يدرك قليل من الناس أهمية الدور الذي تلعبه المياه في استخدامنا اليومي للطاقة، أو مقدار الطاقة المطلوب لتسخين المياه ومعالجتها وتوفيرها. فتزويد مصباح 60 واط بالطاقة لمدة 12 ساعة يومياً على مدار سنة قد يتطلب 3 آلاف إلى 6 آلاف غالون من المياه؛ أي ما يكفي لملء صهريج شاحنة كبيرة. ويمكن أن تكون الطاقة الكهربائية المستخدمة لمعالجة المياه بقدر ثلث فاتورة الكهرباء لمدينة بأكملها.
تعتمد سلاسل القيمة لمعظم الشركات على موارد المياه والطاقة. على سبيل المثال، تصنع شركات صناعة السيارات منتجات تعتمد على المعادن والمواد الكيميائية والنفط والغاز، وهي من بين القطاعات الأكثر كثافة في استخدام الطاقة والمياه. والشركات الأخرى، بما يتضمن شركات التكنولوجيا والاتصالات، تُعد من كبار زبائن تلك القطاعات ومورديها أيضاً. أي أن الجميع تقريباً مشاركون في هذه المجازفة.
استشرافاً للمستقبل، سوف يزداد عدد سكان العالم من 7 إلى 9 مليار نسمة على مدار الخمسة وعشرين عاماً التالية، وهو ما سوف يجعل التحدي المتمثل في تلبية الطلب على كل من المياه والطاقة أشد حدة. وفي وقتنا الحالي يفتقر أكثر من 650 مليون شخص إلى سبل الحصول على مياه نظيفة، كما أن هناك مليار شخص ليس لديهم كهرباء.
في تقرير مشترك لشركة "جنرال إلكتريك" (GE) و"معهد الموارد العالمية" (WRI)، نسلط الضوء على العديد من الدول والقطاعات التي سوف تكون أول مَن يواجه التحدي المتمثل في العثور على إمدادات موثوقة من المياه لإنتاج الطاقة أو العثور على إمدادات الطاقة لتلبية احتياجات معالجة المياه. وهي تتضمن الشركات المنتجة للطاقة الكهربائية في الصين والشركات المطورة لتقنيات استخراج الغاز الصخري في الولايات المتحدة، التي تبحث عن خيارات بديلة (مثل التقنيات اللامائية وإعادة استخدام المياه والماء الأجاج) تمكّنهم من تقليل اعتمادهم على مصادر المياه العذبة العرضة للإجهاد المتزايد. كما يُبرز التقرير أيضاً الجهود المبذولة في الشرق الأوسط وأميركا الشمالية لزيادة أوجه الكفاءة واستغلال مصادر الطاقة المتجددة في محطات تحلية المياه.
تُشير المخاطر والحلول النابعة من تلك المناطق إلى وجوب أن نفكر بشكل مبتكر وتعاوني لتلبية الاحتياجات المستقبلية. وسوف يحتم على مختلف القطاعات التغلب على العوائق المالية الصعبة. لأنه لا تُسعّر المياه والطاقة عادة بشكل يعكس ندرتهما أو قيمتهما أو تكاليفهما الحقيقية. كما أن جهود التعاون والاستثمارات في البنية التحتية للطاقة والمياه غالباً ما يُفتقر إليها. وسوف تكون هناك حاجة إلى إقامة شراكات تجارية وشراكات بين القطاعين العام والخاص. ومن ثم، يعرض التقرير ثلاث أفكار لتحفيز إقامة تلك الشراكات لمواجهة التحديات المتعلقة بالمياه والطاقة.
التركيز على الحلول الفعالة من ناحية التكلفة التي تساعد على خفض الطلب أو تحويله. فالاستثمار في الحلول المتعلقة بجانب العرض، مثل تحلية مياه البحر، يمكن أن يساوي أربعة أضعاف تكلفة إعادة استخدام المياه أو تكلفة الخيارات الأخرى ذات الصلة بإنتاجية الموارد. وعوضاً عن محاولة زيادة العرض من الموارد المحدودة للمياه العذبة والوقود الأحفوري، يمكن لمرافق الطاقة والمياه التعاون مع القطاعات الأكثر كثافة في استخدام الطاقة والمياه لاختيار وإثبات فاعلية الشراكات التي تعزز الكفاءة وتوسع نطاق البدائل. كما أنّ أوجه التعاون فيما بين منتجي الطاقة ومستخدميها، على سبيل المثال، يمكن أن تساعد على التوسع في استخدام تقنيات مثل الطاقة الكهروضوئية الشمسية وطاقة الرياح التي تتطلب كمية ضئيلة من المياه. فعندما تجتمع معاً مجموعة كبيرة من مستخدمي الطاقة التجارية بغية تحديد منتجات الطاقة المتجددة التي يرغبون في شرائها، سوف يستجيب موردو الطاقة إلى طلباتهم بالتأكيد. وبالمثل، يمكن للشركات والمدن الاستفادة على نحو أفضل من الطاقة والمياه التي كانت سوف تُهدَر لولا ذلك. فمحتوى الطاقة في النفايات السائلة الحضرية يمكن أن يكون أكبر بضعفين إلى أربعة أضعاف من مقدار الطاقة المطلوبة لمعالجته، وفي هذا السياق تحوّل شركة "جنرال إلكتريك" من خلال مشاريعها التجريبية بالاشتراك مع مدينة شيكاغو ومدن أخرى تلك النفايات إلى طاقة كهربائية تكفي لتشغيل محطات معالجة بأكملها. وتُبين مشاريع مماثلة بمياه الصرف في مدن صينية أن هذه الرواسب الطينية يمكن تحويلها إلى منتجات ذات قيمة مثل وقود السيارات والأسمدة العضوية.
النظر للمياه والطاقة بعين المرأة. سوف يكون إشراك المرأة وتمكينها أمراً ضرورياً لتلبية احتياجات 9 مليارات شخص من المياه والطاقة. ففي الدول النامية، تقضي النساء 25% من يومهن في جلب المياه و40 ساعة شهرياً في جمع الوقود لعائلاتهن. كما أنهن مسؤولات عن اتخاذ القرارات المتعلقة بالمياه والطاقة على مستوى الأسرة، ولذا يجب تضمين آرائهن على مستوى التخطيط للموارد أيضاً. هناك شركات، مثل "يونيليفر" (Unilever) و"كوكاكولا"، تشارك بالفعل في مبادرات تمكين المرأة التي تدعم التنمية الاقتصادية وإدارة إمدادات المياه المحلية. فيمكن لهذه المبادرات أن تساعد في تمويل رائدات الأعمال وبناء مراكز محلية لتوفير المياه النظيفة وإعلام المجتمعات المحلية من خلال الرسائل النصية عندما تصبح المياه النظيفة متوفرة. لهذه الخطوات أهمية فيما يتعلق بالاعتراف بالدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في ابتكار حلول لمواجهة تحديات المياه والطاقة وتصميمها وتحسينها.
إيجاد سبل لتقدير قيمة المياه وتسعير الكربون في الاستثمارات المستقبلية. سوف تستفيد جهود إدارة مخاطر المياه والطاقة من الاستعراض الشامل لتكاليفهما وقيمتهما للأعمال التجارية. فيُعد تحليل تكلفة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى إلى عواملها في الاستثمارات المستقبلية، من الممارسات التجارية الشائعة على نحو متزايد. أفادت أكثر من ألف شركة أنها تُسعِّر الكربون داخلياً، أو أنها تخطط لفعل ذلك خلال السنوات القليلة المقبلة. فبعض الشركات، بما يشمل العديد من شركات النفط والغاز الكبرى، تتكاتف معاً على مستوى القطاع للعمل مع الحكومات على وضع نُهج لتسعير الكربون. ولكن عندما يتعلق الأمر بالمخاطر المتصلة بالمياه، سوف نجد أن شركات النفط والغاز من بين الشركات المتخلفة عن تحقيق الشفافية. فتقييم المخاطر المتصلة بالمياه وتقدير قيمة المياه قد يكون أكثر تعقيداً، ولكنه لا يقل أهمية عن توقع تكاليف الطاقة والكربون في المستقبل. لا يوجد الكثير من التجارب حول الممارسات المتبعة حتى الآن، ولكن سلّط استعراض 21 دراسة تقييمية متعلقة بالمياه الضوء على العديد من الأسباب التي تستدعي أن تُقيِّم الشركات قيمة المياه. ومن بينها الدراسات المتعلقة بإدارة مخاطر المياه، وهي مسألة تتصدر في الوقت الحالي قائمة المنتدى الاقتصادي العالمي للمخاطر العالمية. هناك أطر جديدة وفرص متاحة أمام الشركات لتعمل مع الآخرين من أجل فهم قيمة المياه وعلاقتها بسمعة الشركات واستمرارية عملياتها.
يرتبط الطلب على المياه والطاقة ببعضهما ارتباطاً وثيقاً، لذا يجب على قادة الشركات إيلاء الاهتمام للمخاطر، وكذلك لأوجه الترابط التي تطرحها التحديات ذات الصلة بكل من المياه والطاقة. كما أنه من الضروري أن نعترف بوجود أدوار هامة لمختلف القطاعات وأصحاب المصلحة المتعددين ينبغي عليهم الاضطلاع بها، من خلال أن يعملوا معاً على إجراء البحوث والتجارب الإيضاحية وابتكار نماذج أعمال بشأن الصلة بين المياه والطاقة. وعندئذ فقط سوف نبني مستقبلاً يمكن للبشرية فيه أن تزدهر.