إليكم هذا الحوار عن التنبؤ بنجاح المرشح تحديداً. راجَع تشاد فان إيديكينغ من جامعة ولاية فلوريدا وزملاؤه 81 دراسة لاستقصاء مدى وجود ترابط بين الخبرة المهنية السابقة لموظف ما وأدائه في مؤسسة جديدة. وقد توصّلوا إلى عدم وجود ارتباط كبير بين الاثنين. وحتى في الحالات التي كان الموظفون قد استكملوا فيها إنجاز مهام، أو شغلوا مناصب، أو عملوا في وظائف أو قطاعات ذات صلة بوظائفهم أو قطاعاتهم الحالية، فإن ذلك لم يترجم على شكل أداء أفضل. فما هي الخلاصة؟
أستاذ فان إيديكينغ، دافع عن بحثك العلمي
فان إيديكينغ: لقد فوجئنا بالنتيجة فلم يكن يمكننا التنبؤ بنجاح المرشح بالفعل. فالحدس يقول إن المتقدمين الذين يمتلكون خبرة عملية عامة أو سبق لهم أن أدوا وظيفة معينة يتقدمون لشغلها سيتمتعون بميزة إضافية بالمقارنة مع غيرهم. ولكن عندما راجعنا هذه الدراسات كلها – وكنا قد غربلنا آلاف الدراسات للعثور على 81 دراسة تضم معلومات ذات صلة – اكتشفنا وجود علاقة ضعيفة للغاية بين الخبرة قبل التوظيف والأداء، سواء في التدريب أو خلال العمل. كما وجدنا أنه ليس هناك أي ترابط على الإطلاق بين الخبرة العملية لدى أصحاب العمل السابقين واحتمال بقاء الموظف في مؤسسته الجديدة.
هارفارد بزنس ريفيو: ولكن أليست الخبرة هي أول ما تبحث الشركات عنه أثناء استعراضها لطلبات المترشحين لشغل الوظيفة؟
بالضبط. أخذنا عيّنة تضم 115 إعلاناً وظيفياً منشوراً على موقع (Monster.com) ووجدنا أن 82% منها إما اشترطت وجود خبرة أو عبّرت عن تفضيل قوي لوجود هذه الخبرة. تعتقد معظم المؤسسات أن وجود الخبرة أم مهم، حتى بالنسبة لموظفيها الجدد. لكن المؤسف في الأمر هو أن البراهين لا تدعم الفكرة القائلة إن المتقدمين من ذوي الخبرة الأكبر سيكونون موظفين أفضل أو سيبقون لفترات أطول بالمقارنة مع الأقل خبرة، وهو ما يساعد في التنبؤ بنجاح المرشح بالفعل.
كيف قاست الدراسات الأداء؟
تفاوت الأمر، لكنها كانت تقيسه عادة بطريقتين: إما عبر التقويمات التي يجريها المشرفون – مثل المراجعات السنوية – أو باستعمال مقاييس أكثر موضوعية وقابلية للقياس الكمي مثل المبيعات، أو، كما حدث في إحدى الدراسات التي شملت مشغلي آلات الخياطة، حسب عدد القطع المنتجة.
ما أنواع الوظائف والقطاعات التي نتحدث عنها هنا؟
أكثر القطاعات الممثلة هنا كانت وظائف الخدمات الحمائية (الشرطة، الإطفاء) تليها وظائف المبيعات وخدمة الزبائن. كان المشاركون في الدراسات يعملون بصورة أساسية في وظائف ميدانية وعلى الخطوط الأمامية، وإن كان بعضهم مدراء. لم يكن أي منهم في موقع تنفيذي. لكننا تمكّنا من تغطية 15 من أصل 23 مجموعة مهن تدرجها شبكة المعلومات الوظيفية في وزارة العمل الأميركية. لذلك شعرنا أننا كنا أمام تمثيل جيد نسبياً للاقتصاد الأميركي.
ما هو السبب الذي يجعل أصحاب الخبرة – ولا سيما الخبرة المباشرة ذات الصلة – لا يتفوقون في الأداء على من يفتقرون إليها؟
كنت أنا وزملائي مؤلفي الدراسة – جون آرنولد من جامعة ولاية فلوريدا، وريتشل فرايدر من جامعة شمال فلوريدا، وفيليب روث من جامعة كليمسون – قد وضعنا فرضيات لتفسير ذلك. أحد الاحتمالات هو أن العديد من مقاييس الخبرة أساسية للغاية، مثل عدد الوظائف التي شغلتها سابقاً، أو المدد التي قضيتها لدى أصحاب العمل السابقين، أو عدد سنوات العمل الإجمالية، أو ما إذا كنت قد شغلت منصباً مشابهاً أم لا من قبل. هذه المقاييس تخبرنا ما إذا كان الشخص المرشح لشغل الوظيفة يمتلك خبرة، لكنها لا تبيّن لنا شيئاً حول مستوى جودة هذه الخبرة أو أهميتها، وهذه أمور لها تأثير أكبر على الأداء عادة. واحدة من الفرضيات الأساسية في بحثنا هي أن السلوك في الماضي ينبئ بالسلوك المستقبلي. لكن الخبرة السابقة قبل التوظيف لا تعتبر مقياساً للسلوك. فالشخص ربما يكون قد فشل أو أصيب بالجمود في وظائفه السابقة. لذلك يجب أن نأخذ الخبرة بالحسبان لكن ربما يجب أن نبذل جهداً أكبر في التعمق في أداء الشخص قبل التوظيف. كما أننا نريد أن نعرف ما إذا كان المرشحون قد تعلموا من تجاربهم السابقة أم لا. فالناس لا يجيدون ذلك دائماً، فهم قد ينسون الأشياء التي لم تنجح، أو يقللون من شأنها. وأخيراً، نحن بحاجة إلى أن نأخذ بحسباننا أن الخبرة في مؤسسة معينة قد لا تساعد – أو قد لا تضر حتى – الأداء في مؤسسة أخرى إذا كانتا لا تعملان بالطريقة ذاتها، أو لم تكن لديهما هيكليتان متشابهتان.
ألا تساعد المقابلات والتدقيق مع مانحي كتب التزكية أصحاب العمل في معرفة كل ذلك؟
بلى، ولاسيما عندما تطرحين أسئلة حول السلوك من قبيل: "هل سبق لك أن تعاملت مع عملاء من الصعب التعامل معهم؟ أخبرني عن حالة محددة مرّت معك وماذا كانت النتيجة". ولكن ليس كل أصحاب العمل يقيّمون المرشحين بتلك الطريقة. إذ من الممكن أن يكون أصحاب الطلبات القادرين على تقديم إجابة جيدة قد استُبعدوا نظراً لافتقارهم إلى الخبرة العملية التقليدية.
ما هي العوامل الإضافية الأخرى غير الخبرة التي يجب أن نأخذها بالحسبان؟
السبب الآخر الذي يجعل أصحاب العمل يبحثون عن موظفين ذوي خبرة هو أنهم يعتقدون أن الوظائف السابقة قد ساعدت هؤلاء في بناء معارف ومهارات. بل قد يذهب الأمر بهم إلى حد الاعتقاد أن المرشحين الذين أنجزوا أنماطاً معيّنة من العمل يمتلكون سمات مرغوبة تحديداً في شخصياتهم. لكننا أوصينا بالتركيز على المعارف والمهارات والسمات مباشرة، عوضاً عن استعمال الخبرة أو حتى التعليم كمؤشر عليها.
هل هناك أي سيناريوهات تعتبر الخبرة فيها مهمة؟
حددنا وضعين يبدو أن الخبرة تنطوي فيهما على منفعة. أولاً، وجدنا مجموعة أصغر من الدراسات ضمن مجموعة بياناتنا راجعت الخبرة السابقة قبل التوظيف والأداء في الوظيفة الجديدة بعد ثلاثة أشهر، وبعد عامين، وبعد خمسة أعوام. ورغم أن العلاقة كانت ضعيفة بعد عامين وخمسة أعوام، إلا أنها كانت أقوى بعد ثلاثة أشهر، لذلك يبدو أن الخبرة قد ساعدت بعض الناس عندما كانوا يشرعون بأداء الوظيفة الجديدة. لعل السبب في ذلك يعود إلى أنهم كانوا معتادين على الوظيفة والحياة العملية في مؤسسة وكان بوسعهم الانطلاق بسهولة. أو ربما يكون المدراء قد أعطوا الموظفين القادمين وفي جعبتهم خبرة جيدة تقويمات أفضل في بادئ الأمر. ولكن مع مرور الوقت، تضاءلت أهمية خبرة الموظفين التي جلبوها معهم من وظائفهم السابقة أكثر فأكثر بالنسبة لأداء وظيفتهم الحالية.
ثانياً، ومجدداً في عدد أصغر من الدراسات، رأينا مقاييس خبرة أكثر على مستوى المهمة. لذلك، على سبيل المثال، عوضاً عن سؤال طيارين أو سائقي شاحنات عن عدد سنوات عملهم في هاتين الوظيفتين، سألهم أصحاب العمل عن عدد ساعات طيرانهم أو قيادتهم. هذه المقاييس كانت مؤشراً أفضل على الأداء المستقبلي.
هل من الواقعي الاعتقاد أن أقسام الموارد البشرية ومدراء التوظيف سيتوقفون عن النظر إلى الخبرة؟
بوسعك أن تتفهّمي السبب الذي يدفع الكثير من المؤسسات إلى القيام بذلك: فالخبرة هي شيء من السهل تقويمه. هل سبق لكِ أن عملت في المبيعات لمدة ثلاث سنوات؟ هل سبق لك أن كنت مديراً على موظفين سابقاً؟ الإجابة هي إما نعم أو لا. أما الأداء في الماضي، والمعارف والمهارات الحالية فمن الصعب اكتشافها، وخاصة إذا كان كل ما بين يديك هو طلب توظيف أو سيرة ذاتية. ولكن اليوم، في وقت يتذمر فيه الجميع من النقص في المهارات والحرب على أصحاب المواهب، ليس من مصلحة الشركات استبعاد المرشحين القادرين على تقديم أداء جيد لكن لا يمتلكون الخبرة التي اختار شخص ما وضعها في التوصيف الوظيفي. لا بد لك من توسعة مجموعة الناس الذين تدرسين طلباتهم.
هل هناك أي طرق بسيطة أخرى للغربلة يمكننا استعمالها عوضاً عن ذلك؟
ربما، لكنها ستختلف بحسب المؤسسة والوظيفة. الأمر الأساسي هو وجود دليل على ارتباط مع الأداء الوظيفي. لنفترض أن هناك منصباً بحاجة إلى أن تملئيه في قسم المبيعات وترين مع مرور الوقت أن الناس الذين درسوا اختصاص التسويق يميلون إلى البقاء لفترات أطول ويحصلون على تقويمات أداء أفضل من الزبائن بالمقارنة مع الأشخاص الذين درسوا مواداً أخرى. هذه قد تكون طريقة مفيدة للغربلة. في حالة وظيفة أخرى، ربما يتخذ الأمر شكل امتلاك شهادة معيّنة، فقد تُظهرُ البيانات أن الموظفين الذين يمتلكونها يتفوقون في الأداء على أقرانهم، لذلك قد تبحثين عنها عند التوظيف. بوسع الشركات أن تدرس استعمال أدوات أخرى للغربلة، مثل الاختبارات المتعلقة بالوظيفة. لكن المشكلة هي أن معظم المؤسسات لا تتخذ هذه الخطوات. فهي تستعمل البيانات لاتخاذ القرارات الخاصة بالمنتجات، والتسويق، والمالية، لكنها لا تستعملها لاتخاذ قرارات بشأن الموظفين – على الأقل هي لا تستعملها بكفاءة.
هل تُعتبرُ الخبرة ضمن المؤسسة ذاتها مهمّة؟
لم نراجع الخبرة المكتسبة بعد التوظيف، لكن أبحاثاً أخرى تشير إلى وجود ارتباط بين المدة التي قضاها الشخص في الوظيفة أو في العمل لدى شركة معيّنة ومدى حسن أدائه لعمله. هي ليست بالعلاقة الفائقة القوة، لكنها شيء قد تأخذه الشركات بالحسبان عندما تكون في طور اتخاذ قرار بشأن الترقيات أو التنقلات الوظيفية. هل الخبرة أهم بالنسبة للمدراء؟ هذا أمر ندرسه الآن. لنفترض أن مندوب مبيعات يريد أن يصبح مدير مبيعات، إلى أي مدى تعتبر خبرته في تلك الوظيفة الأدنى مرتبة مؤشراً على إمكانية نجاحه في الوظيفة الأعلى مرتبة؟
أنا أعمل محررة أولى لدى هارفارد بزنس ريفيو منذ تسع سنوات وصحافية محترفة منذ عقدين. هل تعتقد أنني سأبلي بلاءً حسناً في كتابة هذه المقالة؟ ليس لدي أدنى فكرة.
اقرأ أيضاً: