طريقة أفضل لتطوير أصحاب المواهب المتميزة والحفاظ عليهم

6 دقائق

إننا نخوض غمار ثورة في ميدان العمل. فالعولمة وصعود نجم الذكاء الاصطناعي، إلى جانب جيل جديد من المستهلكين الذين يرغبون في تجارب أكثر خصوصية وبديهية، تجبر جميعها الشركات على إعادة النظر في نهجها الذي تتبناه تجاه إدارة المواهب واقتناءها. فالعمال الذين يملكون قدرات تسمح لهم بمواكبة وتيرة التغير - ومثال عليها القدرة على التكيف والمعرفة التقنية وإدارة الموارد البشرية — عليهم طلب متصاعد للغاية. غير أن أرباب الأعمال في وقتنا المعاصر يعانون في مسألة الحفاظ عليهم.

وغالباً ما تُستغل وعود المنافع المريحة والرواتب الكبيرة للتنافس على أصحاب أفضل المواهب. ومع ذلك، عندما نفكر في تكلفة معدل دوران الموظفين — التي بلغت 600 مليار دولار عام 2018 وستبلغ 680 مليار دولار بحلول عام 2020 — يبدو لنا هذا السخاء منافياً للمنطق. تنبأ تقرير لـ "مكتب العمل" بأن واحداً من بين أربعة عمال سيتخلون عن وظائفهم عام 2018. وعُزي حوالي ثلث هذا الدوران الوظيفي إلى الإدارة غير الداعمة وانعدام فرص التطور.

ولذلك، كان الحل الأوضح لرفع مستوى استبقاء الموظفين يكمن في خلق برامج تدريب وتطوير أكثر فعالية. ومع ذلك، فإنني أسمع عن قادة الشركات الذين يناضلون من أجل تحقيق أهدافهم كل يوم على الرغم من أن لديهم برامج تفصيلية قائمة بالفعل. إن المشكلة الوحيدة في هذا السياق أن الكثير من هذه البرامج ليست مصممة بحيث تستهدف المستخدم أو الموظف.

لقد انصب تركيز جزء كبير من مساري المهني على مبادئ التصميم المتمحورة حول المستخدم، بمعنى أنها تجعل من المستخدم أولويتها القصوى لضمان النجاح والفهم. والتفكير ذاته ينطبق على التطوير الفعال للموظفين.

بينما يكون التدريب في الغالب ضرورياً عند تعليم الناس مهارات جديدة، إلا أنه لا يعدو خطوة أولى نحو غاية أبعد. من واقع خبرتي الشخصية، لا يحدث التطوير الأعمق أثراً عبر البرامج الرسمية، وإنما من خلال لحظات أقصر عمراً تحدث داخل مكان العمل: فرص التعلم أثناء العمل التي تُمنح عن طيب خاطر وتوائم الاحتياجات والتحديات الخاصة للعامل.

قد يبدو من المستحيل تقديم هذا اللون من التدريب المخصص لكل موظف، غير أن أي شركة بوسعها أن تفعل ذلك على نطاق واسع عندما يصنع المدراء بيئة للتعليم. وفيما يلي سنبين لكم الطريقة:

1) ابدأ بطرح المزيد من الأسئلة لجمع رؤى ثاقبة عن الموظفين. إن التعاطف والفهم مبدآن جوهريان من مبادئ التصميم الذي يتمحور حول المستخدم. بالضبط كما يتعين على الشركة فهم ما يحتاج إليه عملاؤها لإنتاج أنفع المنتجات، يتعين على المدراء فهم احتياجات موظفيهم لإتاحة فرص التدريب المثالية لهم. وطرح الأسئلة هي الطريقة المثلى لإنجاز ذلك.

ابدأ بتحديد مواعيد اجتماعات ثنائية مع كل عضو من أعضاء الفريق. بالإضافة إلى استغلال هذا الوقت في تفقد مشروعاتهم الراهنة، اسألهم عن المهارات التي يرتاحون إليها أكثر من غيرها ويرغبون في تطويرها. استفسر عن الجوانب التي يشعرون أنها شاقة تحديداً.

إليكم بضعة أمثلة يمكنكم استخدامها لبدء هذه العملية:

• أي أقسام وظيفتك أكثر تشويقاً وإشباعاً؟
• وأي جوانبها تعتبر الأصعب على الإطلاق الآن؟
• ما الذي تفعله كي تصل إلى أهدافك المهنية القصيرة والبعيدة الأجل؟
• هل هناك أي مشروعات أو لجان أو مسؤوليات إضافية أخرى تود أن تكون جزءاً منها؟
• هل هناك أي شيء آخر يحدوك الفضول تجاهه ولم تستطع أن تستكشفه بعد؟

في هذه الاجتماعات، مارِس الإصغاء الواعي وحاول أن تتناول الأمور من منظور حب الاستطلاع البحت لا النقد وإصدار الأحكام. وهذا يعني أن تدع الكمبيوتر المحمول الخاص بك مغلقاً، وأن تبادر إلى تدوين الملاحظات بالطريقة القديمة. ومن المفيد أيضاً أن تكرر ما يقوله الموظفون خلال الاجتماعات بكلماتك الخاصة كي تضمن فهمك التام لرؤاهم الثاقبة.

2) اصنع المزيد من الفرص أثناء العمل. فور أن تحدد المهارات التي يود أعضاء فريقك أن يتعلموها، ابحث عن الفرص المتاحة لمساعدة الناس على تطويرها. إن التدريب على طريقة الصفوف الدراسية أساس رائع، لكنه يمكن أن يفقد بريقه وفعاليته لو لم يُطبق بسرعة. و"لحظات التعلم" وسيلة أسهل وأسرع لتغيير الموقف تغييراً ملموساً. وهذه اللحظات يمكن أن تكون حاسمة أو عابرة، غير أن إشراك الموظفين بهذه الطريقة محوري لمساعدتهم على الخروج من منطقة راحتهم، وإعانتهم على الممارسة وبناء الثقة.

على سبيل المثال، تخيل أن أحد موظفيك لا يرتاح للخوض في نقاشات مرهقة لكنها ضرورية. وفي اجتماع ثنائي بينك وبينه، ربما أعرب عن خيبة أمله في زميل له يعاني من التعاون معه. يمكنك استغلال هذه الفرصة لإيجاد "لحظة تعلم". قد يبدو الأمر أشبه بتمثيل حوار شائك أو تدوين خطة عمل خطوة بخطوة. بهذه الطريقة، ستساعد عضو فريقك على ممارسة مهارات التواصل لديه وصقلها في بيئة آمنة (بدلاً من مشاطرته مجرد مشورة نظرية). في المرة التالية التي يصادف فيها موقفاً مثيلاً، سيكون مسلحاً بالأدوات التي تساعده على التغلب عليه.

إن التعامل مع كل تحد يواجهه موظفوك بوصفه فرصة للممارسة والنمو - سواء كان شيئاً شخصياً كالارتقاء بمهارات التواصل، أو عملياً كتعلم تقنية جديدة - هو أمر جوهري لبناء بيئة يؤمن فيها الناس بأن لهم قيمة كافية كأفراد، ما يضمن منحهم الوقت والمساحة للتألق. ويمنح ذلك المدراء أيضاً الفرصة لمد يد العون لموظفيهم بفعالية فيما يختص بالارتقاء بمهاراتهم وإعادة تدريبهم على المهارات على أساس كل حالة على حدة بينما تظهر معوقات جديدة خارج إطار جلسات التدريب الرسمي وفي تجارب العمل اليومية.

3) نوّع تجارب التعلم. جزء من عملية وضع "المستخدم" كأولوية قصوى يكمن في بحث أي تجربة ستلبي احتياجاته الشخصية أكثر من غيرها. وعوامل مثل مدة تولي الموظف لوظيفته ومستوى خبرته وقدرته على التكيف جميعها متغيرات يمكنها التأثير على هذا القرار. والفرص الأصغر - كالمشاركة في مشروعات يستطيع الموظف فيها الاعتماد على أقران أكثر خبرة منه طلباً للدعم - أفضل متى كان عضو الفريق لا يألف مهارة ضرورية أو أحدث. والفرص الأكبر التي تتطلب من الموظفين الإقدام على المخاطرة والخروج من مناطق راحتهم تناسب الأفراد الذين يملكون خبرة سابقة في تنفيذ مهمة بعينها بقدر أكبر. في هذه اللحظات، يمكنهم اختبار مهاراتهم على نحو أكثر استقلالية وأداء دور أكبر.

تظاهر مثلاً أن لديك موظفيْن يعربان عن اهتمامهما بالخطابة العامة والعروض التقديمية. ويدرك الاثنان أن هذه مهارة عظيمة القيمة وينبغي تطويرها بينما يعملون من أجل أن يصبحوا قادة. ومن واقع اجتماعات سابقة، أصبحت تعلم أن أحدهما أقل خبرة من الآخر، ومن ثم فهو أكثر توتراً منه حيال التحدث أمام الملأ. قد يستفيد هذا الموظف أكثر من أماكن التجمعات الصغيرة، كبرنامج التعلم أثناء تناول الغداء، وخلاله يستطيع الموظف تقديم عرض تقديمي. ولأن الموظف الآخر أُتيحت له الفرصة لمزيد من الممارسة في هذا المضمار، لن يكون برنامج التعلم أثناء تناول الغداء قيماً بالقدر ذاته له. وبدلاً من ذلك، فربما أرسلته على متن طائرة لتقديم عرض حول موضوع ما في الاجتماع التالي على مستوى الشركة أو في أحد المؤتمرات أمام جمهور غفير.

من المهم أن تدخر الفرص الأهم على الإطلاق للمتأهبين المستعدين. فهذه الفرص تنطوي على مخاطر أكبر بالنسبة للموظف والمشروع والشركة ككل.

وينبغي أيضاً أن يتفاوت مستوى سيطرة الموظفين على نموهم. ولعلك تشجع موظفاً أكثر خبرة على تصميم فرص نموه الخاصة أو السعي وراءها، غير أن الموظف الأقل خبرة غالباً ما يتطلب هيكلاً أكبر يحيط بمجالات التعلم الأساسية. في كلتا الحالتيْن، من المهم السماح للموظفين بمستوى ما من الاستقلالية. عندما يُترك الناس وحدهم، فإنه سيجدون بطبيعة الحال سبلاً مبتكرة لإنجاز أمور جديدة. وتسمح تجربة الاستقلالية أيضاً بوقوع أخطاء، بقدر ما تسمح بتحقيق إنجازات ونجاحات. سيساعدك ذلك على تحديد الفجوات في المهارات، وتلاقح الأفكار فيما يختص بالسبل التي يستطيع الناس بها سد تلك الفجوات.

تذكر أن الأمان ضروري متى كانت مستويات الثقة متدنية. غير أن ممارسة ضغوط على الموظفين وصولاً بهم إلى حدود المشقة يحقق تطوراً حقيقياً.

4) تقدّم بملاحظات منتظمة. لعل الملاحظات أهم جانب من جوانب هذه العملية، وهي تبدأ بتعيين توقعات واضحة. بينما يواصل فريقك اغتنام الفرص أثناء العمل، تعاون مع الموظفين لوضع أهداف يجتهدون في تحقيقها. وقدم لهم ملاحظات منتظمة عما يحسنون صنعه من عمل، والمواطن التي ترى فيها فرصاً للتحسن.

وخلال تلك الفترة، كن صبوراً. فكر في العمل الذي أنجزه موظفوك حتى هذه المرحلة، واحرص على مناقشة الإنجازات والإخفاقات دون إصدار أحكام. وإذا جرب أحد الموظفين شيئاً جديداً ولم يتمخض عن شيء، فاشكر له مجهوده الذي بذله. من الأرجح أن يتطور الناس استناداً إلى تجاربهم عندما لا يُعاقبون على الفشل. (والواقع أنهم قد يلومون أنفسهم بالفعل).

ومن نفس المنطلق، يمكنك أن تضمن تطبيق الموظفين لما تعلموه بحماس بوضع خطة للتحسين، سواء كان ذلك يعني وضع مواعيد نهائية أوضح، أو مساعدتهم على إدارة وقتهم على نحو أفضل أو التفكير في المشكلات العويصة متى طرأت. ويعد رصد المقاييس الشخصية أيضاً وسيلة مفيدة للموظفين لقياس الأداء والنمو خلال أوقاتهم الخاصة.

5) قم بإدارة وقتك. جدير بالذكر أن تطور الموظفين يمكن أن يكون مربكاً، خاصة عندما يكون لديك عدد كبير من المرؤوسين المباشرين. خذ خطوات استباقية لكي تتفادى أن ينتهي بك الأمر إلى تحمل عبء عمل لا يمكن السيطرة عليه. قبل صناعة الفرص، حدد مساحة الحركة المتاحة لديك. ما هو مستوى المشاركة والدعم الذي تستطيع منحه بصفتك المدير، بالنظر للمهام الأخرى التي تضطلع بها؟ إن رصد توقعات واقعية بالنسبة لك أمر غاية في الأهمية.

ضع في اعتبارك أنه لا ينبغي أن تكون أنت وحدك مصدر التدريب كله. ففي بعض الحالات، يجوز أن تكون قادراً على توزيع مهام دعم الموظفين على مرشدين غير رسميين، كغيرك من المدراء أو كبار القادة أو الأقران.

عندما يبذل القادة مجهوداً لتنفيذ هذه المبادئ التي تركز على المستخدم في تفاعلاتهم ويجربونها وينقحون تدريبهم بناء على تلك النتائج باستمرار، لن يشهدوا نمواً مذهلاً وحسب، وإنما سيكون باستطاعتهم إشراك أصحاب أبرز المواهب واستبقائهم بفعالية. تستطيع أي شركة البدء بإدخال تعديلات طفيفة على ممارساتها الإدارية. وقد آن الأوان أن يفتح القادة قنوات التواصل، وأن يتعاملوا مع كل موظف على حدة. ساعد موظفيك على صياغة تدريباتهم وإسهاماتهم بعيدة الأمد نحو الأفضل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي