عندما سميت جائحة "كوفيد-19" أزمة صحية عامة في وقت سابق من العام 2020، غادر عشرات الآلاف من الموظفين حول العالم مكاتبهم للعمل من منازلهم على مدى المستقبل المنظور. وقد نحتاج إلى أعوام لنفهم التأثير الكامل لهذه النقلة المفاجئة إلى العمل الافتراضي على الموظفين والشركات، لكن لم يستغرق كثير منا وقتاً طويلاً كي يبدؤوا بالتساؤل عن أثر الاجتماعات الافتراضية على الأمان النفسي، أي شعور الموظفين أنهم يستطيعون طرح أسئلتهم ومخاوفهم وأفكارهم دون الخوف من التداعيات الشخصية. فكيف يمكن يمكننا تعزيز الأمان النفسي في اجتماعات العمل عن بعد؟
الأمور المسببة للتوتر في الاجتماعات الافتراضية
ثمة أسباب وجيهة للشعور بالقلق. إذ يكاد يكون مستحيلاً ملاحظة الإشارات الاجتماعية أو الموافقة غير اللفظية، وقد يشعر أفراد الفريق بالعزلة دون الدعم الطبيعي المتمثل بإيماءة من شخص حليف على الجهة المقابلة من الطاولة. وتحاصرنا مشتتات الانتباه من كل الجهات، مثل الرسائل الإلكترونية والرسائل النصية، وأجراس الأبواب، والأطفال والحيوانات الأليفة.
وإذا كانت الاجتماعات الافتراضية صعبة بطبيعتها، فإن البيئة الحالية للتهديدات الصحية والاقتصادية والعمل الإضافي والاضطراب الاجتماعي، تزيد من صعوبتها.
لكن الخبر الجيد هو أن التقنية ذاتها التي تعارض الشعور بالراحة والتفاهم المتبادل تقدم طرقاً للتخلص من هذه الخسائر. ومن خلال عملنا في قيادة مئات الجلسات الافتراضية، تمكنا من تحديد فرص ومخاطر مترافقة مع كل من الأدوات العديدة المتاحة في معظم منصات الاجتماعات عبر الإنترنت.
حلول تقنية يمكن استخدامها أثناء الاجتماعات الافتراضية
رفع اليد. تساعد ميزة رفع اليد التي تبدو بسيطة ظاهرياً على الإشارة إلى الرغبة في التحدث، لكنها قد تسفر بسهولة عن "نفي زائف". كان أحدنا حاضراً مع مدير قال: "ارفع يدك إذا كانت لديك تجربة شخصية مع شخص يصارع كوفيد-19". وعندما لم يضغط أحد من الحاضرين على زر رفع اليد قال: "رائع، لأنني سأحتاج إلى كامل جهودكم في المشروع الذي سنناقشه". للأسف، لم يتمكن اثنان من أفراد الفريق، كانا يقدمان الرعاية لشخصين مسنين مصابين بـ"كوفيد-19"، من استخدام الميزة، ربما لأنهما لم يعثرا على الزر بسرعة كافية أو لأنهما شعرا بتردد في الإفصاح عن معلومات شخصية.
لذا، يمكن أن تكون ميزتا الإجابة بنعم أو لا والاستبيان من دون الكشف عن الهوية فعالتين عند الحاجة إلى مجموعة كاملة من الأجوبة.
تتيح ميزة الإجابة بنعم أو لا الحصول على إجابة سريعة من الجميع، وهي عبارة عن إشارة "صح" خضراء وإشارة "خطأ" (X) حمراء، يمكن للقائد دعوة الحاضرين الذين لم يشاركوا في التصويت إلى الإدلاء بأصواتهم، ليعلن عن مطالبة الجميع بالإدلاء بأصواتهم. المشكلة الوحيدة في هذه الميزة هي أن جميع القضايا لا تقبل بطبيعتها الإجابة بنعم أو لا. ومن أجل الحصول على أصوات متنوعة أكثر، يمكن أن تعتبر ميزات الدردشة والاستبيان بدائل جديرة بالاهتمام.
الاستبيانات. تسهل الاستبيانات دون الكشف عن الهوية من سهولة التعبير عن الرأي دون الخوف من الإقصاء، وتساعد النتائج في تحفيز عملية سبر مدروس يساعد على التعمق في وجهات النظر. وتنجح هذه الأداة أكثر عندما يتعامل القادة مع وجهات النظر المتنوعة على أنها مورد قبل طرح أسئلة مثل: "ما الذي يؤدي إلى هذا الانتشار برأي الموظفين؟"
خذ مثلاً ما حدث في برنامج قيادي جديد مركز على الأمان النفسي. حيث أعلن أحد المسؤولين التنفيذيين ما يلي: "لا أعتقد أننا نعاني من تدني مستوى الأمان النفسي في شركتنا، لكن إذا كان لديكم رأي آخر أرجو توضيحه لي". وعلى نحو غير مفاجئ، لم يستخدم أحد من الحاضرين ميزة رفع اليد أو غرفة الدردشة. فسارع الميسر بطرح استبيان من دون الكشف عن الهوية يقول: "قيّم مستوى الأمان النفسي في شركتنا على مقياس من 1 إلى 15".
وعندما رأى المدير التنفيذي أن أغلب المشاركين أجابوا بالرقم (3) قال: "من الواضح أنه يجب عليّ التقليل من الافتراضات في الأسئلة التي أطرحها". حينها، استخدم المشاركون ميزة رفع اليد وكانوا على استعداد للتحدث ومشاركة آرائهم الصريحة.
وفي اجتماع آخر عقد مؤخراً، استخدم أحد المدراء ميزة الاستبيان من دون الكشف عن الهوية، للطلب من المشاركين إجراء تصنيف بالمقارنة لمبادرات التنوع في الشركة فيما يخص "الأثر المحتمل" و"الأداء الحالي". أدى هذا الاستبيان إلى رسم خريطة توضيحية مؤلفة من أربعة مربعات تحدد المبادرات ذات الأثر الكبير والأداء المتدني (أهم الأولويات) مقابل المبادرات ذات الأثر الضئيل والأداء العالي. وبالتالي، نتج عن استخدام هذه الأداة نقاشاً أغنى وأكثر صراحة تلته جلسة لتوليد الأفكار والتخطيط للعمل في خضم الاحتجاجات الوطنية على العنصرية المنهجية.
الدردشة. تسمح ميزة الدردشة للجميع بالمشاركة في الوقت نفسه، والتعبير عن آرائهم بكلماتهم مع ذكر أسمائهم، لذا فهي تؤدي إلى تخفيض عتبة المشاركة. لكن في بعض الأحيان، يؤدي حجم الأعمال المدرجة على جدول الاجتماع أو مدته الطويلة إلى إهمال بعض المشاركين.
ويمكن لوضع قواعد بشأن ضرورة الاختصار المساعدة في ذلك، لكن يمكن لغرف الدردشة أيضاً أن تشتت الانتباه عن الحديث الدائر. لذا، من الممكن إيقاف ميزة الدردشة عندما يكون من الضروري أن يستمع الجميع بإمعان لما يقال في الاجتماع.
تقسيم الغرف. أثناء الاجتماعات الافتراضية الكبيرة، يمكن إنشاء غرف اجتماعات منفصلة أصغر حجماً تضم مجموعات تتألف من 3 أو 5 أشخاص، ليصبح بإمكانهم التحدث بسهولة أكبر دون الحاجة إلى تفعيل وضع الصمت وإلغائه بين السكوت والكلام. وبهذا يكتسب المشاركون خبرة في التحادث والنقاش أكثر مما يحصلون عليه في الاجتماعات الافتراضية الكبيرة.
تشكل غرف التقسيم المنفصلة، حيث يتم تحديد مهام المشاركين في كل منها والمواضيع التي يناقشونها، مساحة آمنة نفسياً لاختبار الأفكار وبناء العلاقات. وعندما يعود المشاركون إلى المجموعة الكبيرة، يصبح أسهل عليهم نقل الأفكار التي ناقشوها في المجموعة الأصغر بنفس الثقة التي اكتسبوها من اختبار وجهات نظرهم ومشاركتها في تلك المساحة الآمنة نسبياً.
على سبيل المثال، في إحدى الجلسات التي عملنا على قيادتها، اجتمع 50 قائداً من 50 مركزاً طبياً لمشاركة أفضل الممارسات في الجائحة ومناقشة الدروس المستقاة منها. وقسمنا في جزء من الاجتماع القادة على 10 غرف منفصلة تضم كل منها 5 مشاركين، وهذا أتاح الوقت ليطرح الجميع ما لديهم ويشاركونه.
ثم اختارت كل مجموعة مثالاً واحداً لمشاركته مع المجموعة الكبيرة في غرفة الاجتماع الرئيسة. فكان صاحب الفكرة المميزة لأفضل الممارسات هو المشارك الذي ندر تحدثه في المجموعة الكبيرة، وتم تطبيق فكرته هذه في عدة مراكز طبية.
الفيديو. رؤية الوجوه تساعد على تعزيز التفاعل، لكن الكثير من المحفزات البصرية (الوجوه والخلفيات) قد تؤدي إلى تشتيت الانتباه، ويمكن أن يؤدي النطاق الترددي المنخفض إلى مقاطعة الصورة المرئية. قد يؤدي كل ذلك إلى إعاقة قدرتنا على قراءة الإشارات الاجتماعية ويضغط على إدراكنا بطرق خفية.
يمكن للقادة تشجيع خيارات الرؤية المتمثلة بوضع صورة المتحدث في المنتصف، ووضع صور بقية المشاركين في الخلفية. وفي أحيان أخرى، يكون الاجتماع عبر الاتصال الصوتي فقط خياراً أفضل ليتمكن المشاركون من الإصغاء بإمعان.
ومن ناحية أخرى، عندما يرى الشخص صورته على الشاشة يرتفع وعيه الذاتي، وهذا من شأنه أن يمنع شعوره بالأمان النفسي. لذا، قد يكون من المفيد أن يخفي المشارك صورته عن شاشته، فعلى كل الأحوال، لا أحد يستخدم مرآة أثناء المقابلات الشخصية.
اتصال صوتي فقط. الاجتماعات عبر الاتصال الصوتي فقط هي تقليد للاجتماعات التقليدية عبر الهاتف، وهي تتطلب انتباهاً شديداً وعناية دقيقة لتفادي إساءة فهم الصمت على أنه موافقة، ولضمان مشاركة جميع المشاركين على نحو واضح. يزيد غياب التواصل غير اللفظي فيها من الحاجة إلى الاستعلام الاستباقي من أجل الحد من العراقيل في وجه المشاركة.
على سبيل المثال، يمكن طرح سؤال: "ما رأيك في الأمر الفلاني على مقياس من 1 إلى 10؟" أو: "إذا كنت ستجري تصنيفاً بالمقارنة لهذه البنود الخمسة، أيهما يأتي في المرتبتين الأولى والثانية... وأيها يأتي في المرتبة الأخيرة؟". ويجب على المشاركين مقاومة الرغبة الملحة لتنفيذ عدة مهام معاً، ويمكن للقادة أن يطلبوا كامل انتباه المشاركين صراحة مع العمل على تصميم جلسات افتراضية تفاعلية ممتعة في الوقت نفسه.
قبل الاجتماع الافتراضي وبعده
عدا عن الاستخدام المدروس لأدوات المنصة، يمكن إجراء بضع خطوات بسيطة قبل الاجتماع الافتراضي وبعده للمساعدة على بناء الأمان النفسي خلاله.
إذ يجب على القادة أن يجربوا أدوات الاجتماع مسبقاً ليفهموا استخداماتها ومخاطرها جيداً ويخططوا لطريقة ترتيب النقاش. ويجب أيضاً أن يفكروا بدعوة ميسر للاجتماع، أو عضو مناوب من الفريق ليساعدهم على ضمان مشاركة الجميع. وأخيراً، ومن أجل تعزيز التفاعل في الاجتماعات التي تهدف إلى الحصول على معلومات تدخل في القرارات المهمة، يجب على القادة التفكير بالتفاعل مع المشاركين مسبقاً عبر وسائل مثل الاستبيان من دون الكشف عن الهوية أو المقابلات الفردية.
أما بعد الاجتماع الافتراضي، يمكن أن يتواصل المدراء مع المشاركين الذين لم يتحدثوا في الاجتماع. ومن أجل محاكاة لحظات الأحاديث الجانبية في أروقة الشركة، يمكن للمدراء استخدام الرسائل النصية أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل الإلكترونية لتقديم تقييمات داعمة أو إعادة توجيه الملاحظات.
يمكن أن تجد نفسك وحيداً ضمن الفريق، وخصوصاً عندما تعتقد أن الآخرين لا يؤيدون رأيك أو لا يناصرونك. وقد تتضخم هذه المخاوف الشخصية لدى الموظفين الذين يعملون من المنزل أثناء أزمة مطولة، مثل الجائحة. يتطلب بناء الأمان النفسي في الفرق الافتراضية جهداً واستراتيجية يهدفان إلى زيادة التفاعل وتعزيز روح الزمالة والمعارضة البناءة وتوليد الأفكار. لحسن الحظ، فإن الأدوات والتقنيات التي تساعد الموظفين على التفاعل، وتقلل العراقيل في وجه التفاعل، قد تصبح عادة تفيد المدراء اليوم وعلى مدى المستقبل البعيد، تمكنهم من عقد اجتماعات افتراضية آمنة اجتماعياً ونفسياُ.