$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#7065 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(5287)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(14) "44.200.196.114"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7072 (45) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(162) "/%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%85-%D9%81%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%B9/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_X_FORWARDED_FOR"]=>
    string(14) "44.200.196.114"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "86b715b4fac907dd-FRA"
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_REFERER"]=>
    string(31) "https://hbrarabic.com/?p=153689"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(14) "44.200.196.114"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_X_FORWARDED_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_X_FORWARDED_SERVER"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(10) "Keep-Alive"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(73) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at hbrarabic.com Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(13) "hbrarabic.com" ["SERVER_ADDR"]=> string(10) "172.21.0.4" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(14) "162.158.87.154" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "52744" ["REDIRECT_URL"]=> string(58) "/مهارات-ضرورية-لتعلم-فن-الإقناع/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1711623294.314224) ["REQUEST_TIME"]=> int(1711623294) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(16) "paid_subscribers" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7073 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7074 (2) { ["content_id"]=> int(5287) ["client_id"]=> string(36) "e2b36148-fa88-11eb-8499-0242ac120007" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

مهارات ضرورية لتعلم فن الإقناع

26 دقيقة
فن الاقناع
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لو كان هناك وقت مناسب قط لأن يتعلم رجال الأعمال الفن الراقي للإقناع، فهو الآن. لقد ولَّت أيام القيادة والتحكم التي كان يدير فيها المسؤولون التنفيذيون الأمور بالأوامر والمراسيم؛ فالأعمال اليوم تُدار إلى حد كبير بمعرفة فِرق ذات وظائف متداخلة، قوامها مواليد جيل الطفرة وأبناء الجيل إكس (مواليد الستينيات إلى الثمانينيات) الذين يُظهرون القليل من التساهل مع السلطة المطلقة. لقد أدى التواصل الإلكتروني والعولمة إلى تآكل التسلسل الهرمي التقليدي بقدر أكبر، فتتدفق الأفكار والناس حول المؤسسات بحرية أكثر من ذي قبل، والقرارات تُتخذ بانحياز أقرب إلى الأسواق. وهذه التغييرات الجذرية ظلت تتبلور لأكثر من عقد كامل، غير أنها أمست الآن جزءًا أصيلاً من المشهد الاقتصادي، وتتلخص أساساً فيما يلي: يكتمل إنجاز العمل اليوم في بيئة لا يسأل الناس فيها ببساطة “ما الذي ينبغي علي فعله؟” وإنما “لماذا ينبغي أن أفعل ذلك؟”.

والإجابة عن سؤال السببية هذا عملياً تعني حتمية الإقناع. إلا أن كثيراً من رجال الأعمال يسيئون فهم الإقناع، وعدد أكثر منهم حتى لا يستغلونه الاستغلال الأوفى. وما هو السبب؟ لأن الإقناع يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره مهارة مخصصة لبيع المنتجات وإبرام الصفقات. كما ينظر إليه عامةً على أنه شكل آخر وحسب من أشكال الاستغلال، أي أنه أمر خبيث وينبغي تفاديه. بالتأكيد يمكن استغلال الإقناع في حالات البيع ومواقف إبرام الصفقات، ومن الممكن إساءة استغلاله للتحايل على الناس والتلاعب بهم. ولكن، إذا مورس الإقناع بشكل بنّاء وبكامل إمكاناته، فسنجد أنه يعوض البيع، وسنكتشف أنه نقيض الخداع بالكامل. ويتحول الإقناع الفعال إلى عملية تفاوض وتعلم، يسوق الطرف المقنع بواسطتها زملاءه إلى الحل المشترك لمشكلة ما. وينطوي الإقناع فعلاً على نقل الناس إلى مكانة لا يشغلونها حالياً، ولكن بلا استعطاف أو مُداهنة. وإنما ينطوي الإقناع على الإعداد الدقيق والتأطير الملائم للحجج وعرض الأدلة القوية الداعمة والجهود الرامية إلى إيجاد المكافئ الوجداني الصحيح لدى جمهورك.

إن الإقناع الفعال مسألة شاقة تستنفذ الوقت، لكنه ربما كان أيضاً أقوى من نموذج القيادة والتحكم الإداري الذي يخلفه. لقد صرح لورنس بوسيدي، الرئيس التنفيذي لشركة “آلايد سيغنال” (AlliedSignal) مؤخراً قوله “ولَّت الأيام التي كنت تصرخ فيها بعلو صوتك وتجبر الناس على تحقيق أداء عظيم. اليوم عليك أن تتلطف معهم، وتساعدهم على معرفة الطريقة التي يمكنهم من خلالها الانتقال من نقطة الانطلاق إلى نقطة النهاية، عبر ترسيخ المصداقية، وبمنحهم أسباباً وجيهة، ومساعدتهم على الوصول إلى وجهتهم. إذا فعلت ذلك فسيتخطون العقبات والمشاق”. إنه يصف أساساً الإقناع الذي أمسى اليوم لغة ريادة الأعمال أكثر من أي وقت مضى. فكّر لحظة في تعريفك للإقناع. إذا كنت كغالبية رجال الأعمال الذين صادفتهم (انظر فقرة “اثنا عشر عاماً من المشاهدة والإصغاء”)، فستعتبر الإقناع عملية بسيطة وواضحة نسبياً. أولاً، عليك أن تُعرب عن موقفك بحزم. ثانياً، عليك أن ترسم الخطوط العريضة للحجج الداعمة لموقفك، متبوعةً بشرح جازم جداً ومستند إلى البيانات. وأخيراً، تصل إلى مرحلة عقد الصفقة وتعمل على “إبرامها”. وبتعبير آخر، فإنك تستخدم المنطق والمثابرة والحماس الشخصي لإقناع الآخرين بفكرة سديدة. والواقع أن اتباع هذه العملية هو الطريقة المضمونة للفشل في الإقناع (انظر فقرة “أربعة سبل للإخفاق في الإقناع”).

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”أقل ” height=”290″ link_color=”المزيد” link_align=”right”]

اثنا عشر عاماً من المشاهدة والإصغاء

تنبع الأفكار الكامنة وراء هذه المقالة من ثلاثة مسارات بحثية. خلال الاثني عشر شهراً الماضية أثناء عملي أكاديمياً ومستشاراً، عكفت على دراسة 23 من قادة الأعمال رفيعي المستوى الذين أثبتوا أنهم عناصر فعالة للتغيير. وتحديداً، دققت في كيفية استخدامهم اللغة لتحفيز موظفيهم، وبيان الرؤية والاستراتيجية، وحشد مؤسساتهم للتكيف مع بيئات العمل التي تنطوي على تحديات.

منذ أربع سنوات، بدأت مساراً جديداً من مسارات البحث، حيث استكشفت إمكانات وخصائص قادة الفرق متعددة الوظائف. وتشكل جوهر قاعدة بياناتي من مقابلات شخصية مع 18 فرداً يعملون في مجموعة كبيرة من الشركات الأميركية والكندية ومشاهدات لهم. ولم يكن بينهم قادة رفيعو المستوى، كما في دراساتي السابقة، وإنما كانوا من مدراء الإدارات الدنيا والوسطى. وإلى جانب إجراء مقابلات شخصية لزملاء هؤلاء الناس، قارنت أيضاً بين مهاراتهم ومهارات غيرهم من قادة الفرق، وتحديداً قادة الفرق متعددة الوظائف الأقل نجاحاً والمنخرطة في مبادرات مثيلة داخل الشركات نفسها. ومرة أخرى، كان تركيزي على اللغة، لكنني درست أيضاً أثر مهارات التفاوض بين الأشخاص.

ولقد حفزتني أوجه الشبه في مهارات الإقناع التي يملكها القادة رواد التغيير وقادة الفرق الفعالين لاستكشاف المواد الأكاديمية المعنية بالإقناع والخطاب، وكذلك المواد التي تتناول فن الوعظ من الكتاب المقدس. وفي تلك الأثناء، راقبت عشرات المدراء في اجتماعات الشركات للتعرف على النحو الذي يتناول به غالبية المدراء عملية الإقناع، ووظفت عمليات محاكاة في برامج التعليم التنفيذي للشركة، حيث اضطرت مجموعات من المدراء إقناع بعضها البعض بأهداف أعمال افتراضية. وأخيراً، انتقيت مجموعة قوامها 14 مديراً مشهورين بقدراتهم الاستيعابية في ميدان الإقناع البنّاء. وأجريت مقابلات شخصية لهم ولزملائهم، وراقبتهم في ظروف عمل حقيقية لعدة أشهر.

[/su_expand]

إذاً، ما الذي يمثل إقناعاً فعالاً؟ لو كان الإقناع مسألة تعلم وتفاوض، فإنه ينطوي بشكل عام غالباً على مراحل الاكتشاف والإعداد والحوار. فالتأهب لإقناع الزملاء يمكن أن يستغرق أسابيع أو شهوراً من التخطيط، بينما تعكف على التعرف على جمهورك وموقفك الذي تعتزم إقامة الدليل عليه. والبارعون في الإقناع يُحيطون بزوايا مواقفهم جميعها، حتى قبل أن يستهلوا حديثهم. فما هي الاستثمارات في الوقت والمال التي يقتضيها موقفي من الآخرين؟ وهل دليلي الداعم ضعيف بأي حالٍ من الأحوال؟ وهل هناك مواقف بديلة يتعين عليّ بحثها؟

يجري الحوار قبل عملية الإقناع وفي أثنائها. فقبل أن تبدأ العملية، يستخدم المُقنعون البارعون آلية الحوار للتعرف بقدر أكبر على آراء الجمهور ومخاوفه ووجهات نظره. وأثناء تلك العملية، يظل الحوار شكلاً من أشكال التعلم، غير أنه يمثل أيضاً بداية مرحلة التفاوض. إنك تدعو الناس إلى مناقشة – بل وحتى مداولة – مزايا موقفك، ومن ثم تُقدم ملاحظاتك النزيهة، وتقترح حلولاً بديلة. قد تبدو هذه طريقة بطيئة لتحقيق هدفك، غير أن الإقناع الفعال يتعلق في جوهره باختبار الأفكار ومراجعتها بما يتفق مع احتياجات زملائك ومخاوفهم. وحقيقة الأمر أن أفضل المُقنعِين على الإطلاق لا يصغون إلى الآخرين فقط، وإنما يدمجون وجهات نظرهم في حلٍ مشترك.

وبتعبير آخر، فإنه غالباً ما يتضمن الإقناع – بل ويقتضي بالفعل – حلاً وسطاً. وربما لهذا السبب يبدو أن أفضل المُقنعين يشتركون في سمة واحدة، ألا وهي اتساع الأفق وأنهم غير متزمتين بالمرة. وهم يدخلون عملية الإقناع على أهبة الاستعداد لتعديل وجهات نظرهم ودمج أفكار الآخرين فيها. ومن اللافت أن هذا التوجه نحو الإقناع مقنعٌ للغاية بحد ذاته. فعندما يرى الزملاء أن الشخص المقنع متحمس لسماع وجهات نظرهم، ومستعد لإدخال تعديلات استجابةً لاحتياجاتهم ومخاوفهم، فإنهم يستجيبون بشكل إيجابي جداً. كما أنهم يثقون بالشخص المقنع بقدر أكبر ويصغون إليه بمزيد من الانتباه، ولا يهابون أن يقعوا فريسة التحايل أو الخداع، كما يرون المقنع مرناً، وبالتالي نجدهم أكثر استعداداً لتقديم تضحيات بأنفسهم. ولأن هذه العملية تنطوي على حراك قوي، فإن المقنعون البارعون غالباً ما يستهلونها وهم متأهبون سلفاً لتقديم تسويات مُتزنة.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”أقل ” height=”290″ link_color=”المزيد” link_align=”right”]

أربعة سبل للإخفاق في الإقناع

أثناء عملي مع المدراء باحثاً ومستشاراً، سنحت لي فرصة غير موفقة لمشاهدة مسؤولين تنفيذيين وهم يفشلون فشلاً ذريعاً في الإقناع. فيما يلي أشهر أربعة أخطاء يقع فيها الناس:

1- يحاولون إثبات وجهة نظرهم بإلحاح وبصراحة

وأنا أطلق على هذا التوجه اسم أسلوب “جون وين” (John Wayne approach). يصرّح المدراء بموقفهم بقوة ومن البداية، ثم يحاولون عن طريق عملية قوامها الإلحاح والمنطق ووفرة المعلومات فرض فكرتهم حتى النهاية. والواقع أن التصريح بموقف متشدد في بداية جهود الإقناع يمنح المعارضين المحتملين شيئاً يتشبثون به ويقاتلون من أجله. ومن الأفضل بكثير طرح وجهة نظرك ببراعة وتحفّظ مدرب الأسود الذي يجذب انتباه “شريكه” بإظهار أرجل الكرسي. وبتعبير آخر، لا يستهل البارعون في الإقناع عملية الإقناع بإعطاء زملائهم هدفاً واضحاً يتشبثون به.

2- يقاومون الحلول الوسط

يرى عدد كبير للغاية من المدراء الحل الوسط بمثابة الاستسلام، لكنه ضروري للإقناع البنّاء. قبل أن يقتنع الناس بمقترح ما، فهم يريدون أن يروا أن المُقنع مرن بما يكفي للاستجابة إلى مخاوفهم. ومن الممكن أن تفضي الحلول الوسط غالباً إلى حلول مشتركة أفضل وأكثر استدامة. وبالإحجام عن القبول بالحلول الوسط، يرسل غير البارعين في الإقناع بلا وعي رسالة مفادها أنهم يعتقدون أن الإقناع شارع وحيد الاتجاه. لكن الإقناع عملية أخذ وعطاء. توضح كاثلين كيلي ريردون، أستاذة السلوك المؤسسي في “جامعة جنوب كاليفورنيا”، أن المُقنع نادراً ما يغير سلوك الآخر أو وجهة نظره دون أن يغير سلوكه أو وجهة نظره هو في الوقت ذاته. ولكي نقنع الآخرين بشكل هادف، يتعين علينا أن لا نصغي وحسب لهم، وإنما ندمج وجهات نظرهم أيضاً في وجهات نظرنا.

3- يعتقدون أن سر الإقناع يكمن في عرض حجج متينة

تتجلى أهمية الحجج القوية في عملية إقناع الناس بتغيير آرائهم. ولا شك في ذلك. غير أن الحجج بحد ذاتها هي جزء وحيد فقط من المعادلة. وثمة عوامل أخرى مهمة بالقدر ذاته، كمصداقية الشخص المقنع وقدرته على خلق إطار مناسب ومفيد لطرفي الموقف، والتواصل على المستوى الوجداني السليم مع الجمهور، والتواصل بلغة واضحة تجعل الحجج تنبض بالحياة.

4- يفترضون أن الإقناع مجهود يُبذل لمرة واحدة فقط

الإقناع عملية، وليست حدث. ونادراً ما يكون من الممكن الوصول إلى حل مشترك في المحاولة الأولى، هذا إن حدث أبداً. وغالباً ما ينطوي الإقناع على الإصغاء للناس، واختبار موقف ما، وتطوير وجهة نظر جديدة تعكس مدخلات مستخلصة من المجموعة، وإجراء المزيد من الاختبارات ودمج حلول وسط ثم التجربة مرة أخرى. ولو بدت هذه عملية بطيئة وشاقة، فهذا لأنها كذلك بالفعل. غير أن النتائج تستحق الجهود المبذولة.

[/su_expand]

4 خطوات أساسية لتطبيق فن الإقناع

ينطوي الإقناع الفعال على أربع خطوات مميزة ومحورية. أولاً، يعكف المقنعون الأكفّاء على ترسيخ مصداقيتهم. وثانياً، يضعون أهدافهم في أُطر محددة بطريقة تميز الأرضية المشتركة بينهم وبين الذين ينوون إقناعهم. وثالثاً، يعززون مواقفهم باستخدام لغة نابضة بالحياة ودليل دامغ. ورابعاً، يتواصلون وجدانياً مع جمهورهم. وحسب ما جاء على لسان أحد أكثر المسؤولين التنفيذيين كفاءةً في بحثنا “أهم درس تعلمته على الإطلاق عن الإقناع على مر السنين هو أن طريقة عرض موقفك تنطوي على قدر من الاستراتيجية لا يقل عما ينطوي عليه الموقف ذاته. والواقع أنني أزعم أن استراتيجية العرض أهم وأكثر حساسية”.

1. ترسيخ المصداقية

العقبة الأولى التي يتعين على المقنعين التغلب عليها هي التشكيك في مصداقيتهم الخاصة؛ فالمقنع لا يسعه الدفاع عن موقف جديد أو مُعارض دون أن يتساءل مَن حوله “أيمكننا أن نثق بوجهات نظر هذا الشخص وآرائه؟”. وردة الفعل هذه مفهومة. وعلى أي حال، فإن سماحك للآخرين بإقناعك أمر ينطوي على مخاطرة، لأن أي مبادرة جديدة تتطلب التزاماً بالوقت والموارد. ومع ذلك، ورغم أن المقنعين لا بد أن يتحلوا بمصداقية عالية، يشير بحثنا بقوة إلى أن غالبية المدراء يغالون في تقييم مصداقيتهم بقدر كبير.

تشير الأبحاث بقوة إلى أن غالبية المدراء يغالون في تقييم مصداقيتهم، غالباً إلى حد كبير.

في محل العمل، تنبع المصداقية من مصدريْن: الخبرة والعلاقات. ويُنظر إلى الناس على اعتبار أنهم يمتلكون مستويات عالية من الخبرة إذا كان لديهم تاريخ مشرِّف من الحكم السديد على الأمور، أو إذا أثبتوا أنهم يمتلكون المعرفة والإحاطة بمقترحاتهم. على سبيل المثال، يحتاج المقنع البارع، وقتما يقترح فكرة لمنتج جديد، إلى أن يرى الآخرون أنه يمتلك فهماً وافياً للمنتج؛ من جهة مواصفاته وأسواقه المستهدفة وزبائنه والمنتجات المنافسة له. وسيدعم سجل من النجاحات السابقة ويعزز الخبرة التي يلمسها الآخرون في المرء. كان لدى مسؤول تنفيذي ناجح جداً في بحثنا سجل رائع يمتد على مدار 14 عاماً من ابتكار حملات إعلانية فعالة جداً. ولم يكن عجيباً أن يحظى بتأييد زملائه وإجماعهم على سلامة موقفه. وثمة مدير آخر كان يمتلك سجلاً يشمل إطلاق سبع منتجات جديدة ناجحة في بحر خمس سنوات. وتمتع هو الآخر بميزة متى تعلق الأمر بإقناع زملائه بتأييد فكرته الجديدة التالية.

وفيما يتعلق بالعلاقات، أثبت الذين يتحلون بمصداقية عالية – مجدداً، وعادة بمرور الوقت – أنهم أهل ثقة من حيث الإصغاء للآخرين والعمل بما يخدم مصالحهم. ولقد أثبتوا دائماً أيضاً تحليهم بشخصية عاطفية قوية ونزاهة شديدة؛ أي أنهم لم يشتهروا بالتقلبات المزاجية العنيفة أو الأداء المتذبذب. وحقيقة الأمر أن المشهورين بالنزاهة والاتزان والموثوقية يتمتعون بميزة عندما يخوضون تجربة إقناع الآخرين. ولأن علاقاتهم قوية، فمن الأجدر أن يفترض الآخرون فيهم حسن النية ويولوهم ثقتهم. لقد اعتبر بعض زملاء إحدى المقنعات الفعالات في دراستنا جديرة بالثقة ومنصفة جداً، وأولاها كثيرون ثقتهم. فضلاً عن ذلك، فقد شاركت الآخرين بسخاء بالاعتراف لهم بالفضل في أفكارها، وعملتْ على تعريف الموظفين بكبار المسؤولين في الشركة. لقد أقامت علاقات متينة، مما جعل الموظفين وأقرانها في الشركة على استعداد دائم لأخذ مقترحاتها على محمل الجد.

إذا كانت الخبرة والعلاقات تحددان المصداقية، فمن المهم أن تُجري تقييماً صادقاً لموقفك الراهن من هذين المعياريْن قبل أن تشرع في إقناع الآخرين. ولإنجاز هذا التقييم، ارجع خطوة إلى الوراء أولاً، واطرح على نفسك السؤالين التاليين المتعلقين بالخبرة: كيف سينظر الآخرون إلى معرفتي بالاستراتيجية أو المنتج أو التغيير الذي أقترحه؟ وهل أملك سجلاً حافلاً في هذا الميدان يعرفه الآخرون ويحترمونه؟ وبعد ذلك، لتقييم قوة مصداقية علاقتك، اطرح على نفسك السؤال التالي: هل يعتبرني الذين أسعى إلى إقناعهم مُعيناً لهم وجديراً بالثقة ومؤيداً لهم؟ وهل سيعتبرونني شخصاً متماشياً معهم – وجدانياً وفكرياً وسياسياً – في قضايا مثل هذه القضية؟ وأخيراً، من الأهمية بمكان أن نذكر أنه لا يكفي أن تجيب عن هذه الأسئلة بمعزل عن الآخرين. فلا بد أن تختبر أيضاً تلك الإجابات مع زملائك الذين تثق بهم لمراجعة الحقائق معك. وحينئذ فقط ستكتمل أمامك الصورة الكاملة الخاصة بمصداقيتك.

في أغلب الحالات، تساعد الخبرة الناس على اكتشاف أنهم يعانون شيئاً من الضَعف، إما على مستوى الخبرة وإما على مستوى العلاقات المتعلق بالمصداقية. ويصبح التحدي حينئذ هو سد تلك الفجوات.

وعموماً، لو كانت نقطة ضعفك تكمن في جانب الخبرة، فلديك العديد من الخيارات:

أولاً، يمكنك أن تتعلم المزيد عن تعقيدات موقفك، إما بواسطة التعليم الرسمي أو التعليم غير الرسمي، وبواسطة الحوارات مع الأشخاص واسعي الاطلاع. وقد تحصل على خبرة أوثق صلة أثناء مزاولة العمل، بأن تطلب مثلاً إلحاقك بفريق يثري معرفتك بأسواق أو منتجات محددة.

وثمة بديل آخر يتمثل في تعيين شخص لتعزيز خبرتك. على سبيل المثال، استعن باستشاري في مجال عملك أو خبير معروف خارج نطاق شركتك، وليكن أستاذاً جامعياً. قد تكون لدى أي منهما المعرفة والخبرة الضروريتان لتعزيز موقفك بفعالية.

وبالمثل، قد تستعين بخبراء داخل مؤسستك لتأييد موقفك. فتصبح مصداقيتهم بديلاً لمصداقيتك.

يمكنك أيضاً أن تستغل مصادر المعلومات الخارجية الأخرى لدعم موقفك، ومثال على ذلك دوريات الأعمال أو التجارة المرموقة والكتب والتقارير المستقلة ومحاضرات الخبراء. في بحثنا، أقنع مسؤول تنفيذي من صناعة الملابس شركته بتصحيح مسار خط منتج كامل وتوجيهه إلى سوق شبابية أكثر بعد تعزيز مصداقيته بمقالات لباحث بارز في مجال الإحصاءات السكانية في دوريتيْن مرموقتيْن ودراستيْن مستقلتيْن للسوق.

وأخيراً، يجوز لك أن تُطلق مشروعات تجريبية لإثبات خبرتك وقيمة أفكارك على نطاق محدود.

أما بالنسبة لسد الفجوة في العلاقات:

عليك أن تبذل جهوداً متضافرة كي تلتقي وجهاً لوجه بالأشخاص البارزين الذين تعتزم إقناعهم جميعاً. ليس هذا هو الوقت المناسب لرسم الخطوط العريضة لموقفك، وإنما للتعرف على وجهات النظر المختلفة حول القضية المطروحة للنقاش. وإذا كان لديك الوقت والموارد، فينبغي عليك حتى أن تعرض على هؤلاء مساعدتك في التعامل مع القضايا التي تهمهم.

ينبغي أن يبذل المُقنع جهوداً متضافرة كي يلتقي وجهاً لوجه بالأشخاص البارزين الذين يعتزم إقناعهم.

وهناك خيار آخر يتمثل في إشراك زملائك الذين لديهم أفكار مثيلة، ويرتبطون بعلاقات وطيدة بالفعل مع جمهورك. مرة أخرى أكرر أن هذه مسألة تتعلق بالبحث عن أشخاص يعملون نيابةً عنك.

للتعرف على مثال يبين كيف يمكن تفعيل هذه الاستراتيجيات، انظر إلى حالة رئيس عمليات بنك كبير متخصص في خدمات الأفراد، سنُطلق عليه اسم توم سميث. رغم أن توم كان حديث عهد بمنصبه، فقد أراد بحماس متقد إقناع فريق الإدارة العليا أن الشركة في أزمة كبيرة. لقد ظن أن النفقات العامة للبنك مبالغ فيها، وستهدد مركز البنك ومكانته بالتزامن مع دخول الصناعة المصرفية عصراً أكثر تنافساً. غير أن غالبية زملائه لم يروا الخطورة الكامنة في هذا الموقف. ولأن البنك حقق نجاحات عظيمة جداً خلال السنوات الأخيرة، فقد ظنوا أن التغييرات الطارئة على الصناعة المصرفية لا تمثل إلا خطراً طفيفاً. وفضلاً عن أن سميث تم تعيينه حديثاً في منصبه، فقد كان يعاني من مشكلة أخرى؛ ألا وهي أن سجله المهني انحصر في الخدمات المالية، ويعتبر دخيلاً على عالم الخدمات المصرفية للأفراد. وبالتالي، لم تكن لديه علاقات شخصية كثيرة يستمد منها قوته إذ يعرض قضيته، ولم يعتد به بوصفه خبيراً مطلعاً على مقتضيات السوق.

كخطوة أولى لترسيخ المصداقية، عيَّنَ سميث استشارياً خارجياً يتمتع بمصداقية كبيرة في صناعة الخدمات المصرفية، فأثبتَ أن وضع البنك سيئ جداً؛ لأن منتجاته ليست منخفضة التكلفة بالمرة. وفي سلسلة من العروض التفاعلية التي قدمها الاستشاري لإدارة البنك العليا، كشف كيف أن أبرز منافسي الشركة يتخذون إجراءات متشددة لاحتواء تكاليف التشغيل. وأوضح من خلال تلك العروض أن عدم خفض التكاليف سيؤدي سريعاً إلى تخلف البنك عن رَكْب المنافسين بفارق كبير. ووزعت هذه النتائج لاحقاً على هيئة تقارير مكتوبة تداولتها الأيدي في البنك كله.

وبعد ذلك، استقر رأي سميث على أن مدراء فروع البنك مهمون لحملته. فاقتناع هؤلاء الأشخاص الموقرين المطلعين على بواطن الأمور سيثبت للآخرين في الشركة أن مخاوفه مشروعة وفي محلها. فضلاً عن ذلك، توجَّه سميث إلى مدراء الفروع لأنه آمن أن في وسعهم إثراء خبرته المتعلقة باتجاهات السوق، ومساعدته أيضاً على اختبار فرضياته. وبالتالي، على مدار الأشهر الثلاثة التالية، زار فروع منطقة أونتاريو في كندا كلها، والبالغ عددها إجمالاً 135 فرعاً. وخلال كل زيارة، أمضى بعض الوقت مع مدراء الفروع، مصغياً إلى تصوراتهم عن نقاط قوة البنك ونقاط ضعفه. وتعرف من المنبع على مبادرات المنافسين وميول الزبائن، والتمس أفكارهم أيضاً لتحسين خدمات البنك وتقليص تكاليفه. وما أن انتهى من جولته، كان سميث قد كون تصوراً عاماً عن مستقبل البنك لم يكن يتأتى سوى لقلة من المسؤولين في الإدارة العليا. وكان قد أقام عشرات العلاقات في تلك الأثناء. وأخيراً، أطلق سميث بعض المبادرات البسيطة ولكن الظاهرة للعيان لإثبات خبرته وقدراته. على سبيل المثال، كان سميث قلقاً بشأن النمو البطيء للقروض العقارية في البنك، وتراجع الروح المعنوية لموظفي قسم الإقراض نتيجة لذلك. وعليه، ابتكر برنامجاً لا يُلزم زبائن الرهن العقاري على سداد أي دفعات مالية طوال الـ 90 يوماً الأولى. واتضح أن مبادرته ناجحة بشكل مدهش، وفي وقت وجيز، بدا أن سميث مصرفي أكثر ذكاءً وبراعةً مما ظن الآخرون.

مثال آخر على كيفية ترسيخ المصداقية يأتينا من شركة “مايكروسوفت” (Microsoft). عام 1990، آمن مديرا تطوير المنتجات، كارين فرايز وباري لينت، أن السوق سترحب جداً بالبرمجيات التي تشتمل على “واجهة عرض اجتماعية”. وتخيلا حزمة من البرامج توظِّف شخصيات لبشر وحيوانات متحركة تشرح للمستخدمين كيفية القيام بالمهام الحوسبية.

ولكن، داخل شركة “مايكروسوفت”، ساورتْ المخاوف الموظفين حيال المفهوم المقترح. وسخر المبرمجون من الشخصيات الطريفة، لقد استُخدمت الشخصيات المتحركة من قبل فقط في البرمجيات الموجهة للأطفال، مما جعل من الصعب تصور استخدامها في بيئات مخصصة للكبار. لكن فرايز ولينت شعرا أن منتجهما المقترح كان يتمتع بالحيوية والتعقيد في آن واحد، وظلا على قناعتهما أن المستهلكين سيقبلون على شراء هذه البرامج بلهفة وشوق. وآمنا أيضاً أن سوق برمجيات الحاسوب المنزلي – التي لم تكن مستغلة إلى حد كبير آنذاك، ويحكمها عدد أقل من معايير البرامج – ستفتح ذراعيها لهذا الإبداع والابتكار.
وداخل الشركة، كانت فرايز تتمتع بمصداقية علاقات كبيرة. فقد بدأت مسيرتها المهنية بصفتها مسؤولة توظيف في الشركة عام 1987، وعملتْ عن كثب لدى كثير من كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة “مايكروسوفت” الذين أودعوها ثقتهم وأُعجبوا بها. فضلاً عن ذلك، كانت فرايز مسؤولة عن توظيف مدراء منتجات الشركة وبرامجها. ونتيجة لذلك، كانت تعرف كبار المسؤولين في الشركة جميعهم، وكانت قد وظّفت عدداً كبيراً من الذين سيتخذون قراراً بشأن منتجها.

وكانت قوة لينت تكمن في خبرته، لأنه كان على دراية تحديداً بالتقنية التي يعتمد عليها برنامج تعليمي مبتكر يُسمى “بي سي ووركس” (PC Works). فضلاً عن ذلك، كان هو وفرايز يديران برنامج “بابليشر” (Publisher)، وهو منتج يتمتع بخاصية دعم فريدة تعرف باسم “المعالجات” (Wizards)، راقت لبيل غيتس، الرئيس التنفيذي لشركة “مايكروسوفت”. ولإقناع المؤسسة بالمضي قدماً، كان الاثنان في حاجة إلى الارتقاء بالتصورات المتعلقة بخبرتهما. وانزعجا لأن هذا النوع من برمجيات واجهات العرض الاجتماعية لم يكن له سجل حافل بالنجاح، وأنهما من المبتدئين في التعامل مع هذه البرامج. وبات التحدي الذي يواجههما هو على العثور على بدائل لخبراتهما الخاصة.

كانت الخطوة الأولى سديدة. فقد استعانا من داخل شركة “مايكروسوفت” بخبير تقني قدير يدعى دارين ماسينا. وطورا، بالتعاون معه، مجموعة من النماذج الأولية لإثبات فهمهما الحقيقي لتقنية البرمجيات وقدرتهما على إنجاحها. وبعد ذلك، اختبرا النماذج الأولية في استطلاع للسوق، واستجاب المستخدمون بشكل حماسي. وأخيراً، والأهم من كل شيء، أنهما استعانا بأستاذين من جامعة “ستانفورد” (Stanford)، وهما كليفورد ناس وبريون ريفز، خبيران بالتفاعل بين البشر والحاسوب. وفي العديد من الاجتماعات التي عُقدت مع كبار مديري شركة “مايكروسوفت” وبيل غيتس نفسه، عرضا مجموعة مستفيضة من الأبحاث، جُمعت بعناية توضح كيف أن برمجيات واجهات العرض الاجتماعية مناسبة بشكل مثالي لمستخدم الحاسوب العادي والسبب وراء مناسبتها له. علاوة على ذلك، أكد لينت وفرايز على أن الطفرات الكبيرة في القوة الحوسبية ستجعل شخصيات الرسوم المتحركة الواقعية بشكل أكبر تقنيةً طيعة بشكل متزايد. وقالا إن منتجهما سيكون رائداً في ثورة برمجية مرتقبة. ولما اقتنع غيتس، وافق على تشكيل فريق كامل لتطوير المنتج، وفي يناير/كانون الثاني 1995، أُطلق المنتج الذي عُرف باسم “بوب” (BOB). وباعت منه الشركة ما يربو على نصف مليون نسخة، وأمستْ شركة “مايكروسوفت” تستخدم مفهومه وتقنيته كمنصة لتطوير العديد من منتجات شبكة الإنترنت.

إن المصداقية هي حجر أساس الإقناع الفعال؛ ومن دونها لن يصغِ أحد للمقنع قط. وعلى أحسن تقدير، يستهل المرء عملية الإقناع مسلحاً بقدر من الخبرة ومصداقية العلاقات. ولكن، من الجدير للملاحظة أن المصداقية، سواء تلك المتعلقة بالخبرة أو العلاقات، قد تُبنى وقد تشترى. ولا بد من توافر المصداقية، وإلا ستكون الخطوات التالية إجراءً عقيماً.

2. وضع إطار لقاعدة مشتركة

حتى لو كانت مصداقيتك قوية، فلا بد أن يستميل موقفك إلى حد كبير الأشخاص الذين تحاول إقناعهم. على أي حال، قليلون هم الذين سيستلقون قطاراً سيؤدي بهم إلى الهلاك أو حتى سيتسبب لهم في شيء من الإزعاج. والمقنعون الأكفاء لا بد أن يكونوا بارعين في وصف مواقفهم بلغة تسلط الضوء على مزاياها. سيقول لك أي والد أن أسرع طريقة لإقناع الطفل بمرافقته طواعيةً إلى متجر البقالة هي أن تقول له إن ثمة حلوى إلى جوار آلة تسجيل النقود. وهذا ليس ضرباً من الخداع، وإنما طريقة مقنعة لوضع مزايا الذهاب إلى المتجر في إطار سليم. وفيما يخص قضايا العمل، من الواضح أن التأطير المقنع أكثر تعقيداً، غير أن المبدأ الأساسي واحد. إنها عملية تتعلق بتحديد المزايا المشتركة. تضرب لنا مونيكا روفو، مديرة علاقات أحد العملاء في إحدى وكالات الإعلان، مثالاً جيداً لتأطير الإقناع. كان زبونها – سلسلة للوجبات السريعة – بصدد إطلاق حملة إعلانية في كندا، وكان من المزمع ضم مفردات قائمة الطعام مثل شرائح اللحم والبطاطس المحمرة والكولا معاً، وبيعها بسعر أقل. كانت هذه الاستراتيجية منطقية لدى المقر الرئيس للشركة. فقد أثبت بحثه أن المستهلكين يعتقدون أن منتجات الشركة تُباع بأسعار أعلى من المنافسين، وكانت الشركة متحمسة لتغيير هذا التصور. ومن ناحية أخرى، كان وكلاء الامتياز التجاري يحققون مبيعات ضخمة رغم ذلك، وكانوا مهمومين أكثر بالأثر قصير الأجل لهذه الأسعار المخفضة الجديدة على هوامش ربحهم.

مقنع آخر أقل خبرةً حاول تبرير وجهة نظر المقر الرئيس لوكلاء الامتياز التجاري بغية إقناعهم بصحتها. غير أن روفو وضعتْ تغيير الأسعار في إطار محدد لإثبات مزاياه لوكلاء الامتياز التجاري أنفسهم. لقد بيّنت أن حملة القيمة الجديدة ستزيد فعلاً أرباح وكلاء الامتياز التجاري. ولدعم وجهة نظرها، استندت إلى العديد من المصادر. ثمة مشروع تجريبي مثلاً في ولاية تينيسي أثبت أنه في ظل نظام التسعير الجديد، زادت مبيعات البطاطس المقلية والمشروبات – وهما أكثر بنود قائمة الطعام ربحاً – بشكل مذهل. فضلاً عن ذلك، قدمت الشركة وجبات متوسطة الحجم في 80% من منافذها الأميركية، وقفزت مبيعات وكلاء الامتياز التجاري أيضاً من البطاطس المقلية والمشروبات بنسبة 26%. واستشهدت روفو ببحث نُشر في مجلة مرموقة في مجال الأعمال، فأثبتت أيضاً أنه عندما يزيد الزبائن من تقديرهم للقيمة التي يحصلون عليها من مؤسسة تعمل بالتجزئة بنسبة 10%، ترتفع مبيعات تلك المؤسسة بنسبة 1%. قدَّرت روفو أن خطة الوجبة الجديدة ستزيد من تصورات القيمة بنسبة 100%، مما سيترتب عليه ارتفاع متوقع في مبيعات ممنوحي الامتياز التجاري بنسبة 10%.

واختتمت روفو عرضها بخطاب كتبه منذ عدة سنوات مؤسس المؤسسة. وكان خطاباً مفعماً بالمشاعر أثنى فيه على قيم الشركة، وأكد على أهمية دور وكلاء الامتياز التجاري في نجاحها. وسلط الخطاب الضوء أيضاً على أهمية مكانة الشركة ومركزها بوصفها رائدة في خفض الأسعار في صناعة الوجبات السريعة. لقد رسخت القيم والمبادئ التي يضمها الخطاب منذ فترة طويلة في عقول جمهور روفو. وأكد الاستماع إليها مجدداً اهتمام الشركة بوكلاء الامتياز التجاري وأهمية وصفتهم الرابحة. ولقد ضمنت تلك القيم والمبادئ لروفو أيضاً الاحتفاء الحماسي للجمهور بها. في ذاك اليوم، صوّت ممنوحو الامتياز التجاري بالإجماع على دعم خطة تسعير الوجبات الجديدة.

عندما كانت سلسلة الوجبات السريعة تحتاج إلى إقناع وكلاء امتيازها التجاري بالموافقة على خطة تسعير الوجبات التي كان من الممكن أن تقلص أرباحهم، وضع المقر الرئيس للشركة المبادرة في إطار محدد للتأكيد على الجانب الإيجابي.

تُبين لنا قضية روفو– عند اختيار الصورة الذهنية المناسبة – سبب أهمية تحديد المزايا الملموسة لهدفك أولاً للأشخاص الذين تحاول إقناعهم. وأحياناً ما يكون ذلك سهلاً. فالمزايا المتبادلة موجودة. ولكن، في مواقف أخرى، لا توجد مزايا مشتركة واضحة أو ذات مغزى. وفي هذه الحالات، يعمل المقنعين الأكفاء على تعديل مواقفهم. فهم يعلمون أنه يستحيل إشراك الناس وضمان التزامهم بالأفكار أو الخطط من دون تسليط الضوء على المزايا لجميع الأطراف المشتركة.

إن فهم جمهورك بشكل وافٍ يستقر في صلب عملية التأطير. فحتى قبل أن يشرع أبرع المقنعين الذين التقينا بهم في الإقناع، فإنهم يدرسون القضايا التي تهم زملائهم عن كثب. وهم يستغلون الحوارات والاجتماعات وغيرها من أشكال التحاور لجمع المعلومات الضرورية. وهم بارعون في الإصغاء. ويختبرون أفكارهم مع أشخاص ثقات، ويطرحون أسئلةً على الأشخاص الذين يعتزمون إقناعهم لاحقاً. وتساعدهم هذه الخطوات على التفكر في الحجج والأدلة ووجهات النظر التي سيطرحونها. وغالباً ما تؤدي بهم هذه العملية إلى تعديل خططهم أو الوصول إلى حل وسط بشأنها، حتى قبل أن يشرعوا في عملية الإقناع. إنه من خلال هذا النهج الاستقصائي المدروس يضعون أطراً تستميل جمهورهم.

فلننظر إلى حالة المدير الذي كان مسؤولاً عن هندسة عمليات أحد مُصنعي المحركات النفاثة. فقد أعاد تصميم إجراءات سير العمل للصيانة الروتينية للتوربينات للعملاء من شركات الطيران بطريقة تقلص إلى حد كبير الوقت الدوري للصيانة. وقبل أن يطرح أفكاره على رئيس الشركة، استشار صديقاً مقرباً له في الشركة – نائب الرئيس للشؤون الهندسية – الذي كان يعرف رئيس الشركة تمام المعرفة. وكشف الحوار بينهما عن أن الهم الأكبر لرئيس الشركة لم يكن سرعة إنجاز العمل أو كفاءته وإنما الربح. وأوضح نائب الرئيس للشؤون الهندسية أنه للحصول على موافقة الرئيس، لا بد أن يزيد النظام الجديد من أرباح الشركة على المدى القصير عن طريق خفض تكاليف التشغيل.

في بعض المواقف، لا تتجلى أي مزايا مشتركة على الفور. وفي تلك الحالات، يعمل المقنعون المؤثرون على تعديل مواقفهم.

أذهلتْ تلك المعلومة المدير لأول وهلة وأربكت حساباته؛ فقد كان يعتزم التركيز على فكرة الكفاءة، وكان ينوي حتى أن يطالب بتمويل إضافي لإنجاز العملية. لكن حواره مع نائب الرئيس دعاه إلى تغيير موقفه. وحقيقة الأمر أنه بلغ أبعد من ذلك لدرجة تغيير تصميم إجراءات سير العمل نفسها حتى أنها لم تعد بحاجة إلى استثمار جديد وإنما خفضت التكاليف. وبعد ذلك، عمل على التوثيق الدقيق للخفض في التكلفة والزيادات في الأرباح التي ستتمخض عنها خطته الجديدة، وعرض خطته المنقحة على الرئيس. بعد أن عدل مبادرته مجدداً، أقنع المدير رئيس الشركة بفكرته وحصل على موافقته على المشروع.

3. قدّم أدلة

بعد ترسيخ المصداقة وتحديد الإطار المشترك، يصبح الإقناع مسألة ترتهن بتقديم الدليل. غير أن الدليل العادي لن يؤتي ثماره؛ لقد اكتشفنا أن أكثر المقنعين فعالية يستخدمون اللغة بطريقة محددة. فهم يعززون البيانات العددية بأمثلة وقصص واستعارات ومقارنات لضخ الحياة في موقفهم وحجتهم. ويرسم استخدام اللغة هذا صورة لفظية نابضة بالحياة، مما يخلع على وجهة نظر المقنع سمة جذابة وملموسة. فكّر في موقف إقناع نموذجي. ستجد أن المقنع غالباً ما يدافع عن هدف أو استراتيجية أو مبادرة حصيلتها النهائية مشكوك فيها. فقد أرادت كارين فرايز وباري لينت مثلاً أن تستثمر شركة “مايكروسوفت” ملايين الدولارات في حزمة برمجيات ذات تقنية غير مضمونة النتائج، وطلب مجهول من السوق. وكان من الممكن أن يدعم فريق العمل حجته فقط بأبحاث السوق والتقديرات المالية وما شابه ذلك. ولكن ذلك كان يبدو أمراً خاطئاً؛ لأن الأبحاث تُظهر أن غالبية الناس لا يرون هذه التقارير ثرية بالمعلومات بالكامل. إنها نظرية الطابع أكثر من اللازم، حتى أنها لا تكون ذات مغزى أو لا تعلق في الأذهان بالكامل. فالأرقام أصلاً لا تترك أثراً وجدانياً.

لا تترك الأرقام أثراً وجدانياً، على عكس القصص واللغة النابضة بالحياة.

في المقابل، تترك القصص واللغة النابضة بالحياة أثراً عميقاً، تحديداً عندما تُقدم مواقف شبيهة بالموضوع قيد المناقشة. إن مدير التسويق الذي يحاول إقناع كبار المسؤولين التنفيذيين بالاستثمار في منتج جديد مثلاً ربما يستشهد بأمثلة لاستثمارات مثيلة أثبتت جدواها بالفعل. وحقيقة الأمر أننا اكتشفنا أن الناس يستخلصون عبراً ودروساً مستفادة بسهولة من مثل تلك الحالات. والأهم من ذلك، أن الأبحاث أثبتت استيعاب المستمعين للمعلومات بالتناسب مع مدى وضوحها. وبالتالي، فلا عجب أن فرايز ولينت حققا هدفاً عظيماً، إذ عرضا حجتهما الداعمة لفكرة المنتج “بوب” وفقاً للتمثيل القياسي التالي:

تخيل أنك تود تحضير طعام العشاء، فلا بد أولاً أن تذهب إلى السوق المركزية. وعندما تكون لديك المرونة التي تريدها فبوسعك طهي أي شيء في العالم طالما كنت تعرف طريقة تحضيره، وطالما أتيح لك الوقت والرغبة لتحضيره. عندما تصل إلى السوق المركزية، تجد العديد من الممرات المتخمة بعلامات إرشادية غامضة من كلمة واحدة مثل “منوعات” و”طعام عرقي” و”بهارات”. هذه هي قوائم الطعام الموجودة على واجهات الحاسوب النموذجية. ويبقى السؤال ما إذا كان الملح موجوداً تحت البهارات أم الطعام العرقي أم على مقربة من قسم رقائق البطاطس. توجد رفوف تحيط بك ومساحات بين الجدران، تماماً كما تدعم الآن واجهات برامجنا الأزرار وشرائط الأدوات والخطوط المحيطة بالحدود الخارجية. والآن، وبعد أن تنتهي من جمع كل شيء، ستكون بحاجة إلى التأليف بينها حسب الترتيب الصحيح لتحضير الوجبة. إذا كنت طاهياً بارعاً، فالأرجح أن تكون وجبتك شهية. ولو كنت مبتدئاً، فالأرجح أنها لن تكون كذلك.

لطالما بعنا نحن (في شركة مايكروسوفت) تحت فئة السوق المركزية لسنوات، ونظن أن هناك فرصة عظيمة للمطاعم. وهذا ما نحاول إنجازه الآن بالمنتج “بوب”: فالانتقال إلى الخطوة التالية في عالم البرمجيات أشبه بارتياد المطعم، فلا يمضي المستخدم وقته كله في البحث عن المكونات. إننا نجد المكونات ونضعها معاً. كل ما عليك هو أن تجلس وتسترخي. وسنأتيك بقائمة الطعام. نحن ننجز العمل كله، بينما تسترخي أنت. إنها لتجربة ممتعة لا تكلفك عناء البحث عن المكونات وطهي الوجبة.

لو استخدمت فرايز ولينت وصفاً حرفياً لمزايا المنتج “بوب”، لاستوعب قليل من زملائهم البارعين في استخدام الحاسوب في شركة “مايكروسوفت” شخصياً خيبة الأمل الناجمة عن البحث في قائمة الطعام التي صُمم المنتج “بوب” لتفاديها. لكن القياس التمثيلي الذي وظّفاه جعل الغرض من “بوب” ملموساً ولا ينسى.

تستشهد المُقنعة البارعة ماري كاي آش، مؤسِّسَة شركة “ماري كاي” (Mary Kay) للمستحضرات التجميلية، بانتظام بمقارنات لإيضاح أسلوب تسيير العمل الذي تقيم له وزناً و”إقناع” الآخرين به. انظر إلى الكلمة التالية التي ألقتها في مؤتمر المبيعات السنوي للشركة:

على أيام الإمبراطورية الرومانية، فتحت فيالق الإمبراطور العالم المعروف آنذاك. ولكن، بقيت عصبة من الأشخاص لم يستطع الرومان قهرها قط. كان هؤلاء أتباع المعلم العظيم في بيت لحم. منذ أمد بعيد، اكتشف المؤرخون أن أحد أسباب صلابة تلك العصبة كان يكمن في مواظبتهم على الاجتماع أسبوعياً. فقد تقاسموا مشاقهم، وساندوا بعضهم بعضاً. أيذكرك هذا بشيء؟ أيذكرك بالطريقة التي نقف بها إلى جوار بعضنا البعض، ومشاركة معارفنا والصعوبات التي تواجهنا في اجتماعات أقسامنا الأسبوعية؟ كثيراً ما لاحظتُ أنه عندما يواجه مدير قسم أو موظف لديه مشكلة شخصية يقف القسم كله إلى جواره ويساعده على التغلب على أزمته. يا لها من دائرة رائعة من الصداقات تلك التي نتمتع بها! ولعلها واحدة من أعظم المزايا الإضافية لشركتنا.

تربط آش بتشبيهها النابض بالحياة ما بين الدعم الجمعي في الشركة والحقبة التي اتسمتْ بالشجاعة في التاريخ المسيحي. وبذلك، حققت أهدافاً عدّة. أولاً، أكدت إيمانها بأن الدعم الجمعي ضروري لنجاح المؤسسة. فغالبية مندوبي مبيعات ماري كاي مستقلون يواجهون التحديات اليومية للبيع المباشر. إن منظومة الدعم العاطفي للزملاء من مندوبي المبيعات ضرورية لضمان عدم المساس بالاعتزاز بالنفس والثقة بالذات في مواجهة النبذ والرفض. وتشير بعد ذلك بتشبيهها إلى أن التضامن في مواجهة الظروف الصعبة هو الطريقة المثلى لإحباط هجوم الخصوم الأقوياء، وأعني المنافسين. وأخيراً، فإن اختيار آش لهذا التشبيه التمثيلي يُضفي إحساساً بالمهمة البطولية على عمل فريق المبيعات التابع لها.

الأرجح أنك لا تحتاج إلى استدعاء التشبيه التمثيلي للصراعات والخلافات لدعم موقفك، غير أن المقنعين البارعين لا يهابون إطلاق العنان للقوة الهائلة للغة. وحقيقة الأمر أنهم يوظفونها بما يعود عليهم بأقصى قدر ممكن من المنفعة.

4. تواصل وجدانياً

في عالم الأعمال، يطيب لنا الظن أن زملاءنا يلجؤون إلى المنطق لاتخاذ قراراتهم. ومع ذلك، فإذا تعمقنا في بحثنا، لوجدنا أن العواطف تتدخل دائماً وأبداً في صنع القرارات. والمقنعون البارعون على دراية بتفوق المشاعر، ويستجيبون إليها بسرعة بطريقتين مهمتين. أولهما، أنهم يظهرون التزامهم العاطفي تجاه الموقف الذي يدافعون عنه. وهذا التعبير مسألة بالغة الدقة. فإذا بالغتَ في إظهار مشاعرك، فقد يرتاب الناس في فطنتك. ولكن، عليك أيضاً إثبات أن التزامك تجاه هدف ما لا يقتصر على عقلك فقط، وإنما يمتد إلى قلبك أيضاً. ومن دون إظهار المشاعر، قد يتساءل الناس عما إذا كُنت تؤمن حقاً بالموقف الذي تدافع عنه.

ومع ذلك، لعل الأمر الأكثر أهمية هو أن المقنعين الأكفاء يتحلون بحس دقيق بالحالة الوجدانية لجمهورهم، فيقومون بضبط نبرة حججهم وفقاً لتلك الحالة. وتارةً يقتضي ذلك عرض حجج قوية بصوتٍ عالٍ وبشكل توكيدي، وتارة أخرى قد لا يقتضي الأمر أكثر من همسة. بيت القصيد أنه مهما كان موقفك، لا بد أن توائم حماسك الانفعالي مع قدرة جمهورك على تلقي الرسالة.

على المقنع التوفيق بين حماسه الانفعالي وقدرة جمهوره على تلقي الرسالة.

يبدو أن المقنعين الأكفاء يتحلون بحاسة أخرى تتعلق بكيفية تفسير زملائهم لأحداث الماضي في المؤسسة، وكيفية تفسيرهم لمقترح ما. أثبتتْ دراستنا أن أفضل المقنعين عادةً ما يتناقش مع شخصيات بارزة لديهم إحساس قوي بالحالة المزاجية والتوقعات العاطفية للذين هم على وشك إقناعهم. ويطرحون على هؤلاء الأشخاص أسئلة بخصوص كيفية تأثير العديد من المقترحات على الزملاء على المستوى العاطفي، وبذلك فهم يختبرون ردود الفعل المحتملة أساساً. وكان هؤلاء أيضاً فعّالين جداً فيما يختص بجمع المعلومات عن طريق الأحاديث غير الرسمية التي يتبادلونها في الأروقة أو على الغداء. وفي نهاية المطاف، كانت غايتهم ضمان أن الجاذبية العاطفية الكامنة وراء إقناعهم تضاهي المشاعر التي تساور جمهورهم أو توقعاته بالفعل.

لبيان أهمية التوافق العاطفي في عملية الإقناع، إليك المثال التالي: آمن رئيس إحدى شركات تصنيع الطائرات بشدة أن تكاليف الصيانة وزمن التنفيذ لمنافسي الشركة الأميركيين والأجانب أفضل بكثير من شركته التي من المحتمل أن تخسر زبائنها وأرباحها. وأراد أن ينقل خوفه ورغبته الملحة في التغيير إلى كبار مدرائه. وبناءً عليه، استدعاهم إلى قاعة اجتماعات مجلس الإدارة بعد ظهر أحد الأيام. وظهر على شاشة معلّقة أعلى الرؤوس صورة تسلط الضوء على رجل مبتسم ووشاحه يرفرف في الهواء بينما يحلق بطائرة ذات جناحين قديمة. وكان الشق الأيمن للصورة مغطى. وعندما جلس الجميع، قال الرئيس إنه يشعر بالسعادة التي تغمر ذاك الطيار، بالنظر إلى حسن طالع الشركة مؤخراً. كانت المؤسسة قد اختتمت أنجح عام في تاريخها على الإطلاق. لكنه أعلن مع تنهيدة عميقة أن سعادته تتبدد سريعاً. وبينما رفع الستار عن الشق الآخر للصورة، كشف عن صورة طيار يحلق متجهاً إلى جدار. وبعدها واجه الرئيس جمهوره وقال بصوت مفعم بالحزن “هذا ما أراه يحدث لنا الآن”. وأكد أن الشركة على وشك أن تتحطم إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة. وبعدها راح يلقي محاضرة على المجموعة بشأن الخطوات الضرورية لمواجهة هذا الخطر المحدق.

كانت ردة فعل المجموعة فورية وسلبية. فبعد الاجتماع مباشرةً، اجتمع المدراء في حلقات صغيرة في الأروق لمناقشة “تكتيكات التخويف” التي أعرب عنها رئيس الشركة. وأعربوا عن سخطهم حيال مبالغته في الأوضاع. ففي رأيهم أنهم بذلوا قصارى جهدهم تلك السنة لكسر الأرقام القياسية للشركة في المبيعات والأرباح. وكانوا فخورين بإنجازاتهم. والحقيقة أنهم دخلوا إلى قاعة الاجتماعات وهم يظنون أن لحظة التقدير والعرفان قد حانت. ولكن، لشدة ذهولهم، لم ينالوا سوى التعنيف والتوبيخ.

ما هو الخطأ الذي وقع فيه مدير الشركة؟ أولاً، كان ينبغي أن يتحدث إلى قلة من أعضاء فريقه من كبار الموظفين للتأكد من الحالة العاطفية للمجموعة. كان من الممكن أن يعرف بناءً على هذا الحوار أنهم بحاجة إلى الشكر والعرفان. وكان ينبغي عليه بعد ذلك أن يعقد جلسة منفصلة مخصصة ببساطة للثناء على إنجازات الفريق. ولاحقاً، في اجتماع ثانٍ، كان بإمكانه التعبير عن مخاوفه حيال العام المقبل. وبدلاً من أن ينحو باللائمة على الفريق لتجاهله المستقبل، كان بإمكانه أن يصف بهدوء ما اعتبره تهديدات ناشئة تواجه الشركة، ثم يطلب من فريق الإدارة مساعدته على تطوير مبادرات جديدة.

لننظر الآن إلى شخص عثر على التطابق العاطفي بينه وبين جمهوره: ألا وهو روبرت مارسيل، رئيس فريق تصميم السيارات الصغيرة في شركة “كرايسلر” (Chrysler). في أوائل التسعينيات، كانت شركة “كرايسلر” تتوق إلى إنتاج سيارة مدمجة صغيرة. وحقيقة الأمر أن الشركة لم تقدم أي نموذج جديد من هذا النوع منذ عام 1978. لكن كبار المدراء في الشركة لم تكن لديهم رغبة في الإقدام على هذه الخطوة وحدهم. فقد ظنوا أن تحالفاً مع شركة تصنيع أجنبية سيطور تصميم السيارة ويحمي المخزونات النقدية لشركة “كرايسلر”.

مارسيل كان مقتنعاً بشيء آخر، فقد آمن أن الشركة ينبغي أن تصمم سيارة مدمجة صغيرة وتنتجها بنفسها داخل مصانعها. وكان يعرف أن إقناع كبار المدراء بذلك سيكون أمراً شاقاً، لكن كان عليه أيضاً أن يدخل في سجال مع فريقه الخاص في هذا الصدد. لقد فقد أعضاء الفريق ثقتهم في أن تتاح لهم الفرصة قط بصنع سيارة جيدة. واستشاطوا غضباً كذلك من فكرة أن الولايات المتحدة تخلت مرة أخرى عن مكانتها لصالح منافسيها الأجانب متى تعلق الأمر بالسيارات الصغيرة.

وقرر مارسيل أن تكتيكات إقناعه لا بد أن تتمحور حول أفكار عاطفية تمس جمهوره. وانطلاقاً من عدد لا حصر له من الحوارات في شتى جنبات الشركة، عرف أن كثيرين يشاطرونه مشاعره، وأن التخلي عن تصميم سيارة مدمجة صغيرة لشركة تصنيع أجنبية هو بمثابة التخلي عن روح الشركة، وفي النهاية عن قدرتها على توفير فرص عمل. فضلاً عن ذلك، فقد راوده شعور عميق أن مؤسسته مجموعة موهوبة تتوق إلى تحدٍ وفرصة لاستعادة الثقة والفخر بذاتها. سوف يكون بحاجة إلى إثبات إيمانه بقدرات الفريق.

أعد مارسيل كلمة تستغرق 15 دقيقة تتمحور حول عرض شرائحي لمدينته ومسقط رأسه أيرون ريفر، وهي الآن مدينة تعدين مهجورة تقع في الجزء الشمالي لولاية ميشيغان، دمرتها إلى حد كبير شركات التعدين الأجنبية. وعلى الشاشة، ومضت صور حديثة التقطها لمدرسته الثانوية المُغلقة نوافذها بألواح خشبية، وبيوت مؤصدة لأصدقاء طفولته، والأطلال المتداعية للمشغولات الحديدية للمدينة والكنائس المُغلقة وساحة سكك الحديدية المهجورة. وبعد وصف كل مكان من تلك الأماكن، أتبع وصفه بعبارة “لم نستطع أن ننافس” وكأنها مقطع مكرر في أنشودة ما. وكان قصد مارسيل أن المصير نفسه ينتظر ولاية ديترويت إذا لم تسترجع الولايات المتحدة مكانتها في صناعة السيارات الصغيرة. وقال إن الاستسلام والدمار سيتبعان لا محالة إذا لم تتخذ المجموعة إجراءً فورياً.

واختتم مارسيل عرض شرائحه ببصيص من الأمل. فقد تحدث عن فخره بفريق التصميم لديه، ثم تحدى فريقه أن يصنع سيارة مدمجة صغيرة “صنعت في أميركا” تثبت أن الولايات المتحدة ما زال باستطاعتها المنافسة. لقد أشعلت كلمته التي رددت صدى مشاعر الجمهور بالضبط مجدداً جذوة الروح القتالية للمجموعة. وبعد أن ألقى كلمته بفترة وجيزة، شرع أعضاء المجموعة في رسم الخطوط العريضة لأفكارهم المتعلقة بتصميم سيارة صغيرة.

وبعد ذلك، انتقل مارسيل بعرض شرائحه للإدارة العليا للشركة، ومنها في نهاية المطاف إلى لي أياكوكا رئيس مجلس إدارة شركة “كرايسلر”. وبينما عرض مارسيل شرائحه، استطاع أن يرى ياكوكا متأثراً لما رآه. فقد كان ياكوكا نفسه على أي حال رجلاً وطنياً. والواقع أن نهج مارسيل لم يكن مختلفاً تماماً عن الالتماس الذي قدمه ياكوكا سابقاً إلى الكونجرس الأميركي لإنقاذ شركة “كرايسلر”. في نهاية العرض، سكت مارسيل ثم أردف قائلاً “إذا تجرأنا على الاختلاف، فسيكون بوسعنا أن نكون السبب وراء صمود صناعة السيارات الأميركية. وسنكون السبب في أن لا يؤول المآل بأطفالنا وأحفادنا إلى العمل في سلاسل الوجبات السريعة”. بقي ياكوكا لساعتين بينما شرح مارسيل بقدر أكبر من التفصيل ما يخطط له فريقه. ولاحقاً، غير ياكوكا رأيه ومنح مجموعة مارسيل الموافقة على تطوير سيارة جديدة باسم “نيون” (Neon).

طابق مارسيل ببراعة بين نبرته العاطفية ونبرة المجموعة التي يخاطبها، وهو يتعاطى مع المجموعتيْن. فقد تردد صدى الأفكار التي نقلها بشدة لدى جمهوره الغرب أوسطي في أغلبه. وبدلاً من أن يتركهم في حالة من خيبة الأمل، عرض عليهم بصيصاً من الأمل، وهو ما كان أكثر إقناعاً من أن يعدهم بالهلاك. ومرة أخرى، تماس ذلك مع المشاعر الوطنية العميقة لجمهوره الأميركي الأصيل.

ما من جهود تبذل للإقناع يمكن أن تكلل بالنجاح دون مشاعر، ولكن إبداء قدر مبالغ فيه من العاطفة يمكن أن يكون عقيماً كإبداء عاطفة محدودة أكثر من اللازم. والمهم ألا تنسى أن عليك مطابقة عواطفك بعواطف جمهورك.

قوة فن الإقناع

غالباً ما يربك مفهوم الإقناع، شأن مفهوم السلطة، رجال الأعمال، بل وحتى يُحيرهم. إنه مفهوم معقد جداً – وخطر للغاية إذا أُسيء استخدامه – حتى أن كثيرين يفضلون تفاديه كلياً. ولكن، شأنه شأن السلطة، من الممكن أن يكون قوةً لخير عظيم في أي مؤسسة؛ فمن الممكن أن تؤلف بين الناس، وتمضي بالأفكار قدماً، وتحفز على التغيير، وتصنع حلولاً بناءة. ولكن، لتحقيق ذلك كله لا بد أن يفهم الناس جوهر الإقناع، وهو أنه لا يتعلق بالإقناع والبيع وإنما بالتعلم والتفاوض. علاوة على ذلك، لا بد أن يُنظر إلى الإقناع باعتباره شكلاً من أشكال الفن الذي يتطلب الالتزام والممارسة، خصوصاً أن الظروف الطارئة لعالم الأعمال الآن تجعل الإقناع ضرورة ملحة أكثر من وقت مضى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

Content is protected !!