ما الذي تتطلبه القيادة في عصر التغيير المتسارع؟

11 دقيقة
متلطبات القيادة في عصر التغيير ثلاثي الأبعاد

ملخص: لست وحدك في ذلك.. فقد ارتفعت وتيرة التغيير فعلاً، بل حدث أكثر من ذلك. ففي حين أننا اعتدنا أن نشهد اضطرابات تليها فترات من الاستقرار، فإن التغيير الآن مستمر بشكل متزايد ومنتشر ويتسارع يوماً بعد يوم. ولمواكبة هذا التغيير، يحتاج القادة إلى اتباع نهج مختلف عن نموذج "القائد كبطل" أي القائد المنفرد الأناني الذي يبث الثقة بطريقة جبرية للمضي قدماً. يقترح المؤلفون نهجاً جديداً يطلقون عليه "القيادة الحكيمة"، وهو نهج مستوحى من المناقشات التي أجريت في ستانفورد في ربيع عام 2020 مع دوغ ماكميلون، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "وول مارت"؛ وتوبي كوسغروف، الرئيس التنفيذي السابق لمستشفى "كليفلاند كلينك" وجراح القلب ومستشار البيت الأبيض؛ وهالا توماسدوتير، الرئيسة التنفيذية لشركة "ذا بي تيم" (The B Team)، وهي حاصلة على المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية في آيسلندا لعام 2016؛ وبريت تايلور، رئيس مجلس الإدارة ومدير العمليات في شركة "سيلز فورس" (Salesforce). يعبر هؤلاء القادة عن رؤية متواضعة وذكية ومدفوعة بالقيمة للقيادة. فتواضع القائد والأصالة والانفتاح كلها قيم تغرس الثقة والأمان النفسي في العاملين. كما أن الثقة والسلامة النفسية تمكنان الأفراد والفرق من الأداء بأعلى قدراتهم. بالإضافة إلى ذلك، تعد فرق التعلم المستمر ضرورية لمواكبة التغيير ثلاثي الأبعاد بشكل فعال. وأخيراً، تعمل الأهداف المشتركة والقيم المشتركة على تعزيز التركيز والتماسك والمرونة في خضم التغيير ثلاثي الأبعاد.

 

إذا قلنا أن عام 2020 كان مليئاً بالزعزعة والتغييرات، فنحن بذلك نهوّن مما هو عليه الوضع بالفعل. فقد شهدت حياتنا اليومية تغيرات سريعة متعددة الأبعاد فيما يتعلق بتعليم أطفالنا والحفاظ على صحتنا والعمل من المنزل والعادات الاجتماعية كتناول العشاء مع الأصدقاء. كما تسارعت التوجهات الناشئة، كالمحاكاة الافتراضية لمكان العمل والتعلم عبر الإنترنت والرعاية الصحية الافتراضية والتجارة الإلكترونية، بصورة هائلة. فالتغييرات التي كان من المتوقع أن تستغرق أعواماً حدثت في شهور، بل في أسابيع أو أيام في بعض الأحيان. من المفهوم أن القادة كافحوا بقوة من أجل مواجهة هذه التغييرات المتداخلة بصورة متزامنة، فقد تعين عليهم التعامل مع الأزمات الاقتصادية والصحية واللوجستية التي ظهرت بسرعة كبيرة.

التغيير ثلاثي الأبعاد

وبقدر ما نود أن ننظر إلى عام 2020 على أنه حالة شاذة، إلا أنه قد لا يكون كذلك. فقد كانت الظروف المواتية للتغيير المتسارع تتهيأ منذ سنوات. كما أن التطورات في تقنية المعلومات والأتمتة والترابط البشري والذكاء الاصطناعي والآثار المترتبة على وجود شبكات بينهم، خلقت واقعاً جديدة أصبح فيه التغيير أكثر سرعة واستمراراً وانتشاراً. كشفت أزمة "كوفيد-19" وتداعياتها عن "واقع جديد" للتغيير يتصف بأبعاد ثلاثة:

  • مستمر: يحدث طوال الوقت وبطريقة مستمرة.
  • واسع النطاق : يظهر في جوانب متعددة من الحياة في وقت واحد.
  • متسارع: يتسارع بمعدل متزايد.

يحدد هذا التغيير ثلاثي الأبعاد شكل مستقبلنا، ونتيجة لذلك سيتم تعريف القيادة الفاعلة من خلال القدرة على التعامل مع هذا الواقع الجديد.

المشكلة هي أن نماذجنا للقيادة لم تُصمم لهذا النوع من التغيير ثلاثي الأبعاد. فقد شبّت عقولنا على التفكير خطياً ومحلياً وليس أسياً ومنهجياً في مواجهة التحديات. قال عالم المستقبليات المشهور رايمون كرزويل (راي): "يُساء فهم المستقبل على نطاق واسع. فقد توقع أجدادنا أنه سيشبه إلى حد كبير حاضرهم الذي كان يشبه ماضيهم إلى حد كبير أيضاً". ولكن إسقاط ماضينا على مستقبلنا يعرضنا للوقوع في خطأ جوهري: إذ لا يمكن أبداً للتفكير الخطي اللحاق بركب التغيير ثلاثي الأبعاد الذي يحدث من حولنا والتكيف معه؛ لأنه بكل بساطة سريع ومعقد للغاية.

ولذلك فإننا نحتاج إلى شكل جديد من القادة المجهزين على نحو أفضل للتعامل مع هذا النوع من التغيير الذي لم يسبق له مثيل. ولهذا الغرض، جمعنا تحت مظلة "جامعة ستانفورد" شخصيات عالمية بارزة، وهم القادة الذين يُحدثون تأثيرات وتغييرات على نطاق عالمي، لإجراء محادثات حول مستقبل القيادة وصناعة التغيير. وقد أثمر ذلك عن رؤية جديدة للقيادة نُطلق عليها "القيادة الحكيمة". يتصف القائد الحكيم بالذكاء والحصافة والفطنة في التعامل مع التغيير وفي الوقت ذاته يتحلى بالإنسانية في مواجهة التغيير الذي غالباً ما يبدو غريباً. وهذا النوع من القيادة يتطلب قائداً مخالفاً للعرف، وهو أمر مناف للمنطق. إذ يجب أن يُظهر القادة الحكماء المصداقية والتواضع ومواطن الضعف، ما يبعث على الثقة والأمان النفسي اللازمين للتحفيز على التعلم المشترك وتبادل المعلومات، وهو ما يؤدي إلى تحسين الأداء الجماعي وبناء مستقبل أفضل للجميع.

قيود التفكير الخطي في عصر التغيير ثلاثي الأبعاد

يمكن أن يكون نموذج القيادة الذي يعتمد على التفكير الخطي المحلي مفيداً في عالم مستقر نسبياً ويمكن التنبؤ به في الغالب، حيث يكون التغيير تدريجياً وتتخلله دفعات من التغييرات الكبيرة، التي غالباً ما نطلق عليها "زعزعة". تركز الكثير من أدبيات القيادة على صفات القائد ومهاراته وقدراته بوصفه فرداً، وعلى الخرائط الخطية والمحلية التي يستخدمها للتعامل مع العالم. ولكن التغيير ثلاثي الأبعاد يمثل بيئة "في عرض البحر" حيثما يتنقل القائد بين مجالات متعددة للتغيير على نحو متزامن، وكأنه يجابه أمواجاً وطقساً دائم التغير. وفي هذه البيئة لا يمكن للتفكير الخطي والمحلي التكيف بسرعة كافية أبداً، ما يجعلنا غير مجهزين لإدارة أعمالنا وبيئات عملنا المتغيرة باستمرار وصحتنا الجسدية والنفسية ورفاهنا والتوجهات الرئيسية التي تشكّل مجتمعاتنا وثقافاتنا.

التغيير بطبيعته يُشعِر الأشخاص بالارتباك والضعف والانكسار في وقت تُعد فيه المرونة والترابط والتعاون من الأشياء الضرورية ليكون الأداء في أعلى مستوياته. وتشير مجموعة جديدة من الأدبيات إلى الأمان النفسي والهدف المشترك والإدراك الموزّع على أنها محركات قوية للقيادة والفريق والأداء المؤسسي، لاسيما في البيئات سريعة التغير. فقد ولّت أيام "القائد البطل"؛ أي القائد المنفرد الأناني الذي يبث الثقة بطريقة جبرية للمضي قدماً. لم يتسارع هذا التطور في طريقة تفكيرنا في التغيير والقيادة إلا في العام الماضي.

وبالمصادفة أصبحت دورتنا التدريبية الربيعية في "جامعة ستانفورد"، ضمن برنامج "ليد 111" (LEAD 111) تحت عنوان "شخصيات بارزة: دروس في الحياة مستقاة من القادة وصناع التغيير" بمثابة دراسة حول كيفية تجسيد كبار القادة لهذا النهج الناشئ في القيادة. تم وضع اللمسات الأخيرة على هذه الدورة قبل أسبوع واحد من انتشار جائحة "كوفيد-19" في الساحل الغربي للولايات المتحدة، وقد كانت خطتنا الأصلية تتمثل في وضع إطار عمل جديد للقيادة مناسب لأوقات الاضطرابات والتغيرات المتسارعة والبيئات السياسية والاجتماعية بالغة الاستقطاب. وقد صممنا هذه الدورة التدريبية لإشراك القادة وصناع التغيير في محادثات عبر مختلف القطاعات والأجيال والأطياف السياسية. أردنا أن نعرف كيف يعمل القادة الموجهون نحو التغيير. ولكن مع انتشار الجائحة، وسّعنا نطاق الدورة التدريبية لوضع نموذج جديد للقيادة. ولإدراكنا أن لهذه التساؤلات أهمية كبيرة وملحة، دعونا عدداً أكبر من القادة داخل مجتمع "جامعة ستانفورد" وخارجه لدراسة الكيفية التي كانوا يتعاملون بها مع هذا التغيير ثلاثي الأبعاد.

أشركنا قادة من مختلف القطاعات لتحليل كيفية تكيفهم مع التغيير بصورة آنية، بما يشمل: قادة القطاعات مثل دوغ ماكميلون مدير شركة "وول مارت" (Walmart) ورئيسها التنفيذي ورئيس "جمعية بزنس راوند تيبل" (Business Roundtable)، ومبتكرين في قطاع الرعاية الصحية مثل توبي كوسغروف الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة "كليفلاند كلينك" (Cleveland Clinic) وجراح القلب والمستشار بالبيت الأبيض، وصناع التغيير الاجتماعي البارزين على مستوى العالم مثل هالا توماسدوتير الرئيسة التنفيذية لمؤسسة "ذا بي تيم" (The B Team) والمستثمرة والمؤسِسة المشاركة لجامعة ريكيافيك (Reykjavik University) والتي جاءت في المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية الآيسلندية لعام 2016، وتقنيين ومبتكرين رائدين مثل بريت تايلور رئيس شركة "سيلز فورس" (Salesforce) ورئيس العمليات بها وقد شارك في إنشاء خدمة خرائط جوجل وزر "أعجبني" كما أنه عضو في مجلس إدارة شركة "تويتر".

وكان السؤال الأساسي هو: إذا كان تعريف القيادة يتم بشكل كبير من خلال القدرة على التعامل مع التغيير ثلاثي الأبعاد بمهارة، فما هو نوع القيادة الذي سيكون الأكثر فاعلية لمستقبلنا والذي سيحدده التغيير ثلاثي الأبعاد؟ وقد شكّلت الإجابات عن هذا السؤال أساس القيادة الحكيمة.

كيف تكون قائداً حكيماً؟

انبثقت الركائز الأربعة للقيادة الحكيمة من نقاشاتنا مع شخصيات بارزة بينما كانوا يتعاملون مع التغيير ثلاثي الأبعاد في الوقت الحقيقي، فقد صاغ كل قائد نسخة من هذه الأفكار بشكل أو بآخر. إذ إن تواضع القائد ومصداقيته وانفتاحه جميعها تغرس الثقة والأمان النفسي اللذين يمكّنان الأفراد والفِرق من الأداء بأقصى قدراتهم. علاوة على ذلك، تُعد فِرق التعلم المستمر ضرورية لمواكبة التغيير ثلاثي الأبعاد والتعامل معه بفاعلية. وأخيراً، تعمل الأهداف والقيم المشتركة على تعزيز التركيز والترابط والمرونة في خضم التغيير ثلاثي الأبعاد.

1. تواضع القائد ومصداقيته وانفتاحه جميعها أمور تغرس الثقة والأمان النفسي

في الأوقات التي يشوبها القلق والغموض، غالباً ما يتصرف القادة بغرور، ما يؤدي إلى المبالغة في تصوّر السلطة والسيطرة. ولكن على النقيض من ذلك كانت هالا توماسدوتير نموذجاً للمصداقية والتواضع عندما فكرت في التحديات التي تواجهها في أثناء ترشحها للانتخابات الرئاسية الآيسلندية. فقد شككت بشكل صريح، إلى جانب العديد من شخصياتنا البارزة، في النموذج التقليدي للقائد بوصفه بطلاً أنانياً. ولذلك سلطت الضوء على الحاجة إلى بناء الثقة من خلال الانفتاح قائلة: "ما أظهرته لنا هذه الأزمة هو أن أسلوب القيادة القائم على 'أنا أعرف كل شيء' ليس أسلوباً جيداً أو مناسباً لهذا الوقت أو للتعامل مع أي تحديات أخرى سنواجهها وسنحتاج إلى التعامل معها بصورة جماعية وتعاونية وبكل تعاطف وعناية".

في عالم التغيير ثلاثي الأبعاد يحتاج القادة إلى تطوير أنفسهم باستمرار لكي تتطور مؤسساتهم وتنمو. وبدلاً من رضوخ المؤسسة لإرادة القائد، يجب أن يكون القائد على استعداد لإظهار التواضع والمرونة والتغير وفقاً لما تتطلبه المؤسسة والظروف. وقد جسدت توماسدوتير هذه الفكرة في فلسفتها الشخصية: "القيادة ليست حكراً على فئة قليلة فحسب، ولكنها بداخلنا جميعاً، والحياة تتمحور حول إطلاق العنان لها". فأسلوب القيادة هذا، الذي يولّد الثقة والأمان النفسي داخل الفِرق والمؤسسات، هو ما يحفّز الكثير من أعمالها مع أعضاء مؤسسة "ذا بي تيم" التي تقودها، ومن بين هؤلاء الأعضاء السير ريتشارد برانسون وأريانا هافينغتون وأجاي بانغا وماري روبنسون ومارك بينيوف.

أكدت الشخصيات البارزة الأخرى رسالة توماسدوتير حول القيادة الرشيدة في سياق التغيير ثلاثي الأبعاد. إذ قال دوغ ماكميلون: "لا أدير 'وول مارت'، بل أساعد في قيادتها"، مؤكداً أن القيادة من هذا النوع تحتاج إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من مجرد الكلمات. وأضاف أن القادة "ينبغي لهم عيش هذا النوع من القيادة. إذ يجب أن يكون صادقاً واعتيادياً".

2. دور الثقة والأمان النفسي في تمكين الأفراد والفِرق

يزيد التغيير ثلاثي الأبعاد من ميولنا الفطرية والتطورية للاتجاه نحو تصوُّر التهديدات والشعور بالقلق والانقسام عند التعرض للضغط ومواجهة الغموض. ولذلك فإن الأمان النفسي يصبح أكثر أهمية في أوقات التغيير هذه. إذ إن الأفراد والفِرق يزدهرون وينجحون في البيئات حيثما تتوفّر الثقة والأمان النفسي. في دراسة حديثة مستفيضة في "جوجل" أُطلق عليها اسم "مشروع أرسطو" (Project Aristotle)، نظراً إلى المقولة التي كثيراً ما تُنسب إليه "الكل أكبر من مجموع الأجزاء"، وجد الباحثون أن الأمان النفسي هو العامل الأكثر أهمية المقترن بالفِرق الأعلى أداء. فعندما يشعر أعضاء الفريق بالأمان إزاء المجازفة وإظهار ضعفهم أمام بعضهم بعضاً، فإنهم يؤدون أعمالهم على أفضل وجه.

تمثل الموضوع الثابت الذي تم تناوله خلال المحادثات مع جميع الشخصيات البارزة في الطابع الأساسي اللازم لتمكين الفِرق والأفراد من الأداء بأقصى قدراتهم، لاسيما في الوقت الحالي. يقول بريت تايلور رئيس العمليات بشركة "سيلز فورس": "التغيير ليس رياضة فردية، فجميع التغييرات العظيمة أجرتها فِرق ومجتمعات وشبكات عظيمة". وعندما تذكّر الأوقات التي شهدت تغييرات سريعة طوال مسيرته المهنية، كإنشاء خدمة خرائط جوجل واختراع زر "أعجبني" والتوسع السريع في جميع أنحاء العالم خلال الأيام الأولى لشركة "فيسبوك"، أكّد على أهمية القيادة التي تشجع على بناء علاقات قوية والتواصل المرن وبناء الثقة اللازمة ليقدم الفريق أداء استثنائياً.

3. فِرق التعلم المستمر تساعد في التعامل بفاعلية مع التغيير ثلاثي الأبعاد

في عالم التغيير ثلاثي الأبعاد، يتعين على القادة الحكماء وفِرقهم ومؤسساتهم التعلم باستمرار وتحديث الخرائط الذهنية واستخدام أدوات جديدة وتصحيح المسار بناء على أفضل الأفكار والممارسات. يقول توبي كوسغروف واصفاً انفتاحه على تعلُّم أفكار تحويلية من أي مكان يمكنه الوصول إليه: "إذا كنت ترغب في إجراء تغيير في شيء ما، فعليك التعمق فيه". عندما كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة "كليفلاند كلينك"، كان يغمر نفسه بانتظام في سياقات يمكنه من خلالها تعلُّم طريقة أفضل للقيام بالأشياء. إذ قال: "إذا سمعت أن شخصاً ما يفعل شيئاً مختلفاً في مكان ما في العالم، سأحضر قلماً وورقة وأذهب لأعرف كيف يفعله". وأضاف: "فقد سافرت إلى أماكن وتعلمت أشياء وحاولت دمجها في طريقة عملي والاستفادة منها". فما كان يفعله بوصفه قائداً هو نمذجة القيادة باعتبارها عملية للتعلم المستمر لكي يتمكن الآخرون من محاكاتها بطريقتهم، وفي الوقت نفسه نشر ما تعلمه على نطاق المؤسسة لتحسين العمليات الحالية وابتكار عمليات جديدة.

لا يمكن لأي شخص أو مؤسسة إجادة جميع المعارف في جميع المجالات أو إتقان ما يكفي من المهارات على نطاق واسع وبعمق وسرعة لمواكبة التغيير ثلاثي الأبعاد. وبدلاً من ذلك، يجب أن تشجع القيادة على التعلم الذي تعززه الثقافة وأن يحدث ذلك عبر مجموعة متنوعة من المجالات، مع تنسيقه مع الجميع ومشاركته بشكل علني وقابل للتطبيق لرسم الصورة الأكبر. فالأمر شبيه بالصورة الفسيفسائية، أو العين المركبة، إذ تعمل آلاف من الوحدات المستقبِلة المعينة الموجهة في اتجاهات مختلفة بالتنسيق مع بعضها لتكوين رسم منظوري مركب بزاوية رؤية واسعة للغاية، ويتم تحديثه باستمرار في الوقت الحقيقي مع تنقُّل الجسم عبر الزمان والمكان. ودون بيانات ومدخلات لدمجها من أجل التفاهم والعمل، سيصبح الفريق أو المؤسسة في حالة عسر على الدوام. ولذلك من أجل مواكبة التغيير ثلاثي الأبعاد، يحتاج القائد الحكيم إلى تعزيز نطاق التعلم وعمقه ووتيرته في مؤسسته ليتمكن من التعامل مع مدى التغيير وسرعته.

4. تعمل الأهداف والقيم المشتركة على تعزيز التركيز والترابط والمرونة في خضم التغيير ثلاثي الأبعاد

الأستاذ بيل ديمون زميلنا الموقر في "جامعة ستانفورد" وأحد الباحثين الرائدين في الأهداف والغايات يُعرّف الهدف على أنه نية ثابتة لإنجاز شيء ما يتصف بأنه ذو مغزى على الصعيد الشخصي ويخدم العالم أكثر من الذات. فالهدف، المستلهَم حتماً من قيمنا والنابع من الشعور بالمعنى الشخصي، يوحِّد عالمنا الداخلي مع أفعالنا في العالم من حولنا بطريقة فريدة وفعالة لخدمة رؤية أكبر من أنفسنا.

في أوقات التغيير ثلاثي الأبعاد، الذي يفاقم بطبيعته حالة القلق والغموض، تساعد الأهداف والقيم المشتركة على زيادة تركيز المؤسسة والمرونة الشخصية والجماعية وتعزيز الترابط بين أعضاء الفريق. كما يمكن للأهداف والقيم المشتركة حشد أعداد كبيرة من الأشخاص لحل المشكلات المعقدة معاً بفاعلية.

سرد دوغ ماكميلون، الرئيس التنفيذي لشركة "وول مارت" ورئيس "جمعية بزنس راوند تيبل"، المبادئ التوجيهية الخمسة لشركة "وول مارت" التي ساعدت على زيادة تركيز المؤسسة وتعزيز المرونة ووفرت أساساً لاتخاذ إجراءات متماسكة خلال المراحل الصعبة الأولى من الجائحة.

1- البدء بالموظفين: "ندعم الصحة المالية والجسدية والعاطفية ورفاهة شركائنا؛ فهم يعملون في الخطوط الأمامية".

2- التركيز على الأساسيات والمبادئ الأولية: "نخدم عملاءنا؛ ويتعين علينا الحفاظ على استمرارية سلسلة توريد المواد الغذائية لتجنب الفوضى".

3- التأكد أن نظامنا الداخلي تحت السيطرة: "إدارة الأعمال خلال الأزمة مع التأكد من أن المخزون تحت السيطرة وأن لدينا تدفقات نقدية، وما إلى ذلك".

4- الاستمرار في البناء من أجل المستقبل وليس الماضي: "الاستمرار بشكل صارم في التجارة الإلكترونية وتوصيل البقالة عبر الإنترنت وتعزيز ما تم اعتماده بالفعل لاحتياج العملاء إليه".

5- جميعنا في قارب واحد: "ما الذي يمكننا فعله لمساعدة الآخرين خلال هذه الأزمة وسيعود بالنفع على الشركة والمجتمع".

ذكر دوغ الكيفية التي وجّهت بها هذه المبادئ إجراءات شركة "وول مارت" في بداية الاضطرابات الناتجة عن جائحة "كوفيد-19". فقد تذكّر قائلاً: "تلقينا مكالمة من البيت الأبيض تحمل طلباً بفتح محطات فحص متنقلة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية في مواقف سيارات 'وول مارت'". وأضاف: "على الرغم من أننا لا نعرف تحديداً كيفية القيام بذلك ولم تكن لدينا طريقة لفرض رسوم على هذا الأمر، فإن استجابة 'وول مارت' اتسمت بالالتزام التام والسرعة واتساع النطاق مع توزعها في شتى المناطق الجغرافية. فقد كانت القيم الروحية لـ 'وول مارت' خلال هذا الوقت هي: 'لا تقلق بشأن الأمور المالية قصيرة الأجل. اذهب وافعل ما هو صائب وستتحسن الأحوال في النهاية'".

سمحت الأهداف والقيم المشتركة المبينة في المبادئ التوجيهية الخمسة لشركة "وول مارت" بأن يتخذ الكثير من الأشخاص إجراءات جماعية اتسمت بأنها مركزة ومترابطة ومرنة على نطاق مناطق جغرافية متعددة في وقت مبكر من التغيير ثلاثي الأبعاد. وقد ساعد هذا التركيز والترابط على التعلم السريع للمهارات الجديدة، والتعامل بحزم خلال الفترات التي يشوبها القلق والغموض، إلى جانب التشجيع على العمل معاً لتحقيق هدف مشترك أكبر من أي فرد أو شركة. علاوة على ذلك، شجعت المرونة على تجربة أشياء جديدة وتنفيذها بسرعة، دون استسلام، في مواجهة التغييرات والتحديات المستمرة.

مستقبل القيادة

إلى جانب التحديات العديدة التي جلبها عام 2020، يجب أن ندرك أن التغيير ثلاثي الأبعاد هو الواقع الجديد. إذ إن التعامل مع التغيير ثلاثي الأبعاد هو الاختبار الجوهري لمدى فاعلية القيادة في هذا العصر. والقادة والفِرق والمؤسسات الذين لا يتعاملون مع هذا التغيير بمهارة سيفشلون. إذ يتطلب التعامل مع هذا الواقع الجديد ببراعة إجراء تحسينات أساسية على قدراتنا الجماعية. والقيادة الرشيدة تتيح البناء المستمر وواسع النطاق والمتسارع للقدرات اللازمة للتعامل مع التغيير ثلاثي الأبعاد بفاعلية. علاوة على ذلك، كشفت محادثاتنا الأخيرة مع القادة الحكماء عن طرق جديدة يمكن بها للتقنيات التحويلية ومتسارعة التطور أن تعزز القدرات البشرية وتنميها. وهذا الموضوع هو أساس مقالة أخرى نحن بصدد إعدادها.

أساس القيادة الحكيمة هو أن تتلاءم مع التاريخ الطويل لتطورنا نحن البشر. فالتصرف بحكمة هو طبيعة بشرية؛ فمن طبيعتنا أن نتكيف وإلا سنهلك. ووجه التحدي في التغيير ثلاثي الأبعاد هو أنه يفاقم الضغوط الواقعة على القادة والفِرق والمؤسسات للتطور والتكيف بشكل أسرع أو سيصبحون عديمي الأهمية. فالتغيير الذي كان يحدث على مدار سنوات أو عقود يحدث الآن في أسابيع أو أيام. ونحن البشر لم نواجه أبداً تغييراً بهذا الحجم أو بهذه الوتيرة المتسارعة. ولذلك فإن القيادة الحكيمة هي إطار عمل يساعد على التكيف السريع بطريقة حكيمة وإنسانية، وفي صميم هيكله يتحتم على القادة والفِرق والمؤسسات التطور باستمرار للتغلب على تحديات التغيير ثلاثي الأبعاد. فالقادة الحكماء ومؤسساتهم الناجحة يتغيرون على الدوام لمواكبة أي تغيير.

اقرأ أيضاً: كيفية التعامل مع مقاومة التغيير

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي