كيف عملت “أنغامي” على تغيير ثقافة استهلاك الفن في المنطقة العربية قبل أن تصل إلى “ناسداك”؟

6 دقائق
إدراج "أنغامي" في بورصة "ناسداك"

يفكر كل رائد أعمال أو مستثمر في كيفية بدء مشاريعه المستقبلية بطريقة تضمن له النجاح، ولهذا نرى أصحاب المشاريع يبدؤون خططهم بقراءة السوق من أجل استنباط أهم التحديات التي قد تواجههم في مسارهم الريادي، ولكن ماذا لو كان يواجهك منافسون عالميون مثل: "آي تيونز" أو"سبوتيفاي" أو "ديزر" (Deezer) وغيرها من منصات البث التدفقي (Streaming)، التي تختص بتقديم المحتوى الموسيقي القائم على الاشتراكات؟ كيف ستثبت كفاءة فكرتك في المنطقة العربية التي تعاني من ندرة ثقافة الاشتراكات على اختلاف أنواعها؟

"أنغامي" أول شركة عربية يتم إدراجها في بورصة "ناسداك"

لقد واجهنا الرفض مراراً -وهذه هي الحالة الطبيعة لأي مشروع ريادي- بدأت قصة إدراج شركة "أنغامي" في بورصة "ناسداك" بمجموعة رسائل أرسلناها إلى المستثمرين سعياً لاستقطابهم، ولكن معظم رسائلنا لم تلقَ أي رد منهم، وشكك البعض بنجاحنا، لكن لحسن الحظ منحنا أحد المستثمرين ثقته ونجحنا في إتمام المهمة، وإليكم نص الرسالة التي أرسلناها إليه:

"نعمل أنا وشريكي على خدمة موسيقية تقدم مختلف أنماط الموسيقى العربية والأجنبية عبر الويب والهاتف المحمول على غرار "سبوتيفاي" و"باندورا" و"إم أو جي" وغيرها من المنصات الغربية.

يحمل المشروع اسم "أنغامي"، وعلى الرغم من أنه لا يزال في بداياته، فقد حققنا نجاحاً لافتاً في ترخيص العلامة والنواحي التقنية.

نجتمع حالياً مع الكثير من المستثمرين (جميعهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، ونباشر بخطوات العناية الواجبة مع بعضهم. لقد اطّلعنا مؤخراً على الاستثمارات الخاصة بكم، ونعتقد أن هذه الفرصة ستحظى باهتمامكم".

إن إدراج شركة "أنغامي" في بورصة "ناسداك" هو البداية الجديدة للنمو؛ لأنه سيقدم لنا رأس مال يفوق ما جمعناه خلال السنوات الماضية بنحو 4 أضعاف (أكثر من 110 ملايين دولار)، إضافة إلى فرصة الانفتاح على الأسواق الجديدة ما يؤدي إلى اختبار قدرتنا على إدارة المخاطر، واستقطاب المزيد من المواهب، والاستثمار أيضاً في البحث والتطوير المستمر. إن التغيير الذي ستشهده شركتنا هو التحول من ثقافة الخبرات العامة إلى تلك المتخصصة، لأن المرء قليلاً ما يتميز في مجال واحد، فما بالك عن التميز بعدة مجالات؟

لماذا الإدراج في البورصة؟

إن السبب الذي شجعني على إدراج الشركة هو الثقافة العربية، إذ إننا نريد أن نلهم جيلاً عربياً جديداً يسعى للتعلم من نجاحاتنا وإخفاقاتنا في سبيل تحقيق مسيرة ملهمة مع الحفاظ على هويتنا المحلية، وعلى الرغم من أن الموسيقى العربية تشكل 1% فقط من رصيدنا الموسيقي الذي يبلغ نحو 57 مليون أغنية، فإنها تشهد إقبالاً متزايداً يقدر بنحو 50% من المستخدمين، ولهذا يجب علينا الاستفادة القصوى من هذه النقطة للحفاظ على ثقافتنا باعتبارنا شركة عربية في المقام الأول.

الصعوبات التي واجهت شركة "أنغامي" منذ انطلاقها

كأي مشروع رياديّ يحاول إبصار النور والخروج إلى الضوء، وجدت "أنغامي" نفسها في مواجهة صعوبات كثيرة في البداية، وكانت بعض هذه الصعوبات إما ناجمة عن تحديات داخلية أو خارجية بسبب كثرة النماذج المشابهة لنا حول العالم، ولهذا إليكم بعض المشكلات التي واجهتنا منذ بداية الرحلة وطرق الحل التي اتبعناها لتجاوز هذه العثرات.

اختيار نموذج العمل المناسب:

إن نموذج عملنا له خصوصية واضحة. فقد لا يهتم بعض الأفراد بدفع الاشتراكات من أجل الاستماع إلى موسيقى تتمتع بحقوق قانونية مع وجود آلاف الطرق لنشر الموسيقى دون إعارة الاهتمام لحقوق جميع من أسهم في صناعتها، ولهذا، فإن الدمج بين سياسة الاستماع المجاني للموسيقى وإتاحة بعض المزايا المدفوعة للمشتركين عبر تطبيق "أنغامي بلس" (Anghami Plus) هو ما دفعنا إلى اعتماد نموذج العمل "فريميوم" (Freemium Business Model)، الذي تعتمد عليه العديد من الشركات العالمية مثل "لينكد إن" و"دروب بوكس" (Drop Box)، وغيرهما.

المنافسة العالمية:

إن اللاعبين الكبار في مجال الموسيقى يهيمنون على هذه الصناعة حول العالم، ولكن وجود الأفكار السابقة المشابهة لفكرتك لا يعني إلغاء مشروعك الريادي، بل عليك إيجاد نقطة علام لتميزك عن غيرك من المنافسين، وقد تكون هذه الميزة هي حرصك على المواءمة المحلية لمشروعك الريادي الذي تريد طرحه، وفي العالم العربي لدينا الكثير من هذه المحاولات التي أثبتت نجاحها مثل محاولة شركتي "سوق.كوم" و"كريم" مراعاة الثقافة العربية والانتباه إلى اختلاف المعايير والسياسات المتبعة في البلدان الحاضنة للمشاريع الريادية بعيداً عن التقليد الأعمى لأسلوب شركتي "أمازون" و"أوبر".

القرصنة:

لعل من أبرز المشكلات التي واجهتنا في بداية انطلاقنا هي القرصنة الموسيقية التي أعتبرها من أبرز منافسينا، لأن الأشخاص قد يقعون بها إما لأنهم يجهلون أساليبها أو عن عمد مسبق، ولهذا، فإن رؤيتنا بتأسيس تطبيق موسيقي قانوني ترتكز على حماية المحتوى الموسيقي من أيدي المتربصين به من أجل تعزيز قيمة الصناعة الموسيقية في السوق العربية والعالمية، ومع تقدم التكنولوجيا أصبح من السهل اكتشاف محاولات القرصنة على اختلاف أنواعها.

إيجاد المستثمرين المناسبين:

إن إيجاد المستثمر المناسب الذي يتبنى فكرتك ويدعمها مالياً هو هاجس يراود الكثير من رواد الأعمال، وللأسف، فإن المنطقة العربية تعاني من قلة الفرص الاستثمارية في العديد من المجالات بسبب عدم وجود نهج واضح للاستثمار، وعلى الرغم من ذلك، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي سوق قيّمة وقريبة من أهدافنا، وبالتالي، يوجد طرق مختلفة للنمو والتخارج من السوق بطريقة صحيحة، وعلى رواد الأعمال معرفة أن الاستثمار الخاص في الأسهم العامة ليس نهاية المسيرة، بل هو بداية فكرة عملية يجب العمل عليها من أجل حل مشكلة الأسواق الناشئة التي لا تزال بعيدة عن الاستثمار.

كيف يمكن للشركات الناشئة الاستفادة من تجربة "أنغامي"؟

إنني أقول دائماً إن "بناء أي شركة ناشئة يشبه عملية حل الأحجيات المعقدة أو البازل المكوّن من 10 آلاف قطعة"، ولهذا يجب على الشركات الناشئة تجهيز نفسها لجميع السيناريوهات المستقبلية، وإعطاء الأهمية القصوى لكل مرحلة جزئية في مسيرة الشركة.

الاستعداد للفشل:

كما ذكرتُ سابقاً في ويبينار الأفكار الريادية مع "هارفارد بزنس ريفيو العربية"، فإن على رائد الأعمال الاستعداد لفكرة الفشل لأنها أساس صُنع الأمور الجيدة إذا استقينا الدروس منها بطريقة صحيحة، وهذا ما واجهناه خلال رحلتنا في شركة "أنغامي"، فخلال الأعوام الماضية شهدنا تقلبات عديدة، وفي غضون أيام قليلة كنا ننتقل من حالة الاستقرار إلى الارتباك بسبب تقلبات الأسواق، وعندها كنا نختبر طعم الإخفاقات والنجاحات بشكل متتابع. إن حالة الفشل هي جزء لا يتجزأ من عالم الأعمال، ولهذا يجب على أصحاب المشاريع الريادية ألا يفقدوا الإيمان بمشاريعهم مع أول حجر عثرة يتعرضون له، وعليهم أيضاً أن يضعوا الأفكار الريادية التي يمتلكونها في سياقها العملي للتطبيق من أجل انتقاء الأفكار الريادية في الوقت المناسب.

التفكير المرن:

من الأمور التي يجب على رواد الأعمال أخذها في حسبانهم هي ضرورة الاستعداد لتحديث وتطوير نموذج عملهم وعدم التشبث بالفكرة الأولى التي لمعت في ذهنهم، ففي بداية مسيرة "أنغامي" كنا نهدف إلى إنشاء منصة تعتمد على أسلوب "الغرف الموسيقية القائمة على خاصية الاستماع الجماعي"، وقد أدى تراكم هذه الفكرة مع غيرها من الأفكار الريادية إلى ولادة نموذج عملنا الحالي.

الإنفاق على التكنولوجيا الحديثة بطريقة سليمة:

من ناحية أخرى، لا يجب على مؤسسي الشركات الناشئة أن يتجاهلوا فرض القيود الصارمة على الإنفاق. إذ يحب أن يكونوا على دراية كافية بجميع شؤون المحاسبة لإدارة العملية المالية بكفاءة، وقد يصرف رواد الأعمال العديد من الأموال من أجل تعزيز استخدام التكنولوجيا لديهم دون وجود خطة مسبقة لهذا الاستخدام ما يؤدي إلى هدر الوقت والموارد المالية دون فائدة، ولهذا، يجب على رواد المشاريع الابتكارية معرفة أن اعتماد التقنيات التكنولوجية الجديدة قد لا يكون السبيل الوحيد للابتكار، وإنما جوهر الابتكار في استخدام التكنولوجيا هو محاولة الموازنة بين الإيرادات والإنفاق في الشركات عموماً.

من هم الأطراف الأساسية في قصة نجاح "أنغامي"؟

لم ننجح في شركة "أنغامي" إلا لأننا آمنا أنا وشريكي المؤسس إيدي مارون بمجموعة من الأطراف التي أخذت بيدنا إلى النجاح:

* مستخدمونا الذين ساعدونا على تسجيل نحو 10 مليارات بث موسيقي في السنة الواحدة.

* الفنانون والعلامات التجارية الذين واجهنا صعوبات كثيرة في جذب انتباههم في بادئ الأمر.

* فريق عمل "أنغامي": على الرغم من أنه مجموعة صغيرة لا يتجاوز عددها الـ 80 مهندساً، فإن فريق العمل هو من ساعدنا على إبصار النور، ولا أنسى المحاربين الذين تطوعوا دون مقابل مادي من أجل استقطاب المستخدمين والفنانين وغيرهم من الأطراف التي تتسق رؤيتنا معهم.

* المستثمرون الذين تعاملنا معهم: إن المستثمرين الذين تعاملنا معهم هم الذين صنعوا الفرق بالنسبة لنا مرات عديدة، وفي مقدمتهم "ميدل إيست فنتشر بارتنرز"، و"شعاع كابيتال"، و"موبايلي"، و"سامينا"، و"دو"، و"إم بي سي"، ولا أنسى "فيستاس ميديا أكويزيشن كومباني" للاستثمار الخاص في الأسهم العامة.

* عائلاتنا: لسنا كمؤسسين مثالاً يُحتذى به للتوازن بين الحياة العملية والعائلية، وذلك لأننا نفوت العديد من اللحظات بسبب انشغالنا الدائم بالعمل، ولهذا لا تزال هذه المشكلة تحدياً واضحاً يراود أصحاب المشاريع، فشكراً للعائلات التي تقدر جهد أفرادها.

لم نكن لننجح في "أنغامي" لولا المثابرة المستمرة على الرغم من معاداة الظروف لنا. لقد تطلب منا العمل أن نكون سريعي التعلم من أجل مواكبة تطورات التوجهات المحلية، ومراقبة تقلب البيانات مع التركيز على الاستثمار الدائم في المواهب من أجل بناء المهارات الفريدة، ولهذا عملنا بجد في خضم سوق تضم كبار المنافسين حول العالم لإثبات رسالتنا.

وفي نهاية الحديث عن رحلة إدراج "أنغامي" في بورصة "ناسداك"، أحلم بأن نرد الجميل للثقافة العربية بسبب إلهامها لنا، وذلك من خلال نشر شعار شركة "أنغامي" في كل الوطن العربي. ندرك أنه علينا فعل المزيد، وسوف نفعل، فالمستقبل ملك لرواد العلم والتطور والطموح. لقد انطلقنا في "أنغامي" عام 2012 من مكتب صغير في مدينة جونيه اللبنانية، وما إن أقبل عام 2021 إلا واستطاعت الشركة الوصول إلى العالمية من بوابة بورصة "ناسداك" ليتردد صوت الموسيقى عالمياً بسبب ريادة صناعة عربية المنشأ.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي