6 استراتيجيات للتحرر من ثقافة العمل “من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً”

10 دقائق
العمل غير المتزامن
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يُنبِئ مستقبل العمل بازدياد الاعتماد على طرق العمل غير المتزامن التي ثبت أنها تحقق الكثير من المزايا لكلٍّ من الموظفين والمؤسسات. وتستعرض مؤلفة المقالة 6 استراتيجيات تسهم في التحرر من ثقافة العمل التقليدية “من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً”، وتجعلها عملية أكثر سلاسة وإنتاجية: 1) ابدأ من القمة. 2) ركّز على النتائج. 3) وضّح الأعمال التي يجب أداؤها بالتزامن. 4) تحدَّ القواعد والافتراضات الحالية. 5) اعقد اتفاقيات واضحة واغرس روح تحمّل المسؤولية لدى الجميع. 6) راقب الشمول.

أدركت مؤسسات كثيرة خلال العام الماضي أن العمل عن بُعد يحقق مزايا عديدة، إذ قال 83% من أصحاب العمل الذين شملهم استقصاء للرأي إن التحول إلى العمل عن بُعد لاقى نجاحاً ملموساً في شركاتهم، وفقاً لدراسة أجرتها شركة “بي دبليو سي” (PwC). بالإضافة إلى ذلك، يرغب 54% من الموظفين في مواصلة العمل عن بُعد عقب انتهاء الجائحة. والآن بعد أن بات من الواضح أن مكان إنجاز العمل ليس بالأهمية التي كان يظنها الكثيرون في السابق، فإن البعد الآخر للمرونة الذي يتوق إليه الموظفون هو حرية تحديد موعد انتهاء العمل. فقد توصلت دراسة أجرتها شركة “إنترناشونال ووركبليس غروب” (International Workplace Group)، عام 2019، إلى أن 80% من الموظفين سيرفضون الوظائف التي تفتقر جداول مواعيدها إلى المرونة الكافية، وسيفضلون عليها الوظائف الأخرى التي تتوافر فيها هذه المرونة، وذكر 76% من الموظفين أنهم سيفكرون في البقاء لدى صاحب العمل الحالي إذا استطاعوا الحصول على المرونة في مواعيد العمل.

ووفقاً لـ “تقرير اتجاهات العمل” (Work Trend Report)، الصادر عن مايكروسوفت“، فإن ثقافة يوم العمل الذي يبدأ في التاسعة صباحاً وينتهي في الخامسة مساءً تتلاشى شيئاً فشيئاً، بعد أن أتاح التوسّع في تنفيذ استراتيجية العمل عن بُعد إمكانية التحلي بمزيد من المرونة في تحديد مواعيد العمل. فقد تزايد إقبال الموظفين على العمل غير المتزامن، وصاروا يؤدون المهمات الموكلة إليهم، وفقاً لجداول مواعيدهم، التي قد تختلف عن تلك الخاصة بزملائهم ويعد العمل غير المتزامن ضرورياً إذا أردنا أن نصير جزءاً من الاقتصاد الرقمي الحديث، وأن نظل قادرين على مواجهة التنافس الحاد لاستقطاب المواهب وبناء قوة عمل موزعة في مختلف أنحاء العالم.

وقد قالت لي تسيدال نيلي، الأستاذة في “كلية هارفارد للأعمال” ومؤلفة كتاب “ثورة العمل عن بُعد” (Remote Work Revolution): “يتعين على الشركات التفكير بعمق في معنى أن تكون جزءاً من هيكل عمل حديث. ففكرة ثقافة العمل من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً أو الالتقاء المباشر وجهاً لوجه ليست مفيدة في الواقع للاقتصاد المتقدم رقمياً”. وسلطت الضوء على أن ثقافة الالتقاء وجهاً لوجه تعني الحاجة إلى مراقبة الموظفين أو رؤيتهم من أجل الشعور بأن العمل يسير على ما يُرام. لكن هذه الفرضية بأن الإنتاجية تستلزم رؤية الموظفين وهم يؤدون العمل ليست فرضية معوقة فحسب، بل مغلوطة أيضاً، حيث يتزايد الإقبال على استخدام التكنولوجيا والأتمتة لإنجاز العمل ولا يمكن مراقبتهما بطبيعتهما. وتضيف أن العمل غير المتزامن هو “عقلية جديدة تماماً تتوافق مع الاقتصاد الرقمي”. (بالمناسبة، لم نستطع أنا والأستاذة نيلي العثور على وقت لإجراء اتصال مباشر ومناقشة هذه المقالة، لذلك تواصلنا بشكل غير متزامن).

وبالمثل، قال جاي دابريل، نائب الرئيس التنفيذي في شركة “سلايتون سيرش بارتنرز” (Slayton Search Partners)، المتخصصة في البحث التنفيذي، عن العمل غير المتزامن: “إنه الطريقة التي ستسير بها الأمور في المستقبل، وأعتقد أن الشركات التي لا تقبل هذه الحقيقة ستكون في وضع سيئ للغاية في التنافس الحاد لاستقطاب المواهب؛ لأن الموظفين لديهم خيارات أخرى ويبحثون عن العمل بهذه الطريقة. لقد انتهت حرب التنافس الحاد لاستقطاب المواهب بانتصار الموهبة”. يعمل دابريل وفريقه أيضاً بشكل غير متزامن. وهو ما أوضحه مفتخراً: “أثق فيمن يعملون معي. ليس عليهم أن يخبروني بموعد حضورهم وانصرافهم. فأنا أثق فيهم وفي قدرتهم على إنجاز العمل… وإذا كنت بحاجة إليهم، يمكنني دائماً إرسال رسائل نصية إليهم. وهم مَنْ يضعون جداول مواعيدهم بأنفسهم. وبالنسبة لي، فإنني أبدأ مزاولة مهمات عملي في الخامسة صباحاً، لكنني لا أتوقع منهم ذلك”.

وعلّق مايكل مونتانو، رئيس الشؤون الهندسية في “تويتر”، على هذه المسألة قائلاً: “نلاحظ تنامي هذا النوع من الطلب بين موظفينا وتوقعاتهم بالحصول على مزيد من المرونة وحرية اختيار كيفية أداء عملهم ومكانه وزمانه. علاوة على ذلك، فإننا بصدد بناء قوة عمل موزعة في مختلف أنحاء العالم، ومن هنا فإننا نرى ضرورة العمل غير المتزامن. وأعتقد أن الطريقة التي نتبنى بها هذه المنهجية تتم من خلال مزيج من الأدوات والتكنولوجيا، ومن خلال ثقافة العمل أيضاً”.

إذاً، كيف تحول المؤسسة ثقافتها للتخلي عن الطريقة التقليدية للعمل “من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً” والانتقال إلى طريقة العمل غير المتزامن؟ إليك عدة استراتيجيات يجب اتباعها:

ابدأ من القمة

سواء كنت تتطلع إلى التحول إلى إحدى طرق العمل غير المتزامن على مستوى الفريق أو القسم أو الشركة بأكملها، يجب أن تبدأ من قيادة الكيان المستهدف. إذ لا يستلزم الأمر موافقة القيادة العليا فحسب، بل لا بد أيضاً أن يكون هؤلاء القادة مثلاً أعلى وقدوة يُحتذى بها في العمل غير المتزامن. يقول مايكل مونتانو، رئيس الشؤون الهندسية في “تويتر”: “أعتقد أن جاك [دورسي] كان يعرف ما يفعل هو وباقي أعضاء الفريق القيادي حينما فكروا في كيفية تبني هذا الاتجاه، مدركين أن خدمة عملائنا في جميع أنحاء العالم تستلزم بناء قوة عمل موزعة في مختلف أنحاء العالم، ومدركين أيضاً أن أفضل المواهب تتوقع هذه المرونة في اختيار طريقة عملها. ومن هذا المنطلق بدأنا تصميم نموذج يتوافق مع هذه الاستراتيجية، وشرعنا في تجربته بأنفسنا. وطبقنا هذا المنهج على فريقنا القيادي وعلى فريق قيادة الشؤون الهندسية أيضاً”.

وعلى العكس من ذلك، فإن نقص الدعم من القمة يمكن أن يعوق هذا التحول الثقافي أو يقضي عليه تماماً. وفي كتابهما “الحمل الزائد” (Overload)، سجّلت الأستاذتان إيرين كيلي وفيليس موين نتائج تجربة إعادة تصميم العمل ثنائي الأجندة تسمى “ستار” (STAR) (اختصاراً لـ”الدعم” (Support)، “التحول” (Transform)، “الإنجاز” (Achieve)، “النتائج” (Results)) في قسم كانتا تديرانه بإحدى شركات تكنولوجيا المعلومات وبالتعاون مع جودي طمسون وكالي ريسلر من شركة “كالتشر آر إكس” (Culture Rx) اللتين ابتكرتا استراتيجية “بيئة عمل تركّز على النتائج فقط” (ROWE). وقد تم تصميم تجربة “ستار” لتحقيق النفع لكلٍّ من المؤسسة والموظفين المشاركين. فتم منح الموظفين حرية تحديد أسلوب أدائهم للعمل المكلفين به ومكانه وزمانه. وشهدوا خلال 6 أشهر تحقيق نتائج مبهرة في عدد من الجوانب الرئيسية، مثل تقليل الاحتراق الوظيفي، وزيادة الرضا الوظيفي، وزيادة الاندماج واستبقاء الموظفين، دون أي تأثير سلبي على الإنتاجية. ومع ذلك، فقد تم الاستحواذ على شركة تكنولوجيا المعلومات في وقت لاحق، وكانت الإدارة الجديدة تنتمي إلى “المدارس القديمة”، فأعادت فرض جدول عمل أكثر صرامة يبدأ من التاسعة صباحاً وينتهي في الخامسة مساءً، كما أعادت سياسة العمل في المقرات المكتبية، ما أدى في النهاية إلى إيقاف مبادرة “ستار”.

ركّز على النتائج

عند تحديد الأهداف والنتائج بوضوح، فإن هذا سيسمح للموظفين الذين يعملون بشكل غير متزامن بالتركيز على النتائج المرجوة دون الالتفات إلى زمان ومكان العمل وطريقة إنجازه. كانت إلين تافي، أستاذة القيادة في كلية “كيلوغ للإدارة” بجامعة “نورث وسترن”، تتولى رئاسة شركة متخصصة في تطوير أبحاث المنتجات وأبحاث العلامات التجارية، تسمى الآن “رافيل” (Ravel)، عندما استعانت بشركة “كالتشر آر إكس” لمساعدتها على التحول إلى شركة تطبّق استراتيجية “بيئة عمل تركّز على النتائج فقط”. وهو ما علّقت عليه بقولها: “كان هذا التحول يعني الانتقال من ثقافة (إليك كل العمل الذي يتعين أداؤه) إلى ثقافة (إليك النتائج التي نريد تحقيقها). ومن ثم فقد أصبحت الشركة قائمة على النتائج، وهو ما ساعدنا على تحقيق مردود أفضل. ونلاحظ أن الموظفين ينشغلون في الكثير من الشركات بأداء العمل دون وضوح النتيجة المنشودة وكيف سيستخدمها العملاء، وهو ما ساعدنا على أن نكون مركزين للغاية”.

وبالمثل، فإن التركيز على النتائج سيمكّن الموظفين من العمل بطريقة أكثر كفاءة واتساقاً وسيصبحون أكثر تمكيناً. وهو ما علّق عليه مايكل مونتانو، رئيس الشؤون الهندسية في “تويتر”، قائلاً: “إن أحد أهم العوامل التي تسهم في نجاح ثقافة العمل غير المتزامن يتمثل في تعزيز قدرتك على توضيح غرض الشركة وأهدافها. فكيف تعمّم هذه الاستراتيجية بحيث تصل إلى كافة المستويات دون الاعتماد على مركزية القيادة، وبحيث تجني مزايا الفرق التي تعمل عن بُعد، وتستطيع التنسيق فيما بينها، وتدرك الجوانب المهمة في الأعمال المطلوبة، ثم تفيها حقها وتركز بقوة على الاستفادة من إبداعاتها دون تضييع وقت أفرادها في محاولة تحقيق كل ذلك في الاجتماعات؟”.

وضّح الأعمال التي يجب أداؤها بالتزامن

حاول التمييز بين المهمات والأنشطة التي يُفضَّل أن يتم أداؤها بالتزامن. تتمثل هذه المهمات والأنشطة في أشياء، مثل الاجتماعات الاستهلالية لتحديد الأدوار والمسؤوليات والتوقعات والمواعيد النهائية، بالإضافة إلى اجتماعات العملاء (وربما الإعداد لهذه الاجتماعات). ونعاني في شركتي المتخصصة في تطوير القدرات القيادية ضيق الوقت المتاح لعمل الشركاء معاً، لذا، فإننا نحتفظ باجتماعات الشركاء للمواضيع التي تتطلب مزيداً من المناقشات والتحليلات المتعمقة أو تتضمن اتخاذ قرارات مصيرية. ويتم نشر أي شيء لا يقع ضمن هذه الفئات، مثل تحديثات الحالة أو الأسئلة المباشرة حول مواضيع مختلفة.. إلخ، على قناة “سلاك” بحيث يستطيع الآخرون قراءتها والرد عليها في الوقت الذي يناسبهم.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أيضاً استخدام قنوات البث المباشر في تنفيذ الأنشطة التي تتطلب لمسة إنسانية عالية، مثل عقد جلسات ثنائية، وتقديم الدورات التدريبية والتقييمات والتوجيه للآخرين، بالإضافة إلى بعض أنشطة إعداد الموظفين الجدد. وفي ظل عمل 65% من الموظفين عن بُعد وشعورهم في الوقت الحالي بأنهم أقل ارتباطاً بزملائهم، لا بد من مراعاة التزامن في جداول مواعيد الأنشطة الأساسية، مثل بناء الفريق.

تحدَّ القواعد والافتراضات الحالية

تحفل ثقافة العمل بالقواعد غير المكتوبة والافتراضات غير المدروسة حول مكان وزمان العمل وأسلوب إنجازه، دون التشكيك فيها غالباً. قد يكون الموظفون الجدد الذين لم يتشرّبوا بعد ثقافة المؤسسة بالكامل أكثر قدرة من زملائهم القدامى على ملاحظة هذه الأمور بسهولة وتوضيحها لباقي أعضاء الفريق. وبالمثل، يمكن الاستعانة بميسّر خارجي لكي يساعد الفريق على طرح هذه القواعد والافتراضات وتوضيحها وتحديها حتى يتخلى عنها الفريق. ويُوصَى بهذا الإجراء لأن قائد الفريق يشكل جزءاً أساسياً من النظام الحالي وقد يصعب عليه التشكيك في عناصر الوضع الراهن، حتى لو كان يدعم العمل غير المتزامن.

قد تتضمن هذه القواعد غير المكتوبة المُهلة الزمنية المنطقية للرد، والموضوعات التي تتطلب عقد اجتماع، والمدة القياسية للاجتماعات، وكيفية إدارة هذه الاجتماعات، والمدة التي يستغرقها الموظفون لتناول طعام الغداء (أو إذا كانوا يتناولون الغداء من الأساس)، وموعد جلوس الموظفين على مكاتبهم لمزاولة العمل، ومدى توافر الموظف بعد مواعيد العمل الرسمية.. إلخ. وتتمثل افتراضاتنا غير المدروسة غالباً في كيفية صنع معنى لما يحدث عندما تتعارض سلوكيات الموظفين مع هذه المعايير. على سبيل المثال: “إذا لم أتمكن من رؤيتك تعمل، فهذا يعني أنك لا تعمل بكل تأكيد”، أو “إذا وقّعت الخروج من العمل في الثالثة عصراً، فسأخذل الآخرين إذا احتاج أحدهم إلى شيء ما”، “إنها تعمل لساعات طويلة، لذلك لابد أنها تنجز الكثير”، أو “إنه لا يستجيب بالسرعة التي أريدها، لذلك لابد أنه غير مجتهد في أداء عمله”.

تقول تافي عن شركتها السابقة: “كانت هناك توقعات محددة لمواعيد وصول الموظفين إلى مقر العمل. وبصراحة، كان علينا أن نتعلم العمل غير المتزامن لأنه كان صعباً. وحتى أولئك الذين كانوا من أشد المؤيدين لهذه الاستراتيجية اضطروا إلى التخلي عن أشياء معينة. وما زلت أتذكر الشعور بالذنب حيال القيام بشيء ما في منتصف اليوم، على الرغم من إنجازي لعملي”.

اِعقد اتفاقيات واضحة واغرس روح تحمّل المسؤولية لدى الجميع

عند مناقشة طرق العمل الجديدة، يمكن لأعضاء الفريق وضع تصور معين لكيفية تنظيم وقتهم كيفما يشاؤون ما داموا يواصلون إنجاز الأعمال المسندة إليهم. ويختلف هذا الأمر من شخص لآخر في أغلب الأحوال. فاحرص على تحديد مسؤوليات كل موظف في مختلف مسارات العمل واحتياجات أصحاب المصلحة. كيف سيتم النهوض بهذه المسؤوليات وتلبية هذه الاحتياجات؟ اِعقد اتفاقيات واضحة حول العديد من العناصر، مثل استخدام التقنيات المختلفة، ومواعيد إيقاف تشغيل هذه التقنيات، والمواعيد المنطقية للرد، وكيفية التعامل مع القضايا العاجلة.. إلخ. واعقد اتفاقيات أيضاً حول الطرق الجديدة لأسلوب التعامل، كأن تقول مثلاً: “نحن لا نحكم على اجتهاد بعضنا من خلال مواعيد الرد”. تقول كيلي: “لديّ متعاونة مقرَّبة ترفض عقد أي اجتماعات من الرابعة عصراً إلى الخامسة مساءً يومياً، وكانت ترد على أسئلتي دائماً. لكنها ترد بين الرابعة عصراً إلى الخامسة مساءً. في الواقع، من النادر أن يكون هناك شيء مُلّح لدرجة أن أحتاج إليها قبل هذه الساعة من الرابعة إلى الخامسة مساءً. كنت أعرف كيفية الوصول إليها إذا احتجت إليها، لكنها كانت تهتم بعملها وتبذل فيه كل جهدها في الساعات الأخرى”.

لا بد أيضاً من تحميل الموظفين مسؤولية تنفيذ هذه الاتفاقيات، فهذا الأمر لا يقل أهمية عن عقد الاتفاقية نفسها. ويقتضي تحمل مسؤولية تنفيذها في هذا السياق التخلص مما تسميه طمسون وريسلر الوقوع في “الوحل”. ويتكون الوحل من كل التعليقات والأسئلة المخادعة التي تعوق التحول إلى الثقافة الجديدة، مثل: “آه، أرى أنك تحاكي ساعات عمل المصرفيين اليوم؟” أو “أين كنت في الثالثة عصراً؟ حاولت الوصول إليك”. وتوصي طمسون وريسلر بالرد على هذه الأنواع من التعليقات بعبارة بسيطة: “هل هناك شيء تحتاجه مني؟”، يؤدي هذا الأسلوب إلى إعادة تركيز المحادثة بسرعة على المهمات أو الأهداف ذات الصلة التي يتعين تحقيقها، بدلاً من التركيز على زمان ومكان العمل وطريقة إنجازه. وقد دأب الموظفون في شركة تكنولوجيا المعلومات التي عملت معها كيلي وموين على التعامل مع الوحل باستخدام أسلوب تقمّص الأدوار.

التجريب، ثم التقييم، ثم الضبط

لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار التحول إلى العمل غير المتزامن حدثاً “يتم إنجازه مرة واحدة”، بل إنه عملية تكرارية قد تحتاج إلى التعديل والصقل بمرور الوقت لإنجاح عملية التغيير. تجدر الإشارة هنا إلى أن التخوف من هذا التحول أمر طبيعي، لكن التجريب في البداية يمكن أن يسهم في كسب ولاء الموظفين الأكثر رفضاً لهذه العملية وتحويلهم إلى مؤيدين لها بمجرد أن يختبروا نتائجها الإيجابية، على الصعيدين الشخصي والمهني. ابدأ صغيراً من خلال تجربة سلوكيات جديدة ومعرفة ما يصلح وما لا يصلح والمشاعر المتولدة عنها. يمكنك، على سبيل المثال، الذهاب لشراء الطعام في الساعة 2 ظهراً، أو ابدأ يوم عملك في الساعة 11 صباحاً، أو حاول العمل في المساء فقط إذا كنت من مُحبي السهر ليلاً. سيكون هناك بعض الموظفين الذين يسهل عليهم التكيف أكثر من غيرهم. وقد أفادت تافي في معرض تعليقها على هذه المسألة بأن أحد أعضاء الفريق واجه صعوبات خاصة في التخلي عن عادة العمل “من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً”، لذلك تحداه زملاؤه في الفريق لمغادرة العمل ومشاهدة فيلم بعد الظهيرة.

وبعد شهر من تجربة العمل غير المتزامن، اجتمع فريق تافي مرة أخرى لعرض التقارير وتقييم مستوى التقدم وإجراء التعديلات اللازمة. فقالت: “عليكم أن تواصلوا العودة إلى القواعد الجديدة وتقييم حالتكم ومعرفة كيفية حل المشكلات المستعصية”. وقد تضمنت هذه القواعد توقع الإسهامات اللازمة من الآخرين والتخطيط لإدراجها بالشكل الصحيح في مشاريع معينة للمضي قدماً في باقي أجزاء العمل. وهو ما أشارت إليه بقولها: “يمكننا اكتشاف بعض الأشياء في وقت مبكر، ولكننا اكتشفنا بعضها بمرور الوقت… استغرق الأمر بعض الوقت، وبعد ذلك كان الأمر مشجعاً للغاية”.

راقب الشمول

يأتي العمل غير المتزامن مصحوباً ببعض المزايا والتحديات المرتبطة بالتنوع والإنصاف والشمول. إذ تقول نيلي عن مزاياه: “لا يمكن إغفال أهمية العمل غير المتزامن، خاصة العمل المرن، حيث يمكنكم الحصول على المواهب من أي مكان دون مطالبة الأفراد بالتحرك من مكانهم، وهو ما يسهم على نحو إيجابي في إثراء التنوع… ولدينا الكثير من خطوط الإمداد التي يمكن من خلالها تعيين الموظفين، ومن منظور الإنصاف والشمول، فإن الموظفين سيشعرون بسعادة أكبر عندما لا يتم إخراجهم من مجتمعاتهم المحلية، إذا استطاعوا البقاء هناك دون أن تقل إنتاجيتهم في مؤسساتكم”.

وسيكون القادة مطالبين بمراعاة الشمول وبذل كل جهد ممكن للحفاظ عليه. ومن هنا أردفت نيلي قائلة: “يتمثل التحدي الأكبر في التأكد من قدرتنا على تطوير عضلات الثقافة الشاملة والقيادة الشاملة في بيئة تشهد عمل قطاع كبير من موظفي الشركة الواحدة في أماكن متفرقة. فكيف نقيس الأداء إذاً، وكيف ندرب الموظفين، وكيف نضمن قدرتهم على بناء شبكات علاقات تساعدهم ليس فقط على فهم المؤسسة، بل وفهم كيفية النمو والقيادة داخل هذا النظام أيضاً؟ يجب تسهيل كل ذلك، ونحن بحاجة فقط إلى أن نكون مدراء وقادة أفضل وأكثر قدرة على تنفيذ هذه المهمة”. وحينما يتم خلق هذا الوعي وتقديم الدورات التدريبية للمدراء والقادة لتعريفهم بسبل القيادة الشاملة، فإن هذا سيسهم بكل تأكيد في إنجاح التحول إلى العمل غير المتزامن.

يُنبِئ مستقبل العمل بازدياد الاعتماد على طرق العمل غير المتزامن التي ثبت أنها تحقق الكثير من المزايا لكلٍّ من الموظفين والمؤسسات. ويساعد استخدام الاستراتيجيات المذكورة أعلاه في التحرر من ثقافة العمل التقليدية “من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً”، ويجعلها عملية أكثر سلاسة وإنتاجية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .