ملخص: يبحث مدير "برنامج جامعة أوكسفورد للتفاوض" في مدى التزام المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بمبادئ التفاوض في المحادثات المهمة المتمثلة في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المستمرة منذ 3 أعوام ونصف، والنتيجة هي أنهما لم يلتزما بهذه المبادئ، إجمالاً.
ومع اقترابنا من نهاية ثلاثة أعوام ونصف من المفاوضات التي كانت صعبة للغاية في أغلب الأحيان، حول شروط خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي أولاً، والعلاقة المستقبلية بينهما ثانياً، نجد أننا لا نعرف بعد إذا كنا قادرين على التوصل إلى اتفاق قبل 31 ديسمبر/كانون الأول.
ففي بعض الأحيان، يبدي الطرفان إشارات إيجابية عن اقتراب التوصل إلى اتفاق محتمل؛ لكن في أحيان أخرى يبدو أن الاتفاق يواجه عقبات شبه مستحيلة، وتحديداً فيما يخص الدعم المالي الحكومي الذي يمكن للشركات البريطانية الحصول عليه، وإمكانية وصول البلدان الساحلية في الاتحاد الأوروبي وقطاعات صيد الأسماك فيها إلى المياه الإقليمية التابعة للمملكة المتحدة. آخر الأخبار هي أن الاتحاد الأوروبي يتعرض لضغوط من الحكومة الفرنسية للتشديد على المملكة المتحدة فيما يخص متطلبات المساعدات الحكومية.
مبادى التفاوض في المحادثات المهمة
لكن إذا حللنا عملية التفاوض باستخدام مبادئ التفاوض في المحادثات المهمة التي نعلّمها في برامجنا التنفيذية بجامعة أوكسفورد، نجدها بمجملها خليطاً من الاتجاهات المتباينة. وعلى الرغم من عدم معرفتنا لما يجري خلف الأبواب المغلقة، فإنه من الممكن طرح بعض الملاحظات العامة حول أماكن استخدام أو عدم استخدام أساليب معينة للتفاوض على نحو جيد. فيما يلي 6 مبادئ للتفاوض، مع مناقشة أوجه نجاح المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وفشلهما في تطبيقها، وما تعنيه الآن مع وصول المفاوضات بينهما إلى نهايتها.
المبدأ الأول:
احرص على بناء علاقات قوية في وقت مبكر. وفي أثناء المفاوضات، احرص على فهم ما يهتم به الطرف الآخر
عد بذاكرتك إلى ما قبل 4 أعوام مضت، ستتذكر ديفيد كاميرون وهو يتنقل بين العواصم الأوروبية في محاولة لإعادة التفاوض حول شروط استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، والتي كان سيطرحها على الشعب البريطاني في استفتاء عام. على الرغم من أن كاميرون لا يزال يدافع عما حققه، فإنه من الواضح للكثيرين أن نتائجه لم تكن كافية لاسيما فيما يخص حرية التنقل.
أين اتخذت الأمور منحى خاطئاً؟ أولاً، كان ينبغي على حكومة المملكة المتحدة تشكيل تحالفات دائمة في أوروبا قبل ذلك بكثير، فهذا النوع من بناء العلاقات السابقة هو أحد أسرار نجاح المفاوضات. وقد أثبت أسلوب كاميرون المتمثل في التحرك في اللحظة الأخيرة أنه غير كاف على الإطلاق ومتأخر جداً. ثانياً، فشل الاتحاد الأوروبي في التفكير من وجهة نظر المملكة المتحدة، وهذا مبدأ آخر في التفاوض. لو كان الطرفان يتمتعان بالمرونة إلى حدّ ما فيما يتعلق بمسألة حرية التنقل، لربما تمكنا من إبقاء واحدة من أكبر دول أوروبا وأهمها ضمن أسرة الاتحاد الأوروبي.
المبدأ الثاني:
انتبه جيداً للعملية
في المفاوضات، تكاد المبالغة في تقدير أهمية مراقبة العملية تكون مستحيلة. وهذا ما فعله الاتحاد الأوروبي تماماً في المرحلة الأولى من المفاوضات، حين بدأت المملكة المتحدة بالمفاوضة على انسحابها منه. إذ حقق الاتحاد الأوروبي انتصاراً مهماً في المرحلة الأولى من المفاوضات عن طريق الإصرار على عدم التفكير في إجراء المحادثات حول العلاقة المستقبلية قبل أن يتم الاتفاق على القضايا التي تهمه، وهي دعم أيرلندا الشمالية، وحقوق المواطنين في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، والتزامات المملكة المتحدة المالية.
ونتيجة لانتصار الاتحاد الأوروبي المبكر، فقدت المملكة المتحدة أوراقها القوية في المرحلة الثانية المتمثلة في التفاوض على العلاقات المستقبلية، فقد كان بإمكانها الاستفادة بدرجة كبيرة من استخدام قضايا مثل مستقبل الالتزامات المالية كوسيلة ضغط في هذه المرحلة المتقدمة من المفاوضات.
المبدأ الثالث:
لا تنسَ أصحاب المصلحة الذين ليسوا على طاولة المفاوضات
في المفاوضات، يعدّ التواصل مع من لا يحضرون على طاولة المفاوضات مهماً بنفس قدر التواصل مع الحاضرين. فمجموعة كبيرة من الأطراف لها مصالح في هذه المفاوضات، وهي دول أوروبية فردية، وبرلمانيون من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والمجموعات الصناعية، وعموم الشعب على جانبي قناة المانش (جزء من المحيط الأطلسي الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا ويربط بحر الشمال بالمحيط الأطلسي).
ومرة أخرى، اختلطت الصورة. كان كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، حريصاً على إطلاع الدول الأعضاء والسفراء الأوروبيين والبرلمان الأوروبي على المستجدات في المفاوضات. لكن لم يحدث الشيء نفسه في المملكة المتحدة، التي حجبت المعلومات عن المجموعات الصناعية.
سيتذكر الكثيرون رد وزير الخارجية حينئذ ورئيس الوزراء حالياً على مخاوف الشركات حول الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، إذ قال: "سحقاً للشركات". ومنذ ذاك الوقت، لم تتحسن العلاقات مع أصحاب المصلحة المهمين. وبالطبع، أهم أصحاب المصلحة في جانب المملكة المتحدة هو الشعب البريطاني. هل أجرت المملكة المتحدة محادثة صادقة مع الشعب حول التنازلات الصعبة التي يجب تقديمها في المفاوضات؟ الجواب هو "لا". ولأن الحكومة لم تكن صادقة مع الشعب حول القضايا المثيرة للجدل، فسيكون من الصعب الحصول على تأييده للاتفاق حول التنازلات التي يجب تقديمها.
المبدأ الرابع:
تجنب المواعيد النهائية المفروضة ذاتياً
على الرغم من أن تحديد مواعيد نهائية يمكن أن يساعد الأطراف المتفاوضة على تركيز تفكيرها ويُكسب المفاوضات زخماً، فأنا لا أحبذه على الإطلاق. فهو في أغلب الأوقات يؤدي إلى اتفاقات غير مدروسة لا ترقى إلى المستوى الأمثل. وهذا ما حدث في اتفاقية الانسحاب، إذ وقعت المملكة المتحدة على اتفاق بدأت بالتراجع عنه بعد بضعة أشهر فقط، وعلى الأرجح سيكون هذا حال العلاقات التجارية المستقبلية المقيدة بجداول زمنية ضيقة للغاية. وبالفعل، من المحتمل أن يجتمع البرلمان الأوروبي بين عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة إذا تم التوصل إلى اتفاق ويجب المصادقة عليه.
المبدأ الخامس:
تصرف كشريك موثوق به، أو ادفع الثمن
تبنى المفاوضات، لاسيما المعقدة، على أساس من الثقة والاحترام وفهم أنه بمجرد التوصل إلى اتفاق وتوقيعه، لن يكون بالإمكان الرجوع عنه إلا إذا قرر كل من الطرفين التفاوض عليه من جديد.
لذا فإن قرار حكومة المملكة المتحدة بوضع مشروع قانون السوق الداخلية الذي يلغي البند المتعلق بأيرلندا الشمالية من اتفاقية الانسحاب، وينتهك القانون الدولي أيضاً، لم يكن مناسباً على الرغم من أنه قد لا يكون نهائياً.
أصبح الاتحاد الأوروبي الآن أكثر إلحاحاً على تحديد آليات تنفيذ حوكمة الاتفاق التجاري المستقبلي، من أجل ضمان التزام المملكة المتحدة بكلمتها في المرة القادمة. وحتى هذه اللحظة، يبدو أن المناقشات حول الهياكل القانونية المحيطة بالاتفاق التجاري المستقبلي تسير في اتجاه عكسي، وقانون السوق الداخلية ساهم في تراجعها بهذا الشكل.
المبدأ السادس:
لا تدع الضغط السياسي يقف في طريق الحلول العملية
لن يكون قطاع صيد الأسماك مسروراً بما سأقوله، لكنه يساهم حالياً بنسبة 0.1% فقط في اقتصاد المملكة المتحدة، وكذلك بالنسبة إلى جميع دول أوروبا. قارن هذه النسبة بنسب مساهمة قطاعي الخدمات (أكثر من 75%) والتصنيع والإنتاج (21%) في المملكة المتحدة. ومع ذلك، فمن المحتمل جداً أن ينهار الاتفاق التجاري المستقبلي بسبب قطاع صيد الأسماك.
في حين أن حق الدولة في السيطرة على مياهها الإقليمية يتمتع بأهمية رمزية قوية، ويعتبره كثير من أعضاء البرلمان البريطاني من حزب المحافظين مسألة ذات أهمية قصوى، إلا أن المفاوضين الكبار يضعون الاعتبارات البراغماتية قبل الاعتبارات السياسية، وينظرون إلى المفاوضات ككل. فلنأمل أن يتبنى مفاوضو الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وجهة النظر هذه في الأيام والأسابيع التالية.
حان وقت الابتكار
إذا كان عليّ وضع التوقعات، فسأقول إنه من المرجح أن نتوصل إلى اتفاق تجاري قائم على الحقائق المهمة بحلول نهاية العام، وأن تستمر المفاوضات المستقبلية شهوراً عديدة. بعد أن مرّ بوريس جونسون بهذا العام الصعب والأزمة الاقتصادية الأسوأ منذ 300 عام، هل سيتمكن حقاً من تحمل الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق؟ علماً أن ذلك غير مقبول بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وسيكون ذا أثر أسوأ على المملكة المتحدة. فسوق الاتحاد الأوروبي أكبر من سوق المملكة المتحدة بثمان مرات.
ومع ذلك، من أجل التوصل إلى اتفاق، يجب أن يكون الجانبان استباقيين وأن يأخذا زمام المبادرة. لن يستفيد أحد من قول بوريس جونسون أشياء مثل: "احتمال التوصل إلى اتفاق يحدده أصدقاؤنا وشركاؤنا في الاتحاد الأوروبي"، بل من الضروري أن يكون كلا الجانبين مبتكراً.
في بعض الأحيان، يمكن لرؤساء الدول أو المسؤولين من خارج فرق المفاوضات فتح الطرق المسدودة أمام المفاوضات إذا تحدث بعضهم إلى بعض من أجل استعادة الزخم في مسيرتهم نحو التوصل إلى اتفاق. وهذا ما نراه يحدث بالفعل من خلال المحادثات الهاتفية بين رئيس الوزراء، بوريس جونسون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. وكان هذا هو الحال أيضاً في إنجاز اتفاقية الانسحاب، عندما التقى رئيس الوزراء بوريس جونسون في محادثات خاصة مع نظيره الأيرلندي آنذاك، ليو فارادكار، للاتفاق على بعض القضايا العالقة فيما يخص الجمارك والحدود الأيرلندية.
لم يفت الأوان بعد للتعلم من أخطاء الماضي، لكن الوقت ينفد.
اقرأ أيضاً: كيفية إعداد حلقة نقاشية