لكي تعتني بالآخرين بشكل جيد عليك أن تبدأ بنفسك أولاً

5 دقائق

أثار إغلاق الشركات والمدارس وتكاثف سحب الغموض حول الوضع الاقتصادي وتفشي الجائحة في جميع أنحاء العالم الكثير من المخاوف، وها نحن نشهد تعرض نظام الرعاية الصحية لضغوط هائلة تدفعه إلى ما لا يحمد عقباه، إلا أن الحسرة والصدمة اللتين نشهدهما تُنذران بمحنة أخرى، فبعد قليل سيصل نظام الرعاية الصحية النفسية كذلك إلى نقطة الانهيار، ومع استمرار التباعد الجسدي يجب علينا التأكد من الإسهام في التخفيف من العزلة والوحدة والاكتئاب والقلق وغيرها من التداعيات التي تهدد الصحة النفسية، وتدفع بنظام الصحة النفسية إلى حافة الهاوية، وقد حان الوقت الآن لتجنب هذه الأزمة الثانية.

قد يكون معظمنا بمعزل عن الخطوط الأمامية المحمومة في المعركة التي يخوضها نظام الرعاية الصحية، ولكننا جميعاً باستطاعتنا أن نكون أول المستجيبين لحاجة الآخرين إلى الدعم العاطفي، وهذا بالضبط ما تحتاجه جميع المجالات والقطاعات الاقتصادية، وفي دوائر الأشخاص المعافين بدنياً وكذلك المرضى أو من يعاني أحد أحبائهم مرضاً، وسنجد تلك الحاجة داخل أُسرنا والأسر الممتدة والتجمعات والمجتمعات، وكذلك داخل شبكات التعارف الخاصة بالجمعيات المهنية، فالجميع تقريباً يحتاج إلى التواصل مع الآخرين والحصول على فرصة لتقديم الدعم والحصول عليه في ظل الأوضاع غير العادية الجديدة والتي أصبحت واقعنا الجديد المتمثل في تأصل حالة من الغموض وشبح الخوف من الجائحة.

وبصفتنا مدربين تنفيذيين، فإننا نفكر كثيراً في طرق لتعظيم موارد الصحة النفسية، وهذا جزء كبير مما نؤديه بصورة يومية، لذا نقدم لك بعض المقترحات لتعزيز صحتك النفسية وتعميق مخزونك العاطفي، وإليك بعضها:

1. عليك الاعتناء بنفسك أولاً

فاقد الشيء لا يعطيه، لذا ينبغي علينا البدء أولاً برصد مستويات صحتنا النفسية، وذلك من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية: هل أنا بخير؟ ما الذي سيساعدني على مقاومة الشعور بالقلق؟ هل أفرط في تناول الطعام والشراب أو أفرط في النوم والبكاء؟ ما الذي يجب علي فعله للبقاء على تواصل؟

عليك المتابعة وفقاً لخطة، أولاً عليك الالتزام بروتينك المعتاد قدر الإمكان، والاستحمام في الصباح الباكر، والحرص على تنظيف أسنانك، وارتداء الثياب التي تشعر بالارتياح عند ارتدائها، فأفضل الطرق لتولي زمام الأمور في أوقات الفوضى هي إلزام نفسك بروتين ثابت، لذا عليك وضع جدول ثابت لممارسة التمارين الرياضية بانتظام والتي أثبتت فوائدها للصحة النفسية، حاول أن تمارس جلسات التأمل بانتظام، فإن لم تكن من المواظبين على هذا الأمر من قبل، فقد حان الوقت الأمثل للبدء. يمكنك تنظيم مواعيد متابعتك لقراءة الأخبار أو مشاهدتها من خلال تحديد موعد ثابت لها، فإذا تسببت في إثارة مشاعر سلبية لديك، فعليك تجاهلها لفترة من الوقت، أو الاكتفاء بمتابعة التطورات المحلية فقط، وتوقف عن متابعة سوق الأسهم يومياً إن كنت ترغب في الحفاظ على سلامتك النفسية.

ثانياً، فكر في طرق لإبقاء ذهنك منشغلاً إما من خلال العمل أو بأداء أنشطة مثل الكلمات المتقاطعة أو الألغاز أو الألعاب أو القراءة أو الكتابة، ابدأ بمجلة أو مدونة، وسيتيح لك التأمل الذاتي فهم ما يدور. استخدام التقنيات المتاحة للبقاء على اتصال مع الأسرة والأصدقاء. حافظ على ممارسة هواياتك قدر الإمكان، فإحدى زميلاتنا على سبيل المثال، وتُدعى جولي كاريير تركب دراجاتها يومياً في جولة حول الحي، وتلوح لأكبر عدد ممكن من الأشخاص وتلقي عليهم التحية (على بعد مسافة آمنة)، وهذا لا يمنحها فقط فرصة الحصول على هواء نقي وتغيير الأجواء وإنما يمنحها فرصة لتكون رفقة الآخرين.

2. اطلب المساعدة عند حاجتك إليها

يحتاج الجميع إلى المساعدة سواء كانوا مقدمي الرعاية أو الآباء أو المدربين والمعالجين وأنت أيضاً، جميعنا الآن بحاجة للمساعدة، لذا لا تتردد في طلب المساعدة والسعي للحصول عليها، ويمكننا تلقي الدعم الذي نحتاج إليه من الشركاء والآباء والأطفال والأصدقاء وغيرهم من المقربين إلينا في كثير من الحالات، كما يمكنك اللجوء إلى الموارد الاحترافية طلباً للدعم، إن لزم الأمر، ولكن علينا ألا ننسى أنه إذا استطعنا الحصول على مساعدة كافية من جهة أخرى، فإننا بذلك نحافظ على تلك الموارد لأولئك الذين لا يستطيعون الوصول لمورد آخر، لا شك أنك ستحتاج إلى الدعم، وإن لم تطلبه فستنعكس تلك الحاجة بصورة سلبية، ويمكنني القول من واقع تجربتي إن ذلك سينعكس على معدلات شعورك بالاستياء مما يدور حولك، أو ستجد نفسك تحمل الضغائن، وستصبح فظاً وأنانياً بصورة مفاجئة، وغالباً ما ستوجه تلك المشاعر للأشخاص الأكثر أهمية في حياتك.

وينطوي الجانب الآخر من هذا الأمر على جعل نفسك متاحاً للآخرين الذين يحتاجون إلى المساعدة، ولكن من المهم أن تضع حالتك الشعورية في الاعتبار، وتذكر أن ممارسة العناية بالذات لا يعني أن تكون أنانياً، فتشجيع الآخرين ودعمهم وحبهم هو أفضل وسيلة لتغيير حالتك المزاجية، وقد شهدنا خلال الأسابيع القليلة الماضية نماذج لا حصر لها لأشخاص نهضوا واستجابوا لنداء الواجب، مثل متجر "كوستكو" (Costco) الذي تولى تقديم خدماته للجيران الأكبر سناً، وما فعلته إحدى الشركات متوسطة الحجم، حيث قدمت شروطاً أكثر ملاءمة لعملاء الشركات الصغيرة لزيادة تدفقاتهم النقدية (ونتج عن ذلك احتفاظ تلك الشركات بموظفيها)، والتبرعات الموجهة للجمعيات الخيرية المحلية لتوفير معدات الوقاية الشخصية للعاملين بها في مجال الرعاية الصحية، والقائمة تطول.

3. تفقد أحوال الآخرين

حين نستيقظ في معظم الأيام على مكالمة عبر برنامج "زووم" مع شركاء العمل، نتعمق في أكثر القضايا إلحاحاً اليوم، وكثيراً ما نغفل سؤالهم عن أحوالهم وانتظار الإجابة المعتادة "أنا بخير"، ونتجاوزه لمناقشة قائمة المهمات، غالباً ما يكون هذا مجرد سؤال شكلي في الأيام العادية، ولكن لا يوجد شيء عادي في هذه الأيام، فهذا السؤال يساعدنا في تقييم مستويات الصحة النفسية لدى الآخرين، وهذا يعني الإنصات الحقيقي لإجاباتهم، على الرغم من عدم اعتيادنا على ذلك، فالجميع ثُكالى ويعانون صدمة ويحتاجون إلى من يتحدث إليهم، والجميع يملك الحق بالتعبير عن أحاسيسهم.

فعندما تتحدث إلى أصدقائك وزملائك في العمل وغيرهم خذ وقتاً للاستماع إلى إجابتهم كاملة وتطرق للحديث عن رحلتك الشخصية ومشاعرك المضطربة تجاه جائحة "كوفيد-19". لست بحاجة للتعبير عن مشاعرك المضطربة لزملائك، ولكن من المهم الاستماع إلى مشاعرهم والمسار الذي تتخذه، وأظهر استعدادك لانتظار من حولك للحديث بصدق عن مشاعرهم، ولا تنزعج من صمت الشخص الذي يحاول البحث عن كلمات لوصف مشاعره، فجميعنا متعبون.

4. ابحث عن الإيجابيات واجهر بها

عادة ما نبخل قليلاً بتقديم المديح، وربما نظن أن الشخص الذي ينتقدنا أذكى منا، وأن المدح الذي يناله الآخرون يُمثل اعترافاً ضمنياً بأننا أقل منهم شأناً، ونميل حينها إلى إبداء المعارضة، ويمكن أن تزداد رغبتنا في حجب الدعم عندما ينتابنا شعور بالنقص، وهو ما يمكن أن يعزز التنافس الذي قد يصل إلى حد العداء، بيد أن كل هذا غير مناسب في الوقت الحالي، ولكنه الوقت الأمثل لامتلاك شجاعة التعبير عن حماستك، فعليك التصريح بعبارات المديح والثناء والاحتفاء بالانتصارات مهما كانت صغيرة، فاجهر بأي شيء جيد تراه.

ربما نفتقر الآن إلى تحقيق انتصارات كبيرة، ولكن لا يزال الجميع بحاجة إلى سماع آراء تقويمية إيجابية، فاحرص على ممارسة ذلك مع زملاء العمل، وابدأ بتشجيع مرؤوسيك وأقرانك ومدرائك وكذلك المنافسين والخصوم والشركاء السابقين، وإذا كنت معجباً بشخص ما، فأخبره بذلك (وإن كنت تظن أنه لا يحتاج إلى دعمك الآن، فأنت مخطئ على الأرجح).

لا يزال أمامنا طريق طويل وشاق لقهر هذه الجائحة، لذا علينا أن نبذل قصارى جهدنا لإدارة الخسائر التي قد تلحق بصحتنا النفسية والشعورية ليسهل علينا تخطي التقلبات القادمة، وقد قطعنا خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة لمعالجة مشكلات الصحة النفسية داخل أماكن العمل وبصورة أعم. لا شك أننا نحتاج إلى أشخاص في الخطوط الأمامية لإنقاذ المتضررين جسدياً، ولكن من المؤكد أن الجانب الشعوري سيؤثر على الجميع، لذا من الضروري من توفير الدعم وتوجيهه لهذا الجانب، فاهتم بنفسك جيداً، لأننا بحاجة إليك.

اقرأ أيضاً: فن طلب المساعدة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي