عندما يتعلق الأمر بدفع الرواتب، لا تمثل المساواة العدلَ؛ فقد أظهرت أبحاث أجرتها "باي سكيل" (PayScale) عن تفاوت الرواتب، تحصيل الشركات التي تستخدم ممارسات دفع التعويضات المرتكزة على الأداء، لعوائد أفضل مقارنة بتلك التي تقدم أجراً متساوياً للجميع طوال الوقت.
فوفقاً لدراسة استقصائية حول المواقف والممارسات المتعلقة بالتعويض شملت 7,600 صاحب عمل، ارتفع عدد الشركات التي تُقدم مكافآت أو أشكالاً أخرى من الأجور مقابل الأداء بنسبة 6% خلال العامين الماضيين. إضافة إلى ذلك، كانت الشركات الناجحة للغاية – أي تلك الرائدة في سوقها والتي تجاوزت الإيرادات المتوقعة لها – الأكثر قابلية لتبني سياسة التعويضات هذه. وتكشف الدراسة أن 81% من الشركات الأفضل أداء (مقارنة بنسبة 74% من الشركات المتوسطة) استخدمت شكلاً من أشكال الدفع مقابل الأداء في عام 2015. وكانت هذه الشركات الناجحة أكثر قابلية بنسبة 5% لتقديم مكافآت جماعية لتقدير مجموعات فردية ساهمت في نجاح أعمال الشركة بطريقة كبيرة. يبدو أن هناك اتجاهاً متزايداً نحو استخدام المكافآت للدفع مقابل الأداء، لأن نصف هذه الشركات الأفضل أداء زادت ميزانيتها للمكافآت العام التالي 2016.
ربما فكرة تصور اختيار صاحب العمل تعويض أصحاب الأداء الرئيسيين بشكل أكبر هي فكرة مقلقة في البداية. وحتى لو أن ذلك يعني دفع رواتب أقل للموظفين عموماً، وهو ما يتردد بشكل كبير بين الأفراد وفي الخطاب الإعلامي بشأن عدالة الأجور. خصوصاً تقديم أجر عادل للنساء. وهو خطاب محق تماماً، لأنه من الخطأ ومن غير القانوني التمييز في رواتب الموظفين اعتماداً على الجنس أو العمر مثلاً. لكن، من الواضح أنه لم تعد بعض الطرق التقليدية، وحتى غير التقليدية، لدفع الأجور قادرة على تحفيز الموظفين وإشراكهم.
فمن ناحية، لدينا الزيادة السنوية في الراتب لتوازي ارتفاع مستوى المعيشة (والتي هي بحدود 3%). وتقوم شركات عديدة بهذا ضمن قطاعات مختلفة. وتوصل تلك الشركات رسالة إلى أفضل موظفيها مفادها أن جهودهم لا يُعترف بها، وإلى أسوأهم رسالة مفادها أنه لا بأس بتقديمهم لنتائج متوسطة. ومن ناحية أخرى، توجد شركات مثل "هيل كورب" (Hilcorp) التي منحت كل موظف مكافأة قدرها 100 ألف دولار. كما ضجت الأخبار العام الماضي بما قام به دان برايس، المدير التنفيذي لشركة "غرافيتي بايمنتس" (Gravity Payments)، بتخفيض أجره لزيادة الحد الأدنى لرواتب موظفيه لتصبح 70 ألف دولار للفرد.
وبينما الأساليب الراديكالية، مثلما فعل برايس، ذات فاعلية في تصدّر عناوين الأخبار، إلا أنها تخفق في الوقت ذاته في جذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، إذ شعر بعض الموظفين الذين تلقوا راتباً قريباً من 70 ألف دولار أن عملهم الشاق كان دون أجر. ففي الواقع، كان للسياسة تأثير متباين على القوى العاملة في الشركة، فقد استقال بعض الموظفين بعد وقت قصير من تبني تلك السياسة لانزعاجهم من نيل الموظفين الأقل مهارة زيادة أكبر في الأجور؛ في حين لم يتم تقدير أولئك الذين كانوا أكثر تأهيلاً وقادوا العمل بطريقة هادفة. وتتمثل المشكلة الشائعة في كل استراتيجية من استراتيجيات التعويض هذه في أنها لا تعترف بالمساهمة الفردية في العمل.
وكما قال بيل غيتس ذات مرة "قد يتقاضى عامل خراطة رائع أجراً يزيد بأضعاف عما يتقاضاه عامل خراطة متوسط، لكن يستحق مبرمج عظيم أن ينال ما يزيد بعشرة آلاف مرة عما يناله مبرمج عادي". ويقدّر غيتس الفرق الشاسع في مستويات الموظفين عندما يتعلق الأمر بالتأثير الفعلي لعملهم على نتائج الشركات. ففي "باي سكيل" نروي أحياناً قصة نطلق عليها قصة "12 اسماً في خزانة" (The 12 Names in the Drawer)، وهي قصة حقيقية لعميل ومسؤول تنفيذي يحتفظ بقائمة تضم أسماء أفضل 12 موظفاً لديهم ممن لم تكن الشركة قادرة على الاستمرار من دونهم.
وتُعتبر محاولة إبقاء هؤلاء الأشخاص في شركتك سبباً وجيهاً لتبني ممارسات تعويض حديثة، مثل الدفع مقابل الأداء، خصوصاً عندما تفكر في عوامل عديدة تسود السوق اليوم: أولاً، هناك تنافس متزايد على المواهب في بعض القطاعات، خصوصاً القطاعات العلمية. ثانياً، لدى جيل الألفية توقعات شفافية أكبر حول ممارسات الأجور لضمان شعورهم بالرضا تجاه "تعاملهم" مع أصحاب عملهم. وأخيراً، يفتقر معظم المسؤولين التنفيذيين والمدراء إلى الأدوات والأطر لتطبيق ممارسات دفع التعويضات التي تحفز - وفي نهاية المطاف تقود إلى - أداء أفضل للأعمال.
نصائح لبناء سياسة أجور فعالة
ومن الأفضل اتباع نهج مدروس كما هو الحال مع ممارسات التعويضات الأخرى جميعها. فإذا عرض المدراء مكافآت الدفع مقابل الأداء من دون خطة، قد يرتد هذا النهج سلباً عليهم ويمكن أن يؤدي إلى مواجهتهم موظفين ساخطين وبيئة عمل فوضوية. وبالنسبة للمدراء الراغبين في التحول إلى نموذج الدفع المتغير هذا للاحتفاظ بالأشخاص الذين يمثلون شريان الحياة لمؤسستهم النظر للاعتبارات التالية:
التخلص من سياسات الأجور الفضفاضة
لا يحقق إجراء تعديلات شاملة على مستوى الشركة أي فائدة في زيادة الاستبقاء على المدى الطويل. فضلاً عن أنه قد يتسبب في معاكس ويحبط معنويات أفضل الأشخاص الذين يشعرون أن جهودهم غير مقدرة. حاول جاهداً تجنب هذه الأساليب الجماعية لصالح تعويض يتناسب طردياً مع تأثير الفرد.
ابدأ بالسعر السائد في السوق
ابدأ بخط أساس جيد ومطّلع حول ما يستحقه كل موظف في سوق المواهب الحالي. وعليك أن تأخذ في الاعتبار عوامل مختلفة مثل خبرته وتعليمه ومسؤولياته الوظيفية والمهارات والشهادات المطلوبة، وحتى الموقع الجغرافي الذي يعمل فيه. وتأكد أن بياناتك محدَّثة لأن أسواق المواهب للوظائف التنافسية ذات الطلب المرتفع قد تتقلب بشكل كبير في غضون بضعة أشهر فقط.
حدد مَن لا يمكنك النجاة دونه
تحدث مع المدراء في شركتك لتحديد مَن يحقق النتائج الحيوية حقاً. تأكد أن هذه التوصيات تستند إلى إسهامات الموظفين الحقيقية لتجنب التحيزات. وبمجرد تحديد "12 اسماً في خزانة"، فكّر في فارق الأجر الذي يمكن منحه لهؤلاء – 10%، 20%، 25% – بهدف ضمان شعورهم أن مساهماتهم موضع تقدير.
ضع مقاييس الأداء الخاصة بك
قرر من تريد أن تكافئه وتحفزه في الشركة، خارج فكرة المدة الزمنية. وتأكد من مواءمة هذا مع أهداف شركتك وثقافتها. وأنشئ مقاييس ملموسة، خصوصاً بالنسبة لأهم المناصب في الشركة. بعد ذلك، ضعَ هيكل مكافآت يعكس القيمة النسبية من حيث الأجور لهذه المقاييس.
درب المدراء
يوضح بحثنا كيف أن شعور الأشخاص تجاه تعاملهم مع أرباب عملهم مهم بقدر ما يُدفع لهم. وفي الواقع، فإن العديد من الموظفين الذين يحصلون على رواتب زائدة يعتقدون في الواقع أنهم يحصلون على رواتب أقل مما يستحقون. ولا يكفي تعويض أفضل موظفيك بشكل جيد، بل عليك التحدث معهم حول كيفية حساب رواتبهم أو مكافآتهم، وشرح متى يُدفع لهم أعلى من السوق. ويجب على الشركات أيضاً تدريب المدراء على إنهاء التحيز للتأكد من أنهم يدفعون دائماً بشكل عادل. الإنصاف يعني الدفع للموظفين بالقدر نفسه مقابل الخبرة والمهارات والتدريب وغيرها من متطلبات الوظيفة المماثلة. ومع ذلك، يمكن أن تتضمن العدالة أيضاً الأجور غير المتكافئة بناء على الأداء والتأثير على النتيجة النهائية. إذا تمكن المدير من ربط جهود أحد الموظفين من تحقيق نتائج أفضل، فإن الدراسة تشير إلى وجود قيمة مضافة للعمل تتحقق من دفع هذا الموظف أكثر من نظيره.
ويمثل التحول إلى مكافأة الموظفين الرئيسين على أساس مساهماتهم الفردية تحولاً ثقافياً رئيساً لبعض الشركات. ولكن، هناك قيمة حقيقية في تحقيق هذه القفزة نحو ممارسات الأجور الحديثة، إضافة إلى جعل الموظفين يشعرون بتحسن طبعاً. فتخلق الشركة التي تكافئ النتائج والإنجاز، عبر مكافأة الموظفين، بيئة يشعر هؤلاء الموظفون فيها بالرضا تجاه ما يحصلون عليه. وفي المقابل، سوف يبقى هؤلاء الموظفون منخرطين أكثر في المؤسسة، وسوف يواصلون تقديم مساهمات ذات مغزى لها.
والخبر السار عن تفاوت الرواتب هو أنه وعلى الرغم من العناوين الرئيسة الأخيرة، لا تحتاج الشركات إلى منح 100 ألف دولار مكافأة لكل موظف لتكون ناجحة، بل يكفيها تطبيق نهج يعترف بتأثير الأفراد. وبينما يحتاج المدراء دائماً إلى أن يكونوا منصفين، يجب عليهم أيضاً أن يتعرفوا على ضرورة العمل لمكافأة الموظفين الذين يصنعون فارقاً حقيقياً، مع جعل أصحاب الأداء العاديين يعرفون أنهم قادرون على نيل المزيد إذا قاموا بعمل أفضل.
اقرأ أيضاً: