كيف يتفوق الرجال في العمل بفضل الحماس على حساب مهارات النساء؟

4 دقيقة
برامج دعم الموظفين الواعدين
ماتياس كلامر/غيتي إميدجيز

تستخدم المؤسسات برامج دعم الموظفين الواعدين على نطاق واسع لتحديد الموظفين الذين تتوقع نجاحهم في المناصب القيادية في المستقبل وتسريع تقدمهم المهني. وتعتمد هذه البرامج في كثير من الأحيان على معايير غير موضوعية، مثل حماس الموظف لعمله، وتعتبرها مؤشرات للتنبؤ بقدرته على النجاح في المستقبل.

على الرغم من أن الاعتماد على الحماس يبدو منطقياً وغير إشكالي للوهلة الأولى، فبحثنا المنشور في مجلة العلوم التنظيمية (Journal Organization Science) يكشف أن تقييم الحماس قد يتأثر بالتحيزات الشخصية، وهو ليس موضوعياً كما يظن البعض؛ إذ نلاحظ أنه عندما يعبر الرجل عن حماسه فغالباً ما يُعتبر مؤشراً واعداً على الاجتهاد والقدرة القيادية؛ لكن عندما تُظهر المرأة الحماس نفسه تواجه رد فعل مختلفاً يرى أن تعبيرها عن حماسها سلوكٌ غير مناسب، ما يؤدي إلى خلق فجوة مقلقة بين الجنسين في الوصول إلى المناصب القيادية؛ لأن تعبير الرجل عن حماسه يفتح له أبواب الترقي بينما يعرّض المرأة للعقاب.

لماذا تختلف نتائج الحماس بين الرجل والمرأة؟

درسنا في بحثنا احتمالية تفضيل الرجل على المرأة عند اختيار المستفيدين من برامج دعم الموظفين الواعدين وأسباب هذا التفاوت في تقييم إمكاناتهما. ووجدنا أن أحد التفسيرات يكمن في استجابة مسؤولي التقييم لكيفية إظهار كل من المرأة والرجل للسمات التي يولونها أهمية في اختيار المشاركين في مثل هذه البرامج. ولاحظنا على وجه التحديد اختلاف تفسير المظاهر المعبّرة عن الحماس بين الرجل أو المرأة، مثل تألُّق العينين والإيماءات الحماسية وتغيُّر نبرة الصوت؛ ففي حين يجني الرجل فوائد إظهار الحماس، لا تجني المرأة أي فائدة في أغلب الأحيان، بل يؤدي إظهارها السلوك نفسه إلى نتائج عكسية في كثير من الحالات.

كيف يحدث التحيّز ضد المرأة عند تقييم السلوك نفسه ولماذا؟ توصلت أبحاثنا إلى مسارين رئيسيين يشكلان أساس هذا التحيّز.

الميزة الذكورية: الاجتهاد

عندما يعبر الرجل عن حماسه، يستنتج مسؤولو التقييم أنه سيكون أكثر اجتهاداً أو أكثر رغبة في بذل جهده ووقته للعمل. وهذا الاستنتاج مفيد جداً للرجال الأكفاء، حتى لو لم يكونوا من أصحاب الأداء المتميز.

لا تنطبق هذه الميزة إلا على الرجل؛ لأن التوقعات المجتمعية تفترض أن الرجل أقل اجتهاداً بطبيعته مقارنةً بالمرأة. ولك أن تنظر مثلاً إلى الصورة النمطية "للعبقرية غير المستثمَرة"، حيث يُنظر إلى الرجل على أنه لا يستثمر قدراته بالكامل بسبب عدم بذل الجهد الكافي أو عدم التركيز، ما يعني أنه إذا عمل بجدية أكبر فسيقدّم أداءً أفضل. وبالتالي، وبسبب هذا المعيار المتدني لتقييم قدرات الرجل، عندما يُظهر حماسه للعمل، يُنظر إلى هذا الحماس باعتباره مؤشراً على تفانيه الاستثنائي. يرفع هذا التفسير مكانة الرجال الذين يمكن وصف مستوى أدائهم بـ"دون المستوى المطلوب" أو "العادي" إلى فئة الموظفين الواعدين، حيث تمنحهم شركاتهم القدرة على الوصول إلى الموارد والفرص التي تعزز مسيرتهم المهنية.

عقوبة المرأة: الملاءمة

على عكس ما يحدث مع الرجل، وبسبب الصور النمطية المجتمعية التي تربط المرأة بسمات مثل الاجتهاد والعمل الجاد، فإن المرأة التي تعبّر عن حماسها لا يُنظر إليها على أنها "مجتهدة بدرجة استثنائية" بل "مجتهدة على النحو المتوقع".

يؤدي هذا التصور بأنها تلبي ببساطة التوقعات المطلوبة منها إلى تقليل أثر حماسها في تقييمات الموظفين الواعدين.

والأسوأ من ذلك أن تعبير المرأة عن حماسها قد يعتبر نوعاً من المبالغة في إظهار العاطفة قد يراها البعض سلوكاً غير لائق، ما يقلل احتمالات اختيارها للمشاركة في برامج دعم الموظفين الواعدين. ومع تزايد التركيز على الحماس في أماكن العمل المعاصرة، تخلق التوقعات حول مستويات الحماس المقبولة مشهداً معقداً للمرأة. وللتعامل مع هذه التعقيدات العاطفية، تواجه المرأة عبء العثور على طرق للتعبير عن الحماس بأسلوب يلقى استحسان مسؤولي التقييم دون مخالفة المعايير غير المعلنة للملاءمة.

تؤدي هذه المسارات مجتمعة إلى خلق مشكلة مزدوجة؛ فهي تعمل على ترقية الرجال الذين يمتلكون قدرات دون المستوى المطلوب، في حين تعمل على تهميش النساء اللاتي يمتلكن قدرات مماثلة.

ومثلما أوضحت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين أولبرايت: "يخصص العالم حيزاً كبيراً لنجاح الرجال الذين يمتلكون قدرات دون المستوى المطلوب؛ ولكنه لا يتيح أي حيّز لنجاح نظيراتهم من النساء".

الحد من التحيز في برامج دعم الموظفين الواعدين

غالباً ما تعتبر برامج دعم الموظفين الواعدين حلولاً تهدف إلى تعزيز التنوع في المواهب ومعالجة التفاوت المنهجي في صفوف القيادة، وهي تهدف إلى تحقيق تكافؤ الفرص وزيادة تمثيل المرأة في المناصب العليا من خلال تحديد الموظفين ذوي الإمكانات المبشِّرة وتطوير قدراتهم في وقت مبكر.

تسلط نتائجنا الضوء على ضرورة تدقيق المؤسسات في عمليات اختيار المستفيدين من برامج دعم الموظفين الواعدين، خاصة التي تركز على معايير غير موضوعية مثل الحماس. وإليك بعض الاستراتيجيات العملية التي يمكن تنفيذها في المؤسسات لمعالجة هذه المشكلة:

1. أعطِ الأولوية للمعايير الواضحة والموضوعية

ركِّز قدر الإمكان على المؤشرات الملموسة والموضوعية لتقييم الإمكانات بدلاً من استخدام معايير غير موضوعية مثل الحماس؛ إذ توفر سمات مثل الإنجازات العملية والقدرة على حل المشكلات ونتائج المشروعات أساساً أكثر إنصافاً لتقييم الإمكانات.

2. شجِّع المحادثات المباشرة بدلاً من التركيز على المظاهر العاطفية

بدلاً من الاعتماد على التفسيرات أو الافتراضات الضمنية لتقييم حماس الموظف واجتهاده بناءً على تعبيراته العاطفية، ينبغي للمدراء الدخول في محادثات بنّاءة مع الموظفين لقياس التزامهم ودافعيتهم من منظور شامل؛ فقد أثبتت أبحاثنا أن المؤشرات التي تدل على الحماس دون الاعتماد على التعبيرات العاطفية الظاهرة أقل عرضة للتحيّز ضد المرأة.

3. وسِّع معايير اختيار الموظفين الواعدين

وسِّع معايير تقييم الإمكانات لتشمل مزيجاً من القيم الشخصية والأهداف ومجموعات المهارات التي تساعد على تقديم صورة أكثر شمولاً ودقة لمؤهلات الموظف. يقلل هذا النهج الشمولي الاعتماد على سمة واحدة غير موضوعية، ما يحد من إمكانية تأثُّر القرارات المُتخَذة بأي تحيزات.

4. احرص على إجراء مراجعات دورية لكشف التحيزات

احرص على إجراء تقييمات دورية لبرامج دعم الموظفين الواعدين لتحديد أشكال التحيّز ضد المرأة أو غيره من أشكال التحيّز في اختيار المشاركين؛ فبدراسة الأنماط المتكررة في اعتبار الموظف واعداً وأسباب هذا التصنيف تستطيع الشركات تحديد مَواطن الخلل في هذه المرحلة الحاسمة بالمسار المهني للموظف.

5. فكِّر في رفع مستوى المعايير للرجال ذوي الأداء المتوسط.

بما أن الرجال ذوي الأداء العادي غالباً ما يحصلون على تقدير أعلى عند التعبير عن حماسهم، يجب التفكير في رفع معايير أدائهم من خلال توقع مستويات أعلى من الاجتهاد، مثلاً، لتعادل التوقعات المطلوبة من النساء. يضمن هذا النهج إعطاء أولوية التقدم المهني للموظفين الذين يحققون إنجازات عملية ويتمتعون بمؤهلات استثنائية فعلاً، ما يساعد على الحد من التحيّز ضد المرأة الذي يمنح الأفضلية للرجال على الرغم من امتلاكهم "قدرات دون المستوى المطلوب".

أثبت بحثنا أن الحماس ليس معياراً موضوعياً، على الرغم من اعتباره مؤهلاً رئيسياً لاختيار المستفيدين من الكثير من برامج دعم الموظفين الواعدين؛ فالتحيز ضد المرأة في تقييم الحماس يؤدي إلى منح الترقيات للرجال العاديين الذين يعتبرون أكثر حماساً، بينما تحرم منها النساء اللواتي يظهرن القدر نفسه من الحماس. ووظيفة برامج دعم الموظفين الواعدين هي إنشاء مسارات عادلة للوصول إلى المناصب القيادية، لكنها تسهم بكل أسف في استمرار عدم المساواة -بدلاً من معالجته- ما لم تتخذ المؤسسات خطوات فعّالة لمعالجة هذه التحيزات.

وبالإصرار على اتخاذ التدابير الموضوعية واتباع أنظمة تقييمية شاملة والدخول في محادثات مباشرة مع الموظفين ومراجعة معايير الاختيار، تستطيع المؤسسات تعزيز نهج أكثر شمولاً وعدالة لتحديد قادة المستقبل وتطوير مهاراتهم وقدراتهم. وعندما تكافئ برامج دعم الموظفين الواعدين أصحاب المواهب الحقيقية دون تحيز ضد المرأة، فستتمكّن من تحقيق هدفها المتمثل في بناء فرق قيادية متنوعة ومتميزة الأداء تعكس التنوع الحقيقي في مواهب الموظفين في المؤسسة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي