كيف تحوّل عقلك إلى معمل لتبسيط المهام الصعبة

3 دقيقة
الطيّار الآلي
shutterstock.com/VectorMine

تخيل نفسك تَعدُّ 60 حبة قهوة يومياً في الصباح الباكر قبل أن تُحضر فطورك الصباحي بنفسك! تبدو مهمة مملة وشاقة، لكنها كانت من العادات الصباحية للموسيقار العالمي بيتهوفن، أما الموسيقار المشهور ريتشارد شتراوس، فكان يُحضر كل صباح مُربى منزلياً ويتناوله مع 3 بيضات وكوب من الشاي، في حين كان عالم النفس السويسري كارل يونغ يُمضي وقتاً أطول في إعداد وجبة الإفطار التي تتألف من القهوة والسجق والفواكه والخبز والزبدة. كانت هذه بعض الطقوس المذكورة في كتاب "الطقوس اليومية: كيف يعمل الفنانون" (Daily Rituals: How Artists Work). وعلى الرغم من أنها تبدو مهمة يصعب تكرارها كل صباح، فقد أصبحت ببساطة عادة لا تحتاج إلى أي جهد مثل الطيّار الذي لا يبذل جهداً بعد تفعيل نظام الطيّار الآلي (Autopilot).

تأثير الخيار التلقائي

يمتلك العقل البشري ميزة مشابهة إذ إن السلوكيات والمهام الروتينية التي نكررها، بوعي أو دون وعي، تصبح تلقائية بعد فترة من الزمن. تُظهر أبحاث علم الأعصاب أنه كلما تطوّرت العادات وترسّخت، يقل اعتمادنا على أجزاء الدماغ المسؤولة عن التفكير الواعي (قشرة الفص الجبهي) والمناطق المسؤولة عن الحركة والتحكم الحركي (العُقد القاعدية والمخيخ)، وبناءً على هذه الحقائق توصّل علماء الاقتصاد السلوكي إلى ما يُسمى تأثير الخيار التلقائي (Default Choice Effect)، وهو انحياز سلوكي درسه العديد من الباحثين، أشهرهم جونسون وفريقه عام 1993، ويُقصد به أن وجود خيار "تلقائي" متاح في أثناء عملية اتخاذ القرار يؤثر فيها.

من بين جميع الخيارات المتاحة أمامنا، فإن الخيار المعتاد هو الخيار الذي لا يتطلب منا بذل أي جهد أو تفكير لأنه اختير بالفعل بالنسبة لنا. على سبيل المثال، عندما نُدخل برنامجاً جديداً إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بنا، فإننا نختار خيار التثبيت التلقائي (By Default)، ونحتاج فقط إلى متابعة التثبيت واختيار الوظائف التي تتبع خيار التثبيت التلقائي. وبالتالي، فإن "الأثر المعتاد" هو الطريقة التي يُرجح فيها اختيار أي خيار تلقائي معروض متاح في أي مسألة؛ أي أن هذا الخيار يؤثر في طريقة اتخاذ القرارات. في عالم التسويق الإلكتروني، يمكن أن يُستخدم تأثير الخيار التلقائي عندما يحتاج العميل إلى اتخاذ قرار ما، سواء تعلق الأمر بالاشتراك في الرسائل الإخبارية، أو باختيار منتج ما، أو باختيار طريقة التوصيل، فيُقدم الخيار التلقائي على أنه الخيار الأكثر سهولة وإتاحة، وهو ما يزيد احتمالية اللجوء إليه.

إن خاصية "الطياّر الآلي" مهمة جداً في العديد من الميادين وقد تنقذ الكثير من الأرواح، إذ يُدرَّب رجال الإطفاء والحماية المدنية وأطباء الطوارئ على تكرار بعض الإجراءات في أجزاء من الثانية حتى تُصبح عادة مترسخة لا تتطلب أي تفكير أو جهد، فالعادة في النهاية هي طريق مختصر لتنفيذ المهمة التي كانت صعبة عند تنفيذها أول مرة (أتخيل بيتهوفن وهو يعدُّ حبات القهوة أول مرة، وكارل يونغ وهو يجرب وصفة السجق السويسري!). من أشهر التجارب التي بيّنت كيفية تحوّل الأفعال الإرادية إلى عادات شبه لا إرادية هي تجربة صندوق سكنر، لكن وعلى عكس الحيوانات، يستطيع الإنسان تدريب نفسه على اكتساب عادات حميدة تصب في مصلحته. وذهب بعض خبراء علم النفس مثل برايان غالا وأنجيلا داكويرث إلى أبعد من ذلك فقالوا إنه لا يوجد شيء اسمه "التحكّم في النفس" ومقاومة الإغراءات، بل هي مجموعة من العادات المكتسبة تعمل بنظام "الطيار الآلي" تجعل الإنسان يبدو وكأنه يتمتع بقوة إرادة خارقة وقدرة كبيرة على ضبط النفس.

تقول خبيرة الاقتصاد السلوكي كاتي ميلكمان في هذا الصدد: "أولئك الذين يبدو أنهم يتمتعون بقوة إرادة هائلة، مثل الأشخاص الذين يركضون 5 كيلومترات كل صباح، وتجدهم مركّزين في العمل طيلة اليوم، ويقرؤون الكثير من الكتب، ويتخذون قرارات صحيحة بصورة عامة، لا يتمتعون في الواقع بقدرة خارقة على مقاومة الإغراء، بل إنّ عاداتهم الجيدة هي التي تحميهم في المقام الأول من مواجهة الإغراء وجهاً لوجه، فهم لا يفكرون حتى في اتخاذ القرار الخاطئ". فالإنسان الذي لا يدخن على سبيل المثال، لا يفكر في سلبيات التدخين قبل قرار تغيير مكان يوجد فيه مدخنون، لكن "طيّاره الآلي" يُجبره على مغادرة المكان ببساطة، والموظف الذي اعتاد إرسال مهامه في الوقت المحدد لا يفكر أصلاً في عواقب التأخير لأن "طيّاره الآلي" يفرض عليه إرسال مهتمه قبل الموعد بيومين.

نصائح عملية لتفعيل "الطيّار الآلي" الخاص بك

  • عقل الإنسان مجبول على اتباع الخيارات التي تتطلب أقل قدر من الجهد، لذلك تجب الاستفادة من هذا "الكسل الفطري".
  • لا توجد فترة زمنية محددة لاكتساب عادة جديدة، بل بحسب العادة نفسها (أتوقع أن شتراوس أخذ وقتاً طويلاً ليعتاد طعم المربى المنزلي الذي يُعدّه بنفسه، وتأكدت من ذلك بعدما رأيت شكله في جوجل. اسمه باللغة الألمانية "Eingemachtes").
  •  تمكنك الاستفادة من "تأثير الخيار التلقائي" في حياتك اليومية بخطوات بسيطة، كأن تجعل الصفحة الرئيسية لمتصفحك على الإنترنت موقعاً مفيداً أو عملياً مثل البريد الإلكتروني عوضاً عن مواقع التواصل الاجتماعي.
  • يحتاج الروتين إلى مكافآت حتى يتحوّل إلى "طيّار آلي"، وقد تكون بسيطة جداً مثل شرب كوب قهوة منعش، لذلك حاول دائماً مكافأة نفسك في طريقك لبناء عادة جديدة.
  • ضع هامشاً للخطأ كأن تسمح لنفسك بالغياب عن التمرن في قاعة الرياضة مرة واحدة من أصل 5 مرات أسبوعياً في حال وجود ظرف طارئ.
  • أضِف عادة إيجابية جديدة لعادة قديمة مترسخة، مثل إضافة مهمة قراءة صفحة واحدة في أثناء تناولك الفطور الصباحي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .