عائلة الحكمة: تجارب من القدرة على التأقلم الاستثماري

12 دقيقة

ولدت كمشروع ريادي عربي ووصلت إلى العالمية

بدأت شركة أدوية الحكمة كمشروع ريادي قاده سميح دروزة وأشرك معه بالتدريج مجموعة من الأطباء والصيادلة العرب بتحالف علمي ومهني يصلون به عبر هذه الشركة إلى العالمية، إلى أن أصبحت الحكمة الآن شركة مساهمة عامة مدرجة في سوق لندن المالي.

كان الوالد سميح دروزة قد وضع لنفسه هدفاً وهو العمل في القطاع الصحي، مع أن والده الحاج طالب دروزة كان قد بدأ عمله منذ أوائل القرن العشرين في قطاع الأغذية، إلا أن والدي سميح "أبو السعيد" كما أحب أن أسميه ذهب باتجاه القطاع الصحي واختاره، ولقي الدعم والتشجيع من والده على هذا الاتجاه. فقد اختار الوظيفة في القطاع الصحي، وعمل لفترة وجيزة في وزارة الصحة الكويتية عام 1957، وساهم هناك بتأسيس قواعد العمل الصحي في وزارة الصحة. ثم عاد إلى الأردن حالماً بتأسيس نواة لشركة دوائية عبر افتتاح صيدلية في عمّان، وقد حظي آنذاك بمساعدة ودعم والده في تأسيس الصيدلية.

عمل في الصيدلية لمدة أربع سنوات ثم اكتشف أنها عمل وظيفي لا يلبي طموحات الإبداع التي كان يسعى إليها. ففكر أن التعليم المتخصص في هذا المجال في دولة متقدمة دوائياً سيساعده لاكتشاف شغفه، فعمل على التقديم لمنحة فولبرايت للدراسات العليا في أميركا وذلك بعد حصوله على شهادة الصيدلة من الجامعة الأميركية في بيروت AUB، فحصل على شهادة الماجستير في علم الصيدلة الصناعية من جامعة سانت لويس، وثم انضم إلى شركة إلي ليلي " Eli Lilly" الأميركية المتخصصة في إنتاج المستحضرات الصيدلانية ومقرها في مدينة إنديانابوليس في ولاية إنديانا. وعلى مدار 12 عاماً من العمل في شركة ليلي (1964-1976) اكتسب أبو السعيد خبرة دولية واسعة ومعرفة عميقة بصناعة المستحضرات الصيدلانية.

اقرأ أيضاً: دور الحوكمة في جذب المستثمرين.

 

عاد أبو السعيد إلى الأردن عام 1978 عن عمر يناهز 48 عاماً بهدف تأسيس شركته الخاصة، فأسس شركة أدوية الحكمة وساهم معه مجموعة من الأطباء والصيادلة من مختلف الدول العربية الذين كانوا يعرفونه مسبقاً ويثقون به. وضع الوالد سميح أهدافه للتوسع دولياً منذ اليوم الأول لتأسيس شركته. وتمثّل حلمه في إنتاج أدوية عالية الجودة بأسعار معقولة وأن يصبح رائد أعمال في العالم العربي، حتى أنه كان مصراً على إضافة كلمة "الجودة" إلى شعار الشركة.

أطلق أبو السعيد الشركة بعد حصوله على ترخيص للتصنيع من شركة فوجيساوا "Fujisawa" اليابانية. وكأي ريادي يطمح للعالمية عمل على تأسيس المصنع بأحدث المعايير، وكنت قد بدأت وشقيقي سعيد بالعمل إلى جانبه وشهدنا حضور خبير أسترالي مختص تعاقدنا معه لبناء المصنع الأول وفقاً لأعلى المقاييس الفنية والإدارية، فأقام في الأردن لمدة عامين كان خلالها هو صاحب القرار التنفيذي فيما يتعلق بعمله وإنجاز المصنع على أسس عالمية، وبناء على تلك البداية المهنية فقد اعتاد الجميع من أفراد العائلة والمساهمون أن يعتادوا فصل الإدارة عن الملكية.

وفي عام 1984 تم إنشاء المصنع الأحدث لإنتاج الأدوية في المنطقة، تلاه مصنع لإعداد البنسلين في عام 1988. وتوسعت شركة الحكمة خلال هذه السنوات لتتجه إلى إنتاج الأدوية المكافئة ذات العلامة التجارية، بالإضافة إلى إنتاج المواد الخام لصناعة الأدوية. واتجهت الحكمة لتعزيز فكرة ضمان الجودة عبر تطبيق أحدث التقنيات في الصناعة، وفي ذات الوقت تعيين متخصصين من الصيادلة ليكونوا في الصفوف الأمامية كموظفي خدمة العملاء يتلقون بكل مهنية ردود فعل مستخدمي الأدوية أو الأطباء الذين يصفونها.

أكثر من ثلاثين مصنعاً للأدوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

عُرف عن "أبو السعيد" بأنه مدير عملي ولا يخشى المخاطرة أو إجراء التجارب، واهتم أيضاً بتمكين فريقه. حيث استثمر في موظفيه من خلال توفير التدريب والتطوير والتعليم المستمر واكتساب المهارات الجديدة.

وبحلول عام 1990، أصبح لدى شركة الحكمة أربعة منشآت إنتاج في الأردن وكانت تقوم بالتصدير إلى بلدان متعددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان التركيز على الجودة يؤتي ثماره، وهو ما جعل الشركة اسماً موثوقاً في المنطقة.

كانت رؤية الوالد تتلخص في تطوير "شركة عربية تخدم العالم العربي"، وقد وجد في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين أسواقاً لتحقيق هدفه المشترك المتمثل في بيع منتجاته من الأدوية المكافئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفاز بالكثير من عقود المشتريات الحكومية في المنطقة.

التوسع العالمي

كان الهدف العالمي قد أصبح جاهزاً، وبدأ أبو السعيد يبحث عن التمويل اللازم للتوسع فعمل على عرض خططه للتوسع بشكل أكبر عربياً وعالمياً على مؤسسة التمويل الدولية (IFC) التابعة للبنك الدولي. وتلقت الشركة أول قرض لها من مؤسسة التمويل الدولية في عام 1987 بمبلغ قدره حوالي 2 مليون دولار بهدف توسيع طاقتها الإنتاجية. وأثبتت العلاقة أنها مثمرة لكلا الجانبين. وفي عام 1990، أقرضت مؤسسة التمويل الدولية شركة الحكمة مليوني دولار أخرى لدعم خطط الشركة التوسعية في البرتغال، حيث اشترى سميح أرضاً عام 1989 بهدف بناء منصة تصدير إلى أوروبا. لكن مؤسسة التمويل الدولية حصلت هذه المرة على حصة في حقوق الملكية بدفع مليوني دولار مقابل 6.5% من أسهم الشركة، وساهمت هذه الشراكة على إضفاء مزيد من القوة للعمل المؤسسي في الشركة عبر منظومة الشفافية والحوكمة التي زودتنا بها مؤسسة التمويل الدولية والتي عززت ثقافة الحوكمة في الشركة.

وقد اختارت الحكمة الانطلاق من البرتغال إلى أوروبا لأسباب درسها بدقة الوالد سميح بناء على خبرته السابقة والاستعانه بخبراء ومدراء الشركة التنفيذيين ومستشارين خارجيين، رغم أن توجه الاستثمار العالمي إلى أوروبا كان معظمه يتجه إلى أيرلندا في فترة أواخر الثمانينات وقبيل الوحدة الأوروبية، فقد اتخذت الحكمة من البرتغال مقراً لها لثلاثة أسباب. أولاً، أسست معظم شركات الأدوية المتعددة الجنسيات عملياتها التجارية في أيرلندا. بينما كانت صناعة المستحضرات الصيدلانية في البرتغال أقل تطوراً، وهو ما مكّننا من تقديم شيء مميز عن طريق الدخول إلى السوق البرتغالية. وفي الوقت نفسه، لم تكن عمليات التصنيع لدينا معقدة، لذلك لم نكن بحاجة إلى خبرة كبيرة.

ثانياً، بلغ عدد سكان البرتغال 10 مليون نسمة، مقابل 3.5 ملايين نسمة في أيرلندا في ذلك الوقت. وبالتالي، يمكن لحجم المبيعات في السوق المحلية أن يبرر سبب اتخاذ البرتغال مقراً رئيساً للمصنع، حتى وإن لم نكن نصدر الكثير من المنتجات.

ثالثاً، كانت شركات الأدوية متعددة الجنسيات تعمل على توحيد عملياتها التجارية في البرتغال وإسبانيا تحسباً لتكامل أسواق الاتحاد الأوروبي عام 1992. وهو ما أدى غالباً إلى إغلاق الكثير من المصانع البرتغالية أو تقليص حجمها. نتيجة لذلك، وجدنا العديد من مديري شركات الأدوية والعاملين في سوق الباحثين عن عمل.

وفي أعقاب حرب الخليج عام 1990، ضاعفت إدارة شركة الحكمة جهودها للتوسع خارج منطقة الشرق الأوسط. وبحلول عام 1993، كانت أعمال معمل التصنيع المعقم الجديد في البرتغال قيد التنفيذ.

ولكن لم تكن البرتغال سوى بداية العالمية، فقد تصور سميح دروزة استراتيجية إنتاج جغرافية ثلاثية المحاور، تتجه إلى الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكان يرى أنه توجد أربعة أسباب على الأقل دفعتنا إلى تأمين موطئ قدم في الولايات المتحدة. أولاً، تُعتبر الولايات المتحدة أكبر سوق للأدوية وأكثرها تنافسية في العالم. وإذا تمكن المرء من الوصول إلى سوق الولايات المتحدة، يمكنه حينئذ الوصول إلى أي مكان آخر. ثانياً، كانت احتمالات حصول الأدوية المكافئة على حصة أكبر من الوصفات الطبية الأميركية ممتازة، حيث كانت قضية السيطرة على تكاليف الرعاية الصحية القضية السياسية الأكثر إلحاحاً، وكانت الحكمة مستعدة للمنافسة. ثالثاً، تتسم سوق الولايات المتحدة بأنها سوق جيدة التنظيم ومفتوحة، بينما لا تتسم الأسواق الآسيوية الكبيرة بذلك الوضوح. رابعاً، كانت جودة التصنيع في الحكمة ترقى إلى مستوى المعايير الأميركية.

كلّف الوالد شقيقي سعيد، الذي ترقى في مناصب شركة الحكمة في قسم التسويق، بإيجاد هدف استحواذ مناسب في الولايات المتحدة. وفي عام 1991 قاد سعيد "عملية الاستحواذ على "ويست وورد فارماسيوتيكالز" (West-Ward Pharmaceuticals) في نيو جيرسي. وقد كان سعيد على علم أن الشركة التي استحوذنا عليها كانت بحاجة لتسوية أوضاعها قانونياً، لكنه لم يتوقع حضور إدارة الدواء والغذاء (إف دي أيه) الأميركية (USFDA) في اليوم التالي للاستحواذ لإغلاق الشركة نتيجة مجموعة متنوعة من دعاوى عدم الامتثال والفشل التنظيمي السابقة. ومع ذلك، أجرى سعيد استثماراً كبيراً في الشركة، وانتقل إلى الولايات المتحدة بهدف قيادة هذا التغيير. وبعد أقل من عام من التحدي، حصل سعيد مجدداً على موافقة إدارة الدواء والغذاء (إف دي أيه) الأميركية في عام 1995، واستؤنفت العمليات الإنتاجية. وأصبحت شركة الحكمة أول شركة شرق أوسطية تتوافق تماماً مع إدارة الغذاء والدواء الأميركية.

التوسع والتكيف

استمر التوسع والنمو على الصعيد الدولي والعربي، حيث أطلقت الحكمة مشروعاً مشتركاً للتصنيع لإنتاج السيفلوسبورين والبنسلين في تونس في عام 1992 تحت اسم الحكمة بهدف تزويد البلدان الناطقة بالفرنسية في شمال أفريقيا بالأدوية. كما قدمت الشركة من خلال مشروع مشترك ثاني الدعم الفني لتصنيع المنتجات وتسويقها في مصر التي تعتبر أكبر سوق للأدوية في الشرق الأوسط. ووقعنا اتفاقية لمشروع مشترك ثالث لبناء مصنع في المملكة العربية السعودية.

وفي منتصف التسعينيات حيث أصبح وكان لشركة الحكمة مكاتب تسويق في 20 دولة، بما في ذلك روسيا وسلوفاكيا والصين. لكن الشركة واجهت معضلة حرجة في الشرق الأوسط، بعد أن فقدنا عملاء مهمين مثل العراق بسبب انهيار العملة في المنطقة وارتفاع أسعار الفائدة إلى 15-16% وقد تمكنت الشركة من بناء نموذج للتكيف، نجحت فيه على مرّ السنين في اجتياز الحروب والاضطرابات السياسية والعجز الاقتصادي من خلال التوصل إلى حلول مبتكرة، حيث طبقنا تجارب تعاقدية مبتكرة مثل قبول الفول السوداني من سوريا وبذور السمسم من السودان بدلاً من المدفوعات، بالإضافة إلى قبول خطابات ائتمان مدتها سنتين من العراق خلال الحرب. لقد كنا ومازلنا ننظر إلى عملنا على أنه إنقاذ للأرواح قبل كل شيء، لذلك لا يمكننا اتخاذ قرارات بناءً على شروط الدفع عندما تكون الأرواح على المحك. نقوم بالتأكد من توثيق مبيعاتنا بجدية، لكن يمكننا الانتظار بصبر للحصول على المدفوعات أو قبول أشكال أخرى عندما نضطر إلى ذلك.

وفي محاولة لوقف أزمة التدفق النقدي التي أعقبت غزو الكويت وحرب الخليج الأولى، سعى أبو السعيد إلى التواصل مع بعض الصناديق الاستثمارية لفتح المجال لبعض المساهمين الراغبين بالأسهم الخاصة في الحكمة. وفي عام 1997، قامت شركة سي في سي (CVC)، التي تُعتبر ذراع شركة سيتي غروب (Citigroup) الأوروبية سابقاً في مجال الاستثمار الخاص، بإجراء استثمار كبير في شركة الحكمة وعينت عضوين في مجلس الإدارة. ومع إضافة هؤلاء الأعضاء الجدد، أصبح المجلس أكثر رسمية وأكثر نشاطاً. ووفقاً لنظامها الداخلي كانت شركة سي في سي تتطلع إلى الخروج من الشركة خلال 5 سنوات، وترغب في إعداد حوكمتها وإدارتها لشركة الحكمة استعداداً لذلك اليوم. وكان الطرح العام الأولي (IPO) وسيلة محتملة لخروج شركة سي في سي، لذلك بدأنا في إعداد الشركة من خلال تعزيز الأساس الذي تقوم عليه الحكمة، ألا وهو الفريق المالي. ووظّفنا رئيساً تنفيذياً محترفاً للشؤون المالية، وأضافت الطابع الاحترافي على القسم المالي بأكمله".

الاتجاه نحو بورصة لندن

وفي هذه المرحلة ومع بداية الألفية الجديدة كنت أنا وشقيقي سعيد قد تولينا العمل كالجيل الثاني، وبدأت فكرة تحويل الشركة إلى شركة عالمية محوكمة ومهنية عبر إدراجها في البورصة، ونقلها رسمياً من حالة الشركة العائلية إلى المساهمة العامة. في تلك الفترة كان يعمل في الشركة 1,200 موظف في الدول العربية والولايات المتحدة وأوروبا، وكان يديرها مجلس إدارة مؤلف من سبعة أعضاء مجلس إدارة، ثلاثة منهم من العائلة وأربعة خبراء مستقلون من خارجها.

وعندما طرحنا إدراج الشركة في بورصة لندن، فقد عرضنا أولاً منح الموظفين خيار الحصول على أسهم من الشركة كجزء من تعويضاتهم المالية، وعندما طرحنا الشركة للاكتتاب العام كانت 10% من أسهم الحكمة مملوكة للموظفين الذين رغبوا بالحصول على هذه الأسهم، حيث اختار حوالي 700 موظف من المنطقة العربية والبرتغال والولايات المتحدة الحصول على أسهم. ولقد كانت هذه الفكرة إحدى التجارب التي جعلتنا نختبر طريقة فعالة لمنح المئات من الموظفين والعاملين فرصة الاندماج الكامل في الشركة ومنحهم تجربة الملكية، وهي الفكرة التي كنت دوماً مؤمناً بها، وهي أن العمل في شركة الحكمة لا يمكن أن ينجح، ما لم يقم على "الشغف"، فمن قرر الحصول على أسهم في الشركة فهو مؤمن بها، ومن ساهم بها من أطباء وصيادلة ومحدودي الدخل قبل أربعين عاماً ومازال هو مؤمن بها. وقد كنت دوماً أكرر على مسامع كل موظفي الشركة في كل مصانعها العالمية، أن من لا يؤمن بشركة الحكمة ولا يستخدم أدويتها لنفسه وعائلته، فعليه ألا يعمل في هذه الشركة.

وقد اخترنا لندن كمقر رئيسي للشركة وبورصة لندن لإدراج أسهم الحكمة، لأننا رغبنا في تقديم كل ما يضمن استمرار الحوكمة وخضوعها للمعايير الدولية، بعد أن درسنا أسواق وقوانين أوروبا وأميركا وسنغافورة وغيرها بهدف اختيار المقر الرئيسي للشركة وطرحها في البورصة للاكتتاب العام.

وبرغم عملنا في المنطقة العربية وأوروبا وأميركا، فقد وجدنا أن القوانين البريطانية والأميركية هي الأعلى تقييماً والأكثر قوة في ضمان استقرار الأعمال والمساهمين وضمان سيادة القانون في مختلف الظروف، وقد وجدنا بالمقارنة أن القوانين الأميركية كانت أقل حماية للمساهمين، حيث تتيح إمكانية ما يسمى الاستحواذ العدائي، بينما تحمي القوانين البريطانية المساهمين من هذا النوع من الاستحواذ. ولذا فقد اخترنا لندن. ولأن قوانينها تقدم هذه الحماية للمساهمين، فقد عملنا على تأسيس شركة تسمى "دارهولد" تمتلك فيها عائلة دروزة نسبة تضمن "الأقلية المعطلة" التي تضمن عدم الاستحواذ العدائي على الشركة من قبل أي مستثمر آخر دون موافقة دارهولد كمساهم رئيسي، وبموجب القانون البريطاني. كما أن القوانين البريطانية كانت مطمئنة لجميع المساهمين والإداريين، بعدم قدرة أي مساهم مهما علت حصته على التحكم بقرارات الشركة أو توجيهها، إذ لا تسمح القوانين البريطانية باتخاذ أي قرار خارج موافقة مجلس الإدارة بالأغلبية أو الإجماع، وليس لأي مساهم بما فيهم شركة دارهولد التي تمثل عائلة دروزة في غالبيتها أي سلطة لفرض أي قرار أو توجه على مجلس الإدارة.

الامتثال

نعمل حالياً في أكثر من خمسين بلداً ولدينا 31 منشأة تصنيعية حول العالم، ويتم تداول أسهم الحكمة في بورصات لندن ودبي ناسداك، ويعمل معنا حوالي 8,400 موظف. وقد كنا على الدوام نفاضل بين الدول التي ننتشر بها أصلاً، ونفضل باستمرار على ترسيخ عملنا في الدول التي نعمل بها، ولا نتوسع إلا وفقاً لشروط يأتي على رأسها مدى ملائمة البلد الجديد لشروط الامتثال.

وقد دخلنا تجارب بلدان مختلفة منها دول الاتحاد السوفيتي السابقة ودول متنوعة في العالم، وكنا دوماً مستعدين للتعامل مع الصعوبات الإدارية، لكننا قررنا الخروج من بعض الدول بسبب الصعوبات التي واجهتنا في إمكانية تطبيق "الامتثال" وسيادة القانون، حيث قررنا مؤخراً الخروج من 11 دولة منها بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق وبعض دول أفريقيا، بسبب عدم القدرة على تطبيق الامتثال الذي تتطلبه سوق لندن وقوانين بريطانيا. وحالات الامتثال التي نتحدث عنها تتعلق بقوانين العمل وضمانة سلاسل التوريد وحماية الأعمال والحوكمة.

وأستطيع أن أقول أن شركة الحكمة اليوم بحضورها العالمي كواحدة من أكبر مصنعي الأدوية في العالم، تحمل إرثاً من الحوكمة والريادة ولد مع تأسيسها، وهو ما جعلها ترسّخ "عائلة الحكمة"، ونحن كأفراد من هذه العائلة فخورون بانتشار اسم عائلة الحكمة، إذ ما زلنا نعتبر"الحكمة" مشروعاً ريادياً، لا يعمل فيه اليوم من عائلة دروزة سوى ثمانية أشخاص.

طارق دروزة

نائب الرئيس لوحدة أعمال أدوية المستشفيات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

النقلة النوعية عبر الجيل الثالث

أنتمي إلى الجيل الثالث من عائلة دروزة، وقد ولدت عام 1985 مع أول بدايات مصانع الشركة في الأردن، ثم نشأت مع المراحل المختلفة لتوسع الشركة، وانتشار اسم الحكمة عربياً ثم عالمياً. وكان حديث العائلة يدور دوماً حول العمل. وقد أتيحت لي ولجميع أفراد العائلة من الجيل الثالث الفرصة للاستماع لحديث جدي سميح ومناقشاته مع أبناءه حول النمو ثم الأزمات التي مرت بها المنطقة في منتصف التسعينيات في أعقاب حرب الخليج الأولى. وكنا نتعلم أنه ثمة حلول مبتكرة دوماً، وأن هناك طرق عديدة لتحويل التحدي إلى فرصة، وكان من أبرز ما تعلمناه كأفراد من العائلة وبشكل صريح ومباشر، أننا لن نضمن مكاناً في فريق عمل شركة أدوية الحكمة ما لم تكن لدينا روح الإبداع والمثابرة والابتكار.

وخلال فترة دراستي، كنت أقضي فترات العطل المدرسية في مواقع مختلفة من الشركة بدءاً بالمستودعات الطبية ومارست الأعمال فيها كعامل مياوم يقوم بكل الأعمال من حمل وتفريغ الشحنات إلى إعداد السجلات المطلوبة.

درست التسويق وتخصصت به في البكالوريوس، وبعدها عملت في شركة الحكمة لمدة عام ونصف في مختلف مواقع وأسواق الشركة في المنطقة العربية. وبهذه الفترة اكتسبت خبرة التأقلم مع مختلف بيئات العمل، واكتسبت القدرة على التعامل مع مختلف القوانين والتشريعات، واستطعت تطوير خطط تسويق تناسب كل بلد بما ينسجم مع مبادئ الحكمة ومعاييرها.

ثم ركزت عملي في مرحلة لاحقة على الأسواق العربية فتعلمت الكثير من هذه الأسواق، وقد أثرت تجربتي بغناها وتنوع سكانها وثقافاتها، وهذا ما جعلني أطور قدرتي على التعامل مع تحديات العمل.

في عام 2010 وبعد تكملة دراسة الماجستير في جامعة شيكاغو عملت في شركة الحكمة في الولايات المتحدة، حيث توجهت هناك إلى قطاع أدوية المحاقين، وتخصصت بها وطورت قدرتي على فهم هذا القطاع المهم والمتخصص. وقد تدرجت في مناصب مختلفة بين المبيعات والتسويق.

وعبر تجربتي في أميركا أدركت أن سوق أدوية المحاقن الطبية في العالم العربي حيث عملت سابقاً، لا يتجاوز 10% من حجم السوق في أميركا. وبعد هذه التجربة توضحت لي الفرصة والإمكانات المتاحة أمامنا للعمل وتطوير سوق أدوية المحاقين والمستشفيات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عموماً.

وفي عام 2013، رغبت بالعودة للعمل في المنطقة منطلقاً من ذلك الحافز، إضافة إلى رغبتي في معايشة جدي سميح عن قرب أكثر، والإنصات لتوجيهه وإرشاده، خاصة أنني كنت عائداً بخطة جديدة بعد أن اكتسبت خبرة في أسواق أكبر وأكثر نضجاً وتنافسية من منطقتنا.

كانت خطتي تنطوي على زيادة التركيز على قطاع أدوية المستشفيات الطبية (أدوية السرطان والمحاقن) والنهوض بها، فقد كان هذا القطاع يبدو واعداً عالمياً، بينما لا يزال يراوح مكانه خارج سلم الأولويات في شركتنا داخل منطقتنا في العالم العربي. وفي عام 2015 شهدت وعملت مع فريق عمل عملية الاستحواذ على شركة إيميك يونايتد للصناعات الدوائية (EUP) في مصر، وهو ما عزز مكانة الشركة في السوق المصرية حيث وضعنا خطة عمل استراتيجية لإدارة الأعمال وقمنا بتأسيس قسم حكمة المتخصص.

كانت لديّ رؤية في هذا المجال مفادها أن إنتاج الأدوية العامة هو أمر مهم بلا شك، لكنه سوق معرض للمنافسة بقوة وسهولة، بسبب سرعة دوران عوائده وسهولة إنتاجه مقارنة بالأدوية الأكثر تعقيداً. ولذا فإنني كنت ومازلت مؤمناً بأن المستقبل الأفضل لقطاع الشركات الدوائية ومنها الحكمة هو الصناعات المتقدمة والمتخصصة مثل قطاع أدوية المحاقين وأدوية المستشفيات.

لقد تحول إنتاج الأدوية النوعية إلى ثقافة مكرسة في شركة الحكمة، حيث يعمل اليوم فريق الإدارة العليا على مزيد من التركيز على هذا القطاع ومنها إنتاج أدوية السرطان، والتي بدأت تعطي ثمارها على حياة الناس في المنطقة بوضوح، بعد أن كان هذا النوع من الأدوية محصوراً سابقاً بالشركات العالمية الأجنبية. وبعد أن بدأت شركة الحكمة بإنتاجها في المنطقة فقد وفرت معظم الدول العربية في موازنات حكوماتها التي كانت تلتزم بشراء أدوية السرطان لمواطنيها ما لا يقل عن 60 مليون دولار سنوياً، وفقاً لدراسات تقديرية ومعلومات تلقيناها من وزارات الصحة في بعض الدول العربية.

ومع توجهنا كشركة نحو إنتاج الأدوية المتخصصة النوعية، فإننا بذلك نعمل عبر تكامل الأجيال لتجديد روح شركة الحكمة باستمرار لتكون مواكبة لمتطلبات المنافسة والنجاح في التحول الرقمي، وهذا ما يبدو واضحاً أيضاً من خلال تأسيس حكمة فينتشرز (Hikma Ventures) كذراع استثماري للحكمة في أغسطس عام 2015، بقيادة جيل جديد من أبناءها من بينهم كريم سعيد دروزة وخبراء شباب في مجال الصحة الرقمية والاستثمار من خارج العائلة، حيث انطلقت حكمة فينتشرز كذراع استثماري للشركة بهدف البحث عن الشركات الناشئة في مجال الصحة الرقمية على المستوى العالمي والاستثمار فيها بما يعزز قيمة شركة الحكمة وسمعتها ومعلوماتها السوقية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي