قلة من العاملين في مجال المبيعات فقط يمكنهم التشكيك في أهمية وضع رؤى ثاقبة مسبقة للمحادثات مع الزبائن، وهو ما يمكن تسميته قاعدة جين أوستن للبيع، والتي تنص على أن: البائع الذي بحوزته عميل مرتقب جيد، يحتاج للبحث عن رؤية ثاقبة مناسبة. أو كما يقول أحد المسؤولين التنفيذيين للبائعين الذين يتصلون به: "ليست وظيفتك أن تسألني عما يقض مضجعي ليلاً، وإنما أن تخبرني ما الحل".
لاحظنا على مر السنين العديد من موظفي المبيعات الذين نجحوا في جعل تطوير رؤى ثاقبة ذات مغزى وتقديمها محوراً أساسياً في أسلوبهم. وتشير خبرتهم وبحثنا إلى أنك تحتاج، على أقل تقدير، إلى القيام بأكثر من مجرد "إخبار الغير بشيء لا يعرفونه". فقد يقودك هذا النهج إلى استنتاج حقائق تافهة لا صلة لها بالموضوع. ونقترح بدلاً من ذلك صياغة استراتيجية تستند إلى شخصية مَن تتحدث إليه وإلى موضعك في دورة تخطيط المبيعات.
مع مَن تتحدّث؟
بشكل عام، وكما أخبرنا أحد موظفي المبيعات "كلما ارتقيت السلم الوظيفي، زادت أهمية الرؤى ذات الصلة بقطاع العمل". فإذا كنت تتحدث إلى مسؤول تنفيذي رفيع المستوى أو مدير إنتاج، حينها تكون الرؤى في غاية الأهمية، أما إذا كنت تقابل مديراً لتكنولوجيا المعلومات متوسط المستوى، فربما ينبغي عليك قضاء المزيد من الوقت في شرح خصائص المنتج وطرح المزيد من الأسئلة.
وقد يكون لاختيار النهج الخطأ عواقب سلبية. وهذه النظرية تدعمها بيانات شركة "جونج دوت آي أو" (Gong.Io)، والتي سجلت وحللت اجتماعات للمبيعات من آلاف الصفقات على منصات المؤتمرات الشبكية. وفي الاجتماعات مع مشترين على مستوى النائب الأول لرئيس الشركة أو أعلى، تشير البيانات إلى وجود علاقة سلبية قوية بين طرح الأسئلة الاستكشافية وإبرام الصفقات. وبمجرد طرحك لبعض الأسئلة، فكل سؤال إضافي مع مسؤولٍ رفيع المستوى كثير المشاغل يقلل من فرص النجاح في إبرام الصفقة. في المتوسط، شملت الاجتماعات الناجحة هنا حوالي 4 أسئلة، في حين بلغ متوسط الأسئلة في الاجتماعات غير الناجحة ما يصل إلى 8 أسئلة. أما بالنسبة للاجتماعات في المستويات الأدنى، فقد تراوح متوسط الأسئلة في مكالمات المبيعات الناجحة ما بين 11 إلى 14 سؤالاً. عند وضع استراتيجيتك، ضع في اعتبارك أن المدراء من المستوى الأدنى هم حراس البوابات، مهمتهم الأولى هي فحص البائعين ومنتجاتهم. ومن ناحية أخرى، يركز المدراء رفيعو المستوى على المسائل التجارية، ما يجعلهم أكثر تقبلاً للرؤى.
إليكم مثالاً حياً. يبيع هاني أدوات تحليل البيانات لشركة متخصصة في تقنية المعلومات. اتصل بإحدى كبرى سلاسل التجزئة في الولايات المتحدة بعد فترة وجيزة من إغلاق أكبر مركز توزيع لها إثر هبوب عاصفة شتوية، وهو ما يمثل حوالي 25% من المخزون الذي يتم شحنه إلى متاجرها. في المناقشات مع هاني، صاغ المدراء من المستوى الأدنى المشكلة باعتبارها مشكلة لوجستية، لذا أوضح لهم هاني كيف يمكن لأدوات شركته توفير البيانات للمساعدة على تحسين التدفقات وتقليل تكاليف التسليم أثناء إصلاح مركز التوزيع.
لكن في الاجتماعات اللاحقة مع كبار المسؤولين التنفيذيين، تجاوز هاني تكاليف الخدمات اللوجستية، وصاغ المشكلات والحلول بشكل مختلف. فنظراً إلى أن منافذ بيع التجزئة كانت أيضاً في المراحل المبكرة من تنفيذ استراتيجية المتاجر متعددة القنوات والتقليدية والإلكترونية، قدم هاني أمثلة توضح مدى تأثير عمليات تخفيض الأسعار ونفاد المخزون على الهوامش، مقارنة بتكاليف الخدمات اللوجستية، وسبب أهمية جعل سياسة التسعير وغيرها من العناصر ذات الصلة بتجربة العملاء داخل المتجر وعبر الإنترنت سلسة قدر الإمكان، وكيف استخدمت المتاجر الأخرى أدوات تحليل البيانات للقيام بذلك. وافق كبار المسؤولين التنفيذيين على الصفقة، وعلى نطاق أوسع من شراء برمجيات الخدمات اللوجستية.
ما موضعك في دورة المبيعات؟
عند عقد اجتماع تمهيدي مع أحد كبار المشترين أو الشخصيات المؤثرة، من المهم عادة إظهار قدرتك على توضيح كيفية ارتباط منتجك بالاتجاهات الرئيسية أو الفرص أو التحديات أو أفضل الممارسات المتطورة في هذه السوق. يمكنك فعل ذلك عن طريق الاستشهاد بمن تعرفه (الأشخاص والشركات الذين يستخدمون منتجك لزيادة قيمة الأعمال التجارية والمزايا المالية) أو الإشارة إلى ما تعرفه (وجهة نظر شركتك عن اتجاهات القطاع وما يترتب عليها من آثار) أو عن طريق الأمرين معاً.
تشير شريكة رئيسية في الممارسات الاستشارية في إحدى شركات المحاسبة والخدمات المهنية الأربعة الكبرى إلى أنه "عادة ما ينبهر كبار المسؤولين التنفيذيين عندما يتم اطلاعهم على الواقع في سوقهم، وإلى أي مدى يتوافق مع أهدافهم الاستراتيجية، وكيف يمكننا المساعدة على تنفيذ المبادرات المطلوبة في شركتهم مع موظفيهم". وأضافت أنه في حال إقدامها على البيع لسلسلة متاجر تجزئة، فإنها تتجاوز الاعتقاد السائد بأن تجارة التجزئة تشهد تراجعاً حاداً. على سبيل المثال، يشهد الإنفاق الأميركي في متاجر البيع بالتجزئة ارتفاعاً سنوياً منذ عام 2009، وتم بناء ما يقرب من 48 مليون قدم مربعة من مساحات البيع بالتجزئة (غير المغلقة) سنوياً منذ عام 2010، وافتتحت سلاسل البيع بالتجزئة التي تدير أكثر من 50 فرعاً حوالي 4,000 متجر، متجاوزةً بذلك عدد ما أغلقته من متاجر في عام 2017، ويشير التحليل إلى أن السبب الأكبر لإغلاق المراكز التجارية هو ظهور مراكز التسوق الأحدث في هذا المجال، وليس التجارة الإلكترونية.
وقد تكون أمثلة قطاع الصناعة مفيدة أيضاً. فنظراً لأن اعتماد المنتجات والخدمات عادة ما يلزم العملاء بإدخال تغييرات على نظام استخدام ذي نطاق أوسع، فعادة ما يحجمون عن الشراء. وفي هذا الصدد، يمكن أن تقدم الأمثلة ما يسميه الباحثون "دليلاً اجتماعياً": حقيقة أن الناس أكثر قبولاً لفكرة اتخاذ إجراء عندما يعرفون أن الآخرين اتخذوه. وكما يؤكد إحدى موظفي المبيعات "ابدأ بشيء يوضح أنك تفهم كيف تُتَخذ القرارات من قِبَل الأطراف المعنية في ذلك القطاع. وفي هذه المرحلة، لا ينبغي أن تتخوف من المنافسين، بل من الوضع القائم، لأن 60% من جميع "قرارات" الشراء تؤجل اتخاذ قرار، لذا، اعمد إلى البحث عن مشكلة متعلقة بالقطاع في الاجتماعات التمهيدية، أو أذكر مثالاً لما يحتاجون إلى معرفته لاتخاذ قرار".
في المراحل اللاحقة، يكون للقادة الكبار احتياجات مختلفة. وكما قالت الشريكة الرئيسية في إحدى الشركات الأربع الكبرى للمحاسبة والخدمات المهنية "إن الفارق في البيع عادة ما يكون في الطريقة التي يمكننا من خلالها صياغة حل فريد للمؤسسة وتنفيذه". لماذا؟ غالباً ما يحتاج كبار المشترين إلى تبرير المشتريات الضخمة للآخرين في مؤسستهم، وعادةً ما يفعلون ذلك من خلال مناقشة تحديات أو الفرص المتاحة في السوق. علاوة على ذلك، تعتبر عائدات الاستثمار "قيّمة تجريبية" بطبيعتها في العديد من فئات الخدمات والبرمجيات والخدمات المهنية - أي أن المشتري لا يعرف طبيعة القيمة أو حجمها إلى أن يختبرها في مرحلة ما بعد البيع. وفي هذه المرحلة، فإنهم يريدون معرفة أسلوب المتابعة في مرحلة التنفيذ. في الواقع، كشفت دراسة كلاسيكية أن المعيار الأعم الذي يستخدمه كبار المسؤولين التنفيذيين في مختلف القطاعات للحكم على موظفي المبيعات الذين يقابلونهم هو قدرة موظف المبيعات على حشد موارد شركة وتنظيمها من أجل البيع.
يُمثل تقديم الرؤى في الواقع عاملاً أساسياً يصنع الفارق في العديد من التفاعلات بين البائع والمشتري. لكن، وكما هي الحال دائماً في المبيعات، فإن المشتري هو من يمنح التأثير، أما البائع فيكتسبه اكتساباً.