الدكتور ستيف هارفي الباحث المختص في علم نفس المؤسسات والأكاديمي المعروف في مجال الإدارة والموارد البشرية. تسلّم منصبه عميداً لكلية سليمان العليان لإدارة الأعمال (OSB) في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) في يناير/كانون الثاني 2016. وكان قبلها عميداً لكلية جون مولسون للأعمال في جامعة كونكورديا في مونتريال في كندا. والتي صنفتها ذي إيكونومست وبلومبرغ بزنس ويك من بين أفضل كليات الأعمال في العالم. ماذا يقول لصانعي القرار الاقتصادي في المؤسسات والبلدان العربية؟ هذا ما يكشفه لرئيس تحرير هارفارد بزنس ريفيو العربية حمود المحمود في هذه المقابلة.
يرغب القارئ بأن يستمع من ستيف هارفي كأستاذ وباحث حول سياسته في تدريس الأعمال. سأبدأ بسؤال عن الفوارق في المنهجية وطرائق التدريس بين كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) مقارنة بالمؤسسات الأكاديمية الأخرى عربياً المتحدة أودولياً؟
كما تعلم، إن الأساتذة في مختلف الجامعات على المستوى الدولي يعتمدون المنهجيات والنظريات ذاتها تقريباً، لكنني أعتقد أن نكهة الجامعة الأمريكية في بيروت، وبرغم أن أساتذتها هم في الغالب ممن تلقّوا تعليمهم في الغرب واستخدموا نظريات التعليم الغربية، إلا أن لديهم قيمة مضافة هي الخبرة المحلية في المنطقة العربية، وهذا ما ينعكس على المواد الدراسية، حيث تنعكس هذه الخلفية المعرفية والثقافية على تعديل وتغيير تفسير تلك النظريات والكتب الدرسيّة وكيفية تطبيقها. واعتقد أن هذا العامل يجعلنا متفرّدين في نواح كثيرة، حيث أننا لا "نستورد" المعرفة كما هي. إننا "نستورد" المعرفة ونعيد تفسيرها ونجعلها ذات صلة بواقع المنطقة عبر مؤسسة علمية محلية تعمل على كيفية تطبيق تلك المعارف في منطقتنا على النحو الأمثل. لذلك أعتقد أن ھذا ھو عامل التفاضل بالنسبة لنا في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال وفي الجامعة الأميركية عموماً مع إرث يمتد لـ 150 عاماً في هذه المنطقة.
هل من أمثلة وقصص نجاح تظهر انعكاس البرامج التعليمية التي عملت عليها كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال ضمن قطاع الشركات والأعمال؟
سأقتبس لك مثالاً أنقله من تجربة إحدى الشركات التي تعاملنا معها لبعض الوقت، فقد أكدوا لنا أنهم لاحظوا تطوراً في المسار المهني لكل من شارك في برنامج التدريب المتقدم والخاص بالمدراء (التدريب التنفيذي)، حيث ساعدهم البرنامج على التطور بوتيرة أسرع ضمن السلم الوظيفي مقارنة مع زملائهم الذين لم يلتحقوا بذلك البرامج أو الذين درسوا في برامج عشوائية أخرى. لذلك فإن برامجنا تحضّر الطلاب بالطريقة التي تأمل المؤسسات أن يصلوا إليها.
إننا "نستورد" المعرفة ونعيد تفسيرها ونجعلها ذات صلة بواقع المنطقة.
من الملاحظ أن الجامعة الأميركية في بيروت تتجه للتوسع خارج لبنان عبر نشر برامجها التعليمية كاستراتيجية جديدة؟ في أي سياق تأتي هذه الاستراتيجية؟
لا شك أنّ القيمة العلمية والحضور الذي حققته الجامعة الأميركية في بيروت على المستوى الإقليمي، يؤهلها منذ زمن لتحقيق الانتشار وتعميم برامجها التعليمية في كل بلد عربي، وكان هذا السؤال يردنا باستمرار: "لماذا لا تتوسعون في محيطكم؟". ربما أعاقت في السابق الصعوبات الجيوسياسية والاقتصادية المحيطة في هذه الانطلاقة، لكننا قررنا اليوم أن نستجيب لهذه الحاجة وأن نلبي تلك النداءات التي تدعونا لتقديم خبرتنا لقطاع الأعمال في العالم العربي في مرحلة تحوّل حساسة ودقيقة للغاية. ولذا فإن كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال بدأت تنشر برامجها للإدارة التنفيذية على المستوى العربي. وهذا كما ذكرت منطلق من القيمة التي يفرضها اسم الجامعة الأميركية في بيروت، فهي ظاهرة إقليمية وعلامة مميزة في المنطقة، من حيث قدرتها كجامعة دولية مرموقة، حيث تصنّف من بين أفضل 250 جامعة على مستوى العالم. وقد حان الوقت لنساعد منطقتنا، وتوسيع شريحة المستفيدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأعتقد أنه من مسؤوليتنا - كمؤسسة - أن نستمر في العمل بطريقة يكون لها تأثير على منطقتنا، وبالتأكيد لدينا كل الأسباب الكافية لنسوّق أنفسنا أكثر.
ما هي الصيغة التي تتخذونها لتكونوا مؤسسة علمية يتخرج منها طلبة بخبرات عملية وليست مجرد معرفة أكاديمية فحسب؟
من المؤكد أن إحدى الاستراتيجيات منذ أن أصبحت عميداً، أنني استثمرت في النجاح الذي حققته مؤسسة الجامعة الأميركية في بيروت ذات العراقة التي تمتد على مدى 150 عاماً. حيث بنيت على هذا النجاح، وأطلقت خطة استراتيجية لكلية سليمان العليان لإدارة الأعمال، عبر تحويلها من كلية لتعليم إدارة الأعمال إلى التجريب العملي لإدارة الأعمال. وما نعنيه من خلال التجربة العملية هو إعطاء الطلاب الفرصة للاستفادة القصوى من عملية التعلم عبر الممارسة التي تتجاوز المناهج الدراسية، لتشمل التواصل مع ذوي الخبرة والتجربة في المخابر الميدانية، حيث نستضيف متحدثين زائرين، ونشرك الطلبة في مشاريع تطبيقية ومنافسات عملية تُظهِرُهم أمام تحدي الواقع العملي. وكثيراً ما قلت أمام أعضاء هيئة التدريس أن مبدأنا في التعليم هو 50/50. الخمسون الأولى هي المناهج الدراسية والمفاهيم التي ندرّسها في الفصول الدراسية. و الخمسون الثانية هي ما يحقق تجربة كلية إدارة الأعمال وهي كل شيء آخر. إنها القيمة المضافة التي نقدمها للطلاب خلال الوقت الذي يمضونه معنا: إمكانات القيادة، التنمية، مجموعة الفرص التي تعزز المهنة والتي سوف يواجهونها خلال سنوات دراستهم الأربع، بالإضافة إلى موادهم التي يدرسونها في الفصول الدراسية والتي ستحضّرهم ليكونوا على استعداد للعالم الحقيقي. إن العديد من طلاب الجامعة الأميركية في بيروت أشخاص يلتحقون بها في سبيل النجاح. وما نقوم به هو أننا نعطي ذلك الحافز فرصة ودفعاً لهذا الزخم نحو الأمام. وهذه هي النوعية التي يرغب أصحاب الأعمال توظيفها فهم يريدون توظيف أشخاصاً لديهم هذا الشعور بالحافز والتجربة المتكاملة التي تقدمها كلية إدارة الأعمال.
لدينا تاريخ وإرث ممتد إلى 150 عاماً من العمل الأكاديمي في المنطقة أتاح لنا جذب المميزين للدراسة والتدريس في مؤسستنا.
بالاعتماد على خلفيتك الأكاديمية كمختص في علم نفس الإدارة، لدي فضول لمعرفة وجهة نظرك حول مستقبل المنطقة العربية؛ خصوصاً وأننا نمرّ في فترة انتقالية قد يمكن تسميتها "ما بعد الربيع العربي" و"ما بعد عصر النفط". إلى أين يتجه عالم الأعمال في المنطقة في منظورك؟
أعتقد أن هذه المنطقة تمر بلحظة تحوّل مهمة خصوصاً في قطاع الأعمال. ورغم أنّ هذه المرحلة تبدو صعبة ومليئة بالتحدي لكنها تحمل فرصاً كبيرة، يمكن للمنطقة أن تثبت دورها الريادي في الاقتصاد على مستوى العالم.
وبعد سنوات من التعايش مع نموذج تقليدي للأعمال في المنطقة، فإنها اليوم تتجه بسبب أزمة النفط إلى إعادة التفكير في نماذج الأعمال إلى نماذج قيادية ذات فعالية اقتصادية مستدامة. وأظن بأن الأهمية الثقافية المميزة للمنطقة، ستفرض أهميتها، دورها، حيث ستعيد هذه المنطقة دورها القيادي للتجارة العالمية، وإذا ركزت على لبنان كصورة مصغرة وهو الذي كان معروفاً لقرون بتاريخه الفينيقي وبالتجارة وريادة الأعمال ..إلخ، أعتقد أن المنطقة في حالة مراجعة لكيفية إدارة الأعمال. ربما كانت هناك فترة سمحنا فيها لأجزاء أخرى من العالم بأن تساعدنا في تحديد كيف يمكن أن تكون تلك الأعمال، لكنني أعتقد أن المنطقة متحفّزة إلى إعادة تعريف عالم الأعمال تعريفاً خاصاً بها يتمحور حول وجهة الأعمال وإلى أين سيؤدي؟ لكن التجربة التي استمرت لسنوات طويلة كانت كفيلة بمعرفة ما هو مثمر وما لا يمكن أن يثمر. لذلك نحن في فترة من النضج يمكن أن تتخذ شكلاً إيجابياً على الصعيد العربي.
سيقرأ هذه المقابلة عدد كبير من صانعي القرار الذين سيحضرون المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن في أيار 2017. ما هي نقاط القوة التي ترى أن على دول المنطقة أن تتمسك بها وتعززها؟
أود أن أقول: ألقوا نظرة متأنية على تاريخ المنطقة واستلهموا من عراقتها، وأن نطرح السؤال التالي: "ما هي نقاط قوتنا التي يمكن أن ننافس بها لتحديد كيفية قيامنا بالأعمال؟".
وأعتقد أن لدينا تاريخاً عريقاً؛ نحن والشرق والصينيون والهنود … إلخ مع الطرق التجارية التي كانت موجودة قبل فترة طويلة من تحديد أمريكا الشمالية أو أوروبا لتعريف العمل. لدينا عراقة وتقاليد حول العمل. ونحن أقرب إلى القوة الاقتصادية الصاعدة اليوم في الأجزاء الشرقية من العالم، لذلك أعتقد أننا قد نجد المزيد من العون في ماضينا وعلاقتنا مع الشرق. وأود أن أقول لصانعي القرار: من المهم كثيراً اتخاذ القرارات بناء على خصوصية المنطقة. حيث يمكننا إعادة تعريف الحوكمة الرشيدة وإدراجها ضمن ممارسة الأعمال التجارية، دون استيراد القوالب الجاهزة. إنها فرصة للنظر في الداخل والقول كيف يمكننا أن نخلق قيمة داخل مجتمعاتنا الصغيرة، فلا يزال بإمكاننا التمسك بالأخلاق وبالحكم الرشيد. ولكننا نريد أيضا أن نتمسك بتراثنا الثقافي وفكرة التواصل والعائلة والأعمال التجارية وهي عناصر قوة في المنطقة العربية.
هناك مخاوف من كيفية تطبيق الرؤى المتعلقة بنموذج أعمال جديد في بعض البلدان مختلف بالمقارنة مع الماضي. ما هي العقبات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وكيف ينبغي على الناس بمختلف مستوياتهم الانخراط في تنفيذ رؤى كهذه؟
أعتقد أن الشيء الوحيد الذي يمكن التأكيد عليه، هو أن الحياة تعلمنا أن العناصر التي لديها فرصة للبقاء والتكاثر في بيئات قاسية، والانتقال إلى بيئة أخرى هي تلك التي لديها تنوع ومرونة أصيلة. وهذا هو مبدأ تشجيع التنوع الذي أؤمن به. فإذا ما كانت رؤية صناعة القرار في أي بلد أو مؤسسة قد شجعت قدراً كبيراً من تنمية هذا التنوع، فسيكون هناك فرصة أكبر للنجاح والتغلب على العواصف التي لا يمكننا التنبؤ بها مستقبلاً. وبالتالي، فإن الشيء الوحيد الذي عرفت أنه قادر حقاً على الصمود أمام التحديات مع مرور الوقت هي النظم التي لديها تنوع في صلبها حتى ولو كان هذا التنوع فيه نقاط ضعف وقوة.
وبترجمة ذلك إلى حالة اقتصادية فإن الاقتصادات التي تستثمر حقاً وبشكل ملموس ولديها سلة استثمارات متنوعة تتناسب مع مواردها المادية والبشرية، تلك الاقتصادات مستعدة بشكل أكبر لأن تكون ناجحة في تلك الظروف. ونحن نعلم أن هذه المنطقة محظوظة بالموارد لسنوات عديدة. لكنها مبادراتها للدخول في تصنيف الاقتصاد المتقدم ما زالت محدودة جداً. والتحدي هنا هو، أنّ عدم الاستعداد لمراحل التحول يشكل خطراً وجودياً، بينما تبقى المؤسسات التي استشرفت ذلك، وتوقعت قدومه كانت قادرة على خلق التنوع والبقاء، بينما يجد البعض الآخر صعوبة أكبر. لذلك بغض النظر عما إذا كنا نتحدث عن شركة أو بلد أو اقتصاد أو فرد، فالتنوع هو عامل القوة والاستقرار، لذلك فالعمل على ترسيخ التنوع وتطويره هو المحرك المستمر للخروج من الأزمات بشكل أقوى.
اقرأ أيضاً: ما هي مكامن القوة فيك؟