ملخص: إذا كنت تحب عملك فاعلم أنك محظوظ، إذ تبين التقديرات العالمية أن 13% فقط من الموظفين مندمجون في عملهم، وهو ما يسبب خسارة كبيرة في الإنتاجية. في الولايات المتحدة وحدها، يسبب الانفصال الذهني عن العمل خسارة في الاقتصاد تقرب من 500 مليار دولار سنوياً. استندت هذه التقديرات إلى حساب بسيط يقيس الاختلاف الوسطي في الإنتاجية بين الموظفين المندمجين في العمل والمنفصلين عنه، ولكن ماذا عن كيفية التعامل مع شخص منفصل ذهنياً عن العمل؟
يمكن أن يعتبر الاندماج مؤشراً شاملاً لدرجة حماس الموظف في العمل. وهذا يعني أنه من المتوقع أن يكون للمستويات المتدنية من الاندماج دور كبير في توليد الخسائر الكبيرة التي نشهدها في الإنتاجية على الصعيد العالمي. يعتبر أداء الموظف ناتجاً عن حماسه بقدر ما هو ناتج عن موهبته أو قدرته. لكن في حين أن الشركات تتقن نسبياً تعيين الموظفين بناء على مواهبهم، لا سيما عندما تعتبر المواهب مساوية للمهارات الفنية أو الخبرات السابقة، فهي عموماً أقلّ إتقاناً لتعيين الموظفين بناء على مهاراتهم الشخصية التي تشمل القدرة على تحفيز الآخرين. قد يبدو أن المرشح يتمتع بإمكانات عالية على الورق أو في مقابلة العمل، لكنه يعجز عن الوفاء بها فعلياً في العمل.
لطالما أدرك اختصاصيو علم النفس الصناعي والمؤسسي (وأنا منهم) هذه المشكلة، التي توصف بالفجوة الإشكالية بين الأداء الأقصى والأداء النموذجي لدى الموظف. فعندما يكون مستوى الاندماج مرتفعاً يكون التباين بين الأداء الأقصى والأداء النموذجي ضئيلاً، أي أن الموظف يؤدي عمله على أفضل نحو ممكن بصورة دائمة، لكن إذا كان مستوى الاندماج متدنياً، فسيندر تحقيق الأداء الأقصى (أو أفضل أداء يمكن للموظف تقديمه).
بما أن الموظفين المنفصلين عن العمل ذهنياً يمثلون 87% من القوة العاملة فليس من الممكن تجاهل هذه المشكلة أو تجنبها، وعلى الأرجح أنك في إحدى مراحل حياتك المهنية ستعمل مع شخص منفصل ذهنياً عن العمل، وستزيد احتمالات نجاحك في عملك معه إذا طورت المهارات اللازمة لتحويل نقص الحماس لديه إلى قوة منتجة.
كيفية تعزيز التعاون مع الزميل الذي فقد حماسه في العمل
فيما يلي بعض النصائح البسيطة لتعزيز قدرتك على التعاون مع زميلك المنفصل عن العمل أو الذي فقد حماسه:
ما لا يجب عليك فعله
لا تضع افتراضات حول أدائه
على الرغم من أن العلاقة بين الانفصال الذهني عن العمل والأداء متسقة وإيجابية، فهي ليست مثالية على الإطلاق. في أي مؤسسة وفي أي وقت، يكون أداء بعض الموظفين والقادة المنفصلين عن العمل ذهنياً جيداً، في حين يكون أداء أقرانهم المندمجين في العمل رديئاً. بعبارة أخرى، إذا عملت مع شخص منفصل عن العمل، فلا ضرورة لاعتبار الأمر مصيبة أو إبداء رد فعل شديد تجاهه، إذ تبين الإحصاءات أنه من المرجح أن يتسبب انفصال الموظف عن العمل بتراجع أدائه، لكن ذلك لا يعني أنه غير قادر على تقديم أداء جيد بما يكفي أو أداء عالٍ. وكما يقول المثل النرويجي: "الطقس ليس سيئاً، بل اختيارك للملابس خاطئ". وتنطبق القاعدة ذاتها على التعامل مع الموظفين، فالتوقعات السيئة هي مشكلة أكبر من الموظف السيئ.
لا تجبر أي موظف على أن يكون شخصاً آخر
تبين دراسات جديدة قائمة على التحليلات الإحصائية "التلوية" للبيانات أن المستوى المتدني من اندماج الموظف (وهي الكلمة التي تستخدمها المؤسسات للتعبير عن دافعيته وحماسه) يعكس عادة شخصيته وقيمه لا درجة حماسه. وكما يتمتع بعض الأشخاص بالسعادة أو التفاؤل على الدوام في حين يعاني آخرون من تقلب المزاج أو الكآبة أو التشاؤم، يميل بعض الموظفين بطبيعتهم إلى الانتقاد والتهكم والانفصال الذهني عن العمل أكثر من غيرهم. تظهر هذه المشاعر عادة على شكل فقدان الحماس، لا سيما إذا كان الموظف غير مهتم بالتظاهر بالسعادة. ومطالبة موظف يميل إلى الانفصال الذهني عن العمل بإظهار السعادة والحماس تشبه إجباره على أن يكون شخصاً آخر. إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع، حاول بكل جهدك أن تفكر على نحو منطقي فيما يمكن للموظف تحقيقه.
لا تتعامل بأسلوب عاطفي
العمل هو العمل، وما ينتجه الموظف هو الأهم. وهذا ينطبق على الموظف المنفصل ذهنياً، الذي سيبدي استجابة أفضل وتعاوناً أكبر إذا اتبعت أسلوباً قائماً على معاملات العمل فقط في تواصلك معه. تعامل معه على نحو رسمي وعملي وركز على المهام بدلاً من محاولة تحريك عواطفه. لا تتوقع أن تكسب مودته وتأييده، بدلاً من ذلك، أدخله في نشاطات موجهة نحو المهام التي تُجرى ضمن إجراءات البنية التنظيمية ومؤشرات الأداء الواضحة التي يتبعها.
لا تكلف الموظف المنفصل بمهام لا تدخل في مجال خبرته
الأداء هو دائماً نتيجة القدرة والحماس، وعندما يكون الحماس متدنياً يمكن للقدرة التعويض والعكس صحيح. ولهذا السبب يمكن أن يجيد الموظف المنفصل عملاً يملك المهارة أو الخبرة اللازمة لأدائه، ويمكنه أيضاً تحقيق نتائج ممتازة على الرغم من أنه يعمل على نحو تلقائي من دون حماس. لكن المشكلة الأكبر هي عندما يعمل الموظف في مجال خارج عن نطاق خبرته، في هذه الحالة لن يكون من الممكن الاعتماد على رغبته بالتعويض عن طريق بذل الطاقة أو العمل بجد أو المثابرة كي يصبح أداؤه أفضل.
ما يجب عليك فعله
استعن بالتحفيز الخارجي بدلاً من الداخلي
يصبح أداء الموظف أفضل عندما يكون لديه حافز داخلي، أي السبب الذي ينمّي لديه اهتماماً صادقاً وعميقاً بالعمل الذي يقوم به إلى درجة أنه ينغمس فيه ويعيش حالة تدفق ذهني. لكن بالنسبة لمعظم الموظفين يكون ذلك استثناءً وليس قاعدة. قد لا يحتاج الموظف المندمج في العمل بدرجة كبيرة إلى سبب يحفزه ليقدم أفضل أداء ممكن، وهو يبذل أقصى جهده حتى وإن لم تبذل كثيراً من الوقت في تحفيزه. في حين يفضل الموظف المنفصل انتظار تعليماتك ويحتاج إلى تحفيز خارجي، وهذا يعني أن عليك اتباع أسلوب الترغيب والترهيب والحرص على توضيح السبب الذي يستدعي من الموظف بذل جهد في المهمة التي يعمل عليها.
ركز على ما يثمنه
يتعلق الاندماج إلى حدّ كبير بحضورك الذاتي الكامل إلى العمل وفق المفهوم الذي وضعه "ويليام كان" منذ 30 عاماً، عندما ساوى بين مستوى الاندماج العالي والحالة النفسية التي تتميز بضيق المسافة بين ذات الإنسان وشخصيته في العمل. وهذا يفسر سبب انفصال الموظف ذهنياً عن العمل عندما لا تتطابق معتقداته وقيمه مع معتقدات صاحب العمل وقيمه.
لكن هذا لا يعني أنه لا يمكنك رفع مستوى اندماجه. في الحقيقة، يتمثل دورك الرئيسي بصفتك مديراً أو قائداً في التوصل إلى ما يثمّنه كل فرد من أفراد فريقك كي تتمكن من تأسيس علاقة هادفة معه، وهذا سيساعدك في ربط الاحتياجات المؤسسية بدوافع كل فرد وغاياته الفريدة. ومن غير المفاجئ أن يكون أحد العوامل التي تحفز اندماج الموظف في العمل وانفصاله عنه متمثلاً في المشرفين المباشرين، لكن الأمر ذاته ينطبق على العلاقات بين الأقران. إذا أردت اكتساب ثقة موظف منفصل عن العمل واحترامه، فيجب عليك أولاً أن تفهم من هو حقاً وأن تخاطب اهتماماته. لذا يجب عليك التمعن فيما يثير اهتمامه وملاحظة الأنماط المتكررة في سلوكه.
احترم المساحة الشخصية للموظفين
من منطلق أخلاقي، يجب أن تحترم رغبة الموظف في الحفاظ على مسافة صحية بين عمله وشخصيته الخاصة وعدم الانغماس كثيراً في حياته المهنية (بالمعنى الروحي على الأقل). فمعظم الموظفين يهتمون بالحياة أكثر من العمل، وغالباً ما تؤثر حياة الموظف الشخصية على أدائه واندماجه في العمل.
وعلى الرغم من أن الدراسات الاستقصائية التي أجرتها شركة "غالوب" وغيرها من الشركات الاستشارية بينت أن معظم الموظفين المنفصلين عن العمل يتمتعون بمهارات كبيرة ويعملون في مؤسسات عالمية، فقد يتساءل المرء عما إذا كانت ستتوفر وظائف كافية تمكّن القسم الأكبر من القوة العاملة من الاندماج. ربما كان الاندماج متعلقاً أكثر بالطموح أو الامتياز بالنسبة لمن حالفهم الحظ في العمل في وظائف جذابة.
إذا كانت المؤسسات صادقة في اهتمامها بتحسين الإنتاجية فمن الطبيعي أن نتوقع منها التفكير فيه من منطلق التنوع والشمول الاجتماعي والقبول بأن العوامل المتمثلة في الظروف الشخصية للموظفين وأساليبهم الخاصة واتجاهاتهم تتدخل في مستوى الاندماج في العمل الذي تطمح في بنائه لدى قوتها العاملة. ثمة أمر يسمى رفع سقف التوقعات أكثر مما يجب، وهو يعزز ثقافة الرضوخ ويكبت التفكير الإبداعي والتفكير النقدي ويسبب الاحتراق الوظيفي.
وفي ختام الحديث عن التعامل مع شخص منفصل ذهنياً عن العمل، لا يكفي أن تحاول تعزيز مستويات اندماج الموظفين، وإذا نظرنا إلى الأدلة، فلن نعثر على ما يشير إلى أننا نحرز تقدماً منهجياً في هذا المجال، إذ إن مستويات الاندماج في العقد الماضي بقيت منخفضة، بل شهدت تراجعاً. لهذا السبب، من الضروري أن نتوصل إلى طريقة للعمل مع الموظف المنفصل ذهنياً عن العمل وإدارته، فما ينتجه هو الأهم في نهاية المطاف.