أثناء الشهرين الأولين من انتشار جائحة "كوفيد-19"، ازدادت الشركات التي تنفق أموالاً على وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 74%، إذ ارتفع ما أنفقته عليها من ميزانيات التسويق من 13% في شهر فبراير/شباط 2020، ليصبح 23% في مايو/أيار 2020. وثق هذا الارتفاع في إصدار خاص بجائحة "كوفيد-19" من دراسات "سي إم أو" الاستقصائية (The CMO Survey)، وهو يمثل ارتفاعاً تاريخياً للإنفاق على وسائل التواصل الاجتماعي منذ عام 2009، ويتوقع خبراء التسويق أن يبقى على هذا المستوى أثناء العام القادم، فماذا عن تحقيق أكبر فائدة من وكالات التسويق تحديداً؟
يبدو أن الإنفاق على وسائل التواصل الاجتماعي يؤتي ثماره الآن، فقد أبلغت الشركات عن ارتفاع في مساهمات وسائل التواصل الاجتماعي في أدائها (إذ ارتفعت من 3.4 إلى 4.2 نقطة على مقياس من 7 نقاط، حيث 1= لا مساهمة على الإطلاق و7= مساهمة كبيرة جداً). هذا الارتفاع مهم جداً على الرغم من أنه قد يبدو ضئيلاً بحسب بعض المعايير. فهذه أول مرة نشهد فيها ارتفاعاً في مساهمات وسائل التواصل الاجتماعي منذ طرحنا السؤال لأول مرة في عام 2016. لكن في أثناء الجائحة، أثبتت وسائل التواصل الاجتماعي أنها أداة قوية بين يدي خبراء التسويق الذين كانوا بحاجة إلى التكيف بسرعة والوصول إلى الزبائن الخاضعين للحجر الصحي.
إذن، كيف يمكن للشركات اغتنام هذه اللحظة من أجل تحسين استراتيجياتها الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي والحصول على أرباح إيجابية من استثماراتها؟
اقرأ أيضاً: علاج إدمان السوشيال ميديا
تحقيق أكبر فائدة من وكالات التسويق
يركز أحد الأجوبة عن هذا السؤال على طريقة تنظيم الشركات وإدارتها لشراكتها مع وكالات وسائل التواصل الاجتماعي. إذ تتزايد الشركات التي تلجأ إلى تعهيد أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي خارجياً (منذ عام 2014، ارتفعت أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي التي نفذتها وكالات خارجية من نسبة 17% إلى 24% في عام 2020) وتخفيض تكاليف وسائل التواصل الاجتماعي الداخلية (منذ عام 2014، تناقص عدد موظفي وسائل التواصل الاجتماعي ضمن الشركات من 4.1 إلى 3.1 موظف في كل شركة). لكن على الرغم من زيادة التعهيد الخارجي، لا يشعر خبراء التسويق بالرضا عن إدارتهم لهذه الشراكات (إذ يقيمون قدرتهم على "إدارة شركاء التسويق الرقمي ووكالاته الخارجية" بمقدار 3.8 نقطة على مقياس من 7 نقاط، حيث 1= ضعيف و7= ممتاز).
ومن أجل تحسين هذه الشراكات، يجب على الشركات اتباع الخطوات التالية:
1. فلتكن أولويتك هي الثقة
تخبرنا الأبحاث التي استمرت على مدى 30 عاماً أن الثقة هي ميزة أساسية في نجاح الشراكة مع الوكالات. فالثقة تمهد الطريق للقرارات التي تتسم بالكفاءة واحتساب المخاطر والعمل المبدع. لكن بناء الثقة يتطلب سعياً هادفاً. تؤكد الأبحاث أن الميزات كالنزاهة والسرية هي على قدر من الأهمية مساو لأهمية الخبرة. لذا، يجب على الشركات البحث عن مؤشرات هذه الميزات في شركائها، ويجب على وكالات وسائل التواصل الاجتماعي التفكير بطريقة إبراز هذه الميزات غير الملموسة إلى جانب كفاءتها التقنية.
الثقة هي طريق ذو اتجاهين. والوكالات الشريكة التي توحي بأنها جديرة بالثقة تبني علاقات متينة مع عملائها، ما يؤدي إلى إنشاء تواصل ودافعية وتعاون أفضل، ويولد دورة محمودة تنتج تسويقاً أفضل. قال آرون لافين، وهو مدير أول في شركة "ديلويت ديجيتال" (Deloitte Digital): "أحد المقاييس الحقيقية لقيام علاقة ثقة ما بين الوكالة والعميل هو مستوى التواصل الاستراتيجي بين الفرق. وعندما يتحقق ذلك يكون بمثابة مضاعفة التفكير الابتكاري فيما يتعلق بأهم المشكلات التسويقية الاستراتيجية لديك. أي عميل لا يرغب في ذلك؟".
2. أسس قنوات تواصل واضحة ومستمرة في مرحلة مبكرة
عدم إنشاء التواصل المنتظم يؤدي إلى ضياع الثقة بسهولة. لذا، يجب أن تحدد القنوات الأفضل لشراكتك، سواء كانت "سلاك" أو البريد الإلكتروني أو "زووم" أو الاتصالات الجماعية أو غيرها، وحدد وتيرة هذه الاتصالات. وسيساعدك وضع هذه الحدود في مرحلة مبكرة على ضمان أن تحافظ مع شريكك على سير العمل المتناسق والملتزم بالمواعيد. لا تنس أن تنشئ عملية للتواصل الاستثنائي، كيف ستتمكن من المسارعة في إجراء التعديلات على الاستراتيجية وتطوير المحتوى والحصول على الموافقات اللازمة للتعامل مع تغيرات السوق الدائمة؟
يبدأ التواصل الجيد بعملية جيدة لإعداد الموظفين الجدد. فبالإضافة إلى بناء منهاج لتعليم شريكك عن زبائنك وعلامتك التجارية وصوتك وعروضك ونموذج عملك، يمكنك استخدام إجراءات إعداد الموظفين الجدد واعتبارها فرصة لتأسيس ثقافة شراكتك. فالشراكات القوية تقوم على الملائمة الاجتماعية الجيدة. هل ثقافة شركتك قائمة على التسلسل الهرمي أم هي ذات مستوى واحد؟ هل هي رسمية أم غير رسمية؟ توافقك مع شريكك حول الثقافة أمر أساسي في إقامة خط تواصل صحي طوال فترة الشراكة.
3. أنشئ مزيجاً من الرؤى الداخلية والخارجية من أجل تحقيق أكبر فائدة من وكالات التسويق
أنت تعرف شركتك وعملك، والوكالة تعرف حرفتها. تملك الوكالات أيضاً خبرات عميقة في مختلف القطاعات ويمكنها مساعدتك في التعرف على الفرص الجديدة. ويكمن السر في مزج هذه الرؤى الداخلية والخارجية بعضها ببعض. ومن أجل تحقيق ذلك، ادع مدير الحساب في الوكالة الشريكة للمشاركة في الاجتماعات المهمة التي تتم فيها مناقشة الاستراتيجية الشاملة للتسويق والعلامة التجارية.
كيف تعلم أن مزج الرؤى قد نجح؟ أحد المؤشرات هو مستوى التكامل الذي تحقق بين استراتيجية التسويق في شركتك ونشاطات وسائل التواصل الاجتماعي. في إصدار شهر أغسطس/آب من عام 2019 من دراسة "سي إم أو" الاستقصائية، طلب من المشاركين تقييم مدى فاعلية وسائل التواصل الاجتماعي في دعم استراتيجية التسويق الشاملة لشركاتهم. فسجل قادة التسويق درجة وسطية تبلغ 4.2 نقطة (على مقياس من 7 نقاط، حيث 1= لا تكامل إطلاقاً، و7= تكامل بدرجة كبيرة)، وهذه الدرجة أدنى بكثير من أن تولد عائدات كافية على استثمار الشركة في وسائل التواصل الاجتماعي. لذا، نوصي بتقييم هذا المستوى من التكامل على أنه مقياس للعمليات يهدف لتقييم الوكالات الشريكة.
ثمة مقياس آخر: يجب أولاً ضمان ألا يتمكن الزبائن من معرفة إن كانت الشركة هي من أنشأت محتوى وسائل التواصل الاجتماعي أم الوكالة الشريكة، وإذا اختلف حكم المستهلكين على علامتك التجارية وتفاعلهم معها مع اختلاف منشئ المحتوى، فهناك مشكلة على الأرجح.
4. أسس أهدافاً واضحة وحقق التوافق على المقاييس
ثمة شركات كثيرة لا تملك أهدافاً واضحة لنشاطاتها على وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى صعوبة تقييم نتائج الوكالة الشريكة. فأكثر النشاطات نجاحاً على وسائل التواصل الاجتماعي تتبع أهدافاً واضحة ويكون أداؤها قابلاً للقياس. حدد هذه المقاييس مع الوكالة الشريكة قبل المباشرة بنشاطاتك على وسائل التواصل الاجتماعي.
مثلاً، أثناء الجائحة، كانت أكثر الأهداف شيوعاً بين الشركات تتمثل في "نشر الوعي حول العلامة التجارية وبنائها" بنسبة 84.2%، و"استبقاء الزبائن الحاليين" بنسبة 54.3%، و"اكتساب زبائن جدد" بنسبة 51.1%. يستدعي كل من هذه الأهداف تحديد مقاييس مستهدفة مميزة وقابلة للتحقيق كي يتمكن كلا الطرفين من معرفة الأداء الجيد الذي يجب تحقيقه. ومن المهم أيضاً مراجعة التقدم في تحقيق الأهداف بصورة دورية وتحديد التعديلات المناسبة، لذا يجب عليك بناء هذا النوع من نظام التقييم ضمن استراتيجية التواصل في شركتك.
اقرأ أيضاً: وسائل التواصل الاجتماعي أهم من أن تترك إدارتها لقسم التسويق فقط.
5. لا تتخلّ عن المسؤولية بالكامل
تخسر شركات كثيرة معلومات مهمة من الزبائن بسبب تسليمها كامل المسؤولية عن مراقبة المعلومات والبيانات للوكالة الشريكة. لذا، يجب بدلاً من ذلك تأسيس إيقاع منتظم لاطلاع الشركة على مشاعر الزبائن والمعلومات المهمة في التقارير التي تقدمها الوكالة الشريكة. هذان الأمران في غاية الأهمية خلال هذه الفترة التي يشهد السوق فيها زعزعة غير مسبوقة.
وهذا يعني تقريباً أنه على الشركات ألا تعدّ مواقعها على وسائل التواصل الاجتماعي ثم تترك البقية للوكالة الشريكة، كأن تصمم جدول منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي من دون أن تراقب هذه المنشورات بهدف الحصول على المعلومات المهمة. استدعت جائحة "كوفيد-19"، إلى جانب أحداث عام 2020 عموماً تحركاً سريعاً من جانب خبراء التسويق وشركائهم. لذا، تفاعل مع القضايا الحالية وكن مستعداً للتكيف معها. فالشراكات التي تعزم على إعادة تقييم استراتيجيتها فيما يخص وسائل التواصل الاجتماعي في ضوء التغيرات السريعة في المشهد، ستتمكن من تقليص المخاطر وتعظيم فرصها في التواصل مع المستهلكين. (من أجل تحقيق ذلك، تسلط مقالة جديدة في المجلة العلمية "جورنال أوف ماركتينغ" الضوء على قدرة التغيرات الآنية في نشاطات وسائل التواصل الاجتماعي على توليد انتشار أوسع على الإنترنت).
6. ابحث عن الشركاء القادرين على التكيف في حالات عدم التيقن
تواجه إدارة وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار صعوبات ناجمة عن الزعزعة الرقمية. وقد زادت الجائحة من وضوح هذه الحاجة، إذ أبلغ خبراء التسويق أنهم قاموا بارتجال كثير من تحركاتهم أثناء الأشهر القليلة الماضية (5.6 على مقياس من 7 نقاط، حيث 7= كثيراً). تحتاج الشركات إلى شركاء مرنين قادرين على تغيير مواردهم واستراتيجيتهم بسرعة عند اللزوم. في الحقيقة، عندما طلب منهم تقييم أهم المهارات التي يبحثون عنها عند توظيف خبراء تسويق مستقبليين، كانت "القدرة على التغيير عند ظهور أولويات جديدة" على رأس القائمة. وهذه النظرة الاستشرافية تنطبق على الوكالات الشريكة أيضاً، فالأسواق الرقمية مملوءة بالغموض الذي يجب التعامل معه. والوكالة الشريكة المثالية تملك ما يلزم من الحكمة للتعامل مع التغيير والشجاعة للقيام بمجازفات محسوبة مع رسالة علامتك التجارية (إلى جانب ميزانية شركتك).
7. ابق متابعاً للقضايا الاجتماعية والسياسية من خلال الوكالة الشريكة
تتابع وكالات وسائل التواصل الاجتماعي الحوار السياسي والثقافي عن قرب أكثر من شركتك، فهذا هو عملها أساساً. استمع لها وتعلم منها. ما هي الطريقة المناسبة كي تعبر شركتك عن دعمها للعدالة العرقية في الولايات المتحدة؟ ما هو الصوت السياسي الممكن لشركتك في موسم الانتخابات؟ كيف تقيّم المخاطر المترافقة مع التعبير عن رأي شركتك في القضايا الاجتماعية أو السياسية؟
بالنسبة لقادة التسويق، قد يبدو السعي للحصول على هذا النوع من المعلومات من الوكالة الشريكة غير مريح، فهم عادة لا يدعمون المشاركة في القضايا المشحونة سياسياً (يعارض ذلك 4 من كل 5 قادة). لكن من الضروري أن تثق بالوكالة الشريكة كي تمكّنها من توجيهك فيما يخص الوقت والطريقة المناسبين للتعبير بفاعلية عن صوت شركتك.
8. ساعد بقية أجزاء الشركة على التعلم من شراكتك مع وسائل التواصل الاجتماعي
شراكات وسائل التواصل الاجتماعي هي أحد أشكال التعاون التي تعتمد شركتك عليه. ومع عملك مع الوكالة الشريكة، فكر بشأن ما تتعلمه بشأن إدارة الشراكة الصحية عموماً. ما هي العمليات والبنى الأكثر نجاحاً؟ ما الذي لا ينجح؟ ما أن تجري تحليلاً لشراكتك الناجحة، دونه وصنفه وشاركه مع بقية أجزاء الشركة كي تسرّع أداء الشراكات فيها.
وفي نهاية الحديث عن تحقيق أكبر فائدة من وكالات التسويق تحديداً، يسير كثير من قادة الشركات من دون دليل في بيئة السوق الحالي. ويمكن لوكالات وسائل التواصل الاجتماعي تقديم قيمة كبيرة فيما يتعلق بفهم صوت الزبائن وإيصال رسالة الشركة لهم من أجل خلق القيمة، فلا تهدر هذه القيمة.
اطلع على آخر دراسة استقصائية أجرتها "سي إم أو".
اقرأ أيضاً: دراسة جدوى توفير التأمين الصحي للموظفين منخفضي الدخل