ربما وصلت إلى درجة الملل من السماع بما يسمّى "البيانات الكبيرة"، وهي عبارة عن مجموعة هائلة من البيانات المعقدة التي تصعب معالجتها. صحيح أنك تتوقع من شركتين كبيرتين مثل "أمازون" للتجارة الإلكترونية و"نتفليكس" لمشاهدة الأفلام، أن تكونا من أولى الشركات المبتكرة في مجال استعمال البيانات من أجل اقتراح منتجات معينة على الزبائن، لكنك بحاجة فعلياً إلى إجابة عن السؤال التالي: ما الذي تعنيه "البيانات الكبيرة" بالنسبة للموظف العادي، وكيف يمكن للشركات العادية أن تستفيد استفادة حقيقية من هكذا بيانات؟ وما هي أهمية البيانات التحليلية في الشركات؟
أهمية البيانات التحليلية
الخبر السار الذي يجب أن تعرفه هو أنّ هذا النوع من "البيانات الكبيرة" أصبح يُحدث تأثيراً هائلاً في مجالات جديدة وبطرق لم تكن تخطر في بال أحد من قبل، وأحد هذه المجالات هو الموارد البشرية. إذ أصبجت الشركات تحلل بيانات موظفيها باستعمال برامج تحليل بيانات القوى العاملة من أجل الإجابة عن مجموعة متنوعة من الأسئلة الحساسة والأساسية، مثل: لماذا يتفوق أحد عمال المبيعات على زملائه من حيث الأداء؟ وما هو تأثير برامج التعلم التي تطبقها الشركة على نتائجها؟ وما هي المدة التي يستغرقها الموظفون الجدد حتى يصبحوا منتجين؟ ولماذا ينجح قادة معينون بينما يخفق آخرون؟
شركة "بلاك هيلز" (Black Hills) واستفادتها من البيانات الكبيرة
تعتبر شركة "بلاك هيلز" (Black Hills) واحدة من الشركات التي وجدت فائدة من "البيانات الكبيرة"، حيث ضاعفت الشركة العاملة في مجال الطاقة منذ أكثر من 130 عاماً، القوى العاملة لديها إلى ما يُقارب 2,000 موظف بعد الاستحواذ على شركة أُخرى بسبب إيقانها أهمية البيانات التحليلية. كما واجهت مزيجاً من التحديات تمثل في شيخوخة القوى العاملة، والحاجة إلى مهارات متخصصة فضلاً عن طول الفترة الزمنية المطلوبة للوصول بالموظفين إلى أقصى درجات الكفاءة. كل ذلك شكل خطورة كبيرة في قدرة الشركة على الاستفادة من المواهب الموجودة لديها. وأظهرت التوقعات أنّ الشركة تخسر خلال خمس سنوات ما مجموعه 8,063 عاماً من الخبرة من بين صفوف قواها العاملة.
اقرأ أيضاً: كيف يطوّر قادة الموارد البشرية مهاراتهم الضعيفة في التعامل مع البيانات؟
وللحيلولة دون وقوع كارثة تتمثل في التقلب الكبير للموظفين، لجأت الشركة إلى برامج تحليل بيانات القوى العاملة لاحتساب عدد الموظفين الذين يتقاعدون كل عام، وأنواع الموظفين المطلوبين ليحلوا محلّهم، وأين يمكن العثور على هؤلاء الموظفين الجدد. كانت النتيجة عبارة عن قمة تخطيطية للقوى العاملة قامت بتحديد 89 خطة عمل متدرجة في الأولوية، ومصممة لمعالجة النقص المحتمل حصوله في المواهب.
وبالنسبة للشركات الأُخرى، يُعتبر استعمال بيانات المواهب بصورة أكثر فعالية مكوّناً أساسياً في حصول تحوّل ضمن دور قسم الموارد البشرية، حيث يسعى هذا المكوّن إلى منح مسؤوليات إلى هذا القسم تجعل منه شريكاً حقيقياً في العمل ضمن الشركة. فقد أورد جون بودرو ورافين جيسوثازين في كتابهما الصادر عام 2012 بعنوان "قسم الموارد البشرية مصدر التحوّلات الكبرى في الشركات" التفاصيل الكاملة لقصة شركة "آميريبرايز فايننشال"، وهي عبارة عن شركة خدمات مالية متنوعة انبثقت عن "أميركان إكسبرس" عام 2005.
وعندما شرعت الشركة المؤسسة حديثاً بتطبيق مجموعة من نشاطات الموارد البشرية مثل تعريف الموظفين الجدد على الشركة وطريقة العمل فيها، والتدريبات، وإجراء المقابلات الخاصة بتقويم الأداء، صنف الموظفون جودة هذه الخدمات على أنها "سيئة". لم يكن لدى "آميريبرايز فايننشال" أي إطار لتخصيص الوقت لإدارة الموارد البشرية من أجل التعامل مع أكثر القضايا إلحاحاً والمتعلقة بالمواهب الموجودة في الشركة.
اقرأ أيضاً: فريقك ليس بحاجة لعالم بيانات من أجل القيام بالتحليلات البسيطة للبيانات
وبغية تحسين وظائف الموارد البشرية، بدأت "آميريبرايز فايننشال" بإدماج البيانات الخاصة بالقوى العاملة والمالية معاً، ما سمح لها بالمطابقة بين الاستثمارات في المواهب ونتائج عمل الشركة، وكذلك استخلاص العبر المستندة إلى البيانات الفعلية والتي يمكن استعمالها لتوقع التقلب بين الموظفين، والتقليل من معدلات الإخفاق بين صفوف الموظفين الجدد، وإدارة الأشخاص ذوي الأداء الضعيف. في هذه الحالة، جاءت ردود أفعال الموظفين الساحقة إيجابية، الأمر الذي حول دور قسم الموارد البشرية من مجرد جهة تتلقى الأوامر إلى شريك أساسي يقدم إسهامات هائلة في مسار عمل الشركة.
كل ذلك يعود إلى نبوءة أطلقها موراي جيلمان، الفيزيائي الحاصل على جائزة نوبل، في مقابلة له مع الأستاذ هوارد غاردنر من جامعة هارفارد في سبعينيات القرن الماضي. فقد تنبأ جيلمان بأنّ أكثر صفة ستحظى بتقدير الشركات في القرن الحادي والعشرين ستكون القدرة على تمثل المعلومات وإعادة صياغتها بطريقة مختلفة. فهذه المهارة أساسية جداً بالنسبة لقادة الشركات الكبرى، بما أنّ القرارات التي يتخذونها مفعمة بتعقيدات الصورة الكبرى، وبما أنّ تبعات هذه القرارات غالباً ما تكون هائلة.
اقرأ أيضاً: عندما تحقق البيانات ميزة تنافسية
ونظراً لأن القادة يتمكنون عادة من الوصول إلى عدد أكبر من مصادر المعلومات، فإنهم عرضة بطبيعة الحال وأكثر من غيرهم إلى الإصابة بتخمة المعلومات. وهذا الأمر يتضاعف أيضاً نتيجة للطريقة التقليدية التي تُعرض بها البيانات غالباً: أي على شكل جداول هائلة تتضمن مئات البيانات التفصيلية التي لا تساعد كثيراً في الربط بين مقاييس الموهبة في الشركة وأولويات العمل أو قراراته.
صفات البيانات التحليلية الجيدة
وبالتالي يتعيّن على المؤسسات الساعية إلى تقديم "البيانات الكبيرة" أن تأخذ بعين الاعتبار كيف يمكن لهم تقديم بيانات أفضل لمدرائهم من أجل تمكينهم من الاستفادة القصوى منها، وإعادة صياغتها بطريقة مختلفة وسريعة للوصول إلى استخلاصات رئيسية.
لذلك يتعين عليكم ضمان بأن تكون بياناتكم التحليلية:
1. ذات صلة بالواقع:
لأنّ محللي أقسام الموارد البشرية يحتاجون إلى تطبيق البيانات على القضايا التي تهم الشركة (مقاربة من الأعلى إلى الأسفل)، عوضاً عن استعمال كمية غير ضرورية من الموارد لتجميع البيانات من الأسفل إلى الأعلى.
2. سارية المفعول:
لأن جودة البيانات هي أمر مهم، تماماً كما هي الطريقة التي يتعرف بها القادة على مصداقية مقاييس الموهبة في الشركة.
3. مثيرة للاهتمام:
فمن بين المئات من مسؤولي الموارد البشرية الذين أتحدث إليهم كل عام، واحد من أكثر الأهداف شيوعاً بالنسبة لمحللي البيانات هو كيف يعرضون قصة أفضل إلى جانب البيانات التي يقدمونها. إذ لا يستطيع قسم الموارد البشرية أن يقدم أرقاماً خاماً، وأن ينتظر من متلقيها تحديد الرسالة الصحيحة. وبالتالي، المحللون بحاجة إلى فهم جمهورهم، وخلق حبكة من مجموعة من التفاصيل لصياغة قصة يقدمونها لهذا الجمهور، إلى جانب عدد من الاستنتاجات المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحقائق الأساسية.
4. تؤدي إلى حصول تحولات:
في نهاية المطاف، البيانات التحليلية التي يمكن الاستناد إليها لاتخاذ إجراءات معينة يجب أن تقود إلى تغيير في سلوك القادة. فالقائد يجب أن يكون قادراً على تغيير طريقة تفكيره، واتخاذ قرارات أفضل وأسرع نتيجة البيانات المعروضة عليه بخصوص المواهب الموجودة في الشركة.
في غضون ذلك، يمكن القول أيضاً أنّ تبني أهمية البيانات التحليلية الخاصة بالقوى العاملة يُعتبر أمراً لا يخلو من العوائق: فأقل من نصف الشركات العالمية تستخدم بيانات موضوعية عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالقوى العاملة، وأقل من 20% منها كانت راضية عن قدرة أنظمة إدارة البيانات الحالية لديها على إدارة البيانات المتعلقة بالمواهب، بحسب تقرير تقويمي نشرته في فبراير/شباط 2013 شركة "حلول قياس المواهب (إس آتش إل)" (SHL Talent Measurement Solutions). لكن القادة والمدراء المسلحين بالبيانات التحليلية التي يمكن الاستناد إليها لاتخاذ إجراءات معينة يحظون بفرص هائلة لاستعمال بيانات المواهب للتقليل من تكاليف القوى العاملة، وتحديد موارد للدخل والإيرادات، والتقليل من المخاطر، وتطبيق استراتيجية العمل الخاصة بالشركة.
اقرأ أيضاً: طريقة مبتكرة تستند إلى البيانات لتوظيف الموهوبين