كيف يمكن للشركات متوسطة الحجم التكيف مع تغير الطلب؟

6 دقائق
تكيف الشركات متوسطة الحجم مع تغير الطلب
خوان مويانو/ستوكسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أدت الجائحة إلى تسريع التغيير الذي سيؤثر بدرجة كبيرة على توجهات الطلب، ويجب على الشركات متوسطة الحجم ذات التفكير الاستشرافي فهم أنماط تغير الطلب والتكيف معها عن طريق الابتكار. تملك إحدى الشركات متوسطة الحجم، وهي شركة “كيرن للنفط والتكرير” (.Kern Oil & Refining Co) سجلاً مثيراً للإعجاب فيما يتعلق بموضوع تكيف الشركات متوسطة الحجم مع تغير الطلب. وقد نجحت في ذلك بسبب تمتعها بثلاث قدرات أساسية، وهي الاستثمار في الابتكار، والجمع الموسع للمعلومات الخارجية، وثقافة العمل التعاوني. يمكن للشركات متوسطة الحجم في جميع القطاعات أن تمارس دوراً كبيراً في بناء مستقبل أفضل، لكن يجب أن تبدأ العمل من الآن عبر الاستثمار في هذه المجالات الثلاثة على نحو منظم.

 

بما أن الشركات متوسطة الحجم أصغر من الشركات الكبيرة وليست مثقلة بالبيروقراطية بنفس القدر، فهي تقف أمام فرصة للاستفادة من تغيرات السوق التي ستستمر إلى ما بعد انتهاء جائحة كوفيد، التي سيكون بعضها دائماً. والشركات التي تتأخر في ذلك تجازف بخسارة مركزها في السوق نهائياً. يمكن أن تحبط الشركات الكبيرة الابتكار عن غير قصد، في حين أن الشركات متوسطة الحجم تتمتع بمزيج مثالي من القوة المالية الكافية وقاعدة العملاء المتنوعة والرشاقة.

وكي تتمكن الشركات متوسطة الحجم من النجاح ضمن مشهد متغير، يجب عليها حشد هذه المزايا والالتزام بالقدرات الثلاث التالية:

  • الاستثمار المستمر في الابتكار (من خلال الأنظمة والموظفين ورأس المال)
  • الجمع الموسع للمعلومات في السوق من أجل استكشاف الفرص والتهديدات
  • الابتكار الذي تتم إدارته على أنه نشاط جماعي وليس ومضات وحي تصيب أذكى الموظفين بين الفينة والأخرى

كيف استطاعت شركة “كيرن للنفط والتكرير” تلبية الطلب المتغير؟

وفيما يلي أوضح لكم كيف أتاحت هذه القدرات لشركة متوسطة الحجم تحويل مسارها في مواجهة الطلب الجديد والمتغير.

الاستثمار في الابتكار

شركة كيرن للنفط والتكرير” (.Kern Oil & Refining Co) هي مصفاة نفط مستقلة أنشئت عام 1934 في مدينة بيكرزفيلد بولاية كاليفورنيا (وهي من عملائي). وهي تضم 155 موظفاً، ويبلغ حجمها ربع الحجم الوسطي لشركات تكرير النفط في الولايات المتحدة. وهي لا تستخرج النفط من الآبار ولا توزعه، بل تكرره في مصفاتها فقط.

على الرغم من أنها تبدو هزيلة أمام شركات مثل “شيفرون” (Chevron) أو “إكسون” (Exxon)، فهي تستفيد من حجمها ومرونتها. إذ تشتري النفط غالباً من الشركات المنتجة المحلية في منطقة سنترال فالي (في مقاطعة كيرن) بولاية كاليفورنيا، وتعمل على تكريره وبيع الوقود بالجملة للاستخدام في منطقة سنترال فالي غالباً. وأصبحت هذه الشركة بارعة في تطوير وقود النقل النظيف وإنتاجه، كالديزل المتجدد والديزل الحيوي المخلوط.

في 23 من شهر سبتمبر/أيلول عام 2020، أصدر غافين نيوسوم، حاكم ولاية كاليفورنيا، أمراً بأن تكون جميع السيارات السياحية ومركبات نقل الركاب الجديدة عديمة الانبعاثات تماماً بحلول عام 2035. ثمة أمر واحد كان في غاية الوضوح، وهو ضرورة أن تتطور شركات التكرير من أمثال شركة “كيرن” بسرعة لتتمكن من تلبية أنماط الاستهلاك المتغيرة والبيئة الرقابية الصارمة.

وقد مرت شركة “كيرن” بذلك من قبل. ففي عام 2007، عندما أصدرت “وكالة حماية البيئة” الأميركية معايير جديدة للوقود المتجدد، فكر مهندسو الشركة بإمكانية صنع الوقود المتجدد عن طريق المعالجة المشتركة للشحوم (كالشحوم الحيوانية).

لم تتوفر توجيهات من المعهد الأميركي للبترول حينئذ حول طريقة معالجة الشحوم التي لم يعرف أحد كيف يمكن القيام بها، وإنشاء نظام تكرير جديد تماماً عن طريق التعهيد الخارجي واعتماداً على مواد أولية غير مثبتة هو مجازفة كبيرة.

لكن نظراً لحجم الشركة، كان خبراؤها التقنيون يتمتعون بنفوذ كافٍ يتيح لهم الحصول سريعاً على الموافقة على إجراء التجارب. لذا، استثمرت شركة “كيرن” مبلغ 75 ألف دولار في معدات التكرير الأساسية وبعض الحاويات، واستخدمت إحدى المضخات الاحتياطية لإجراء مجموعة اختبارات. وتم استخدام عينات من هذه المجموعة الأولى في محركات اختبار بهدف التحقق من انبعاثاتها والحصول على موافقة “وكالة حماية البيئة” عليها. ثم طورت شركة “كيرن” نظام اختبار أكثر تعقيداً، وعملت على معالجة مجموعة أكبر وأجرت اختبارات الانبعاثات مرة بعد مرة لتصل أخيراً إلى الإنتاج المنتظم بحلول نهاية عام 2009.

في النهاية وبعد مرور 9 أشهر على بدء العمل كانت الشركة قد استثمرت قرابة 1,000 ساعة من الوقت في إنجاح هذا المشروع، وأصبحت ثاني مصفاة نفط أميركية تصنع الديزل المتجدد عن طريق المعالجة المشتركة للشحوم. مثلت الاستثمارات التي استمرت على مدى الأعوام القليلة التالية قرابة 30% من ميزانية رأسمال شركة “كيرن” في العام النموذجي، وزادت عمليات المعالجة المشتركة للشحوم تكاليف الإنتاج بدرجة كبيرة. لكن القيمة الناتجة عن الديزل المتجدد تسوغ النفقات الإضافية الجارية.

الابتكار المزعزع هو السعي لإجراء التغيرات المحتملة في السوق قبل التأكد من أنها ممكنة، وتشجيع التجارب التي تفشل أكثر مما تنجح، وبذل مئات الساعات في العمل على المبادرات التي قد لا يكون نجاحها مؤكداً. من الصعب مزج هذا النوع من العمل مع الضرورات الملحة في تنفيذ الأعمال اليومية.

تملك الشركات متوسطة الحجم المال للاستثمار لكن ليس بتهور. وعلى نطاق الشركات متوسطة الحجم يجب أن يكون الابتكار عبارة عن عملية لاكتشاف الفرص وتقييمها وتخفيف مخاطرها على نحو متزايد. هذا ما يسمى عادة “قمع الابتكار”، حيث يمكن تصنيف الفرص وتحليلها وتقييمها وقياس إجمالي تقدم جهود الابتكار وتقييمه. وعند اتباع أسلوب منظم يمكن استخدام الميزانيات لتوجيه رأس المال نحو الأهداف الصحيحة. تعاني الشركات متوسطة الحجم عادة من صعوبة في الإنفاق على الابتكار، إذ تشعر بالقلق من إنفاق رأس المال على مشاريع لا تملك عائداً واضحاً على الاستثمار، لكن الاستثمار المخطط له ضروري كي تتمكن الشركة من التكيف عندما لا تتمكن من تلبية الطلب.

يتضمن مسار شركة “كيرن” المتجه نحو هذا التكيف إنشاء وظيفيين لدعم تسريع الابتكار، هما مهندس العمليات ليساعد في تقييم المواد الأولية والتكنولوجيا الجديدة، ومتخصص في التغير المناخي وأنواع الوقود ليتعامل مع العملية الرقابية. يعمل الموظفون في هذين الدورين على تحديد تفاصيل الميزانية من أجل منح تمويل مخصص لتخفيض البصمة الكربونية، الأمر الذي سينطوي على فترات استرداد لقيمة الاستثمار أكثر وضوحاً، واتباع عملية ابتكار مزعزعة أكثر تركز على تطوير وقود ذي كثافة كربون سلبية من مواد أولية مثل المخلفات الزراعية أو نفايات المدن.

جمع معلومات ذات قيمة عن السوق

يظن كثير من الأذكياء أن أفضل الأفكار تتولد في أدمغتهم أو ضمن شركاتهم، لكن هذه إحدى طرق الابتكار غير الفعّالة. وأفضل طريقة لبدء الابتكار هي البدء بما يحتاج إليه السوق ولم يعثر عليه بعد. طوّر كيرتس كارلسون، الرئيس التنفيذي الأسبق لمركز الأبحاث الشهير “إس آر آي إنترناشونال” (SRI International)، منهجاً يسمى “إن أيه بي سي” (NABC)، حيث يشير الحرف الأول (N) إلى أول وأهم خطوة وهي الاحتياجات (need). يتم تحديد الاحتياجات المتغيرة والاحتياجات الجديدة عن طريق الأنشطة الخارجية، كالتحدث إلى العملاء والموردين وغيرهم من المساهمين في القطاع والتمعّن في التحركات التي تقوم بها الشركات المنافسة.

عادة، ما تتعلق الأنشطة الخارجية للشركات متوسطة الحجم بالبيع والتسويق، وإخبار العالم عن سلعها. أما أنشطة الابتكار الخارجية فهي تتعلق أكثر بالانتباه إلى الإشارات الأولى التي تدل على التغيير والبحث عنها، ثم التركيز على التمعن فيها أكثر. تتولد ابتكارات كثيرة من التشارك مع مؤسسات أخرى تتمتع بكفاءات أساسية مختلفة يمثل كل منها جزءاً من سلسلة القيمة.

تنظر شركة “كيرن” في عدة فرص لإنشاء شراكات تركز فيها على المعدات المبتكرة التي تصنع الوقود المتجدد من النفايات الحيوية الرطبة ومخلفات الغابات والزراعة وحتى النفايات الصلبة التي تنتجها المدن. وهي تحقق القيمة على اعتبارها عاملاً محفزاً وحاضنة في نفس الوقت، إذ تساعد على إجراء الاختبارات التجريبية للابتكارات التكنولوجية التي يمكن أن تصبح “الابتكار الكبير التالي” في جهودها لإنتاج أنواع أنظف من الوقود المحترق. كما أنها بنت شبكة تواصل ضمن القطاع ومع مؤسسات البحث والتطوير، وأنشأت فريقاً أطلقت عليه اسم “فريق يوسيميتي”، جمعت فيه 6 أفراد بقيادة رئيس قسم الوقود المتجدد لديها. ضم الفريق اثنين من مهندسي العمليات، وأخصائياً في شؤون التوريد، وخبيراً في أسواق الوقود، ومتخصصاً في الشؤون الرقابية، ونائب الرئيس الأول للعمليات. تمكن هذا الفريق من الإسراع في ترتيب المشاريع حسب الأولوية بناء على خريطة تصنيع الوقود المتجدد.

منح الأولوية للعمل التعاوني

الابتكار ليس كالبحث الأساسي الذي يجرى في بيئة معزولة ضمن مختبر للبحث والتطوير، بل تعتمد عملية الابتكار بنسبة كبيرة على استخدام الشركات متوسطة الحجم لقواعد العمل الحالية بطرق جديدة، ما يعني أن إنشاء فرق ابتكار متعددة التخصصات أصبح أمراً واجباً. إذ يشارك قسم التسويق في فهم احتياجات السوق، وقسم الهندسة في بناء الاختبارات التجريبية، وقسم التصنيع في ضمان إمكانية التنفيذ، وقسم التمويل في المصادقة على الأرباح المحتملة، وقسم المبيعات في جمع تقييمات العملاء وآرائهم. في مرحلة الابتكار الأولى المتمثلة بالتصور، يجب أن يتكون هذا الفريق من بضعة أشخاص يفهمون وجهات نظر قسمهم، وعندما تصبح الابتكارات مقبلة على مرحلة التنفيذ يصبح الفريق أكبر بكثير.

لكن العمل الجماعي ليس محصوراً بأشخاص من الشركة نفسها، بل سيحتاج إلى مزيد من الأفراد المختلفين. فالفرق الحالية في الشركات متوسطة الحجم مشغولة دائماً بمهماتها الوظيفية المستمرة، وعلى الرغم من أن بعض الشركات تعين موظفين يتوقون للتفكير بطرق مختلفة فمن الضروري تخصيص وقت كبير لجهود الابتكار بعيداً عن الأنشطة اليومية الاعتيادية.

وإنشاء شراكات بين الشركاء في مختلف أجزاء سلسلة التوريد هو أمر حاسم، فقلة من الشركات متوسطة الحجم تستطيع التوصل إلى حلول للتعامل مع تغير الطلب بمفردها. يتطلب العمل التعاوني بين كيانات منفصلة التفاوض على توزيع التكاليف والأرباح وتحديد الأدوار والجداول الزمنية، ويجب أن يتم توضيحه بصيغة كتابية رسمية من أجل إثبات جدوى الاستثمار وضمان الاتساق في العمل. وفي حالة شركة “كيرن”، كان أي تغيير يستدعي تدخل أقسام البحث والتطوير وتوريد المواد الخام، وإجراء تعديلات على المعدات والمعامل، والاهتمام بشؤون الامتثال للقوانين الحكومية والمبيعات. منحت شركة “كيرن” الأولوية للعمل التعاوني عن طريق إنشاء فريق مراقبة يحفز التغيير، وإنشاء أدوار وظيفية جديدة مخصصة لجهود العمل التعاوني، إلى جانب الرعاية التنفيذية التي قدمها الرئيس التنفيذي.

أدت الجائحة إلى تسريع التغيير الذي سيؤثر بدرجة كبيرة على توجهات الطلب. وعلى الرغم من السعي لتلبية الاحتياجات الطارئة في أثناء الجائحة، كالسلامة وإدارة الموظفين عن بعد، فإنه من الضروري أن تفهم الشركات متوسطة الحجم التي تتمتع بتفكير استشرافي أنماط التغييرات التي تطرأ على الطلب والتكيف معها عن طريق الابتكار.

يمكن للشركات متوسطة الحجم في جميع القطاعات أن تمارس دوراً كبيراً في بناء مستقبل أفضل، لكن يجب أن تبدأ العمل من الآن عن طريق الاستثمار المنظم في الابتكار ونشاطات جمع المعلومات والعمل الجماعي من أجل تكيف الشركات متوسطة الحجم مع تغير الطلب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .