أهمية تضمين ممارسات حشد التأييد في إجراءات الشركات بشأن التغير المناخي

6 دقائق
التأييد بشأن التغير المناخي

بدأ عالم الأعمال مؤخراً بالتحرّك الجاد لمواجهة التغيّر المناخي، حيث وافقت المئات من كبرى شركات العالم على استخدام الطاقة المتجددة بنسبة 100%، وعلى تحديد أهداف تلزمها بالتقليل من الانبعاثات بالوتيرة التي يطالب بها العلم. وتشتري الشركات اليوم العديد من الجيجاوات من الطاقة المتجددة، وتخفّض من استخدامها للطاقة بشكل هائل، وتبتكر في خلق منتجات تساعد الزبائن على تقليل انبعاثاتهم أيضاً. فكيف يمكن حشد التأييد بشأن التغير المناخي حول العالم بشكل فعال؟

هذا غير كاف تماماً.

الاستجابة للأزمة المناخية حول العالم

ذلك أنّ الأزمة المناخية على وشك أن تداهمنا، ولا نملك الوقت لانتظار أن تتخذ الشركات إجراءات طوعية للتصدّي لهذا التحدّي، بل نحن بحاجة إلى الإرادة الجماعية التي تضمنها لنا القرارات الحكومية. سيثور الكثيرون في عالم الأعمال على هذه الفكرة، إلا أننا تجاوزنا تلك المرحلة التي تكون فيها الأسواق الحرة وحدها قادرة على مواجهة هذا التحدي مع مرور الوقت، لو افترضنا وجود احتمال كهذا في الأساس. بل يجب على الشركات "أن تستل أقوى أسلحتها لمحاربة التغيّر المناخي، والتي تتمثّل في نفوذها السياسي"، وجاء ذلك بحسب فريد كراب، رئيس صندوق حماية البيئة.

اقرأ أيضاً: تقنين استخدام المواد وما يعنيه ذلك بالنسبة للاقتصاد والتغير المناخي

ويقف هذا المنطق وهذه الضرورة وراء التصريح الذي أعلنته اليوم 11 مؤسسة من المؤسسات البيئية ومؤسسات الاستدامة التي تمتلك نفوذاً كبيراً على كبرى الشركات في العالم وعلى صانعي السياسات. فقد دعت المجموعة الشركات إلى مناصرة السياسات في كل مستوى من مستويات الحكومة بما يتماشى مع مقترحات علم المناخ، أو كما يطلق عليه "برنامج سياسة مناخية قائم على العلم"، وذلك عبر إعلان نُشر على صفحة كاملة في صحيفة "نيويورك تايمز". ويدعو التصريح أيضاً الشركات إلى تعديل مواقف اتحاداتها التجارية المناصرة بحيث تتواءم مع مقترحات علم المناخ. ووقّع على التصريح رؤساء المنظمات التالية: "قطاع الأعمال المناصرة للمسؤولية الاجتماعية" (BSR) و"مركز حلول المناخ والطاقة" (C2ES) و"مشروع الكشف عن الكربون" (CDP) ومنظمة "سيريس" (Ceres) و"المنظمة الدولية للحفاظ على البيئة" (Conservation International) و"صندوق حماية البيئة" (Environmental Defense Fund) و"مجموعة المناخ" (The Climate Group) ومنظمة "حفظ الطبيعة" (The Nature Conservancy) و"اتحاد العلماء المهتمين" ( Union of Concerned Scientists) و"معهد الموارد العالمية" (World Resources Institute) و"صندوق الحياة البرية العالمي" (WWF U.S).

كما قام تحالف سياسة الأغذية المستدامة الذي يتضمن عمالقة شركات المنتجات الغذائية والاستهلاكية "نستله" و"يونيليفر" و"مارس" و"دانون" بنشر بيان مشابه في صحيفة "بوليتيكو" (Politico) تعبيراً عن تأييده لهذا النداء. ويستند هذا البيان الجديد أيضاً على دعوة مشابهة للتحرّك أُطلقت في شهر سبتمبر/ أيلول من قبل 200 مستثمر يملكون من الأصول ما يبلغ أكثر من 6 تريليونات دولار.

الوقت قد حان إذاً، لاسيما مع اتساع الشرخ بين تصريحات الشركات وبين أفعالها بشأن المناخ، وحول حقيقة ما تفعله علاقاتهم الحكومية وفرق حشد التأييد في أروقة السلطة. فضلاً عن أن غالبية هذه الشركات قد تجاهلت بكل بساطة حقيقة أن قطاعاتها وارتباطاتها التجارية كانت تحارب السياسات المناخية في كل خطوة تُتخذ في هذا الطريق.

وبالتالي، من المهم التطرق إلى هذه النقاشات اليوم والتي قد يكون لها وقع بالفعل. وأودّ أن أقدّم بعض الأفكار حول سياق هذا النقاش وحول طبيعة النقاش السياسي.

بداية، لا تُعتبر هذه المبادرات حديثة العهد

في عام 2006، شكّلت بعض هذه المنظمات غير الحكومية ذاتها "شراكة العمل المناخي الأميركية" وتضمنّت شركاء عمل بارزين مثل "ألكوا" (Alcoa) و"بي بي" (BP) و "كاتربيلر" (Caterpillar) و"دوبونت" (Dupont) و"جنرال إلكتريك" (GE). وعلى الرغم من عدم وضوح الدعوة إلى التحرّك في تلك المبادرة، إلا أنها أرسلت رسالة هامّة من جهات فاعلة صناعية تفيد بسعيهم إلى وضع سياسات مناصرة للمناخ. لكن عند فشل مشروع قانون المناخ "واكسمان ماركي" لتحديد وتداول الانبعاثات في نيل تصريح من مجلس الشيوخ الأميركي في عام 2009، وتراجع المناقشات بشأن سياسة المناخ لسنوات، خمدت هذه الشراكة.

وخلال العقد الماضي، عقدت مؤسسة "سيريس" غير الربحية وأحد الموقّعين على التصريح الأخير، تحالف "الأعمال التجارية لسياسة المناخ والطاقة المبتكرة" (BICEP) لتسترعي انتباه قادة الشركات حول أهمية الحديث مع الهيئات التشريعية. ومؤخراً أطلقت مجموعة من العلماء والمسؤولين الحكوميين السابقين رفيعي المستوى، ومعظمهم من الحزب الجمهوري، "مجلس القيادة المناخي" (Climate Leadership Council) الذي يرمي إلى تحقيق حزمة من السياسات تتضمن فرض رسوم على استخدام الكربون و"أرباح" تعود بغالبية إيراداتها إلى المواطنين.

لكن لم تحصل أيّ من هذه المبادرات على الزخم الذي تحتاجه فعلياً.

اقرأ أيضاً: الشباب يتولون زمام قضية التغيّر المناخي وعلى الشركات توخي الحذر

إلا أن الأمر قد يختلف هذه المرة

حيث يمكن لبعض التغييرات حول العالم أن تُبرز فاعلية المضي في هذا الاتجاه. أولاً، التغيّر المناخي حقيقي وينطوي على تأثيرات هائلة على الشركات في يومنا الحالي، ولا نناقش مجرّد نموذج أحوال جوية محتملة في المستقبل وعواقب هذا الأحوال، بل إننا نشهد زعزعة حقيقية جداً ومكلفة للغاية تطال العمليات وسلاسل التوريد والمجتمعات.

ثانياً، يصعب علينا مع ازدياد الشفافية في التعامل أن نخفي الانفصام الحاصل بين ما تزعم الشركات أنها تقوم به وبين ما تناصره بالفعل خلف الكواليس، إذ تُظهر دراسة تحليلية نُشرت مؤخراً حول حشد التأييد الذي تمارسه الشركات أنّ شركات السيارات الكبرى تحشد تأييداً جدّياً لمواجهة أي سياسات مناخية حقيقية، في حين تُثني على جهودها في ابتكار السيارات التي تعمل على الكهرباء علناً.

ثالثاً، يطالب أصحاب المصلحة من الزبائن والموظفين والمجتمعات بالمزيد من الإجراءات، وقد أصبحوا أقلّ تسامحاً مع أوجه التناقض في هذا الشأن. وفقد نظّم موظفوا شركة "مايكروسوفت" مؤخراً إضراباً داعماً للمناخ، كما وقّع ما يقارب 8,700 موظف تابع لشركة "أمازون" رسالة مفتوحة تدعوا رئيسهم التنفيذي إلى أخذ دور قيادي في هذا الخصوص. وأعلنت شركة "أمازون" فيما بعد أنها ستتخذ موقفاً حيادياً إزاء المناخ بحلول عام 2040، وأنها ستشتري 100,000 شاحنة صغيرة كهربائية. وهو ما يدل على وجود ضغط واضح على الشركات لدفعها إلى أخذ دور أوسع في المجتمع، وهو السبب الذي دفع الرؤساء التنفيذيين لحوالي 200 شركة كبرى إلى توقيع بيان المائدة المستديرة تعهّدوا فيه بتركيز جهودهم على حاجات أصحاب المصلحة، وألّا تقتصر جهودهم على تحقيق القيمة المضافة لحاملي الأسهم.

لكن علينا أن نكون أكثر دقّة فيما يتعلق بالسياسات المناخيّة الأكثر جدّية

ويشكّل البيان الحالي نقطة انطلاق، وأنا على ثقة أنّ الموقّعين سيقدّمون تفاصيل أكثر لاحقاً. وفي تلك الأثناء، أقدّم بعض الاقتراحات لما يمكن أن تبدو عليه بعض هذه السياسات المناخية القائمة على العلم:

  • فرض رسوم على استخدام الكربون، على أن يرتفع مقدار هذه الرسوم مع مرور الوقت.
  • التخلّص النهائي من محرّكات الاحتراق الداخلي في السنوات العشر إلى العشرين القادمة، وهذا يعني حظرها. وقد طبّقت هذه السياسة في عدة بلدان بالفعل: إذ سيبدأ الحظر في النرويج في عام 2025، في حين سيبدأ عام 2030 في السويد والدانمارك، وعام 2040 في فرنسا وسيريلانكا.
  • وضع معايير حازمة لكفاءة الطاقة في المباني لفرض تأميم أبنية صفرية الطاقة أو استخدام الطاقة المتجددة على أسطح المنازل أو كلاهما، مثل اشتراط ولاية كاليفورنيا تركيب أنظمة الطاقة الشمسية على كافة المنازل بدءاً من عام 2020.
  • استثمارات في التصميم والتطوير الأكثر ذكاءً للمدن، أي حيث يعيش فعلياً 50 إلى 60% من البشر، بما في ذلك الأبنية ذات الكثافة السكانية العالية والوصول إلى وسائل النقل العام والسكك الحديدية الخفيفة وما إلى ذلك.
  • استثمارات كبيرة في البنية التحتية النظيفة مثل الشبكة الكهربائية عالية القدرة، ويقف افتقار الصين إلى هذه الاستثمارات في الواقع وراء تباطؤ نموها في مصادر الطاقة المتجددة.
  • منح حوافز لقاء عمليات "الاقتصاد الدائري" والابتكارات في هذا المجال، مثل ابتكار المواد وإعادة التدوير المتطورة لها وإعادة توظيفها وإصلاحها وإعادة استخدامها.
  • فرض التعريفات الجمركية على البضائع القادمة من البلدان ذات المعايير المنخفضة للكربون، أو كما يدعوها مجلس قيادة المناخ "نظام تعديل الكربون الحدودي".
  • وضع خطط للتكيّف والاستثمار للأفراد الذين نزحوا فعلياً بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر مع التركيز على أن يجري الانتقال بشكل عادل وسلس.
  • إعادة توطين العاملين ممن سيجري عزلهم نتيجة الانتقال إلى الاقتصاد النظيف أو الاقتصاد الدائري وإعادة تدريبهم في العمل في مجالات القطاعات الرئيسة.

وفي حين أن قائمة الأفكار الرئيسة هذه قد تطول، من الواضح أنه يوجد خططاً أكثر شمولية تلوح في الأرجاء، مثل اقتراح الصفقة الخضراء الجديدة في الولايات المتحدة. قد لا تشعر الشركات حالياً بالاستعداد الكامل لتبني مجموعة كاملة من سياسات تغيير المجتمع، إلا أنه قد يكون بإمكانها دعم بعض السياسات الفردية.

وعلى الرغم من أهمية السياسات فهي ليست كل شيء

وأود لو تقوم الشركات بالتفكير أيضاً في علاقاتها وجهودها مع أصحاب المصلحة الرئيسين خارج الحكومة، إذ يمكنها إشراك الزبائن والموظفين ودفعهم لتغيير سلوكياتهم وتشجيعهم على استخدام أصواتهم السياسية أيضاً. كما يمكن للشركات التحدث إلى المستثمرين بشكل أكثر صراحة حول ما يعنيه التغيّر المناخي بالنسبة إلى شركاتهم، وتوضيح أهمية السياسة في دفع الأمور إلى الأمام.

اقرأ أيضاً: التغير المناخي سيطال قراراتنا بشأن أماكن البناء وأساليبه

وقد وضعت في كتابي "التحول الكبير" (The Big Pivot) الذي نشرته في عام 2014 عشر استراتيجيات لتحويل الأعمال بصورة جذرية نحو الاستدامة. ويتعلق أحد هذه الاستراتيجيات بتحديد أهداف قائمة على العلم، في حين يطلب فصل آخر في الكتاب من الشركات "أن تصبح جماعات ضغط مناخية"، إذ أصبحت الأهداف القائمة على العلم شائعة على مدار السنوات الخمس الماضية، بيد أن حشد التأييد بشأن المناخ لم يتحقق حتى الآن.

وآمل أن يكون الوقت قد حان أخيراً ليتحقق التأييد بشأن التغير المناخي حول العالم.

اقرأ أيضاً: إلزام الشركات بكشف المخاطر المتصلة بالمناخ يعود بالفائدة على الجميع

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي