ملخص: طوّر العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى منصات تقدم نصائح للشركات وتوفر لها مجموعة من الإعلانات المخصصة وأدوات وخدمات تساعدها على الوصول إلى زبائنها على الإنترنت بشكل أفضل. وقد تكون تلك المنصات مفيدة بالطبع، لكن يجب على أي شخص يعتمد عليها أن يتوخى الحذر الشديد؛ لأن العديد من ادعاءات تلك الشركات حول كيفية قياس فاعلية الإعلان قد تكون خاطئة.
طوّر العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى مؤخراً منصات تدعي أنها تثقف الشركات حول أفضل السبل لتسوق لنفسها ومنتجاتها عبر الإنترنت. وتشتمل الأمثلة منصة "ميتا للأعمال" (Meta for Business) (المعروفة سابقاً باسم "فيسبوك للأعمال"؛ "احصل على مبادئ توجيهية خطوة بخطوة، واكتسب رؤى ثاقبة حول قطاعك مع أدوات تساعدك على تتبع تقدمك، وكل ذلك في مكان واحد")، و"فكّر مع جوجل" (Think with Google) ("انقل التسويق لمستوى أعلى مع جوجل")، و"تويتر للأعمال" (Twitter for Business) ("وسّع أعمالك التجارية عبر إعلانات "تويتر").
تُعتبر تلك المواقع جذابة للغاية، إذ توفر للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم الكثير من المعلومات المفيدة حقاً حول كيفية ممارسة الأعمال التجارية عبر الإنترنت، فضلاً عن أنها تقدم لها مجموعة متنوعة من الأدوات والخدمات الإعلانية المصممة لمساعدتها على تعزيز أدائها.
ولجميع تلك المواقع هدف أساسي واحد، هو أن تؤمن أن أدواتها وخدماتها قوية وذات طابع شخصي للغاية، وأن تستثمر أموالك التسويقية فيها.
الأمر ليس بتلك البساطة
قد تكون شركة "فيسبوك" الأكثر إلحاحاً من بين الشركات الثلاث المذكورة أعلاه؛ إذ بثّت الشركة في الأسابيع الماضية إعلانات تعرض الكثير من القصص الملهمة عن الشركات الصغيرة التي ساعدتها على تطوير خدماتها الجديدة. وربما شاهدت بعض تلك الإعلانات في المطارات أو المجلات أو على مواقع الإنترنت. على سبيل المثال، تحصل شركة "ماي جولي كاندل" (My Jolie Candle) التي تنتج الشموع الفرنسية "على ما يصل إلى 80% من زبائنها الأوروبيين عبر منصات "فيسبوك"". وتنسب شركة "شيكاتيلا" (Chicatella)، وهي شركة مستحضرات تجميل سلوفينية، "ما يصل إلى 80% من مبيعاتها إلى تطبيقات منصة "فيسبوك" وخدماتها". وتستخدم شركة "مامي بوبينز" (Mami Poppins)، وهي مورد ألماني لأدوات ومستلزمات الأطفال "إعلانات "فيسبوك" لتحقق ما يصل إلى نصف عائداتها".
قد يبدو ذلك مثيراً للإعجاب بالفعل، لكن هل يجب أن تتوقع الشركات حقاً مثل تلك التأثيرات الكبيرة من الإعلانات؟ الحقيقة هي أنه عندما تقوم شركات "فيسبوك" و"جوجل" و"تويتر" وغيرها من شركات التكنولوجيا الكبيرة الأخرى "بتثقيف" الشركات الصغيرة حول خدماتها، فإنها غالباً ما تشجع الاستنتاجات غير الصحيحة حول الآثار السببية للإعلان.
تأمل حالة أحد عملائنا الذي نقدّم له مشورتنا، وهي شركة سلع استهلاكية أوروبية جعلت هدف علامتها التجارية يدور حول الاستدامة لسنوات عديدة. أرادت الشركة استكشاف ما إذا كان الإعلان عبر الإنترنت الذي يدعي السهولة أكثر فاعلية من الإعلان الذي يدعي الاستدامة. وأجرت بمساعدة منصة "فيسبوك للأعمال" اختبار A/B للإعلانين ثم قارنت العائد على الإنفاق الإعلاني بين الحالتين. وجد الاختبار أن العائد كان أعلى بكثير بالنسبة لإعلان الاستدامة، وذلك يعني أنه يجب على الشركة أن تستثمر أموالها في ذلك الإعلان، أليس كذلك؟
لا نعرف في الواقع.
توجد مشكلة جوهرية في الدور الذي تؤديه شركة "فيسبوك" هنا؛ فالاختبارات التي تعرضها تحت عنوان "اختبارات A/B" ليست اختبارات A/B على الإطلاق في الواقع، وذلك أمر يفشل خبراء التسويق الرقمي المهرة في فهمه حتى في الواقع.
ما الذي يحدث في تلك الاختبارات حقاً؟ تأمل هذا المثال:
1) تقسم شركة "فيسبوك" جمهوراً كبيراً إلى مجموعتين، لكن لن يتلقى كل فرد في كلتا المجموعتين الاختبار. وذلك يعني أن العديد من الأشخاص لن يشاهدوا أي إعلان على الإطلاق.
2) تبدأ منصة "فيسبوك" اختيار أشخاص من كل مجموعة، وتقدم لهم معاملة مختلفة اعتماداً على المجموعة التي جرى اختيار الأشخاص كعينة منها. على سبيل المثال، سيتلقى الشخص المختار من المجموعة 1 إعلاناً باللون الأزرق، وسيتلقى الشخص المختار من المجموعة 2 إعلاناً باللون الأحمر.
3) تستخدم منصة "فيسبوك" بعد ذلك خوارزميات تعلم الآلة لتحسين استراتيجية الاختيار. قد تتعلم الخوارزمية، على سبيل المثال، أن احتمال النقر على الإعلان الأحمر يزيد لدى الأشخاص الأصغر سناً، وهو ما يدفعها إلى عرض هذا الإعلان أكثر للشباب.
هل لاحظت ما يحدث هنا؟ إن خوارزمية تعلم الآلة التي تستخدمها منصة "فيسبوك" لتحسين عرض الإعلانات تلغي في الواقع تصميم اختبار A/B.
وما نعنيه هو أن اختبارات A/B مبنية على فكرة التخصيص العشوائي. لكن هل التخصيصات التي تمت في الخطوة 3 أعلاه عشوائية؟ لا، ولذلك آثار مهمة، فإذا قارنت الأشخاص المختارين من المجموعة 1 بالأشخاص المختارين من المجموعة 2، فلن تتمكن من استخلاص استنتاجات حول التأثير السببي للاختيار؛ لأن الأشخاص المختارين من المجموعة 1 يختلفون عن الأشخاص المختارين من المجموعة 2 في أبعاد أكثر من مجرد الاختبار. على سبيل المثال، فإن الأشخاص المختارين من المجموعة 2 الذين تم عرض الإعلان الأحمر عليهم هم أصغر سناً من الأشخاص المختارين من المجموعة 1 الذين تم عرض الإعلان الأزرق عليهم. ومهما كان ذلك الاختبار، فهو ليس اختبار A/B.
ولا تقتصر تلك المشكلة على منصة "فيسبوك" فحسب، إذ تقترح منصة "فكّر مع جوجل" أن المقاييس الشبيهة بالعائد على الاستثمار سببية، في حين أنها في الحقيقة مجرد مقاييس ترابطية.
تخيل أن شركة ما ترغب في معرفة ما إذا كانت حملتها الإعلانية فعالة في زيادة المبيعات. تقترح المنصة أن الإجابة عن ذلك السؤال تتضمن مزيجاً مباشراً من التكنولوجيا الأساسية والرياضيات البسيطة.
أي يجب عليك أولاً تتبع معدل التحويل لموقعك على الويب، إذ يتيح لك ذلك تتبع ما إذا كان الزبائن الذين نقروا على الإعلان أجروا عملية الشراء بالفعل. ثانياً، يجب عليك أن تحسب بعد ذلك إجمالي الإيرادات من أولئك الزبائن وتقسّم الناتج (أو تطرحه من) على نفقاتك الإعلانية. وذلك هو عائد استثمارك؛ وهو بحسب شركة "جوجل" "أهم مقياس لبائعي التجزئة لأنه يوضح التأثير الحقيقي لإعلانات "جوجل" على شركاتهم".
لكنه ليس كذلك في الحقيقة. ويُعتبر تحليل "جوجل" معيباً لأنه يفتقر إلى أساس للمقارنة. ولكي تعرف حقاً ما إذا كان الإعلان يحقق أرباحاً لشركتك، يجب عليك معرفة الإيرادات التي كانت الشركة ستحققها في غياب الإعلان.
كما تقدم منصة "تويتر للأعمال" مقترحاً أكثر ترابطاً إلى حد ما.
أولاً، تعمل منصة "تويتر" مع وسيط بيانات للوصول إلى ملفات تعريف الارتباط ورسائل البريد الإلكتروني ومعلومات التعريف الأخرى من زبائن العلامة التجارية. ثم تضيف المنصة معلومات حول مدى ارتباط هؤلاء الزبائن بالعلامة التجارية على "تويتر"؛ أي ما إذا كانوا ينقرون على التغريدات التي تروّج لها العلامة التجارية، على سبيل المثال. من المفترض أن تسمح تلك الخطوة لمحللي التسويق مقارنة متوسط الإيرادات من الزبائن الذين تفاعلوا مع العلامة التجارية بمتوسط الإيرادات من الزبائن الذين لم يتفاعلوا معها. إذا كان الاختلاف كبيراً بما يكفي، كما تقول النظرية، فسيبرر ذلك الاختلاف حينها الإنفاق على الإعلان.
إن هذا التحليل مقارن بالفعل، لكنه يقارن بين أمرين مختلفين. على سبيل المثال، لا يشتري الناس مستحضرات التجميل بانتظام لأنهم يرون تغريدات تروج لها، بل يرون التغريدات التي تروج لمستحضرات التجميل لأنهم يشترون مستحضرات التجميل بانتظام. أي إن الناس الذين يرون التغريدات المروج لها من علامة تجارية ما هم أشخاص مختلفون تماماً عن أولئك الذين لا يرونها.
الارتباك السببي
يمكن للشركات الإجابة عن نوعين من الأسئلة باستخدام البيانات: يمكنها الإجابة عن أسئلة التوقّع (مثل "هل سيشتري هذا الزبون المنتج؟") وأسئلة الاستدلال السببي (مثل "هل سيحفز هذا الإعلان ذلك الزبون على شراء المنتج؟"). إن طبيعة تلك الأسئلة مختلفة، لكن من السهل الخلط بينها. في الواقع، تتطلب الإجابة عن أسئلة الاستدلال السببي إجراء مقارنات مغايرة للواقع (مثل "هل كان الزبون ليشتري هذا المنتج دون هذا الإعلان؟"). غالباً ما تقدم الخوارزميات الذكية والأدوات الرقمية التي طورتها شركات التكنولوجيا الكبرى مقارنات بين أمور مختلفة لدعم الاستدلالات السببية.
لكن يجب أن تدرك الشركات الكبرى للتكنولوجيا الفرق بين التنبؤ والاستدلال السببي ومدى أهمية ذلك الاستدلال في تخصيص الموارد بشكل فاعل، فقد وظفت في النهاية بعض أذكى الأشخاص في العالم. يعد استهداف المشترين المحتملين بالإعلانات مجرد مهمة قائمة على التنبؤ، إذ إنها لا تتطلب استدلالاً سببياً، ومن السهل تنفيذها بالاستفادة من بيانات وخوارزميات اليوم. في حين أن إقناع الناس بالشراء هو مهمة أصعب بكثير.
ستحظى شركات التكنولوجيا الكبيرة بثنائنا بالفعل لتقديمها الإعلانات المخصصة والمواد والأدوات المفيدة لمجتمع الأعمال، لكن يجب أن تدرك الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم أن المنصات الإعلانية تسعى إلى تحقيق مصالحها في النهاية عندما تقدم التدريب والمعلومات، وأن تلك الاهتمامات قد لا تتواءم مع أهداف الشركات الصغيرة.