ما الاستراتيجية من جديد؟

5 دقائق
المفهوم الحديث للاستراتيجية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرف على المفهوم الحديث للاستراتيجية من خلال هذا المقال.

لو صادف أنك قرأت ما كتبه بيتر دراكر عن المنافسة في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، فستجده يذكر أمراً واحداً فقط: المنافسة السعرية. ولم يكن هذا رأيه وحده، بل كان واضحاً أنه يمثل رأي شريحة لا بأس بها من الاقتصاديين فيما يتعلق بالمنافسة.

المفهوم الحديث للاستراتيجية

غير أنه كان لدى مايكل بورتر رأي مخالف لرأي جموع الاقتصاديين، عندما شكك عام 1979 في تلك الآراء في مقاله بعنوان: “كيف تُشكل القوى التنافسية الاستراتيجية” (How Competitive Forces Shape Strategy)، حيث حدد 4 قوى تنافسية إضافية. وعندما سألته عن أصل إطار عمل “القوى الخمس”، قال لي وهو يعمل على تحديث تلك المقالة الرائعة في عام 2008: “لا يمكن أن تكون المنافسة السعرية هي كل ما في الأمر”.

وهكذا، كتب رأياً يعارض المنافسة السعرية في حدث أثار انتباه العالم، حيث ذكر أنه بالإضافة إلى ضراوة المنافسة السعرية بين المنافسين في الصناعة، فإن درجة التنافسية في صناعة ما (أي الدرجة التي يتمتع بها اللاعبون بحرية تحديد أسعارهم) تعتمد على القوة التفاوضية للمشترين والموردين، وأيضاً مدى تهديد المنتجات البديلة والوافدين الجدد للاعبين الأساسيين. فعندما تكون هذه القوى ضعيفة، كما في مجالي برمجيات الكمبيوتر والمشروبات الغازية، تحقق العديد من الشركات أرباحاً. لكن عندما تكون هذه القوى قوية، كما هو الحال في قطاعات شركات الطيران والفنادق، فلا تكاد أي شركة تحقق أي ربح جيد. ويضيف بورتر أن الاستراتيجية هي تحديد أفضل موقع لشركتك فيما يتعلق بضغوط التسعير القادمة من منافسيك من جهة، ومن جميع القوى الموجودة في بيئتك التنافسية من جهة ثانية.

وبدا لكثيرين أنه لم يعد يوجد ما يُقال حيال ذلك الموضوع، حيث قال كل من ريبيكا هومكس ودون وتشارلز سول في مقال “لماذا ينكشف تنفيذ الاستراتيجية – وما الذي يجب القيام به حيال ذلك” (Why Strategy Execution Unravels – and What to Do About it)، المنشور في مارس/آذار 2015: “منذ عمل مايكل بورتر في الثمانينيات من القرن الماضي، كان لدينا تعريف واضح ومقبول على نطاق واسع للاستراتيجية”.

لكن لم تنتهِ المناقشة حول الاستراتيجية هنا.

اقرأ أيضاً: 5 خرافات حول الاستراتيجية

ومن المثير للاهتمام أن تعريف بورتر للاستراتيجية نشره في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1996، أي أنه بعد 17 عاماً من نشره لمقاله الأصلي عن القوى الخمس، كان لا يزال يشعر بالحاجة إلى إجابة أوضح عن ذاك السؤال.

ويقدّم بورتر في مقاله “ما الاستراتيجية” (What Is Strategy)، رأياً مختلفاً عن بقية الآراء، القديمة والجديدة على حدٍ سواء، التي كانت متداولة في السنوات السابقة لمقاله. وعلى وجه الخصوص، ناقش وجهات النظر القائلة إن “الاستراتيجية” هي:

  • البحث عن موقع تنافسي مثالي في صناعة ما (كما كان يبدو من محاولات شركات الإنترنت القيام به في وقت نشره لذاك المقال).
  • وضع المعايير لأفضل الممارسات وتبنّيها (في إشارة خفية إلى الأمر المفضل للجميع، وهو البحث عن التميز).
  • الاستعانة الشديدة بمصادر خارجية، وعقد الشراكات، لتحسين الكفاءة (ربما إشارة إلى مقال “أصول الاستراتيجية” (The Origins of Strategy)، الذي نشره الأب الروحي للاستشارات الاستراتيجية ومؤسس “بي سي جي” (BCG) بروس هيندرسون في عام 1989).
  • التركيز على بعض عوامل النجاح الرئيسة، والموارد الحيوية، والكفاءات الأساسية (ربما إشارة إلى مقال كويمباتور كريشناراو براهالاد (سي كيه) وغاري هامل في عام 1990 ذي العنوان “الاختصاص الأساسي للمنظمة” (The Core Competence of the Organization)
  • الاستجابة السريعة للتغيرات التنافسية والمتغيرة باستمرار في السوق (ربما إشارة إلى مقال ريتا ماكغراث وإيان ماكميلان المنشور في عام 1995 المتصل باستراتيجية الابتكار “التخطيط المقاد بالاكتشاف” (“Discovery Driven Planning”).

وعلى المستوى الأساسي، إن كل الاستراتيجيات السابقة تندرج تحت عنوانين عريضين: القيام بما يفعله البقية تماماً (لكن بإنفاق أموال أقل)، أو القيام بشيء لا يمكن للبقية فعله. وبينما يمكن لأي من النهجين تحقيق النجاح، هناك فرق كبير بينهما من الناحية الاقتصادية (أو الأخلاقية، كما أظن). ويقول إن التنافس عبر القيام بما يفعله البقية تماماً يعني المنافسة السعرية (أي تعلّم أن تكون أكثر كفاءة من منافسيك)، إلا أن هذا بدوره يقلل من حجم الأرباح ويدفع بالصناعة بأكملها إلى الانحدار نحو هاوية تقليص الأسعار وهوامش الأرباح.

اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية

لكن يمكن للشركة زيادة الأرباح بدلاً من ذلك عبر التموضع في موقع فريد خاص بها، مستندةً إلى ميزة فريدة تخلقها، مستخدمة مجموعة من الأنشطة الذكية والمميزة والمعقدة والمترابطة (التي يطلق عليها بعض المفكرين أيضاً “سلسلة القيمة” أو “نموذج الأعمال”). ويسهل رؤية هذا الخيار في صناعة الطيران مع تنافس معظم شركات الطيران “على أن تكون الأفضل” في معارك شرسة جداً على حد تعبير بورتر. لكن في الوقت نفسه، أسست خطوط “ساوث ويست أيرلاينز”، وشركات قليلة أخرى، شركات أكثر ربحية باستخدام نهج مختلف تماماً، استهدفت فيه فئة أخرى من العملاء (ممن قد يسافرون بالسيارة بدل الطائرة). وفعلت ذلك عبر مجموعة أنشطة مترابطة عالية الكفاءة، لتضيف فئة جديدة من الركّاب إلى سوق المسافرين.

ولدى العودة إلى سؤال “ما الاستراتيجية؟” سنجد إجابات مختلفة من الاستراتيجيين. لكن لا توجد واحدة منها تمثل القول الفصل، ولكن يمكن للمرء تقسيم طيف تلك الآراء عن المفهوم الحديث للاستراتيجية إلى فئات عريضة وفقاً لما تركز عليه، وذلك على النحو التالي:

  • القيام بشيء جديد.
  • البناء على ما تم القيام به بالفعل.
  • رد فعل ينتهز الفرصة الناشئة من أمر ما.

وفي الفئة الأولى “القيام بشيء جديد”، سنجد مقال تشان كيم ورينيه موبورن الذي تحدّث عن إيجاد أو إنشاء أسواق جديدة غير متنازع عليها في أول مقال لهما حول هذا الموضوع في عام 1999 بعنوان “إنشاء مساحة جديدة للسوق” (Creating New Market Space)، ثم المقال الشهير المنشور في عام 2004 بعنوان “استراتيجية المحيط الأزرق” (Blue Ocean Strategy). ويمكننا ملاحظة ذلك أيضاً في مقال ألفين روث في عام 2007 بعنوان “فن تصميم الأسواق” (The Art of Designing Markets)، ومقال كلايتون كريستنسن وهينينغ كاغرمان ومارك جونسون بعنوان “إعادة اختراع نموذج أعمالك” (Reinventing Your Business Model). وهناك أيضاً تلك التي تعتمد على إعادة النظر في سلسلة القيمة الخاصة بشركتك أو صناعتك. وتضم تلك القائمة الكثير من أعمال بورتر السابق ذكرها، فضلاً عن مقال إيان ماكميلان وريتا ماكغراث بعنوان “اكتشاف نقاط جديدة للتمايز” (Discovering New Points of Differentiation).

أما في فئة البناء على ما تم القيام به بالفعل، فسنجد مقال كريس زوك، المستشار في “باين” (Bain)، بعنوان “العثور على أعمالك الأساسية التالية” (Finding Your Next Core Business)، ومقال زوك وزميله جيمس ألين بعنوان “النمو خارج النواة” (Growth Outside the Core) (حول التحرك في الأسواق المجاورة)، وأيضاً المقال الرائع لديفيد كوليس وسينثيا مونتغمري بعنوان “المنافسة على الموارد” (Competing on Resources). ويوجد أيضاً في هذه الفئة عدد لا يحصى من المقالات حول الاستجابات التنافسية، منها مقال روب لاخيناور وجورج ستوك بعنوان “الجهد الكبير: 5 استراتيجيات قاتلة للتغلب على المنافسة” (Hardball: Five Killer Strategies for Trouting the Competition)”، ومقال “الجهد الذكي: استراتيجيات لخداع المنافسة”(Curveball: Strategies to Fool the Competition). كما عثرت أيضاً على مقالات حول كيفية الدفاع عن نفسك ضد المزعزعين، مثل مقال كلايتون كريستنسن وماكس فايزل بعنوان “عودة الإمبراطورية: استراتيجيات معادية للثورة لقادة الصناعة” (The Empire Strikes Back: Counterrevolutionary Strategies for Industry Leaders) و”النجاة من الاضطراب” (Surviving Disruption)، حيث تحدثا بالتفصيل عن طريقة منهجية لتحديد متى يجب عليك التخلي عن عملك لصالح شركة مزعزعة.

اقرأ أيضاً: التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة

من المغري التفكير في أن المعسكر الثالث “رد فعل ينتهز الفرصة الناشئة من أمر ما”، يمثل الفكر الأحدث في هذا المجال، ولكن في الواقع تم تقديم مقال ماكغراث وماكميلان في التخطيط القائم على الاكتشاف أول مرة قبل 20 عاماً، وتتضمن هذه الفئة عناصر تقليدية أخرى من المرونة والاستراتيجية تعود إلى التسعينيات، منها مقال تيم لويرمان بعنوان “الاستراتيجية باعتبارها محفظة للخيارات الحقيقية” (Strategy as a Portfolio of Real Options)، ومقال ديفيد يوفي ومايكل كوسومانو بعنوان “استراتيجية الجودو” (Judo Strategy). كما تضم أيضاً مقال مايكل مانكينز وريتشارد ستيل بعنوان “توقف عن وضع الخطط: ابدأ اتخاذ القرارات” (Stop Making Plans: Start Making Decisions)، التي أبرزت أهمية دورات التخطيط الاستراتيجي المستمرة. وأخيراً، تتضمن هذه الفئة طرقاً مختلفة لإدارة الشركات الراسخة كما لو كانت شركات ناشئة، مثل مقال ستيفن بلانك بعنوان “لماذا يغير العمل كشركة ناشئة مرنة كل شيء” (Why the Lean Start-Up Changes Everything) المنشور العام الماضي.

وبينما تلقي نظرة على الأفكار الثرية الموجودة في الفئات الثلاث السابقة، ستجد أنه من الصعب الوصول إلى رأي واحد حول الاستراتيجية، إذ لن تكون قادراً على تلخيص المفهوم الحديث للاستراتيجية على أنه “القيام بشيء أصلي لدرجة عدم قدرة أحد على تقليدك” أو “القتال حتى الموت ضد خصومك”. وتقدّم مجموعة المقالات تلك خيارات متنوعة ومعقدة، فضلاً عن أنها تشير إلى الطريق المرعب الناتج عن مخاطرة المنافسة، وأيضاً مجموعة الفرص الواسعة الناشئة – في مواجهة التكنولوجيات سريعة التغير، والعولمة، ووتيرة التغيير المتسارعة بلا هوادة. ولا تزال هناك طرق جديدة ذكية لا حصر لها لكسب المال، والتغلب على المنافسة، والدفع بتلك الشركات لتصبح مؤسسات منتجة ومربحة حقاً.

اقرأ أيضاً: 8 أسئلة صعبة لتطرحها حول استراتيجية شركتك

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .