أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع ديبورا آنكونا وكيت آيزكس هما باحثتان في كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي)، وهما مؤلفتا المقالة المنشورة في مجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان: "القيادة المرنة" "Nimble Leadership" حول أنواع قادة الشركات الابتكارية.
تقول ديبورا آنكونا وكيت آيزكس أن كثيراً من الشركات تعاني في محاولتها كي تكون "مرنة" بوجود ثقافة قيادة التحكم والسيطرة. وقامت الباحثتان بدراسة شركة بارك (PARC) للبحث والتطوير التابعة لشركة زيروكس (Xerox)، وشركة علم المواد دبليو إل غور آند أسوشيتس (W.L. Gore & Associates) ووجدتا أن هاتين المؤسستين اللتين تتمتعان بمستوى عال من الابتكار تملكان ثلاثة أفضل أنواع الشركات ومن القادة: قادة تنظيم الأعمال وقادة التمكين وقادة التصميم. وتعمل هذه الأدوار معاً للتوجيه وتفادي الفوضى الخلاقة.
وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:
النص:
كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج إتش بي آر آيديا كاست المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا كيرت نيكيش.
لقد فقد نهج قيادة السيطرة والتحكم سحره، واليوم، إذا كنت ترغب في إنشاء مؤسسة ابتكارية، لن ينصحك أحد ببناء بيروقراطية صارمة.
ولكن ماذا ينبغي أن تبني؟ كيف ستحصل على الابتكار دون فوضى؟
لقد لفت هذا السؤال ضيفتينا اليوم، وأرادتا إيجاد صورة أوضح للشركة المثالية، لذلك قامتا بدراسة مؤسستين: الأولى هي بارك (PARC)، وهي قسم البحث والتطوير لشركة زيروكس (Xerox). والثانية هي دبليو ال غور أند أسوشيتس (W.L. Gore & Associates)، وهي شركة علوم المواد المعروفة باسم غور تيكس.
وما وجدتاه هو أن هناك ثلاثة أنواع مختلفة من القادة في هاتين المؤسستين يعملون معاً بمرونة وفق مجموعة من القواعد المحددة مسبقاً. فلندع هذا النمط من القيادة "القيادة المرنة" أو (nimble leadership)، وفقاً لعنوان مقالتهما في مجلة هارفارد بزنس ريفيو.
اقرأ أيضاً: الاستعانة بالجمهور كشركاء في الابتكار
ضيفتانا هما ديبورا آنكونا، وهي أستاذة في كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهي من أسس مركز القيادة في المعهد. وكيت آيزكس، وهي زميلة بحث هناك، وكتبتا مع زميلتهما إيلين باكمان المقالة التي نشرت في عدد يوليو/ تموز - أغسطس/ آب من المجلة.
شكراً لقدومك إلى برنامجنا يا ديبورا.
ديبورا آنكونا: يسعدني وجودي هنا.
كيرت نيكيش: وشكراً لوجودك معنا يا كيت.
كيت آيزكس: هذا من دواعي سروري.
كيرت نيكيش: لم اخترتما هاتين الشركتين؟
ديبورا آنكونا: اخترناهما لأننا كنا شديدتي الاهتمام بفكرة ما كان يسمى "القيادة الموزعة" (distributed leadership)، واليوم نسميها "القيادة المرنة". أردنا أن نجري دراسة على شركات تتصدر مجال الابتكارات الرائدة وتتمتع بسلوك قيادي داخلها، ولكننا لم نجد كثيراً منها بسبب وجود كثير من البيروقراطية وكثير من القوانين. كما أنهما لم تكونا شركتين ناشئتين، بل مؤسستين موجودتين منذ وقت طويل،
وبالتالي كانتا مفهوما مثبتاً عن المؤسسة القادرة على التكيف باستمرار مع بيئة متغيرة، والاستمرار بالعمل على مستويات عالية من الابتكار مع مرور الوقت، والاستمرار في امتلاك موظفين منخرطين في العمل ومتحمسين كثيراً للعمل الذي كنا نقوم به، وهكذا، كانتا نموذجان أصليان نوعاً ما لهذا النوع من المؤسسات.
كيرت نيكيش: وعندما تزورين هذه الأماكن، هل تشعرين على الفور أنك في نوع مختلف من الشركات؟
ديبورا آنكونا: بالتأكيد. أجري مقابلات مع كثير من الموظفين من كثير من أنواع المؤسسات المختلفة جداً، وبعض هذه المقابلات يكون مرعباً حقاً، إذ أجد الموظفين منفصلين جداً عن عملهم، ولا يحبون الذهاب إلى العمل، كما أجرينا بعض المقابلات مع موظفين يبكون فعلاً.
ولذلك نجد تجربة مختلفة تماماً عندما نعود بعد شهرين إلى شركة غور مثلاً، حيث يكون الموظفون في غاية الحماس. فنحن من ابتكر هذه التجربة، وهي أمر جديد نراقبه. قمنا بإنشاء فكرة جديدة لنموذج عمل سيعيد تشكيل طريقة عمل المؤسسة، كان هناك كثير من الطاقة والحماس والحركة طوال الوقت ولكن دون وجود حالة من الاهتياج. وبذلك كان الموظفون ينجزون الكثير ويشعرون بالرضى عما ينجزونه.
كيرت نيكيش: إذا سمعت عن شركة كهذه، حيث يمكن للموظفين الابتكار دون خلق حالة من الفوضى، فسيقول البعض إن هناك رئيساً تنفيذياً يعلم حقاً ما يفعله. ماذا وجدتما أنتما في بحثكما؟ ما هي الوصفة السحرية برأيكما في شركة غور وهذا النوع من الشركات؟
كيت آيزكس: حسن، في شركة غور هناك قادة بكل تأكيد، هناك رئيس تنفيذي، ولكن الثقافة هي ما يجسد المبادئ التي تساعد على استمرار عملها على هذا النحو حقاً. والقيادة الفردية، وثقافة المكان والبنية التي لديهم، هي الأشياء التي تجعل النظام بأكمله ناجحاً. كما أن المبادئ التي تجعل الشركة تعمل على هذا النحو كانت موجودة منذ البداية وتم صقلها مع مرور الزمن.
كيرت نيكيش: أحد الأمور التي فاجأتني وأنا أقرأ هذه المقالة هو قولكم إن نسبة عالية من الموظفين في هاتين الشركتين يصفون أنفسهم كقادة، وهي نفس فكرة القيادة الموزعة التي ذكرناها. لماذا تعتقدان أن القيادة المرنة هي أفضل طريقة لوصف ما يجري هنا؟
اقرأ أيضاً: 3 طرق لبناء ثقافة الابتكار التآزري
كيت آيزكس: لم يعجبني تعبير القيادة الموزعة قط، لأنه يجعلني أفكر بالقيادة كما لو كان لديك كأس من الماء ووضعت فيه نقطة من ملون الأطعمة الأحمر، فيتلون الماء كله باللون الوردي الفاتح. وبالنسبة لي، تعبير "الموزعة" يثير لدي فكرة أن كل شيء مخفف شيئاً ما، وليس هذا ما نعنيه بكلمة "موزعة".
بل ما نعنيه هو أنه في هذا النوع من الشركات، يشعر الجميع حقاً أنهم يُمنحون القوة وأنه بإمكانهم التقدم والقيادة في مجال خبرتهم، حتى أنه بإمكانهم التقدم خارجه والتوسع إلى مجالات خبرة جديدة، ويحصلون على الدعم والتشجيع على ذلك. ولذلك نجد عملية تطوير دائمة للموظفين في هذه المؤسسات تدعمها الثقافة والأقران وغيرهم من الراعين لتقدمهم.
إذن، عندما نستعمل التعبير "القيادة المرنة" نقصد بها أن القيادة نفسها ملائمة لما يجب أن يحدث داخل المؤسسة مهما كان، وأن المؤسسة ككل قادرة على التأقلم بسرعة مع ظروف السوق المتغيرة، ومع ما تستشرفه مما يريده زبائنها. فإذا كان الزبون غير راض ستكون المؤسسة قادرة على التجاوب بسرعة مع عدم رضاه لأن الجميع فيها يملكون القوة فعلاً للتقدم وفعل ما يجب لتنفيذ العمل وفق استراتيجيتها وما يحتاج إليه زبونها ويريده.
كيرت نيكيش: أجل. يبدو وكأن الجميع في هذه المؤسسات يفكر أو يعمل بتناغم حقيقي مع استراتيجية الشركة، ليس هناك من يضع حدوداً لتفكيرك، أو حدوداً لصلاحياتك.
ديبورا آنكونا: أجل، وليست الاستراتيجية مجرد مجموعة مبطنة من الشروط التي يتعلمها الموظفون، بل هي متعمقة فعلاً. إذ تصف أنواع المنتجات التي نصنعها، وتصف طريقة كسبنا للمال، ومن المذهل أن تذهب إلى مؤسسات أخرى وتجد أن الموظفين يعملون على تنفيذ مشاريع دون أن يضطروا للتفكير بما إذا كانت ستكسب السوق أم لا. في حين أن هاتين المؤسستين تضمان موظفين يفهمون نموذج العمل تماماً وكيف يمكن للمؤسسة النجاح من خلال الموارد التي ينشئونها.
كيت آيزكس: كما أن الاستراتيجية مبسطة لدرجة أن الموظفين قادرون على فهمها في مجالاتهم أينما كانوا يعملون في المؤسسة، ففي شركة غور مثلاً، هناك قاعدة بسيطة تسمى "مناسب للاستخدام"، بمعنى أنه مهما كان ما تفعله ومهما كان المنتج الذي تصنعه، يجب أن يكون مناسباً للاستخدام الذي تصنعه لأجله. فلا أحد يرغب بإرسال كبل إلى الفضاء سيفشل في أداء مهمته، ولا أحد يرغب بإرسال أحد إلى قمة جبل إيفرست وهو يرتدي معطفاً لن يكون عازلاً تماماً.
إذن، هذا ما يحرك الاختبار المكثف والانتباه الدائم للجودة والتواصل الدائم مع الزبائن بشأن أداء المنتج الفعلي على أرض الواقع. إنها قاعدة بسيطة مطبقة على مستوى الاستراتيجية التنظيمية وعلى مستوى تطوير المنتج أيضاً. وهذه القواعد البسيطة مجتمعة تجمع الاستراتيجية عالية المستوى مع ما يفعله الموظفون على أرض الواقع في كل مكان عبر المؤسسة بأكملها.
كيرت نيكيش: أود التحدث قليلاً عن تصنيفكما المختلف للقادة، لأنكما تبدوان كعالمتي أحياء تجريان دراسة على بيئة حيوية أو...
كيت آيزكس: أنا تدربت أساساً على علم الأحياء والبيئة.
كيرت نيكيش: حقاً؟
كيت آيزكس: أجل.
كيرت نيكيش: أجل. تكادان تكونان قد ابتكرتما تصنيفاً لأنواع مختلفة من القادة على مستويات مختلفة من المؤسسة، قادة تنظيم الأعمال على المستوى الأدنى، أي على مستوى المشاريع. وقادة التمكين على المستوى الذي يليه، ومن ثم قادة التصميم على المستوى الأعلى. فلنتحدث عن هذه التصنيفات الثلاثة المختلفة ونتحدث عن السمات التي تتطلبها والتي يكتسبها القادة من خلال هذا النظام الذي درستماه.
ديبورا آنكونا: حسن، قادة تنظيم الأعمال، هم الذين يفجرون الابتكار في المؤسسة لأنهم يأتون على الدوام بأفكار منتجات جديدة مع نماذج عمل جديدة مع طرق جديدة لتنظيم الشركة. ربما يحاولون جذب الآخرين ليتبعوهم، ليحضروا إلى الشركة ويعملوا معهم على فكرة معينة. إذن هم القادة الذين ينشئون الفرق وهذه الفرق تبتكر أفكاراً جديدة عبر المؤسسة. فالأمر ليس مجرد الإتيان بفكرة جديدة، وإنما اغتنام الفرصة وتحريكها عبر المؤسسة.
كيرت نيكيش: والأمر المدهش الآخر بشأن هذا المستوى هو أن هناك قدر كبير من الحرية المتاحة للموظفين لمغادرة مشروع والانضمام إلى آخر.
ديبورا آنكونا: وهذا ينشئ نوعاً من سوق توقعات في المؤسسة لأن الموظف يتمتع بحرية الانضمام إلى مشروع منتج يعتقد أن نسب نجاحه في البيئة أفضل. وبذلك يكون الموظفون أنفسهم هم من يحددون المشاريع القادمة ببساطة عن طريق التصويت من خلال تحركاتهم والمشاريع التي ينضمون إليها. لذلك، أود أن أقول: أيها المدراء انتبهوا، لأنه ليس المدير الذي يجلس في غرفة خلف المكتب هو من يتخذ هذه القرارات، بل الموظفون هم الذين يختارون أفضل المشاريع.
كيت آيزكس: وهذا ما يزيد المطالب على قادة فرق المشاريع، إذ يجب أن يكونوا عازمين على السماح للموظفين الموهوبين بالتحرك بحرية بين الفرق الأخرى بدلاً من محاولة تكديسهم. فلنقل أني مديرة وأعلم أن هناك مشروعاً رائعاً يتمتع بإمكانات عالية للمؤسسة، وأنا أفضل أن أحتفظ بموظف معين في فريقي لأنه موهوب جداً، وأنا أعلم أنه قادر على المساهمة أكثر هنا ولكنه راغب بالمساهمة أكثر في الفريق الآخر. ولذلك لن أجبره على البقاء في فريقي ضد رغبته وضد مصلحة المؤسسة. ولذلك كان هؤلاء المدراء ينتبهون دائماً على ما سيكون أفضل للمؤسسة بأكملها وأفضل للموظف نفسه.
كيرت نيكيش: ديبورا، لقد قلت للتو: "أيها المدراء انتبهوا"، هل هذه هي النقطة تحديداً التي يخاف الموظفون عندها من فقدان السيطرة؟
ديبورا آنكونا: حسناً، أنا أعمل كثيراً في تعليم التنفيذيين، وكل الشركات التي نراها تقريباً ترغب بالقيام بهذه الخطوة للانتقال من البيروقراطية والتحكم والسيطرة إلى مؤسسة ذات شبكة تعلم موزعة مرنة أكثر، أو أياً كانت التسمية التي ترغب باستخدامها.
وهذا مع كثير من الأبحاث التي تجري اليوم ما يجعل التنفيذيين يشعرون بقدوم تغييرات كبيرة في قطاعاتهم وفي بيئاتهم خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وهذا ما يعتقده 76% من التنفيذيين مقارنة بنسبة 26% في العام الماضي. وسيتطلب وجود هذا التغير السريع في البيئة نوعاً مختلفاً من المؤسسات.
ولكنه سيترافق أيضاً مع توتر كبير وحالة خمول فعلية في اتخاذ الخطوة بسبب هذا الخوف من عدم معرفة ما يجب فعله، وعدم معرفة كيفية إنشاء هذا النظام، لأنه سيؤدي إلى خسارة المدير سلطته كتنفيذي يعتبر مسؤولاً عن هذه المؤسسة، "ما الذي سيحصل إذا تخليت عن السلطة"، هذا خوف كبير نراه عند هؤلاء التنفيذيين. إنه أمر مخيف.
كيرت نيكيش: أما في مستوى التمكين، نجد قادة التمكين الذين يوجهون الموارد ويديرونها، يبدو ذلك تماماً كالإدارة المتوسطة. ولكن ما الذي يجعله مختلفاً؟
ديبورا آنكونا: حسناً، يساعد قائد التمكين قادة تنظيم الأعمال، لأنهم عادة أقل خبرة بقليل، وليسوا دائماً قادرين على القيام بكل ما يجب القيام به، وهنا يتدخل قائد التمكين للمساعدة، ولكن ليس عن طريق إصدار الأوامر، ولا أن يقول افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا، وإنما عن طريق التوجيه وطرح الأسئلة وهذا أسلوب مختلف جداً للقيادة.
كيرت نيكيش: وتكون الأسئلة من نمط: من أي طريق يجب عليك الذهاب برأيك؟ أو أين توجد الفرصة باعتقادك؟ أو هل فكرت بالتحدث إلى هذا الشخص في القسم الآخر؟ أو هل فكرت بتلك الأمور؟
ديبورا آنكونا: بالتأكيد. وبالتالي هي ليست: "افعل كذا ولا تفعل كذا". بل هي: "هل فكرت بهذا الأمر؟" أو: "هل فكرت بالأمر الفلاني؟" هو أسلوب مفتوح يساعد الموظفين على تطوير طرقهم المستقلة في التفكير بالمشكلة، فوظائفهم ليست محددة على نحو صارم.
ونحن نقوم عادة بوصف المؤسسات على أنها صناديق صغيرة والموظف يقبع فيها داخل صندوق يملي عليه عمله، فيقال له افعل كذا ولا تفعل كذا فقط، ولا يفعل شيئاً آخر. بينما يكون قائد التمكين أكثر سلاسة، فيساعد بأي طريقة ممكنة حسب الحاجة، إذا كان يجب عليه تعزيز أمر ما بشأن الثقافة، فسيعززه. وإذا كان يجب عليه توضيح جانب معين من الاستراتيجية التنظيمية، فسيوضحه. وإذا كانت هناك حاجة لأن يشمر عن ساعديه ويشارك فيما يفعله فريقه، فسيقوم بذلك.
إذن، علاقته مع فريقه هي علاقة من نوع جديد أكثر مرونة وحركة أكثر من كونها علاقة مبنية على تنفيذ أمور محددة. كما أن هناك موصلات لهذه العلاقة. في أحيان كثيرة، يملك قادة التمكين شبكات واسعة، ويسافرون ويعرفون كثيراً من الأشخاص المختلفين. ولذلك فهم قادرين على إنشاء الروابط بين أفراد الفريق، والربط بين قادة إدارة الأعمال وهذه الفرق مع الآخرين في المؤسسة من أجل إنشاء ما ندعوه "التصادم الإبداعي"، وهو التصادم مع أشكال أخرى من الخبرات التي تساعد الابتكار على النمو.
كيت آيزكس: أود أن أضيف إلى ذلك: تخيل التسلسل الهرمي التقليدي، يوجد القادة في القمة والمناصب القيادية العليا، ثم توجد الإدارة المتوسطة التي تبدو كطبقة من الصلصال ويجب أن تمر من خلالها جميع الموارد والموافقات وكل شيء يجب أن يتحرك صعوداً ونزولاً إلى الموظفين الذين يقومون بالعمل الحقيقي على الأرض.
كيرت نيكيش: سمعت شخصاً في إحدى المؤسسات يصف هذه الطبقة بأنها طبقة جليدية.
كيت آيزكس: طبقة جليدية، جميل، أعجبني هذا التشبيه. وبذلك، تجد نفسك عالقاً عند هذه الطبقة الجليدية، وإذا تمكنت من عبورها أخيراً وإيصال رسالتك إلى الإدارة العليا، ربما سيكون بالإمكان عندئذ تنفيذ مبادرتك وفكرتك العبقرية عند مرحلة ما. وبحلول الوقت الذي تحصل فيه على بعض التمويل والانتباه، قد يكون قد فات الأوان وتحرك منافسك أولاً.
ولذلك اخترنا اسم قادة التمكين على وجه الخصوص كما شرحت لكم ديبورا، لأن وظيفتهم هي الحرص على حصول الموظفين في الخطوط الأمامية على ما يحتاجون إليه من أجل التقدم بأفكارهم والاستجابة لمخاوف الزبائن ومشاكلهم ومشاكل التصنيع. وبذلك فهم يمكّنون الخطوط الأمامية من إنجاز العمل. وليس من عملهم تقييد أي شيء، بل وظيفتهم هي الحرص على استمرار تدفق ما يحتاج إليه قادة الخطوط الأمامية من الموارد والانتباه والإرشاد والعلاقات والتواصل.
كيرت نيكيش: فلنتحدث عن قادة التصميم، الذين يسمون في المؤسسات الأخرى "كبار القادة"، أليس كذلك؟ أو القادة التنفيذيين. ما الذي يجعل هؤلاء القادة مميزين ومختلفين؟
ديبورا آنكونا: قبل كل شيء، يضع قادة التصميم خارطة العمل، ونعني بخارطة العمل الهيكليات والثقافة اللازمة كي يتمكن قادة إدارة الأعمال من ابتكار أفكارهم ومتابعتها، وقادة التمكين من القيام بعملهم.
وبذلك، ينشئ قادة التصميم خارطة العمل التي تسهّل قيام القادة الآخرين بأعمالهم الواجبة، أي أنهم يحرسون الثقافة، وهم واعون جداً لقيم المؤسسة وقوانين الارتباط بالعمل.
ولأجل المفارقة، رغم أن قائد التصميم هو من يصمم التغيير، إلا أنه يعمل في مؤسسة لا يملي فيها على أحد عمله لأن هذه المؤسسات لا تعمل على هذا النحو. ولذلك وقبل أن يكون قادراً على إحداث تغيير، يجب عليه أولاً أن يكون معروفاً بأنه قائد عظيم يهتم لأمر الشركة.
وثانياً، يجب أن يقوم بكثير من المشاورات مع أفراد المجتمع من أجل ضمان أن يفهموا ضرورة هذا التغيير والسبب الذي يجعله فكرة صائبة. ويجب أن يستمع للموظفين الذين لا يتفقون مع التغيير ويتجاوب معهم. هاك مثال طريف، كان الرئيس التنفيذي للشركة شديد التوتر بشأن إحداث تغيير من القيادة العليا، فتطلب ذلك وقتاً طويلاً جداً لدرجة أن الموظفين في المؤسسة بدؤوا يشتكون وقالوا له: هذا يكفي، فلتبدأ بالتحرك فوراً دون أي تأجيل، لأن هذا التغيير عملية ضرورية.
كيت آيزكس: وإحدى وظائف قائد التصميم هي أشبه بحبك أفكار المنتجات الجديدة مع أفكار الابتكارات الجديدة لتصبح جميعها استراتيجية تنظيمية متسقة. ويجب على القائد التصميمي أن يكون شخصاً منطقياً بما يكفي، لأن القائد في المناصب القيادية الأعلى يراقب التيارات العالمية وتيارات السوق والتيارات التقنية والتيارات الاقتصادية، ويتحدث مع كبار القادة الآخرين.
قد لا ينتبه جميع من في المؤسسة إلى هذه الأمور، ولذلك يحصل هذا القائد على جميع المعلومات بشأن سير المنافسة وكل ما إلى ذلك، فتبقى تلك المعلومات في ذهنه، ومع مراقبته جميع الأفكار الابتكارية التي تتفجر في المؤسسة يقوم بحبكها جميعها وصنع عملية استراتيجية جديدة كلياً.
كيرت نيكيش: قد تبدو هذه الأمور للبعض تفلتاً بعض الشيء، ولكن هناك قدر كبير من الانضباط في طريقة تنظيمها.
كيت آيزكس: نعم هناك انضباط كبير. ولكنه نوع مختلف عن الانضباط الذي يفرضه تحكم كبار القادة بالأمور واتخاذ القرارات، فهو انضباط جماعي أكثر، وهو راسخ بقوة أكبر في نظرة الموظفين إلى التحركات الملائمة استراتيجياً وثقافياً التي يجب القيام بها داخل هذه المؤسسات. ونظراً لامتلاك الموظفين درجات عالية من الاستقلالية، يتمسك أصحاب المواهب الجيدة بالأفكار الجيدة، وإذا لم تكن لديك أفكار جيدة فلن يتمسك بها أصحاب المواهب.
لقد تحدثنا عن فكرة سوق التوقعات هذه، وهي أن الفكرة الجيدة تجتذب المواهب ككرة الثلج، فهي تستمر بالمسير عبر المؤسسة مع استمرارك بالتحدث عنها، وإذا كنت تدعم مشروعاً ما وكانت الفكرة جيدة سيتدافع الموظفون إليها وستتمسك المواهب بها. أما إذا كانت فكرة سيئة، فلن تكون قادراً على جذب المواهب التي تحتاج إليها للتقدم بها في المؤسسة، لأن الموظفين في النهاية سيرون أنها لن تكون ناجحة لسبب أو لآخر. وهذا شكل من أشكال الانضباط الموجود عبر مراحل العملية، وهو ما إذا كانت المواهب ستتمسك بها أم لا. هل بإمكان الموظفين اتخاذ خياراتهم على نحو مستقل للاشتراك في ما تبيعه أم لا؟
كيرت نيكيش: أجل. هذا مثير للاهتمام حقاً. يساعدني ذلك على فهم الصورة أكثر قليلاً، من جهة أن قادة التصميم هؤلاء والقادة في هذه المؤسسات المرنة يسمحون لقوى السوق بالعمل في المؤسسة بدلاً من أن يختاروا بأنفسهم قوى السوق التي سيعملون معها ومن ثم يحاولوا إيجاد الأوامر التي تستجيب لها.
كيت آيزكس: أجل، هذا هو الفرق.
ديبورا آنكونا: هذه الشركات لا تناسب ضعاف القلب، إنها معقدة، ومركبة. ولكني قمت بأمر لمساعدة الموظفين على اجتياز مرحلة التغيير في هذا الاتجاه، وهو أني ابتكرت تمريناً بسيطاً بالبطاقات، إذ وضعت 21 بطاقة كتبت على كل منها إحدى سمات المؤسسة المرنة، وطلبت من كل موظف سحب إحداها. وسألتهم أولاً: ماذا لديكم في مؤسستكم الآن من هذه السمات؟ وثانياً: ما هي السمة التي تتمنون لو أن مؤسستكم تتمتع بها؟ وثالثاً: ما هي أهم ثلاثة أمور يمكنكم فعلها على الفور كي تبدؤوا بالتغيير؟
فكانت النتائج ممتعة جداً، في بعض الأحيان يتفق الموظفون في مؤسسة ما على ما يملكونه فيها، وفي أحيان أخرى لا يتفقون. يعتقد موظفو جوجل أن لديهم كل هذه السمات في شركتهم، رغم أنها لا تتمتع جميعها بالقوة التي يتمنونها، وهناك موظفون آخرون يعتقدون أنهم لا يملكون شيئاً من هذه السمات. ولكن هذه طريقة لدفع الموظفين للتفكير بما يبدو عليه هذا النظام بأكمله وبطريقة البدء بخطوات بسيطة لإحداث التغييرات اللازمة من أجل الانتقال نحو اتجاه جديد.
كيرت نيكيش: هل يمكن أن ينجح ذلك في كل مكان؟ هل يمكن أن ينجح في شركات التعامل التجاري بين الشركات والأفراد وشركات التعامل التجاري بين الشركات؟ هل يمكن أن ينجح في جميع الصناعات؟ يا ترى، هل القيادة المرنة ممكنة في أي مكان؟ جليّ أنكما تعتقدان أنها ممكنة في أي مكان، وأنا أخمن أنكما تعتقدان أنه ينبغي تطبيقها في المزيد من الشركات وألا تنحصر في هاتين الشركتين اللتين نتحدث عنهما، ولكن إلى أي مدى يمكننا تحقيق ذلك؟
كيت آيزكس: هناك عدد من الشركات التي تختبر العمل وفق هذه الطريقة، هناك مصرف ألماني اسمه آي إن جي بانك (ING Bank)، وهو مصرف ناجح جداً، يحصل على جوائز ويحقق أرباح كبيرة، وقد غير أسلوب عمله إلى أسلوب مرن جداً شبيه بما نصفه في مقالتنا. إذ أعاد الموظفون تنظيم أنفسهم ليشكلوا 350 فريقاً متعدد التخصصات مؤلفاً من 9 أفراد، وأنشؤوا آليات للتواصل بين هذه الفرق. يقول كل واحد من القادة: "أجل، لقد كنت مهووساً بالسلطة وأجد طريقة العمل هذه صعبة، لأنه يجب علي التخلي عن السيطرة ومنح الموظفين استقلالية أكبر".
ولكن على كل الأحوال، نجد أن تقارير هذا المصرف تحديداً تقول أن العمل فيه ممتع أكثر. فقد أصبح الموظفون أسرع في حل مشكلات الزبائن، إنه مصرف، وهم يتعاملون مع سندات رهونات عقارية وما شابه، وإذا كان المصرف قادراً على الانتقال إلى نموذج العمل هذا، فلا بد أنه من الممكن تطبيقه أيضاً على القطاعات الأخرى التي تتعدى مجال ابتكار المنتج.
ديبورا آنكونا: كما تحدثنا في مقالتنا عن ساتيا ناديلا والتغيير في شركة مايكروسوفت. مايكروسوفت شركة تضم 125,000 موظف، وليس علينا أن نعالج النظام الذي نتحدث عنه بأكمله، ولكن هناك طرق لتوجه مؤسستك في هذا الاتجاه.
وساتيا ناديلا قام نوعاً ما بإجراء انعطاف في شركة مايكروسوفت. إذ دخل إليها في عام 2014، وكانت المؤسسة حينئذ عبارة عن تسلسل هرمي ونظام تسلسل اجتماعي، وتختلف فيها الفرق المختلفة بعضها مع بعض طوال الوقت، وكان ذلك يعيق التعاون والإبداع والابتكار. لم يكن هذا مطابق لما يحمله في ذهنه بشأن طريقة نمو المؤسسة وتطورها. ولذلك بدأ بخطوات مماثلة تماماً لما رأيناه في الشركات التي تحدثنا عنها،
فوضع خطة عمل جديدة، ووضع فريقاً جديداً للقيادة العليا، فألغوا تصنيف الحزم ونظام إدارة الأداء وانتقلوا بدلاً عن ذلك إلى أسلوب التدريب والتطوير كما في شركتي غور وبارك.
كيرت نيكيش: وهذا ما منح المدراء الأدنى سلطة أكبر لتغيير أنظمة المكافآت وكثير من هذه الأمور التي كانت تسير وفق نظام مركزي أكثر.
ديبورا آنكونا: بالتأكيد. وبذلك منحوا الموظفين قدراً أكبر من الحرية للقيام بما يجب عليهم القيام به لضمان استمرار الابتكار. كما وجهوا تركيز الثقافة إلى ما يسمى عقلية النمو المبنية على أبحاث كارول دويك، وهي أخصائية في علم النفس في جامعة ستانفورد، صاحبة فكرة أن ما يمكن للإنسان تعلمه وطريقة تطوره ليسا ثابتين، إنما هو قادر على النمو. ويمكنه دائماً تعلم المزيد، ويمكنه النهوض من الفشل وقول: "ماذا يمكنني تعلمه من هذا وكيف يمكنني تنفيذه على نحو أفضل في المرة القادمة"، بدلاً من التوقف عند هذا الحد.
ليست هناك ثقافة يمكننا إلقاء اللوم عليها، بل هناك ثقافة تدفعنا للتساؤل: كيف يمكنني القيام بهذا الأمر بطريقة أفضل؟ كيف يمكنني الابتكار في المرة القادمة؟ وبذلك بذل ساتيا ناديلا جهداً كبيراً جداً من أجل ترسيخ مفهوم عقلية النمو هذا في الشركة بأكملها. وأنشأ عدداً من الخطوات التي تجعل ذلك أقرب إلى النموذج الذي حددناه في مقالتنا.
كيرت نيكيش: إذن، إذا كان نموذج العمل هذا قابل للتطبيق في مصرف وفي شركة مايكروسوفت، فلربما كان من الممكن تطبيقه في كثير من الشركات التي يعمل فيها مستمعونا. ديبورا وكيت، أشكركما جزيل الشكر على حضوركما إلى البرنامج والتحدث عن القيادة المرنة.
ديبورا آنكونا: شكراً لك.
كيت آيزكس: شكراً جزيلاً.
كيرت نيكيش: كانت معنا ديبورا آنكونا وكيت آيزكس. آنكونا هي أستاذة في كلية سلون للإدارة التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وكيت آيزكس هي زميلة بحث في كلية سلون. وهما مؤلفتا المقالة المنشورة في مجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان: "القيادة المرنة" "Nimble Leadership". يمكنكم قراءة المقالة في عدد يوليو/ تموز - أغسطس/آب لعام 2019 أو على موقع مجلة هارفارد بزنس ريفيو الإلكتروني HBR.org.
هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي وكانت حول أنواع قادة الشركات الابتكارية. وحصلنا على المساعدة الفنية من روب إيكارت. ومدير الإنتاج الصوتي لدينا هو آدم باكولتز.
نشكر استماعكم لبرنامج أتش بي آر آيديا كاست. أنا كيرت نيكيش.
اقرأ أيضاً: