ما الذي يمكن أن يتعلمه مدراء الإدارة الوسطى من الوكلاء والسماسرة والوسطاء الآخرين؟

4 دقائق
ما يمكن أن يتعلمه مدراء الإدارة الوسطى
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بينما كنت أجري بعض الأبحاث اللازمة للإعداد لكتابي الجديد عن الوسطاء، صادفت بعض الأشخاص ممن لم يفهموا عمن أتحدث. حتى أنهم كانوا يسألون: “هل تقصد مدراء الإدارة الوسطى؟”. عندها كنت أجاوب موضحاً: “كلا، أقصد السماسرة والوكلاء والموزعين والأسواق ثنائية الاتجاه مثل “إير بي إن بي” (Airbnb)، و”أوبن تيبل” (OpenTable)، و”تاسك رابيت” (TaskRabbit). بعبارة أخرى، كنت أتحرى عن الأشخاص الذين يعملون كحلقة وصل بين المشترين والبائعين في السوق المفتوحة، وليس في إحدى الشركات.

مدراء الإدارة الوسطى هم الوسطاء

ولكن في مرحلة ما من مراحل إعداد التقرير، ومن خلال اتساع معرفتي عن الصفات المشتركة بين الوسطاء الفاعلين في جميع القطاعات، اتضح لي أن مدراء الإدارة الوسطى، إضافة إلى المدراء والمهنيين في جميع المستويات الإدارية، يندرجون حتماً تحت مسمى الوسطاء. فعلى حد تعبير الرأسمالي المغامر (الجريء) مايك مابلز الابن: “يتمثل دور الوسطاء في ربط حلقات الشبكة، ما يؤدي إلى زيادة قيمة هذه الشبكة”. وفي ظل تزايد أهمية الاتصال في عالم اليوم، أصبحنا جميعاً وسطاء محتملين، خاضعين لنفس المخاطر والفرص.

وعلى الرغم من ذلك ما زال مصطلح “الوسيط” يستحضر لدينا صورة سلبية على أنه وسيط متطفل، فهو ذلك الشخص الذي يتسبب بزيادة التكاليف كما أن وجوده يساهم في إبطاء سير الأمور. ولكن الحقيقة معاكسة لذلك التصور تقريباً: فمن خلال تخصص الوسطاء (في مجموعة المهارات الخاصة بعملهم)، يتمكنون عادة من تسيير الأمور بطريقة أكثر فاعلية مقارنة بأولئك المتخصصين في وظائف العمل الأخرى. (هل سبق لك وأن قمت بإحصاء الساعات التي قضيتها في التخطيط لآخر رحلة قمت بها إلى الخارج في حال لم تكن تتعامل مع وكيل للسفريات لاختصار عملية البحث؟) بعبارة أخرى، نحن نتكبد تكاليف الصفقات، في حين أنه بوسع الوسطاء مساعدتنا على خفض هذه التكاليف. فإن كان بإمكانك تخفيض تكاليف الصفقات للآخرين، إذاً يمكنك أن تكون بدورك وسيطاً مهماً. ولقد نجح الوسطاء الذين قمت بدراستهم في هذه المهمة من خلال عدة طرق أساسية.

كيف يساعد مدراء الإدارة الوسطى في تخفيض التكاليف؟

وهنا نجد أنه يمكن لمدراء الإدارة الوسطى وللمهنيين أيضاً استخدام ثلاث من تلك الطرق بفعالية:

ابحث عن ثغرات التواصل بين الصوامع المنعزلة، فهناك تكمن الفرصة. إن إحدى السمات المألوفة جداً في المؤسسات الكبيرة هي الصوامع المنعزلة، والتي تُعد نتاجاً مؤسفاً لتخصص كل قسم من أقسام المؤسسة في الأنشطة التي يبرع فيها فقط. فمع احتجاز المعلومات المهمة ضمن هذه الصوامع المنعزلة، قد تصبح المعلومات الإجمالية في المؤسسة أقل أهمية من تلك الموجودة في مجموع أجزائها. وفي المقابل قد تشكل مثل هذه الثغرات بين المجموعات فرصاً لعمل الوسطاء المحتملين، أولئك الأشخاص القادرين على سد الثغرات، أي تلك “الثغرات البنيوية” في النسيج الاجتماعي، كما يسميها عالم الاجتماع بجامعة “شيكاغو” رون بورت، حيث يمكن للأشخاص المتوافقين مع كلا الطرفين، (أولئك الذين يفهمون احتياجات وموارد كل منهما)، نقل الموارد الصحيحة عبر تلك الثغرات في الوقت المناسب، وتحقيق المكاسب لمؤسستهم علاوة على مكاسبهم الخاصة. كما لا يفترض أن يتمتع هؤلاء الذين يمثلون “الجسور”، كما أسميهم، بأي سلطة رسمية، فهم يبرزون كما لو أنهم قادة من خلال عملهم وأدائهم مثل القادة.

ولكن لتتمكن تلك الجسور من العمل بفاعلية فلا يجوز لنا أن ننظر إليهم على أنهم مصدر لاستنزاف موارد أي من الطرفين، ومن ثم يترتب عليهم في المقابل تقديم فائدة فورية. فجميع الوسطاء المحترفين يعتمدون أسلوب العطاء قبل الأخذ، سواء كانوا من مستخدمي موقع “كريغزلست” (Craigslist) لبيع الأدوات الكهربائية أو يعملون في الأسواق ثنائية الاتجاه مثل “إير بي إن بي”. كما أن هذه الحالة تنطبق على الشركات الكبرى؛ فإذا كنت مديراً لقسم دعم العملاء وتعمل على مشاركة خبراتك في المبيعات أو تطوير المنتجات، عليك فهم مشاكلهم الخاصة إضافة لتقديم الحلول الجاهزة، دون إتخام جداول مواعيدهم المزدحمة، حتى تتمكن من كسب اهتمامهم وثقتهم. وفي المقابل، يُقابَل المتطفلون إلى حد ما باستياء لأنهم لم يكتسبوا تأييد المجموعات الأخرى قبل أن يشغلوا وقتها.

الحفاظ على مصداقية كلا الطرفين. تنبع سلطة الوسيط في مختلف الحالات من قدرته الفريدة على إلزام كلا الطرفين أو أحدهما بالمسؤولية، حيث تمنح الصفقات المتكررة الوسطاء قدراً لا يستهان به من المعلومات عن الماضي، إضافة إلى المزيد من النفوذ المستقبلي.

على سبيل المثال، لننظر إلى عمل منظِمة حفلات الزفاف، حيث يتمتع الزبون (العروس) بخبرة محدودة في تنظيم حفلات الزفاف، وفي المقابل يركز مقدمو الخدمات والبائعون (منسقو الموسيقى وبائعو الزهور، وما إلى ذلك) على تنفيذ مهمتهم فقط. أما بالنسبة لمنظِمة حفلات الزفاف، فتستطيع بدورها الحصول على أفضل الخدمات من منسقي الزهور ومنسقي الموسيقى، مقارنة بالعروس وذلك نظراً لخبرتها في التعامل مع البائعين، ومعرفتها بالأسئلة الواجب طرحها، والأهم من ذلك مكانتها التي تؤهلها بتكليف هؤلاء البائعين ببعض الأعمال المستقبلية، إضافة لذلك يقدّر البائعون منظمي حفلات الزفاف البارعين، لأن التعامل معهم يحميهم من الطلبات غير المجدية للعروس أو تلك الطلبات التي قد تظهر في اللحظة الأخيرة.

وهذا ينطبق أيضاً على المدراء والمهنيين: فإذا كنت طبيباً فعلى الأرجح ستشير على المرضى بالذهاب إلى أحد الأخصائيين، ذلك لأنك تعرف أكثر من المرضى عن مؤهلات ذلك الاختصاصي؛ علاوة على وجودك في موضع يسمح لك بإجراء إحالات لمرضى في المستقبل إلى ذلك الاختصاصي أو الامتناع عن ذلك، ما يجعلك مسيطراً على هذه العلاقة، وذلك فقط في حال استخدامك لهذه المكانة الفريدة لمعرفة كيف أبلى هذا الاختصاصي في عمله، إضافة إلى إمكانية استخدامك لتلك المعلومات لصالح مرضاك في المستقبل. فالنتائج قد تكون خارج نطاق سيطرتك، ولكن سواء كنت طبيباً أو محامياً أو مديراً، فإن جودة العمل الذي يقوم به الأشخاص الذين تعينهم أو توصي بهم ستنعكس عليك، لذا يتعين عليك أن تتحمل مسؤولية أعمالهم.

يجب أن تكون بمثابة نقطة الوصل لفريقك. إن انتشار استخدام البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي جعل من السهل على أي شخص أن يتصل بأي شخص آخر، إضافة إلى ذلك وضعت محركات البحث بين أيدينا كميات لا تحصى من البيانات. ولكن هناك مقابل لهذه المنافذ المباشرة التي تتيح الوصول للناس والمعلومات: فكلما ازدادت كمية المعلومات التي نتحصل عليها، ازداد الوقت المطلوب لمعالجتها.

وهنا يبرز دور الوسطاء، حيث يمكنهم المساعدة في التخلص من هذا العبء. تماماً كما يستطيع الوكلاء الأدبيون أن يوفروا على الكتّاب التجاهل الذي قد تتلقاه أعمالهم عندما يرسلوها بأنفسهم إلى دور النشر؛ وبوسع وكلاء السفريات المختصين في الوجهة التي قمت باختيارها أن يوفروا عليك بعض الوقت الذي قد تهدره في التخطيط لمسار رحلة معقد؛ كما يمكن للمديرة أن تساعد موظفيها من خلال توضيح المهام، وتفسير الرسائل في ضوء مهمة المجموعة، وتحديد الطلبات التي تستدعي اهتمام مجموعتها. وعلى الرغم من أن الانفتاح التام يبدو كهدف باهر، فإن توخي الحذر والعمل على تصفية المعلومات يرفع من سوية عملك كوسيط مقارنة باكتفائك بلعب دور الناقل دون أي تدخل. تحذير: يجب أن تصب قراراتك حول المعلومات التي يجب حجبها في مصلحة فريقك بشكل لا لبس فيه، وإلا فستجازف بأن تبدو كمحتكر للمعلومات المهمة.

فمن الممكن لمدير الإدارة الوسطى أو للوسيط الفعال أن يلعب دور الجهة المنفذة الفعالة للسلوك الطيب، إضافة إلى اعتباره الجسر المتين لربط الانقسامات الثقافية، والعديد من الأدوار الأخرى التي لا غنى عنها. ولكن الاضطلاع بهذه الأدوار يتطلب منك فهم الدور المنوط بك واتخاذ الإجراءات المناسبة، وعدم الاقتصار على نقل المعلومات فقط، أو ما هو أسوأ من ذلك، العمل كطرف زائد لا حاجة له. لا أحد يحب السماسرة إجمالاً إلا إذا لعب هذا السمسار دوراً فعالاً في زيادة الأرباح إلى جانب عدم طمعه بحصة أكبر من الأرباح.

اقرأ أيضاً: فن طلب المساعدة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .