى العمل التعاوني الشخصي ضمن المقرّ المكتبي، وقد تتفوق هذه الخسارة على الفوائد التي تعود بها الروابط الضعيفة على الشركة. لكن يمكن الحدّ من هذه الآثار السلبية بإظهار البيانات الموثقة حول الآثار السلبية الكلية للعمل عن بُعد التي يصعب، بل يستحيل، على الأفراد ملاحظتها.

أخيراً، يجب أن تكون الشركات سريعة الحركة في استراتيجيتها. فالعمل التعاوني يحتاج إلى التغيير المستمر، وبالتالي يجب أن تتغير استراتيجية مكان العمل باستمرار أيضاً. سيتعين على بعض الفرق التركيز بدرجة أكبر على إنشاء الروابط الضعيفة وبذلك سيضطر أفرادها إلى قضاء وقت أكبر في المقرّ المكتبي، وقد يحتاج هؤلاء الأفراد لاحقاً إلى وقت أكبر للتركيز في أعمال فردية ضمن فرقهم ما قد يضطرهم للعمل عن بُعد بدرجة أكبر في الربع السنوي التالي.

أظهر الموظفون مرونة كبيرة في أثناء الجائحة وتمكنوا من التكيّف مع تغيرات مكان العمل بسرعة ملحوظة. وأثبتوا أنهم لا يحتاجون إلى عملية طويلة لإدارة التغيير ليتمكنوا من تغيير طرق عملهم على نحو فعال، ويجب أن تكون الشركات واثقة أنهم سيعملون بأكبر قدر ممكن من الفعالية في ظروف العمل الجديدة. تتمثل مهمة المؤسسات في ضمان أن تكون بنية العمل التعاوني التنظيمية فعالة قدر الإمكان، وبتوجيه الموظفين نحو طرق العمل الجديدة وتبنيها مع مرور الوقت يمكننا تفادي مزالق العمل عن بُعد مع جني فوائدها في آن معاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .