تخيل أنك مواطن أميركي تنتمي للطبقة المتوسطة، لديك تعليم متوسط، ومهارات متوسطة، ثم حصلت على وظيفة، فما هي الفرص التي ستقفز بك في العام التالي إلى فئة أعلى ثلث في أصحاب الدخول؟
والإجابة هنا: إن الأمر سيعتمد قليلاً على الشركة التي تعمل بها.
بالنسبة للعمال ذوي المهارات المتوسطة المنتمين للطبقة المتوسطة في الشركات منخفضة الأجور، فإن فرصة انتقالهم إلى الثلث الأعلى من سلم توزيع الدخل لم تتجاوز 0.6%، وفقاً لورقة بحثية حديثة حللت البيانات الإحصائية الأميركية من عام 1990 إلى عام 2013. أما عمال الطبقة المتوسطة ذوو المهارات المتوسطة في الشركات متوسطة الأجور، فكانت فرص ارتقائهم في العام التالي 2.6%، فيما راحت الفرص الأفضل لعمال الطبقة المتوسطة ذوي المهارات المتوسطة في الشركات مرتفعة الأجور، والتي وصلت إلى قرابة 12%. (تقسم الورقة البحثية أصحاب الدخول، ومجموعات المهارات، والشركات إلى ثلاثيات، "مرتفعة الأجور" وتعني بها الثلث الأعلى للشركات، و"متوسطة الأجور" وتعني الثلث الأوسط، و"منخفضة الأجور" وتعني الثلث الأدنى. ينطبق الأمر نفسه على مجموعة المهارات. وكذلك ينطبق على أصحاب الدخول، فأنا أستخدم "الطبقة المتوسطة" للإشارة إلى الثلث الأوسط من أصحاب الدخول).
ففي الواقع، لا يعد مكان عملك مهماً فقط لتحديد حجم دخلك وإنما أيضاً لحراكك الاقتصادي، بمعنى أنه سيحدد كم يرتفع أو ينخفض دخلك على مدار حياتك. إذا بدا ذلك واضحاً، فكّر كم مرة تُستبعد فيها الشركات تماماً من محادثات الحراك الاقتصادي بدلاً من التركيز على التعليم أو المهارات أو المنطقة الجغرافية.
وتندرج الورقة البحثية الجديدة التي أعدها كل من جون أبوود من "مكتب الإحصاء الأميركي"، وكيفن ماكيني من "مركز بيانات أبحاث الإحصاء في كاليفورنيا" (California Census Research Data Center)، ونيللي تشاو من "جامعة كورنيل"، ضمن الأدبيات المتنامي، والتي تربط بين كيفية دفع الشركات المختلفة وزيادة عدم المساواة في الدخل عبر الاقتصادات الأكثر ثراءً. وفي مقال نشر مؤخراً في "هارفارد بزنس ريفيو"، أشار نيكولاس بلوم من "جامعة ستانفورد" إلى أن عدم المساواة بين الشركات يفسر معظم النمو في عدم المساواة بين الأميركيين منذ عام 1980، وهو ناتج عن اقتصاد الفائز يأخذ كل شيء.
وبالعودة للورقة البحثية، استخدم أبوود وزملاؤه تقنيات إحصائية قياسية لتقدير حجم دخل العامل المتعلق بخصائصه التي تميزه (مثل المهارات والخبرات وما إلى ذلك) من ناحية، وحجم الدخل المتعلق بالشركة التي يعمل فيها من ناحية أخرى. وقاموا بالتحكم في العديد من العوامل ذات الصلة التي قد تكون مؤثرة مثل النوع والعرق، والدوام الجزئي مقابل الدوام الكلي، وقوة سوق العمل في كل عام. ويجب أن يكون الجزء المتعلق بالعامل يقيس المهارة، بينما يقيس الجزء الخاص بالشركات الأجور التي تدفعها الشركات المختلفة بغض النظر عن الموظف الذي تقوم بتعيينه.
وكتب المؤلفون في الورقة: "نظهر أن العامل النموذجي الذي يملك أي نوع من المهارات سوف يستفيد من العمل في شركة متوسطة الأجور مقارنة بشركة منخفضة الأجور"، مضيفين: "لكن الاستفادة الكبرى ستكون من نصيب العمال أصحاب أي نوع من المهارات الذين يعملون في الشركات مرتفعة الأجور مقارنة بغيرهم". إذاً، نستنتج أن عمال الطبقة المتوسطة من أصحاب المهارات المتوسطة هم أكثر عرضة للصعود، إلى حد ما، في سلم توزيع الأجور إذا كانوا يعملون في شركة متوسطة الأجور بالمقارنة بأخرى منخفضة، لكن الفارق الكبير سيكون بين العمل في شركة مرتفعة الأجور وبين أي شركة أخرى.
علاوة على ذلك، وجد الباحثون أنه بمجرد أن يجد العمال تلك الشركات مرتفعة الأجور، فإنهم سيتمسكون بالبقاء فيها. إذ قال أبوود: "بمجرد أن تصبح محظوظاً بما يكفي للعثور على وظيفة في شركة ذات أجور مرتفعة، ستحصل على امتيازاتها بغض النظر عن موقعك في سلم توزيع المهارات. ومن المرجح أن تبقى على وضعك. فإذا كنت محظوظاً بما يكفي للعثور على إحدى هذه الوظائف، فمن المحتمل أنك لن تتركها".
وبالنسبة إلى أبوود، فإن اللغز هو ما يمكّن الشركات من تحمل هذه الأجور المرتفعة. وقال: "في العديد من الحالات، تكون هذه الشركات هي الأكثر نجاحاً في قطاعاتها". إذ من خلال خلق مزيج من التوقيت والحظ والملكية الفكرية والأصول القيمة والفريق الصحيح من الموظفين، تكون الشركة قد أنشأت خندقاً يصارع المنافسون لعبوره. في الاقتصاد، يُسمى هذا الوضع بالغموض، ولكن في مجال الاستراتيجية، يُطلق عليه النجاح.
أما الأمر المقلق هنا هو الفجوة المتزايدة بين الشركات التي اكتشفت استراتيجية تدعم بها الأجور اللائقة وبين الشركات الأخرى التي لم تفعل ذلك. فيبدو أن هناك عدداً قليلاً من الشركات يعمل بشكل جيد ويدفع أجوراً جيدة، بينما تتخلف البقية عن الركب. وبينما يجادل البعض أن فجوة الإنتاجية هذه ناتجة عن قلة المنافسة، ترجعها أبحاثاً ناشئة متنامية إلى التكنولوجيا.
وفي شهر مارس/أذار 2017، قدم أندي هولدين، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا (Bank of England)، تفسيراً آخر للفجوة المتزايدة بين الشركات البريطانية الأكثر إنتاجية وغيرها. فقال في خطاب ألقاه في "كلية لندن للاقتصاد": "تعتقد معظم الشركات أن لديها مستويات إنتاجية أعلى من المتوسط لنفس السبب الذي يجعل معظم مُلّاك السيارات يعتقدون أنهم سائقون لديهم مهارات في القيادة أعلى من المتوسط". وبمعنى آخر، لا يدرك العديد من المسؤولين التنفيذيين مدى سوء إدارتهم لشركاتهم.
والإدارة لا شك مهمة، ليس فقط لنجاح الشركات ولكن لنمو اقتصادات بأكملها. فقد يكون لها على الأقل دور ما في تحديد الحراك الاقتصادي للموظفين أيضاً. وهكذا، تعتمد فرص الأفراد في تسلق السلم الاقتصادي على مدار حياتهم على مكان عملهم إلى حد ما، فإذا كان لدى الشركة الاستراتيجية، ونموذج العمل، والقيم التي تُمكّنها من دفع أجور مرتفعة، فإن ذلك معتمد بشكل جزئي على حسن إدارتها.