مَن الأفضل في وضع الاستراتيجية: الرئيس التنفيذي للشؤون المالية أم الرئيس التنفيذي للاستراتيجية؟

5 دقائق
إعداد استراتيجية الشركة

منذ ثلاثين عاماً، كان وضع الاستراتيجية مهمة الرئيس التنفيذي. ومنذ ذلك الحين، ومع تغيُّر تشكيل فِرق كبار المسؤولين التنفيذيين، أصبحت مسؤولية قيادة عملية إعداد استراتيجية الشركة مشتركة بين أكثر من عضو من شاغلي المناصب التنفيذية العليا. شهدت فترة التسعينيات ظهور منصب الرئيس التنفيذي الاستراتيجي للشؤون المالية، ومؤخراً أنشأت العديد من الشركات منصب الرئيس التنفيذي للاستراتيجية. بالنسبة إلى الرؤساء التنفيذيين، يُمثل وضع استراتيجية جيدة تحدياً إدارياً يتضمن، في أحسن الأحوال، زيادة حجم المساهمات الفريدة لمختلف طوائف المسؤولين التنفيذيين، وفي أسوئها يستلزم إدارة التوترات غير المثمرة والتنافسات وحروب السيطرة التي تندلع بين الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية والرؤساء التنفيذيين للاستراتيجية، وفي أغلب الأحيان رؤساء وحدات الأعمال.

اقرأ أيضاً: 5 خرافات حول الاستراتيجية

لمثل هذه الاحتكاكات آثار مدمرة، كما أنها تتسبب في ضياع فرص كبيرة؛ لأن التعاون بين الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والمسؤولين عن الاستراتيجية أكثر فاعلية بكثير من تناحرهما. فبتعاونهما معاً سوف يكتسبان المكانة اللازمة لتحدي الطريقة التي تتخذ بها الشركة القرارات والتأثير فيها.

إعداد استراتيجية الشركة

من واقع تجاربنا في شركة "ماكنزي" (McKinsey)، يتطلب تكوين هذه الشراكة المثالية أن يصبح الرئيس التنفيذي للشؤون المالية منخرطاً في وضع الاستراتيجية بشكل أكثر مباشرة وعمقاً. وهناك سببان لذلك. السبب الأول هو أن الرئيس التنفيذي للشؤون المالية غالباً ما يكون عضواً أول بين أنداد متساويين من أعضاء مجلس الإدارة، وبهذا يساعد على إشراك المجلس في وضع الاستراتيجية على نحو أكثر إنتاجية. ويتمثل السبب الثاني في أن البيانات الموثقة وطريقة التفكير العملية التي يطرحها الرئيس التنفيذي للشؤون المالية على الطاولة يمكن أن تكون ثمينة فيما يتعلق بوضع استراتيجية الشركة وتنفيذها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بالتوجهات أو إدارة العلاقات الحكومية والتنظيمية. لذا، يجب أن يتفهم الرؤساء التنفيذيون أن ثلثي كبار المسؤولين التنفيذيين الذين شملتهم دراستنا مؤخراً يؤمنون أن أفضل طريقة يمكن أن يساعد بها الرؤساء التنفيذيون للشؤون المالية شركاتهم هي بقضاء المزيد من الوقت في العمل على وضع الاستراتيجية.

تأثير التشجيع على بناء الشراكة

وجدنا أن هناك ثلاثة جوانب رئيسية يمكن أن يؤثر التشجيع فيها على بناء هذه الشراكة بشكل كبير على الأداء.

ضمان أن الاستراتيجية ستحقق مكاسب مالية

تنزع الشركات إلى إعادة توزيع رأس المال وهي متخوفة. ففي المتوسط تخصص الشركات 90% أو أكثر من مواردها للأنشطة نفسها عاماً بعد عام، حتى وإن كان تحويل الموارد، نظراً لتغير بيئة العمل واستراتيجيات الشركة، قد يحقق عائدات أفضل وأقل تقلباً، لا سيما أثناء أوقات التوقف.

ولكن، عندما يتعاون المسؤولون التنفيذيون الماليون والاستراتيجيون معاً تمكن إقامة روابط أفضل بين عملية تخصيص الموارد والأهداف الاستراتيجية. ومن بين أشياء أخرى، هذا يعني:

- إنشاء عمليات متميزة خاصة بوضع استراتيجية المحفظة الاستثمارية أو الاستراتيجية المؤسسية عوضاً عن مجرد دمج خطط وحدات الأعمال.

- التشجيع على إجراء محادثات بصفة دورية بين مجموعات صغيرة من كبار القادة عوضاً عن إرجائها إلى اللقاءات السنوية (أو اللقاءات لا تُقام بصفة منتظمة من الأساس) التي تُعقد حول الطاولات الكبيرة.

- ضمان أن الاستراتيجية وإعداد الميزانية وتخصيص رؤوس الأموال مدرجة بالكامل، وهي صورة شاملة يمكنك تكوينها فقط إذا تعاون المسؤولون التنفيذيون الماليون والاستراتيجيون معاً.

اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية

على سبيل المثال، في إحدى الشركات المقدِّمة لخدمات الرعاية الصحية في أميركا الشمالية أنشأ الرئيس التنفيذي للاستراتيجية مجلساً للتخطيط يحضره الرئيس التنفيذي للشؤون المالية لمناقشة المسائل الاستراتيجية وفرص النمو والاحتياجات التمويلية. ولكل من الفرص الواعدة، التي حظيت بموافقة كل من الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والرئيس التنفيذي للاستراتيجية، عيَّن المجلس قائداً استراتيجياً. وكلف كل قائد بإجراء حوار مدروس مع قادة الشركة الحاليين واستقطاب دعمهم لأكثر من 12 مبادرة ذات صلة قبل وقت كاف من عملية تخصيص الموارد السنوية. ونتيجة لذلك، تمكن المجلس من تحدي النفقات المنسوبة إلى إدارة الشركة بقوة، وخصص قدراً محدداً من المصروفات لتنمية أعمال الشركة عوضاً عن ذلك. ومن الواضح أنه تم تحقيق هذه النتيجة بفضل بُعد النظر والتعاون الموثوق بين الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والرئيس التنفيذي للاستراتيجية وفِرقهما.

اقتناص فرص النمو الواعدة للغاية

يتعلق تحقيق النمو في الغالب بأن تكون في المكان المناسب في الوقت المناسب. تبين بحوثنا أن أكثر من 60% من النمو يتحقق من استغلال الرياح المواتية؛ أي ممارسة الأعمال التجارية في الأسواق التي تنمو بشكل جيد والتي تتمتع الشركة فيها بميزة تنافسية. رغم ذلك، أقل من 15% من المسؤولين التنفيذيين يأخذون بعين الاعتبار توجهات الاقتصاد الشامل هذه عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية، حتى أن أقل من ربعهم يدرسون توقعاتهم المالية وأداء محفظتهم الاستثمارية.

اقرأ أيضاً: هل يُعتبر التنفيذ مقبرة الاستراتيجية الجيدة؟

إنها مهمة إشرافية كبيرة، ولكن بتعاون الرؤساء الاستراتيجيين والرؤساء الماليين معاً يمكن تصحيح مسارها. عادة ما يكون الرؤساء التنفيذيون للاستراتيجية مسؤولين عن توقع توجهات مؤسساتهم، وهو ما يمكن أن يشير إلى فرص النمو والمزعزِعات التي تلوح في الأفق. وبالمثل، فإنهم غالباً ما يكونون الأشخاص الأفضل في تحليل المنافسين. من ثم ستصبح هذه الرؤى الثاقبة أكثر قوة عندما تُدمَج مع نقاط القوة التقليدية للرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية فيما يتعلق بإدارة المحفظة الاستثمارية واستراتيجية عمليات الاندماج والاستحواذ.
فيما يلي مثالاً توضيحياً على التعاون بين الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والرئيس التنفيذي للاستراتيجية لأحد مجمعات الشركات الصناعية. حلل الرئيس التنفيذي للاستراتيجية المعين حديثاً العوامل التي ساهمت في كل نمو للأعمال. وانطوت العوامل الأساسية على أمور مثل: وضع توقعات تصل حتى توقع كم هي مساحة الحيز التجاري الجديد الذي سيُبنى في مدن أمريكا اللاتينية، وهو ما يُعد متغيراً مركزياً في التنبؤ بالطلب على منتجات الشركة الأوفر حظاً مثل الأسلاك الكهربائية. وبدوه قدّم الرئيس التنفيذي للشؤون المالية بيانات وتحليلات دقيقة متعلقة بتقييم الجدوى التجارية لكل منتج. على وجه التحديد، أعدّ الرئيس التنفيذي للشؤون المالية قاعدة بيانات تضم تسعيراً متعلقاً بالطلب، تم تقييمه من الناحية العملية وعدد المنافسين في كل سوق فرعية. ومع امتلاك معلومات بهذا المستوى من التفصيل، سوف يتمكن الفريق التنفيذي من معرفة أي من الأعمال التجارية في المحفظة الاستثمارية للشركة يقع في أفضل موقع يتيح له تحقيق النمو للشركة. لم يتمكنا فقط من تحديد أهداف للنمو العضوي على أفضل نحو، التي يستخدمها الرئيس التنفيذي للشؤون المالية الآن لإدارة الأداء، ولكنهما أيضاً استخدما تلك المعلومات لوضع استراتيجية واضحة لعمليات الاستحواذ وسحب الاستثمارات.

تبنّي منظور بعيد المدى يساعد في إعداد استراتيجية الشركة

تحقيق التوازن بين استراتيجية النمو طويلة الأجل وطلبات المستثمرين المتصاعدة على المدى القصير، هو أمر يمثل تحدياً كبيراً بالنسبة لقادة الشركات؛ تحدياً يمكن التغلب عليه على أفضل نحو عندما يعمل المسؤولون التنفيذيون الاستراتيجيون والماليون معاً باعتبارهم فريقاً واحداً. فمعرفة الخبير الاستراتيجي العميقة بالقواعد التنظيمية والابتكارات والتوجهات تُكمل فهم الخبير المالي للتكاليف والإيرادات وتخصيص رؤوس الأموال والمسائل المتعلقة بأصحاب المصلحة. ومعاً يمكنهما اقتراح خيارات لتحسين الأرباح قصيرة الأجل و التوقعات طويلة الأجل بطريقة تجذب اهتمام إدارة الشركة ومجلس الإدارة والمستثمرين.

والآن كيف يمكن للرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية والرؤساء التنفيذيين للاستراتيجية والرؤساء التنفيذيين تعزيز هذه الشراكة؟ يُعد إجراء محادثات حول التوقعات وتوزيع الأدوار نقطة انطلاق هامة، ولكنها ليست بكافية. على سبيل المثال، هناك شركة تشجع على التعاون من خلال تدوير موظفي الاستراتيجية والموظفين الماليين بين الفريقين. وهو ما يُمكّن الفريقين من رؤية كيف تتلاءم الموارد مع الاستراتيجيات طويلة وقصيرة الأجل، كما أنه يضمن أن يخدم الفريقان هدفاً موحداً. ويمكن للرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة تعزيز التشجيع على التعاون، ومنع التنافس، بين الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والرئيس التنفيذي للاستراتيجية، من خلال العمل معاً عن كثب على إعداد استراتيجية الشركة  مع تشكيل ديناميكية للفريق. وختاماً، إقامة شراكة ناجحة بين هذين الرئيسين التنفيذيين من شأنه أن يساعد الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة وبقية أعضاء الفريق التنفيذي على مواجهة التحديات المتمثلة في تحقيق النمو على المدى الطويل.

اقرأ أيضاً: هل تتسق استراتيجية شركتك مع نموذج ملكيتها؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي