هل أنت قائد قادر على الصفح؟

3 دقائق
القائد المتسامح

قال مهاتما غاندي يوماً مقولة في منتهى الحكمة: "العين بالعين تجعل العالم يفقد بصره". فما صحة هذه المقولة؟ وما علاقتها بالقائد المتسامح؟ إن المواجهة من الأمور المهمة للأشخاص الذين يتولون مناصب قيادية، ومن المعروف أن للقادة تأثير مهم جداً على حياة الناس الآخرين، فإذا ما كانوا يفتقرون إلى خصلة المسامحة والصفح، فإن ذلك سيخلق بيئة تنطوي على الشعور بالمرارة والعدائية ما يمنع الفريق، أو المؤسسة، أو حتى البلد بأسره من أن يكون الأفضل دوماً.

القائد المتسامح

بطبيعة الحال من المحتمل أن تتسبب لك العلاقات مع الآخرين بالألم، سواء مع الأصدقاء أو أفراد العائلة. قد تكون أسرتك قاسية معك، وقد يحبط زملائك في العمل مشاريعك، وقد لا يكون الشريك مخلصاً. وكلما سمحت للآخرين بالاقتراب منك أكثر، تصبح أكثر هشاشة وعرضة للمخاطر، عدا عن أن أكثر ردود الأفعال منطقية تجاه أي إهانة أو أذى هو المعاملة بالمثل.

لكن بالنسبة لمن يشغلون مناصب قيادية، تصبح المخاطر أكثر وضوحاً وبروزاً. لأن قيادة الآخرين تعني التعامل مع الجميع. وغالباً ما يعمل القادة في بيئات محفوفة بالصراعات. وإن تُركت هذه الصراعات دون حل، فيمكن أن تصبح خطيرة وتلقي بظلالها على فعالية المؤسسة. والأشخاص غير القادرين على المسامحة يعلقون في دوامات من السلبية تشدّهم نحو الأسفل، وتسحب معهم كل من يحيطون بهم.

يدرك القادة الجيدون التكلفة الباهظة المترتبة على التشبث بمشاعر الحقد، وكيف يمكن للموقف المبني على عدم التسامح أن يمنع الناس من المضي قدماً. ولكن المؤسف في الأمر، هو أن العدد الأكبر من القادة يؤمنون أن الروح الانتقامية هي الشعور الأكثر طبيعية من المسامحة، لأننا نحن البشر نمتلك إحساساً فطرياً ومتأصّلاً بالعدالة: أي أننا نرغب بأن ينال الآخرون عقوبتهم على الأخطاء التي اقترفوها بحقنا.

اقرأ أيضاً: هل كونك قائداً متواضعاً يؤدي إلى تبعات سيئة؟

لكنك إن لم تكن قادراً على مسامحة الناس الذين سببوا لك الألم، فسوف تصبح هذه المشاعر نوعاً من السجن العقلي. وبيّنت دراسات كثيرة أن الحقد، والضغينة، والمرارة توجد أرضية خصبة لاضطرابات الشدة وتؤذي جهازك المناعي. كما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الموقف القائم على عدم التسامح من جهة، والاكتئاب والقلق من جهة أخرى.

3 خصال مرتبطة بالتسامح

إذاً، ما الذي يجعل بعض الناس يسامحون الآخرين بسهولة، وما الذي يميّز هؤلاء الناس عن الأشخاص الحقودين بيننا؟ أنا شخصياً عثرت على 3 خصال تقترن بمقاومة التسامح:

الوسواس الفكري:

يقضي الأشخاص غير المتسامحين الكثير من الوقت في التفكير في ماضيهم بطريقة مهووسة. الأشخاص الذين تربوا في كنف أهل استبداديين أو تعرضوا للإساءة في طفولتهم أكثر عرضة لإبداء هذا السلوك.

غياب الإحساس بالتعاطف:

التعاطف والإحساس بشعور الآخرين هو آلية ارتقائية تحفز السلوك الغيري والاجتماعي لدى الإنسان. فقدرتك على تخيّل تجارب الآخرين والإحساس بشعورهم – أي قدرتك على وضع نفسك في مكان هؤلاء الآخرين، تسمح لك بتفهّم دوافع الشخص المعتدي، ما يمنحك القدرة على المسامحة والصفح. هذه المهارة يتعلمها الناس منذ نعومة أظفارهم. أما الأطفال الذي ينشؤون في كنف أهل دائمي الغياب أو مسيئين إليهم، فإنهم يواجهون صعوبة كبيرة في تطوير هذه القدرة.

الإحساس بالحرمان:

غالباً ما يركز الأفراد الذين لم يتلقوا ما يكفي من الاهتمام والرعاية عندما كانوا صغاراً على ما ليس لديهم وكيف يمكنهم الحصول عليه. ولكن حتى عندما يتمكنون من الوصول إليه، فإنهم ما زالوا يقارنون أنفسهم بالآخرين، ويحسدون نجاحاتهم أو شهرتهم أو ممتلكاتهم. غالباً ما يعبرون عن هذا الحسد من خلال الانفعالات العاطفية ونوبات الغضب.

أنا لا أقول إن الأشخاص الذين يظهرون هذه السلوكيات - وبالتالي هم أقل عرضة للتسامح - لا يمكنهم شغل مناصب قيادية. لكنهم لن يكونوا من نوع القادة الذين سيكونون قادرين على جعل أتباعهم يبذلون قصارى جهدهم. فالقدرة على التسامح هي إحدى الصفات الأساسية لأي قائد يرغب في ترك بصمته.

إن القائد المتسامح والتسامح بشكل عام لا يعني تقديم الأعذار للسلوك غير المقبول؛ وإنما يعتمد على شفاء الذاكرة من الأذى وليس محوها. فعندما تسامح، أنت لا تغيّر الماضي، وإنما تغيّر المستقبل من خلال تحكمك بمشاعرك الهدامة عوضاً عن تركها تتحكم بزمام حياتك. إن قادة غيروا حياة الآخرين مثل غاندي، ونيلسون مانديلا، وأونغ سان سو تشي، عرفوا ذلك، ورفضوا تكرار أذى الماضي مجدداً، واختاروا عوضاً عن ذلك الطمأنينة والسعادة على حساب الغضب.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي