كيف يمكن حثّ الموظفين على تقبل المرونة في العمل؟

3 دقائق

جرّبت الكثير من المؤسسات الرائدة حول العالم جعل العمل المرن جزءاً من سياسات العمل لديها، وإدراكاً منها لأهمية ذلك الأمر في الاحتفاظ بالموظفين ورفع معنوياتهم والتزامهم وتنوعهم ومثابرتهم فضلاً عن بقائهم في المؤسسة لفترة أطول. ولكن على الرغم من طلب الموظفين لتلك الطريقة ووجود بعض الأمثلة الناجحة، أثبتت التجارب صعوبة اعتمادها على نطاق أوسع.

لمعالجة هذا الأمر، استخدمت وحدة البصريات السلوكية في حكومة نيو ساوث ويلز الأسترالية علم الاقتصاد السلوكي في محاولتها دفع الناس للتصرف بطريقة مختلفة قليلاً، ولتعديل القواعد والتقاليد غير المكتوبة لأماكن العمل. وقد فعلت ذلك بالشراكة مع برنامج النقل في نيو ساوث ويلز "خيارات السفر"، والذي يعمل مع الشركات لتحديد طرق تشجع المزيد من الركاب على تجنب الذهاب إلى العمل خلال ساعات الذروة.

نظرنا في الأبحاث القائمة، وحلّلنا بيانات النقل والبيانات الخاصة بأماكن العمل، فضلاً عن أننا أجرينا أبحاثاً ميدانية نوعية مع 8 مؤسسات رئيسية لديها أكثر من ألف موظف يتنقلون يومياً إلى مقر عملهم وسط مدينة سيدني. أظهر تحليلنا وجود 3 عوائق سلوكية مهمة أمام الموظفين الذي يرغبون في الانتقال إلى العمل المرن:

الأعراف الاجتماعية. غالباً ما تكون الثقافة التنظيمية عصية على التغيير، حتى بعد إدخال سياسة عمل مرنة مثل السماح للموظفين بالوصول والمغادرة في غضون "ساعات عمل مرنة" (أي بين السابعة صباحاً والسابعة مساء)، إذ لا تزال هناك ثقافة العمل من التاسعة حتى الخامسة مترسخة. ويبرز ذلك ملياً في تعبيرات الموظفين، مثل رفع الحواجب أو إبراز الدهشة أو طرح تعليقات مازحة منهم تجاه زميلهم الذي يريد مغادرة المكتب باكراً.

تصورات الموظفين حول قبول المدراء للفكرة. أعرب الكثير من الموظفين عن قلقهم من إمكانية أن ينظر مدرائهم إليهم بشكل سلبي إذا طلبوا ساعات عمل مرنة، على الرغم من إشارة معظم المدراء إلى تقبلهم الأمر بشكل إيجابي. وتأتي تلك الخشية من رؤية الموظفين لمدرائهم يعملون ضمن نطاق ساعات العمل التقليدية لا المرنة. وهكذا، نظراً لأن الموظفين أو المدراء لا يثيرون هذه المسألة، فسيظل الطرفان يجهلان وجهات نظر بعضهم البعض حيال هذه المسألة.

أنماط الحياة وعادات الأفراد. من المعروف أن التنقل أحد أكثر العادات المرنة صعوبة لدينا، إذ تكون أنماط حياة الموظف وواجباته الأخرى غير المتصلة بالعمل مثل توصيل الأطفال إلى المدارس أو الذهاب إلى الصالة الرياضية من العوامل المؤثرة أيضاً على قدومه ومغادرته العمل.

واستناداً إلى هذه النتائج، أردنا رؤية ما إذا كان يمكن استخدام اقتصاديات السلوك لتشجيع الناس على العمل بمرونة أكثر، وخاصة للتخفيف من التنقل خلال ساعات الذروة، وسيكون لذلك فائدة إضافية تتمثل في تقليل الضغط على نظام النقل.

عملنا مع إدارة رئيس الوزراء ومجلس الوزراء في نيوساوث ويلز لمحاولة التغلب على تلك الأمور الثلاثة السابقة. وكان الهدف من العمل هو التأثير على المعايير الاجتماعية، وتعديل سلوك المدراء، وتشجيع الناس على تجربة نهج التنقل الجديدة حيثما أمكن.

التدخل رقم 1: تغيير الإعدادات الافتراضية في تقويمات "مايكروسوفت أوتلوك" (Microsoft Outlook)

يضع برنامج "أوتلوك" بشكل افتراضي الفترة من التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساء على أنها الفترة التي يكون فيها المرء متاحاً للاجتماعات. وقمنا بتقليل الفترة الافتراضية التي يكون فيها المرء متاحاً للاجتماعات في أوتلوك، بهدف حث الناس ضمنياً على تجنب الاجتماعات المبكرة والمتأخرة، وبالتالي، تمكين أوقات البدء والانتهاء المرنة.

التدخل رقم 2: مطالبة المدراء بمناقشة العمل المرن، وتبنيهم له ليكونوا القدوة

استخدمنا بعد ذلك بيانات بطاقات الدخول للمباني لجعل المدراء يرون كيف يحاكي الموظفون سلوكهم في القدوم والمغادرة. لقد شجعناهم على العمل المرن وإجراء محادثة مفتوحة مع فرقهم حول مدى فائدة العمل المرن لهم.

التدخل رقم 3: استخدام المنافسة لتعطيل العادات

تملك العديد من أماكن العمل درجة تنافس صحية بين الفرق، لذلك، أجرينا منافسة بين فرق يحصل فيها أفراد الفريق على نقاط أكثر إن وصلوا أو غادروا خارج أوقات الذروة، ونقاط إضافية إن اتبعوا أشكالاً أخرى من الدوام المرن مثل العمل بدوام جزئي أو العمل من المنزل. كما شجع كل من نشر نتائج الفرق الناجحة وتكريم الفرق الأكثر مرونة على مشاركة الموظفين أكثر.

اختبرنا هذه التدخلات باعتبارها جزءاً من مشروع رائد تجريبي لمعرفة إذا كان لمثل هكذا تدخلات تأثير حقيقي. وفي أعقاب التغيير الذي طرأ على التقويم والمدير في التدخلين الأول والثاني، حدثت زيادة قدرها 3.3% في عدد القادمين والمغادرين خارج أوقات الذروة.

بعد ذلك، أجرينا المنافسة (التدخل الثالث) لمدة 9 أسابيع، وهو وقت كافٍ (كما نتوقع) لدفع الناس إلى التخلي عن عاداتهم القديمة وتكوين عادات جديدة. وكان للمنافسة تأثير أكبر مقارنة بالتدخلين الأول والثاني، إذ إنه بعد شهرين من انتهاء المنافسات، ما زالت هناك زيادة بنسبة 7.1% في عدد الوافدين والمغادرين خارج فترة الذروة، ما يدل على أن التحول السلوكي حدث من جهة، ومن جهة أخرى استمر لما بعد فترة المنافسة. وتعزز هذه النتيجة الدور القائل إن تعزيز سياسات العمل المرنة يمكن أن يساعد في التحكم بالطلب على النقل.

لن تجد المؤسسات التي ترغب في إحداث التغيير أي نقص في المراجع الكفيلة بتحقيق ذلك (وبعضها قد يكون مكلفاً)، ولكننا تمكّنا هنا من إظهار أنه حتى في حالة التدخلات السلوكية منخفضة التكلفة يمكن أن تؤدي إلى تحولات حقيقية في معايير مكان العمل وثقافته. باستخدام الأفكار والمنهجيات السلوكية المستعارة من العلوم السلوكية، يمكنك أنت ومؤسساتك العثور على آليات مفيدة لك وللمؤسسة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي