شركة “زيبكار” لا تطلب من موظفيها الابتكار فقط بل تدلهم على كيفية تحقيقه

5 دقائق
زيبكار

تمتلك الشركات المبتكرة ثقافة الابتكار. فكّر في شركة "جوجل"، أو الطريقة التي حافظت بها شركة "جنرال إلكتريك" (GE)، على ثقافة الابتكار التي تعود إلى مؤسس الشركة، توماس إديسون، ذلك أن شركة "جنرال إلكتريك" أعادت اكتشاف نفسها الآن، لتصبح "الشركة الصناعية الرقمية"، وهذا أداء لا يمكن وصفه بالسيئ على الإطلاق لمؤسسة أسست عام 1892.

وعلى الرغم من الغموض الذي يكتنف هذا المجال، فإن خلق ثقافة الابتكار معقد للغاية. فهو يخضع لديناميكية بسيطة؛ حيث تنبع الخبرات التي يكتسبها الموظفون من قرارات وسلوكيات القادة المدروسة وغير المدروسة. وتشكل هذه التجارب الافتراضات حول السلوك المرغوب أو غير المرغوب فيه. فإذا كنت تريد تغيير سلوك موظفيك، فمن الأسهل خلق تجارب جديدة أو مختلفة لتغيير افتراضاتهم المُسبقة بدلاً من مهاجمة هذه الافتراضات مباشرة.

كيف ستفعل ذلك؟ فيما يلي 4 استراتيجيات ستساعدك في هذا المجال:

استخدام الخبرات الرمزية

تعدّ شركة "زيبكار" (Zipcar)، واحدة من أولى الشركات التي تقدم خدمة مشاركة المركبات، فقد أنشأت بمفردها "اقتصاد المشاركة" في الولايات المتحدة، كما مهّدت الطريق للآخرين في هذا المجال، مثل شركة "أوبر" (Uber)، و"إير بي إن بي" (Airbnb)، ولكن في النهاية، يجب على الجميع، بمن فيهم مبدعو نماذج الأعمال مثل شركة "زيبكار"، الاستجابة لشروط العالم المتغير. لقد واجهت الشركة مؤخراً واقعاً مريراً، حيث صمّمت تجربة العميل بأكملها باستخدام أجهزة الكمبيوتر المكتبية أو المحمولة، لذلك لم تتِح الشركة أمام عملائها الفرصة لاختيار إمكانية تسجيل الدخول إلى صفحة الشركة واختيار الخدمة المطلوبة أو تقديم المساعدة للأعضاء في إدارة حساباتهم عبر هواتفهم الجوالة. لقد تغير العالم، وكان على شركة "زيبكار" الانسجام مع هذا التغيير الذي سيتطلب تحولاً كبيراً في عقليات الموظفين وسلوكهم، ومن ثم كان يتعين على شركة "زيبكار" التحرك السريع لمواكبة الواقع الجديد.

نفّذت شركة "زيبكار" عدة أشياء للبدء بتشغيل النموذج الجديد القائم على استخدام الهاتف الجوال، ولكن واحداً من أوائل الإجراءات المتخذة هي تجربة الموظف المدهشة، تلك التي أصبحت على الفور رمزاً للرؤية الأولية الجديدة في التوجه نحو مجال الهاتف الجوال. وقد حرصت شركة "زيبكار" على دعوة الموظفين لحضور اجتماع ناقشت فيه القيادة أعمال قطاع الهاتف الجوال الضرورية. ولمساعدة الموظفين على فهم طبيعة المرحلة القادمة، أُعطي كل موظف مطرقة ثقيلة وطُلب منه تحطيم جهازي كمبيوتر مكتبي ليتحصنوا شخصياً ضد "الرؤية القديمة". إن تحطيم القديم لإحضار الجديد (حرفياً ومجازياً) خلق تجربة مؤثرة سُجّلت على الفور في التقاليد المأثورة في عالم الشركات، تلك التي يمكن توريثها كرمز لما هو مطلوب عمله بالضبط للمستقبل.

اقرأ أيضاً: كيف استطاعت شركة "أومني كلاودز" التكيف والابتكار في ظل الجائحة؟

توفر التجارب المصممة بعناية فرصة لخلق ثقافة موجَّهة.

خلق مسارات رؤية للعملاء

بالإضافة إلى تنظيم تجربة المطرقة للموظفين، نفذت شركة "زيبكار" أمراً أكثر إقناعاً. حيث ابتكرت الشركة مسارات رؤية مباشرة للفئة الجديدة المستهدفة من العملاء في (جيل الألفية الأول للهواتف الجوالة)، وذلك من خلال إطلاع الموظفين المباشر على واقع الهاتف الجوال في القرن الحادي والعشرين. كما أعدت الشركة لقاء في كل يوم سبت سُمي "الموائد المستديرة للأعضاء"، الذي شمل حوالي 12 عميلاً ممن يشاركون احتياجاتهم وخبراتهم ورغباتهم وتعليقاتهم مباشرة مع موظفي الشركة. فكرة الموائد المستديرة هي تجربة لا يمكن تجاهلها، ذلك أنه من الصعب تجاهل احتياجات العملاء بعد محادثتهم وجهاً لوجه. كما يعد هذا النوع من التفاعل المباشر مع العملاء طريقة فاعلة لتغيير تفكير الموظفين وخلق الدوافع للتغيير، مع التركيز على تقديم القيمة التي تلبي احتياجات العملاء مباشرة.

لا يتعين على الشركات بالضرورة جلب العملاء إلى مكتب الشركة لخلق مسارات رؤية للعملاء. تعرض شركة "سبيس سيفر كوربوريشن" (Spacesaver Corporation)، الرائدة في مجال التخزين التجاري وتنظيم رفوف العرض للمكتبات والمتاحف، ملصقات عملاقة لمنشآت عملائها في جميع أنحاء منشأة التصنيع الخاصة بها. ذلك أنها بذلك تحرص على تذكير العمال كل يوم بالقيمة المنجزة جرّاء جهودهم في العمل، وذلك دون الحاجة لأن يتركوا مكان العمل، مثل نظام التخزين الضخم الذي يستخدمه متحف "فيلد ميوزيوم" (Field Museum)، في شيكاغو، الذي يضم عظام الديناصورات التي يتمتع بها الآلاف من الزوار كل عام.

يساعد خلق مسارات رؤية للعملاء على تمييز جميع جوانب الابتكار بوضوح، تلك التي غالباً ما يغفل بعضها، حيث يمكن لهذا التوضيح أن يؤدي دوراً أساسياً في تحفيز الموظفين، ويساهم أيضاً في إيضاح السلوك اليومي المرغوب.

اقرأ أيضاً: هل تعرف كم تساوي سمعة الابتكار؟

تقديم مكافآت "غير مكلفة"

عندما يتعلق الأمر بتشكيل الثقافة، نجد أن القيمة المادية لبعض المكافآت القيّمة لا تساوي شيئاً. لدى شركة "هاير" (Haier) الصينية، التي تعد أكبر شركة للأجهزة الكهربائية في العالم، ثقافة الابتكار المستمر. ولتعزيز هذه الرسالة، تسمي الشركة الابتكارات الجديدة باسم الموظف الذي يتوصل لفكرة الابتكار (ويُطلق أيضاً على الموظف لقب "الصانع" في هذه الشركة).

هنا يجب أن نذكر المحطة العامة "كيه كيو إي دي" (KQED)، المتخصصة في البث التلفزيوني والإذاعي في مدينة سان فرانسيسكو، التي صمّمت جائزة خاصة لتعزيز كل من الابتكارات الصغيرة والكبيرة التي تظهر على مدار العام. والجائزة هي كأس يعلوها الحرف "كيو" (Q). يربط هذه الوسم المتقن الجائزة بالمؤسسة وجهود الابتكار الأخرى الناشئة فيها، مثل فريق "كيو-فايشن" (Q-vation)، المسؤول عن جمع الأفكار وتعزيز ثقافة الابتكار لدى "كيه كيو إي دي" على أساس متواصل.

تقدم بعض الشركات الأخرى مكافآت تجريبية لتعزيز سلوك الابتكار لدى موظفيها؛ حيث تمنح سلسلة فنادق "ذا ويستن" (Westin)، أفضل المبتكرين لديها، رحلة مدتها 5 أيام كل 3 أشهر. بالتأكيد، هناك تكلفة مالية لهذه الرحلة، لكن بإطلاق هذه المكافأة نجحت "ويستن" في تقديم مكافأة ذات طابع متأصل بالابتكار وبالخدمة المقدمة من قبل سلسلة الفنادق. تعزز هذه المكافأة من قيمة تجربة العملاء من خلال منح الفرصة باختبار هذه التجربة لكل من أسهم في تحسينها.

وعلى الرغم من أن معظم الشركات تكافئ الموظفين الذين يسهمون مباشرة في تحسين التكنولوجيا المستخدمة في الشركة أو في ابتكار المنتجات، فإن الطريقة المثلى تكمن في تكريم أي موظف يقدم أي مساهمة مهمة في تحسين عمل الشركة، بغضّ النظر عن نوع الابتكار الذي يقدمه. ستساعد هذه الطريقة على نشر ثقافة الابتكار على نطاق واسع لتصل إلى جميع الأقسام المسؤولة عن نموذج التشغيل في الشركة. ويعد هذا الترويج الثقافي نتيجة لإبراز القيم الكامنة وراء قصص النجاح (على سبيل المثال، أحد الابتكارات الخاصة بقسم الموارد البشرية هو تطوير أسلوب التوظيف عبر الجامعات المتبع لدينا، وبذلك أصبح لدينا مجموعة من الموظفين المُبتكرين). يمكن أن تلهم هذه الطريقة الأقسام الأخرى في الشركة للعمل على خلق الابتكارات المناسبة لتعزيز أعمالهم.

تتخطى قيمة أكثر المكافآت نفعاً قيمة الحوافز المالية وذلك بإلهام الأفراد بالابتكار، ذلك أن الدافع الأكبر هو الإحساس بالانتماء والمساهمة في التغيير، كما يمكن لهذا الدافع أن ينتشر عبر أقسام المؤسسة، وقد يسهم في تغيير ثقافة المؤسسة نحو الأفضل.

اقرأ أيضاً: الابتكار من أجل إحداث التأثير.

تطوير مواهب الموظفين لتطوير ثقافة الشركة

أحد أكبر أشكال تقدير الموظفين هو الاستثمار في التنمية الذاتية وفي تطوير الموظف. تقدم العديد من الشركات التدريب لموظفيها، ولكن القليل منها يربط صراحةً التطوير المهني بالنمو الاستراتيجي للأعمال، فضلاً عن دوره في خلق ثقافة الابتكار. هذا هو النموذج المعتمد في شبكة "إن بي سي يونيفرسال" (NBCUniversal)، المعروفة بشبكاتها التلفزيونية الناجحة وقنوات الكابل والصور المتحركة والمدن الترفيهية. تواجه هذه الشركة تغييراً هائلاً وهي تخوض طريقها خلال عالم الترفيه والإعلام سريع التغيّر.

لا يمكننا اعتبار مختبر المواهب التابع لشبكة "إن بي سي يونيفرسال" جامعة نموذجية. يوفر مختبر المواهب برامج مصممة خصيصاً لكبار القادة الذين يتمثل دورهم في تشكيل الثقافة واستراتيجية العمل من أجل تعزيز الأفكار والسلوكيات الجديدة التي تزدهر فقط على أعلى المستويات. ولا تتعلق هذه البرامج بدراسات الحالات الأكاديمية ولكنها تركز على المواهب ذات الإمكانات العالية، واللاعبين الأساسيين ممن يغيرون قواعد العمل، وناقلي الثقافة، ورواد الأعمال. على سبيل المثال، يبلغ عدد المشاركين في برنامج "درايف" (DRIVE) التابع لمختبر المواهب، 25 مشاركاً من كبار المدراء التنفيذيين من جميع فروع الشركة، ويمتد هذا البرنامج لمدة 6 أشهر.

تنقسم المجموعة إلى خمسة أفواج، تركز جميعها على تحدٍ خاص بالمؤسسات يتطلب إعادة النظر في نموذج أعمال الشركة، والصناعة عموماً. تزور الأفواج الشركة الأم التي تقع في وادي السيليكون في كومكاست، بحيث يجتمع كل فوج مع الشركاء الاستراتيجيين، وفي نهاية البرنامج يجري تبادل الملاحظات والتوصيات مع الإدارة التنفيذية. وخلال جميع تلك المراحل السابقة، يكتسب المشاركون أفكاراً جديدة وأطراً استراتيجية وأدوات يمكن استخدامها في وظائفهم اليومية خلال إدارة الأعمال المختلفة لشبكة "إن بي سي يونيفرسال". والنتيجة هي قوة ضاربة لفرصة حقيقية في نقل الصناعة وقاعدة المواهب لمستوى يمكّنها من دعم أسلوب إدارة الشركات الفردية من خلال توفير رؤية استراتيجية تركز على الابتكار والنمو في نموذج الأعمال.

يعتمد الأساس الذي يرتكز عليه التعلم التجريبي العميق على الاعتراف بأنه يغرس الابتكار جذرياً في آراء المشاركين حول وظائفهم الخاصة فضلاً عن أساليب قيادتهم للشركة، وهو ما يعد عاملاً مساعداً في تشكيل مستقبل الشركة وثقافتها، وينعكس في الصناعة عموماً.

ليس من الضروري أن يكلف دعم ثقافة الابتكار العديد من السنوات ومليارات الدولارات. فعملية إعادة كتابة القواعد غير المدوّنة تبدأ بتحديد الافتراضات التي ستحقق النتائج وفق الأولوية المرغوبة. وإذا قدمت للناس تجارب محددة ومتسقة، بحيث تنقل بوضوح أهمية تلك الافتراضات الجديدة، فإن سلوك وثقافة الابتكار سيتبعان ذلك.

اقرأ أيضاً: الابتكار لتحقيق أهداف أسمى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي