تعرف على مواصفات المفاوض الناجح

4 دقائق
ماهي مواصفات المفاوض الناجح؟

على الرغم من وجود مئات الكتب التي تتحدث عن كيفية التفاوض بطرق أكثر فاعلية، وعن صفات المفاوض الناجح، فإن النصائح التي تقدمها هذه الكتب غالباً ما تكون صعبة التطبيق، ويرجع ذلك إلى 3 أسباب تتعلق بموضوع مواصفات المفاوض الناجح. أولها، أن هناك عدداً كبيراً جداً من الخصائص السياقية التي تدعم كل عملية تفاوض، ومن ثم لا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع. ثانيها، أن فاعلية كل استراتيجية تعتمد اعتماداً جزئياً على الخلفية الشخصية للمفاوضين من ناحية من هم؟ وماذا يريدون؟ وكيف يتواصلون؟ ثالثها، أن العديد من العوامل التي تحدد نتيجة المفاوضات ترجع إلى أسباب عاطفية وليست منطقية، ما يتطلب فهماً نفسياً عميقاً للمشاركين في التفاوض.

مواصفات المفاوض الناجح

من حسن الحظ أن أبحاث الشخصية توفر دروساً قيمة في التنبؤ بقدرة الفرد على التفاوض بفعالية. إذ يدل توافر بعض السمات بوضوح على إمكانات جيدة للتفاوض، في حين أن البعض الآخر يمثل عائقاً لا عاملاً مساعداً. لا يعني هذا أن الأشخاص لا يمكن تحسين مستواهم في التفاوض، بل يعتمد نجاحهم على قدرتهم الإدراكية لطبيعة شخصيتهم وطبيعة شخصية الطرف الآخر.

ويأتي الذكاء العاطفي في صدارة السمات التي تعمل على تحسين قدرات الأفراد في التفاوض، واكتساب صفات المفاوض الناجح. وعلى الرغم من ظهور الذكاء العاطفي حديثاً في مجال السمات الشخصية، يعرض باحث "جوجل" العلمي عدداً مدهشاً من نتائج البحث عن الذكاء العاطفي والتفاوض بلغ 131,000 نتيجة.

وتسلط معظم هذه المقالات الضوء على الجوانب المفيدة للذكاء العاطفي مقابل التفاوض. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجراها أساتذة كلية "وارتون" و"معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (إم آي تي)، أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات ذكاء عاطفي أعلى غالباً ما يحفزون حالة مزاجية إيجابية في نظرائهم ضمن المفاوضات ويجعلونهم أكثر ارتياحاً لما توصلت إليه المفاوضات من نتائج. ويُفضي الذكاء العاطفي أيضاً إلى مستويات أعلى من الرضا عن نتائج التفاوض الخاصة بفرد ما بغض النظر عن النتيجة الموضوعية. والأهم من ذلك أن الذكاء العاطفي يرتبط بمستويات مرتفعة من ضبط النفس والتمتع بشخصية محبوبة، ولا شك أن هذا يمثل مزيجاً قوياً عندما يتعلق الأمر بالانخراط مع الآخرين في المواقف المشحونة عاطفياً.

ويميل الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات أعلى من الذكاء العاطفي (وكأن كل هذا ليس كافياً) إلى أن يكونوا أكثر وعياً بذاتهم، ومن ثم يكونون أكثر قدرة على إدراك الكيفية التي يراهم بها الآخرون، وهي ميزة فائقة دائماً وليس أثناء المفاوضات وحسب.

وهناك سمة أخرى أظهرت ارتباطاً قوياً بموضوع صفات المفاوض الناجح، ألا وهي القدرة المعرفية (الذكاء العقلي). فقد ثبت من خلال إجراء استعراض تحليلي تلويّ يفحص حوالي 5 آلاف دراسة، أن القدرة المعرفية المرتفعة وما يتعلق بها من تكوين إدراكي معقد تتنبأ بأداء أفضل خلال التجارب المختبرية التي أجريت على المفاوضات، مثل معضلة السجين. ففي حين أن الفرد يمكنه التوقع بوضوح تعزيز القدرة المعرفية من أداء التفاوض، أظهرت الأبحاث أيضاً نتيجة أكثر إثارة للدهشة، وهي أن الأشخاص أصحاب القدرة المعرفية المرتفعة يميلون للدخول في المفاوضات بطريقة أكثر تعاونية أو تعاضدية، حيث يتعاملون مع نظرائهم في التفاوض كشركاء ويتبنون استراتيجيات تحقيق المكاسب للجميع والتي تحقق الرضا للطرفين على حد سواء.

كما أظهر التحليل التلويّ ذاته أن أحد أقوى العوامل الشخصية في صفات المفاوض الناجح يتمثل في الرصد الذاتي، الذي يُعرف بأنه الاتجاه لدراسة سلوكيات الفرد والانطباعات التي نتركها في الآخرين. وهذا أمر منطقي: فجميعنا يمتلك نماذج عقلية لتفسير سلوكيات الآخرين، وإدراك هذه النماذج هو مفتاح التأثير على كيفية نظرة الناس إلينا. فالأشخاص الأنانيون النرجسيون، الذين يظنون أنه بإمكانهم "العيش لأنفسهم فقط" دون اعتبار لرأي الآخرين فيهم، غالباً ما يُحتفى بهم في العالم الغربي لثقتهم بأنفسهم وإيمانهم بذاتهم. ومع ذلك، تقضي الحقيقة بأن هؤلاء الأفراد سوف يفتقدون لمفاتيح اجتماعية مهمة ويتعرضون للنقد السلبي وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين، وسوف يمثل كل هذا عائقاً أمامهم أثناء المفاوضات.

اقرأ أيضاً

ما هي السمات التي تنطوي على مشاكل عندما يتعلق الأمر بالتفاوض؟

ترتبط العصبية التي تتعلق بضعف الاستقرار العاطفي والميل للمعاناة من الآثار السلبية بالعديد من استراتيجيات التفاوض غير الفاعلة، مثل الاتجاه المفرط للمساومة والشكوى وإثارة العداوة بين الأقران. علاوة على ذلك، تقلل العصبية من مدى رضا الفرد عن نتائج المفاوضات، حتى عندما تكون هذه النتائج إيجابية بالفعل.

ومن ناحية أخرى متعلقة بموضوع صفات المفاوض الناجح، نجد أن المكيافيلية (وهي جانب مظلم للسمة الشخصية) ترتبط بالميل للتلاعب بالآخرين واستغلالهم والتصرف بطرق محفوفة بالمخاطر ومعادية للمجتمع، وتحفز الأفراد على استهلال المفاوضات وتتنبأ بأساليب التفاوض الإيجابية. ومع ذلك، توحي بعض الشواهد بأن الأشخاص المكيافيليين يكون أداؤهم سيئاً بالفعل في المفاوضات، وربما يكون السبب في ذلك شعورهم المفرط بالمنافسة والعدوانية أو التصرف بطيش. وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى حقيقة أنه ليس لدى كل المكيافيليين مهارات اجتماعية متطورة، بل الكثير منهم متهور جداً.

الأهم من ذلك كله أنه على الرغم من أن شخصياتنا تؤثر بالتأكيد على كيفية تصرفنا غالباً أثناء المفاوضات، فإننا ما زلنا أحراراً في اختيار الطريقة التي نتصرف بها، ومن ثم فهذا ليس نموذجاً قطعياً. ولكن، لكي نتمكن من السيطرة على شخصيتنا، نحتاج إلى فهمها أولاً من أجل اكتساب صفات المفاوض الناجح.

وفي نهاية الحديث عن صفات المفاوض الناجح، من المهم جداً أن نتفهم ميولنا واستعداداتنا الافتراضية إذا كانت لدينا الرغبة في تغييرها، أو على الأقل كبحها أثناء المفاوضات. وكما قال الفيلسوف العظيم جان جاك روسو: "هناك أوقات أبدو فيها مختلفاً جداً عن طبيعتي لدرجة أنني أشعر وكأنني شخص آخر ذو طبيعة مغايرة تماماً". ومن المنطلق نفسه، يُمكّنك إدراك شخصيتك من استغلال نمطك الطبيعي في المواقف التي تلائمها، حيث تكمن الموهبة إلى حد كبير في وضع الشخصية المناسبة في المكان المناسب، وبهذا ستتمكن من اكتشاف مواصفات المفاوض الناجح في داخلك.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي