هل بإمكان “تعلم الآلة” مساعدة الشركات على اختيار أعضاء مجلس إدارة أفضل؟

5 دقائق

منذ أن نشر آدم سميث كتابه "ثروة الأمم" (The Wealth of Nations) عام 1776، ظل المراقبون سواء كمرشدين أو مستشارين إداريين يتحسرون على عدم كفاءة أعضاء مجالس الإدارة. ولأن الرئيس التنفيذي غالباً ما يتحكم (بفعالية) في عملية اختيار أعضاء مجلس الإدارة، فإنه سيميل إلى اختيار أعضاء من المحتمل ألا يعارضوا قراراته، واختيار أعضاء من المرجح ألا يقدموا وجهات النظر المتنوعة الضرورية لرفع قيمة الشركة لحدها الأقصى. كما أنّ المستثمرين في الشركات غالباً ما ينتقدون تأثير الرؤساء التنفيذيين على مجالس الإدارة ولذلك يبذلون جهودهم لمساعدة الشركات على تحسين حوكمتها. ومع ذلك، تظل مجالس إدارة الشركات ناقصة جداً.

هل بإمكان التقنية أن تساعدنا على حل هذه المشكلة؟ أدت التطورات الحاصلة في تعلم الآلة إلى عدة ابتكارات مهمة من برمجيات التعرف على الوجوه إلى السيارات ذاتية القيادة. وهذه التقنيات تغيّر بسرعة العديد من القطاعات والمجالات، لكن هل بإمكانها تحسين حوكمة الشركات؟

للإجابة عن هذا السؤال، قمنا بإجراء دراسة تستكشف كيف يمكن لتعلم الآلة أن يُستعمل في اختيار أعضاء مجلس إدارة الشركات، وإلى أي مدى يختلف هؤلاء الأعضاء الذين يتم اختبارهم عن طريق التقنية عن أولئك الذين يتم اختبارهم من قبل الإدارة البشرية. يتمثل هدفنا في إبراز كيف لنموذج تقني من تعلم الآلة أن يساعد بشكل كبير المستثمرين من خلال اختيار أعضاء مجلس إدارة أفضل للشركات.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: مهام وظيفة المساعد الإداري

ويكمن التحدي الأول الذي واجهناه في إجراء مثل هذه الدراسة في تحديد ما الذي يجعل عضو مجلس إدارة "أفضل" أو "أسوأ". وهذا تحديّ وجيه، لأن معظم تصرفات أعضاء مجلس الإدارة تحدث في ظل خصوصية قاعة الاجتماعات، حيث لا يمكن لمراقبين من الخارج رصدها أو مراقبتها. وبالإضافة إلى ذلك، يقع معظم ما يفعله أعضاء مجلس الإدارة ضمن الهيكل المؤسساتي لمجلس الإدارة، بحيث لا يمكننا عزل قراراتهم الفردية لوحدها.

وعلى الرغم من هذه التعقيدات، إلا أنّ هناك مقياساً واحداً واضحاً لأداء أعضاء مجلس الإدارة متاح بشكل عام: ألا وهو مقدار الأصوات التي يتلقاها عضو مجلس الإدارة في عمليات إعادة الانتخاب السنوية التي يجريها المستثمرون في الشركة. وعلى الرغم من أنّ الرئيس التنفيذي غالباً ما يؤثر في عملية اختيار الشخص المرشح لعضوية مجلس الإدارة ولا يتمتع المستثمرون في الواقع بأي تحكم في اختيار أعضاء مجلس الإدارة، إلا أنهم يصوتون سنوياً لإعادة انتخاب هؤلاء الأعضاء.  تعكس هذه الأصوات الدعم الذي اكتسبه عضو مجلس الإدارة بمجهوده الشخصي من المستثمرين، وينبغي أن يتضمن هذا التصويت، نظرياً على الأقل، جميع المعلومات المتاحة للجمهور حول أداء هذا العضو في مجلس الإدارة. ويكمن دافعنا الآخر لاختيار هذا المقياس للأداء في حقيقة أنّ قرار تعيين عضو مجلس إدارة في إحدى الشركات لا يختلف عن قرارات التوظيف الأخرى: فهذا القرار يستند أساساً على توقع الأداء المستقبلي للشخص المراد توظيفه. وبما أنّ مهمة عضو مجلس الإدارة هي تمثيل مصالح المستثمرين، فإنّ أصواتهم تمثل مقياساً منطقياً لأداء هذا العضو.

أما التحدي الثاني الذي واجهناه فيتمثل في أننا لا نملك إلا هذا المقياس الوحيد لأداء أعضاء مجلس الإدارة الذين تم اختيارهم بالفعل لشغل عضوية المجلس. من ناحية أخرى، يكمن صميم تقنية تعلم الآلة في التنبؤ، لكننا إن حاولنا فقط توقع نتيجة تصويت المستثمرين في عمليات إعادة انتخاب أعضاء مجلس الإدارة، فلن نحصل إلا على نصف الإجابة للمشكلة المطروحة. لأننا من ناحية أخرى، نريد أيضاً أن نتوقع كيف سيكون أداء أعضاء مجلس الإدارة المرشحين الذين لم يتم اختيارهم في نهاية المطاف، في حال لو تم تعيينهم بالفعل في مجلس الإدارة.

حاولنا حل هذه المشكلة من خلال إنشاء مجموعة من أعضاء مجلس الإدارة المحتملين لكل مجلس إدارة متاح لأولئك الذين، في وقت إجراء الدراسة، يقبلون منصب عضوية في مجلس إدارة شركة مماثلة أصغر حجماً. وبهذا الصدد، نحن نفترض أنّ هؤلاء الأشخاص يسعون لأن يكونوا أعضاء في مجلس إدارة شركة مماثلة لكن أكبر حجماً. ولأغراض دراستنا هذه، استخدمنا كمية الأصوات التي تلقاها هؤلاء الأشخاص في الشركة التي أصبحوا فيها أعضاء مجلس إدارة كمقياس لأدائهم المحتمل.

وللقيام بذلك، قمنا بتدريب خوارزمية تعلم آلة تتوقع أداء أعضاء مجلس الإدارة، باستخدام مجموعة بيانات كبيرة ومتاحة بشكل عام من الشركات الأميركية للفترة ما بين العام 2000 والعام 2011. استخدمنا أسلوباً في تعلم الآلة يدعى "تعزيز التدرج" (gradient boosting)، من ثم قيّمنا النتائج مستعملين مجموعة بيانات اختبار منفصلة تضم أعضاء مجلس الإدارة الذين انضموا للشركات في الفترة ما بين العام 2012 والعام 2014 والذين لم ترصدهم الخوارزمية خلال هذه "الفترة التدريبية" من عملها. ومن هناك استطاعت الخوارزمية تحديد أعضاء مجلس الإدارة المحتمل أن يكونوا أقل شعبية بنظر المستثمرين. أما بالنسبة لأعضاء مجلس الإدارة الذين عينوا بالفعل في مناصبهم لكن الخوارزمية توقعت انخفاض شعبيتهم لدى المستثمرين، فقد انتهى بهم الحال إلى إحراز أداء أسوأ من المرشحين الآخرين المتاحين. وفي المقابل، وجدنا أنّ أعضاء مجلس الإدارة الذين توقعت خوارزميتنا أن يحققوا أداء أفضل، أحرزوا بالفعل أداء أفضل من المرشحين المتاحين الآخرين. (يعمل نموذجنا من تعلم الآلة بشكل أفضل بكثير من نماذج الاقتصاد القياسي مثل طريقة المربعات الأقل).

كما أتاحت لنا الاختلافات بين أعضاء مجلس الإدارة الذين اقترحتهم الخوارزمية وبين أولئك الذين تم اختيارهم بالفعل من قبل إدارة الشركات، أن نقيّم الصفات المبالغ فيها والتي تم اعتمادها في عملية اختيار أعضاء مجلس الإدارة. وفي هذا الجانب، وجدنا أنّ الشركات تميل غالباً إلى اختيار أعضاء مجلس الإدارة الرجال، والذين يملكون شبكة علاقات واسعة، ويتمتعون بخبرة طويلة في مجالس الإدارات، والذين يعملون في وقت اختيارهم ضمن أكثر من مجلس إدارة، ولديهم خلفية أكاديمية في قطاع المالية.

وبهذا الصدد، تخبرنا الخوارزمية بالضبط ما كان يقوله المستثمرون في الشركات لمدة طويلة: أنّ أعضاء مجلس الإدارة الذين ليسوا أصدقاء قدامى للرؤساء التنفيذيين والأعضاء الآخرين، والقادمين من خلفيات تعليمية مختلفة يقومون بأداء أفضل في الإدارة، والذين غالباً ما يتم تجاهلهم للأسف في عملية اختيار أعضاء مجلس الإدارة.

وفي ضوء النتائج التي توصلنا إليها، يجدر طرح السؤال التالي: لماذا تعيّن الشركات في العالم الواقعي أعضاء مجلس إدارة يمكن توقع أنهم لن يحظوا بشعبية كبيرة لدى المستثمرين؟ وكإجابة عن هذا السؤال، نعتقد أنّ هناك سببين محتملين على الأقل. أولهما: هو عدم رغبة الرؤساء التنفيذيين في وجود أعضاء مجلس إدارة فعّالين. ومنذ أن نشر أدولف بيرلي وغاردينر مينز عام 1932 كتابهما الذي كان بعنوان "الشركات الحديثة والملكية الخاصة" (The Modern Corporation and Private Property)، اعتقد خبراء الاقتصاد أنّ المدراء يقومون بإبقاء سيطرتهم على شركاتهم من خلال التأثير على عملية اختيار أعضاء مجلس الإدارة وذلك لضمان مجالس إدارة تتوافق ورؤاهم ولا تعارضهم.

أما السبب المحتمل الآخر: فيكمن في التحيزات السلوكية، والذي يعني عدم قدرة الإدارة على اختيار أعضاء مجلس إدارة فعالين كما تفعل الخوارزمية غير المتحيزة. وبهذا الصدد، استعرض دانيال كانيمان في كتابه "التفكير البطيء والسريع" (Thinking, Fast and Slow) (مترجم للغة العربية) سجلاً حافلاً من البحوث العلمية النفسية التي توثق أنه في الكثير من الظروف والحالات، يمكن للقواعد البسيطة أن تؤدي إلى نتائج أفضل من إتاحة حرية اتخاذ القرارات للأفراد. وتمثل نماذج تعلم الآلة، التي تذهب في التعقيد إلى مدى أبعد من القواعد التي وضعها علماء النفس في تجاربهم، طريقة قيّمة محتملة لتفعيل مفهوم أنّ القواعد، بدل إتاحة حرية التصرف، هي التي بإمكانها تحسين عمليات اتخاذ القرارات في العالم الواقعي.

إذاً، كيف ينبغي تطبيق النتائج التي توصلنا إليها في الممارسة العملية؟ ينبغي للخوارزميات التي نقصدها أن تُستخدم كمنهجيات "تُستعمل أولاً"؛ على افتراض أنّ المزيد من النماذج الأخرى الأكثر تطوراً وتعقيداً لتوقع أداء أعضاء مجلس الإدارة ستتاح للاستخدام في المستقبل وتكون أفضل مما قدمناه في هذه الورقة البحثية. وبالإضافة إلى ذلك، تعتمد خوارزميتنا هنا على البيانات المتاحة للجمهور؛ لكن في حال امتلك المرء قواعد بيانات خاصة أكثر تفصيلاً عن خلفيات أعضاء مجلس الإدارة وأدائهم السابق، فإن دقة الخوارزمية ستتحسن بشكل كبير. وفي حال تم استخدام خوارزميات مثل التي نتحدث عنها هنا في المستقبل، كما نتوقع أن يحدث بالفعل، فإنّ مطبّقي هذه المنهجيات سيمتلكون بلا شك الوصول إلى مجموعات وقواعد بيانات أفضل مما تحصّلنا عليه، ومن المفترض أن يستطيعوا توقع أداء أعضاء مجلس الإدارة بشكل أكثر دقة مما توقعناه في ورقتنا البحثية هنا.

مع ذلك، لا بدّ من القول أنّ خوارزميات تعلم الآلة ليست منهجيات كاملة بلا عيوب. لأنها معرّضة للتحيز هي كذلك، حسب البيانات التي تستعملها الخوارزميات والنتائج التي صُممت من أجلها.

على الرغم من هذا، ووفق دراستنا، من الواضح أنّ الخوارزميات ليست عرضة للصراعات التي تنشب في الشركات والسلوكيات المتحيزة التي تحدث عندما يجتمع أعضاء مجلس الإدارة والرؤساء التنفيذيين لاختيار أعضاء جدد. من جانب آخر، من المرجح أن يجد المستثمرون في الشركات هذه التقنية جذابة بشكل خاص ومن المحتمل أن يشجعوا مجالس الإدارة على الاعتماد مستقبلاً على الخوارزميات في اختيار أعضائها. أما عن مدى تقبل الإدارات لهذه المنهجية في اختيار أعضاء مجلس الإدارة فهي مسألة مفتوحة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي