السبب وراء عدم نجاح برنامج التوجيه في مؤسستك

5 دقائق
دور رعاة المواهب في الإرشاد
shutterstock.com/Elnur

بعد خمسة عقود من العمل في الأبحاث حول دور رعاة المواهب في الإرشاد وعلاقات التوجيه والإرشاد، أصبحت الأدلة قطعية على أن الموظف الذي يحظى بموجه قوي يفوز بمجموعة فوائد على المستوى المهني تشمل تحقيق تقدم أسرع والحصول على أجور أعلى وإبداء التزام أشد بالمؤسسة والتمتع بهوية أقوى ومستوى أعلى من الرضا الوظيفي والمهني على حد سواء، بالإضافة إلى فوائد على المستوى الشخصي، كصحة جسدية أفضل وتقدير أعلى للذات وسهولة في تحقيق التكامل بين الحياة الشخصية والعمل، بالإضافة إلى اكتساب مهارات أقوى فيما يخص بناء العلاقات. في أفضل الأحوال، يمكن للتوجيه تحويل حياة الموظف ومسيرته المهنية مع تعزيز فرص بقائه في العمل وتعظيم إمكاناته في نفس الوقت.

دور رعاة المواهب في الإرشاد

لا عجب أن الموظفين المحتملين اليوم يولون أهمية لتوفر التوجيه والإرشاد عند اختيار الشركة التي سيعملون لديها. تقدم أكثر من 70% من شركات مجموعة فورتشن 500 برامج التوجيه والإرشاد بشكل أو بآخر، غير أنه ليس لدينا أدلة على أن هذه البرامج تحقق أثراً واسع النطاق. إذ كشفت دراسة جديدة أجريت على 3,000 مهني في مختلف القطاعات أن قرابة نصفهم فقط حصلوا على التوجيه بأي شكل من أشكاله في حياتهم المهنية، و25% من هؤلاء حصلوا على التوجيه بصورته الرسمية. تستمر غالبية علاقات التوجيه والإرشاد بالتطور بصورة طبيعية، وربما كان الأمر الأشد إحباطاً هو أن نتائج البرامج الرسمية تأتي مختلطة في أفضل الأحوال. فعلى الرغم من أن بعض الموظفين الذين تم تعيين موجهين لهم يقولون إنهم حصلوا على نتائج ملموسة فيما يخص بناء العلاقات، يقول عدد كبير إنهم لم يشعروا بفائدة حقيقية ولا بارتباط أقوى بالعمل.

اقرأ أيضاً: التباعد الاجتماعي يجب ألا يؤثر سلباً على توجيه الموظفين وإرشادهم

إن كان ثمة نقطة ضعف وحيدة ثابتة في بنية التوجيه التنظيمي، فهي التوجيه الثانوي، أو التوجيه المتوسط، الذي قد يكون نتيجة لتعيين موجهين شديدي الانشغال أو غير مهتمين أو غير فاعلين، أو يفتقدون الكفاءة ببساطة. إذ غالباً ما يتم اختيار الموجهين المرتقبين عشوائياً، أو تطلب منهم المشاركة فحسب. كما لا يقدم القادة الموارد اللازمة للموجه أو لا يهتمون بتقييمه أو مكافأته. ومن دون منح الموجه حوافز قيّمة، من الطبيعي أن يصبح عمل التوجيه بالنسبة له واجباً إضافياً مضنياً، وتشتيتاً غير مشكور عن عمله الحقيقي الذي يحقق له الإيرادات والتقدم.

أضف إلى ذلك أنه في كثير من الأحيان، يفترض قادة البرامج خاطئين أن أي مدير ناجح سيكون موجهاً كفؤاً من دون الحصول على تدريب كثير، أو من دون تدريب على الإطلاق، وأن فن التوجيه والإرشاد هو مهارة فطرية أو سهلة الاكتساب. وبما أن كثيراً من المدراء لم يكن لديهم موجه من قبل، فهم لا يملكون الخرائط الذهنية لطرق التوجيه الجيدة. تشير الأدلة إلى أن تأثير التوجيه الضعيف على الموظفين أسوأ من عدم التوجيه على الإطلاق. فالموجه غير المعد كما يجب والذي لا يملك الكفاءة اللازمة لن يسيء إلى اسم التوجيه في المؤسسة فقط، بل سيضر بمستويات استبقاء الموظفين والتزامهم وتطويرهم، علماً أن رفع هذه المستويات هو الهدف من تقديم التوجيه في المقام الأول.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: مجالات التوجيه في الإدارة

إذا كنت تسعى لإنشاء برنامج توجيه في مؤسستك، أو لتحسين البرنامج الحالي فيها، فيجب عليك اتباع أسلوب مختلف. تتطلب الكفاءة في التوجيه امتلاك مهارات التوجيه الوظيفية، أو اتباع أهم الممارسات السلوكية للتوجيه الجيد واستراتيجياته كحد أدنى، ويمكن أن نعتبر هذه الأمور مهارات دقيقة قابلة للتعلم. على سبيل المثال، يعمل الموجهون العظماء باستمرار وبمهارة شديدة على تعزيز مهارات مثل الاستماع بإمعان والتأكيد، والتحدي وتقديم المعلومات الداخلية وبناء شبكات التعارف والظهور، والتعليم بالقدوة والتكيف الاجتماعي المهني والمناصرة ورفع مستوى المشاركة والزمالة. وهناك أدلة قوية على إمكانية غرس هذه المهارات وصقلها عن طريق تدريب الموجهين وتطويرهم.

اقرأ أيضاً: تعلم إرشاد الموظفين الذين لا يشبهونك

كما يجب اختيار الموجهين بعناية على أساس الفضائل والقدرات التأسيسية. إذ يتمتع الموجه البارع بفضائل مثل النزاهة الشخصية والحكم الجيد فيما يتعلق بالحدود والسرية، ويظهر ميلاً نحو الاهتمام بمن يتلقون التوجيه ويعمل من باب الحرص على مصلحتهم. تشمل القدرات الأساسية في بناء العلاقات التعاطف والوعي الذاتي الموجهين نحو الآخرين، ومن الطبيعي أن يتمتع الموجه ذو المستوى الرفيع بمستويات عالية من الذكاء العاطفي. يقول من يتلقون التوجيه أنه من أجل بناء الثقة والعلاقات الجيدة مع الموجهين، يجب أن يبدي الموجه التعاطف والصدق والتعامل السهل. وكي نكون واضحين، لن تتمكن ورشات تدريب الموجهين من غرس هذه المهارات والقدرات، بل يجب اختيار أشخاص يتمتعون بها أساساً ويظهرونها في تعاملهم اليومي.

كيف يمكنك اختيار الشخص الأنسب للعمل كموجه، ومن ثم إعداده ودعمه بما يكفي كي يحقق خبرات حقيقية في هذا الدور؟ خذ مثلاً نهج "الموجه الأستاذ" (Master Mentor) الذي أنشئ وتمت تجربته للمرة الأولى في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز عام 2012.

لاحظ قادة كلية الطب مستويات إنهاك مرتفعة بين أعضاء هيئة التدريس المبتدئين، وخصوصاً النساء اللاتي غالباً ما يشتكين من شعورهن بأنهن غير مرئيات وغير مدعومات. لم يكن توجيه أعضاء هيئة التدريس المبتدئين أمراً معتاداً آنذاك، وجاء بصورة اعتباطية في ثقافة شديدة التنافسية قائمة على مبدأ "انتشر أو اندثر". ومن أجل معالجة هذه المسألة، قررت الجامعة القيام بتجربة ثورية تتمثل بعكس صورة التوجيه بحيث أصبح اختيار الموجه عملية تنافسية تترافق بالامتيازات الإضافية والتقدير.

صمم نهج الموجه الأستاذ بهدف إنشاء مجموعات من الموجهين الذين يتمتعون بخبرة كبيرة وكانوا قد حصلوا على درجة عالية من التدريب، والذين يعملون بكفاءة على تعزيز الرفاهة الشخصية والمسارات المهنية لمن يتلقون التوجيه، إلى جانب الاستعداد للعمل كمصادر ومدربين للموجهين الأقل خبرة. يسرّع الموجه الأستاذ تقدم الموظفين ذوي الكفاءات العالية مع الارتقاء بجودة التوجيه في مؤسسته في نفس الوقت. فيما يلي، نذكر أبرز الخطوات في النموذج الذي طورته الجامعة:

اقرأ أيضاً: تحليل دايس وغرو أداة جديدة للمدراء لتقديم الملاحظات والتوجيه

1- تطلب الجامعة من المدراء تسمية مرشحين للعمل كموجهين مع التأكيد على ضرورة امتلاكهم سجلاً ملائماً من أعمال التوجيه القوي غير الرسمي. من هم الموظفون ما بين المستوى المتوسط والمستوى الإداري الأعلى الذين ينجذب إليهم الموظفون الجدد بصورة طبيعية طلباً للنصيحة والمشورة؟ من هم الأشخاص الذين يعتبرهم الموظفون المبتدئون الموجهين الأكثر سخاء وعطفاً و"أماناً"؟ من منهم يتمتع بأعلى مستوى من الذكاء العاطفي، وأفضل مهارات التواصل وسجلاً حافلاً برعاية نجوم الموظفين الصاعدين على سلم النجاح؟ (لا تعلم على وجه اليقين من هم هؤلاء؟ إذن، اسأل عنهم موظفيك المبتدئين).

2- تختار لجنة مجموعة من أفضل المرشحين من كل قسم، وعلى مدى ستة أشهر، تجتمع هذه المجموعة بصورة روتينية في ورشات رفيعة المستوى لبناء المهارات لدى الموجهين، ومناقشة الحالات في جلسات تتخللها وجبات الغداء. وتتضمن هذه النقاشات التشاور مع خبراء في الموضوع محل النقاش، وزيارة كبار القادة للورشة لتعزيز التزام المؤسسة بثقافة التوجيه، ونقاشات بشأن الاستفادة من التوجيه من أجل تسريع تبني سياسات التنوع والمساواة والشمول.

3- عد انتهاء هذا التدريب، تصدر شهادات الموجه الأستاذ، وتسجل في ملفات الموجهين لدى شؤون الموظفين، ويصبح بإمكان الموجهين القيام بمزيد من أعمال التوجيه في أماكن عملهم.

4- يتم اختيار مجموعة جديدة من الموجهين وتدريبهم كل عام، من أجل تحويلهم إلى موجهين استثنائيين يتغلغلون في المؤسسة تدريجياً.

استقينا من هذا البرنامج التجريبي بعض الدروس المهمة. أولاً، نحن بحاجة إلى الموارد من أجل إدارة هذه البرامج ودعم الموجهين الأساتذة كي يتمكنوا من تخصيص جزء من الوقت لهذا العمل ومنحه الأولوية حتى وإن كانت جداول أعمالهم مزدحمة أساساً. ثانياً، يتطلب إنشاء ثقافة التوجيه الممتاز في المؤسسة والاحتفاء بها مشاركة القيادة بمستوياتها كافة. تساعد المكافآت والتقدير العلني وغيرها من الامتيازات الإضافية في بناء رسالة واضحة عن الأولويات في المؤسسة وتعزيزها، كما تعزز الفعاليات السنوية ومراسم التخرج التي تحتفي بالموجهين الأساتذة إحساسهم بالانتماء إلى المجتمع، وتعزز التعارف وتبادل الاستشارات فيما بينهم على اعتبارهم نظراء.

وفي نهاية الحديث عن دور رعاة المواهب في الإرشاد ضمن الشركات، ما هذا النهج إلا إحدى الطرق التي تمكنك من تحسين خيارات التوجيه والإرشاد في مؤسستك. سواء كانت برنامجاً رسمياً أو ثقافة توجيه غير رسمي أو مزيجاً منهما، فقد آن الأوان للتخلص من التوجيه الثانوي عن طريق تغيير الرواية الخاصة بأولوية العلاقات التطويرية، واختيار الموجهين بعناية وتدريبهم والارتقاء بهم.

اقرأ أيضاً: المرشدون العظماء يركزون على الشخص بشكل عام وليس على مساره المهني

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي