يحاول البحث الذي أجريناه حول استراتيجية إدارة الحدود العثور على إجابة للسؤال الخاص بأسباب إخفاق الشركات العائلية (والتي هي في الوقت نفسه أكثر أنواع الشركات انتشاراً حول العالم). وتنطلق مراكز الأبحاث هذه من فرضية مفادها أن أفول الشركات العائلية يعود إلى قضايا متأصلة مرتبطة بثقافتها التنظيمية والطريقة التي تُدار بها وكيفية تخطيط التعاقب فيها. ونتيجة لتلك الأسباب، تواجه الشركات العائلية عادة صعوبات فيما يتعلق بنمط الإدارة السائد فيها وخلال محاولتها اختيار نمط إدارة يتسق أكثر مع المرحلة التي تمر بها الشركة حالياً أو مستقبلاً.
درسنا هذا السؤال من وجهة نظر تنطلق من نظرية الحدود في الشركات العائلية. وتنص النظرية على أنه – عندما يتعلق الأمر بتحديد الأدوار في الأسرة والشركة – فإن وجود المزيد من المرونة يساعد بالفعل الشركة العائلية على البقاء. وتتحدى تلك النتائج الحكمة البديهية القائلة بأنه يجب على الشركات العائلية امتلاك هيكل أكثر رسمية لدى عمل أفراد الأسرة جنباً إلى جنب في شركة مدارة عائلياً، إذ يشير المؤلفون هنا إلى أن وجود ترتيب أكثر مرونة – فيما يتعلق بجانب العائلة وجانب الأعمال – قادر على أن يتنبأ بنجاح طويل الأجل للشركة العائلية. ويمثل هذا الاكتشاف بدوره تحولاً كبيراً ضمن الأوساط الأكاديمية فيما يتعلق بالشركات العائلية.
وتلعب الشركات العائلية دوراً مهماً في دفع الاقتصاد العالمي بصفتها الشكل الأكثر شيوعاً بين الشركات. ونتيجة لذلك، اكتسبت تلك الشركات اهتماماً متزايداً بين الباحثين الأكاديميين في السنوات الأخيرة. وكان التركيز الرئيسي للعديد من الأبحاث هو معرفة أسباب معدلات الفشل الكبيرة للشركات العائلية. والاستنتاج الأبرز الذي توصلت إليه تلك الأبحاث هو أن هناك 3 أسباب رئيسية محتملة لهذا الفشل:
1) النزاعات على التعاقب في إدارة الشركة.
2) الصراعات على استخدام موارد الشركة.
3) عدم توظيف رؤساء تنفيذيين خارجيين لتلافي النزاعات الأسرية.
ولدى تأمل أسباب الفشل الثلاثة المذكورة أعلاه، سنجد أن القاسم المشترك فيما بينها هو عدم وجود عملية إدارة مناسبة وكافية للشركة. وتزداد الضغوطات على الشركات العائلية لتحقق النجاح على المدى الطويل، لكن في الوقت نفسه غالباً ما تكون مصالح العائلة التي تدير الشركة قصيرة الأجل وعلى حساب مصالح الشركة.
اقرأ أيضاً: دليل العمل للشركات العائلية في الأزمات
وسعينا في ضوء هذه المشكلات، إلى العمل على دراسة السؤال حول أي هيكل إدارة هو الهيكل الأمثل في حالة الشركات العائلية، لكن لا تزال الأبحاث حول هذا الموضوع شحيحة، حيث تنظر الأبحاث عادة في أسئلة أخرى قريبة من ذلك من قبيل كيف يمكن للشركات العائلية الموازنة بين القوتين الديناميكيتين (ضغوط الأسرة مقابل الأعمال)؛ وكيف يمكن للشركات العائلية الاستمرار في ظل التغيير المحتمل الناتج عن تعاقب الأجيال؛ وكيف يمكن للشركات العائلية الحفاظ على ميزة تنافسية.
واستخدمنا نظرية الحدود لنذكر أولاً سبب فشل الشركات العائلية، ثم أفضل السبل لتفادي الفشل، إذ إن المشكلات المذكورة أعلاه نابعة من الترسيم غير الصحيح لفضائي الأعمال والعائلة. بالتالي، يستخدم البحث نظرية الحدود كأداة أساسية لتحليل الشركات العائلية وتقديم اقتراحات جوهرية يمكن للشركات توظيفها لتتمكن من الاستمرار على المدى الطويل.
نتائج البحث حول استراتيجية إدارة الحدود في الشركات العائلية
ويُختتم البحث بالحديث عن التكوين الإداري الأمثل للشركات العائلية، إذ يذكر البحث على أن هذا التكوين يجب أن يكون عماده إيجاد "شخصية" الشركة الأساسية، والتي يحددها المؤسس، والقيم التي تريد العائلة أن تتشربها الشركة، والصناعة التي تنشط فيها تلك الشركة (وميزات تلك الصناعة)، وأخيراً، عدم اليقين بشأن الخلافة.
وقد وجدنا أن ثمة 3 مجالات رئيسية داخل الشركة تتأثر بالحد الفاصل بين احتياجات الأسرة وأولويات العمل، أولها هو الثقافة التنظيمية، والتي تعتمد على أشياء مثل مدى إبراز العائلة لنفسها في الشركة (على سبيل المثال، هل تظهر العائلة بشكل كبير في إعلانات الشركة التجارية، هل تُرى صور وتماثيل للعائلة ضمن الشركة). ثانياً، السياسات الناظمة لموظفي الشركة وإن كان هناك اختلاف بين أفراد العائلة المالكة للشركة وباقي العاملين في الشركة. وعلى وجه الخصوص، يركز هذا على الحدود بين العلاقات الأسرية والتسلسلات الهرمية الوظيفية والتي قد تختلف عن تلك الموجودة في الأسرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الطريقة التي يتم بها التعامل مع موظفي الشركة ممن لا ينتمون إلى العائلة المالكة لها أمر مهم أيضاً. وأخيراً، تحدد إدارة الشؤون المالية والملكية مدى ازدهار الشركة. ومن منظور قانوني، يجب أن يكون هناك فصل واضح بين الشؤون المالية والحسابات التجارية للشركة وتلك الخاصة بالعائلة، ولكن هناك حدود ضبابية فيما بين الأمرين من قبيل الأسهم وملكية الأسهم والطريقة وما إلى ذلك. وستكون الطريقة التي ستُستخدم لتعيين الحدود في هذا المجال هي الفرق بين النجاح والفشل.
اقرأ أيضاً: 6 سمات تتصف بها الشركات العائلية القوية
ولكل مما سبق تأثير واضح على نجاح الشركة واستمراريتها. ويحدد المؤلفون النماذج الثلاثة المحتملة للإدارة على أنها كل من التكامل (بين فضائي العائلة والشركة) والفصل الكامل، وقابلية نفاذ فضاء للآخر. ووصل المؤلفون في النهاية إلى استنتاج مفاده أن النموذج الأمثل هو النموذج القادر على عرض المرونة فيما يتعلق بالمجالات الرئيسية الثلاثة المذكورة أعلاه، والذي بدوره سيكون أفضل مؤشر لنجاح طويل المدى للشركة.
الاستنتاجات
الخلاصة الرئيسية لهذا البحث هي أنه عندما يتعلق الأمر بإدارة شركة عائلية، فهناك حاجة أقل مما كان متوقعاً للحفاظ على هيكل رسمي فيها. ويعتبر هذا أمراً مهماً بشكل خاص، نظراً لأن الدراسة تشير إلى أن الأهم هو قدرة القادة على التنقل بمرونة بين الحدود الفاصلة بين فضائي العائلة والشركة بهدف إيجاد تكوين إداري مناسب للشركة يكون أكثر ملاءمة لوضعها الحالي وأهدافها المنشودة.
ومن المحتمل أن تكون آثار هذا البحث واسعة النطاق، حيث يشير إلى إمكانية نجاح الشركات حتى مع هذا التشابك بين فضائي العائلة والأعمال، وأيضاً وجود فائدة لذلك التشابك على الأعمال. ونفترض أن الطريقة المثالية قد تكون هيكلاً رسمياً لترسيم الحدود، مصحوباً بهيكل إدارة حدود مرن، وهو ما سيسمح للشركة بأن تكون مرنة ومستجيبة للتغيرات مع حفاظها في الوقت نفسه على هيكل شفاف ذي كفاءة.
اقرأ أيضاً: كيف تحدد من يمكنه الانضمام للشركة العائلية؟
تلك النتائج حول استراتيجية إدارة الحدود جاءت بعد دراسة حالة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ونعتقد أنه في إمكان باقي الشركات العائلية في الإمارات التعلم من هذه النتائج. ونوّه الباحثون إلى أنه يجب تفسير الاستنتاجات المستخلصة من هذه الدراسة في ضوء الخصائص الجغرافية والثقافية للمكان الذي جرت فيه هذه الدراسة. وثمة حاجة إلى اختبار مدى صحة الفرضيات التي قدمها هذا البحث لشركات عائلية موجودة في مناطق أخرى من العالم من خلال إجراء أبحاث مستقبلية حول ذلك هناك.
اقرأ أيضاً: كيف تتخذون قرارات أفضل في شركتكم العائلية