هل ينبغي على مارك زوكربيرغ التنحي عن منصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة "فيسبوك"، كما اقترح بعض النقاد وحتى بعض المساهمين؟ من السهل أن يختار المرء في أحد المعسكرين المتطرفين: إما "سلوكه سيئ للغاية وقد حان الوقت لكي يرحل"، أو أنه "مجرّد رائد أعمال لديه هدف واحد محدد يُعتبر ضرورياً للنجاح في ريادة الأعمال: دعوه وشأنه".
أرى أن الوضع أكثر تعقيداً، وأعتقد أن السؤال الرئيس يكمن فيما إذا كان زوكربيرغ يستطيع أن يغير تفكيره بما يكفي ليبدأ حقبة جديدة كرئيس تنفيذي، أو ما إذا كان يستطيع أن يبدأ مرحلة جديدة إذا ترك "فيسبوك". كيف يبدو مثل هذا التحول؟ قد يعني هذا التحوّل أن التركيز على تعظيم الدخل من كل مستخدم من المستخدمين الذين يزيد عددهم على مليارين لا يعني تماماً معاملتهم - أو معاملة المنصة التي أنشأها - بالاحترام الذي يستحقونه. وقد يعني أيضاً الاعتراف بأن إقصاء المنافسين مثل "سناب شات" ليس في مصلحة البشرية. وحتى إذا لم يشأ الاعتقاد بأن "فيسبوك" هي شركة إعلامية، فإن الاستمرار بالقول إنها مجرد منصة تكنولوجية محايدة يُعتبر تنازلاً عن مسؤولية اجتماعية مهمة. في الواقع، سيكون عليه أن يغير تفكيره لكي يصبح رجل دولة ورئيساً تنفيذياً.
هل هذا التحول ممكن؟
يرتبط تاريخ الأعمال الأميركي برجال أعمال كبار فعلوا أموراً سيئة جداً لبناء أعمالهم - من أندرو كارنيغي إلى جون روكفلر إلى بيل غيتس. تصرف كل منهم، في أثناء بناء عمله، بما يشبه مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، كما أن "التدخل في عمل" الرئيس التنفيذي السابق لشركة "أوبر" والشريك المؤسس لها، ترافيس كالانيك، جعله يبدو وكأنه صفر على الشمال. ولكن في المقابل، أصبح كل واحد منهم من أعظم فاعلي الخير في أميركا، مع وجود موروثات متعلقة بفعل الخير تجعل الأشخاص فوق اللوم والتأنيب.
يمكن القول إن عقلية كل من كارنيغي وروكفلر وغيتس كرؤساء تنفيذيين كانت تتمثل في الفوز بأي ثمن، بغض النظر عن مدى قرب هذه العقلية من الإطار القانوني. تمثلت هذه العقلية في تحطيم المنافسين وليس التفوق عليهم وحسب، وذم خدمة العملاء، وبلوغ موقف احتكاري منيع قدر الإمكان. ثم بعد ذلك، تحولوا إلى التركيز، بنحو لا يمكن تفسيره تقريباً، على جعل المعرفة سلعة عامة، وتحويل التعليم والعلوم، وعلاج أسوأ الأمراض في العالم، إضافة إلى الكثير من الأفعال النبيلة الأخرى.
هذا الأمر غريب بعض الشيء، فقد أصبح هؤلاء رجال دولة يهتمون بالمصلحة العامة على نطاق أوسع، ولكن مع وجود الرغبة نفسها في إحداث تأثير هائل يشبه ذلك الذي حققوه من خلال مشاريعهم الريادية.
بالنظر إلى هذا النمط الثابت لدى عمالقة الأعمال الذين ينتقلون من الجانب المظلم إلى الجانب المضيء عندما يخرجون من أسلوب بناء الأعمال الشرس، يمكن أن يُطرح السؤال التالي: هل يُعتبر خروجهم من أعمالهم عندما يصلون إلى حجم معين أمراً جيداً للإنسانية؟ يجدر بالذكر أن هناك جانباً سلبياً حقيقياً، وهو ما خبره المساهمون المسجلون في "مايكروسوفت" في اليوم الذي سلم فيه غيتس زمام الأمور إلى ستيف بالمر، إذ انخفض سعر أسهم "مايكروسوفت" بنسبة 35% خلال 14 عاماً من تولي بالمر منصب الرئيس التنفيذي. يقول المدافعون عن بالمر إن هذه الإحصائية غير دقيقة لأنه تولى الشركة بعد أسابيع على بلوغ سعر سهم الشركة ذروته ليصل إلى 59.56 دولاراً، وتحديداً مع بداية طفرة الويب (dot com) التي لم يكن مسؤولاً عنها. ولكن حتى لو خصمنا بعض الركود من فترة تولي بالمر لسدة المسؤولية في الشركة واعتمدنا بداية سجله في أيلول/سبتمبر 2002 أي عندما قفز مؤشر "ناسداك" وسهم "مايكروسوفت" (MSFT)، واحتسبنا السنوات الـ 12 اللاحقة، سنجد أن مؤشر "ناسداك" شهد نمواً بنسبة 284% مقابل سهم "مايكروسوفت" الذي نما بنسبة 66%، ما أدى إلى إقالة بالمر تحت ضغط المساهمين. نستنتج تالياً أن المؤسسين يحققون شيئاً حقيقياً ومهماً لشركاتهم، وغالباً ما يترافق تنحّيهم مع كلفة باهظة.
بالعودة إلى سؤالنا: هل يمكن لزوكربيرغ إعادة تصويب مقاربته للقيادة بحيث يبقى في منصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة ويعطي أولوية لدور "فيسبوك" في العالم إلى جانب مصالحها المالية؟
أنا لا أعرف الرجل شخصياً، ولكن ليس من المستحيل تصور ذلك. على الجانب الآخر من الولايات المتحدة الأميركية، في بلدة كاري بولاية كاليفورنيا الشمالية، ثمة شركة أخرى ناجحة للغاية تعمل في مجال البرمجيات يديرها مؤسسها ورئيسها التنفيذي والذي لم ينتظر تقاعده ليكون رجل دولة لصالح البشرية. هذه المؤسسة هي "معهد ساس" (SAS Institute) التي يديرها الشريك المؤسس جيمس غودنايت. لقد كُتب الكثير من الأمور الممجوجة عنه، ولكن من الإنصاف القول إن "معهد ساس" يُدار بما يصب في مصلحة البشرية وكذلك في مصلحة المساهمين. هذا شيء يمكن تحقيقه، ويمكن تحقيقه عن طريق التكنولوجيا أيضاً.
ولكن هل يستطيع مارك زوكربيرغ أن يفعل ذلك مع "فيسبوك"؟ هل يمكن أن يستمر في قيادة شركة "فيسبوك" كشركة تنافسية بينما يتخلى عن هدف إبادة المنافسين وإساءة استخدام قاعدة المستخدمين والتغاضي عن استغلال منصته من قبل لاعبين سيئين؟ أم هل سيحدث هذا التحول تحت قيادة خليفة له؟ قد تساعده مكالمة هاتفية مع جيمس غودنايت في استكشاف كيف يمكن أن يكون المرء رجل دولة ورائد أعمال في آنٍ معاً بدلاً من أن تسبق سمة الأخرى.