يمكن أن يؤدي أداء سلسلة لا تنتهي من المهام الشاقة في العمل إلى إصابتنا بالإنهاك والانهيار؛ فالمواعيد النهائية والاجتماعات والمشاريع وبرامج التدريب المستمرة جميعها تستنزف جهدنا ووقتنا، ما يجعلنا غير قادرين على استعادة نشاطنا وطاقتنا. ولكن يمكننا إنجاز المهام بأسهل الطرق لتوفير طاقتنا، وذلك عبر تلقي التوجيه الفعّال من المشرفين.
تندرج مهمة "تقديم التوجيه" عادة في قائمة الأولويات. وفي حين أن تقديم التوجيه يشعرنا بالرضا وبأننا نخدم هدفاً، إلا أنه قد يكون منهكاً للقوى. ورغم أن الكثير من الدراسات تركز على الاستراتيجيات العامة للتوجيه، التي تجيب عن أسئلة "لماذا وما ومَن وأين ومتى"، فإن استراتيجيات توفير الوقت والطاقة غالباً ما يتم تجاهلها.
ما هو "التوجيه الموفر للطاقة"؟
في مواجهة جائحة نهايتها لا تلوح في الأفق، يجب المحافظة على طاقتنا بينما نقدم التوجيه للآخرين. يمكنك تقديم التوجيه بطريقة فعالة تفيد المتدربين وتزيد ثقتهم وتوسع نطاق شبكة علاقاتهم، مع المحافظة على طاقتك أيضاً. نسمي هذا النهج "التوجيه الموفر للطاقة".
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: التوجيه في الإدارة
والهدف من هذا النهج واضح: أن تصبح موجهاً أكثر مهارة وبراعة لمجموعة أكبر من المتدربين بينما تستهلك قدراً أقل من طاقتك ووقتك. لا يقتصر هذا النهج على إيجاد طرق لتحقيق أقصى استفادة من جهودك فحسب. فمن خلال وضع حدود وتوقعات واضحة، من الممكن تطوير المهارات المهمة وتوفير شبكات علاقات أقوى قد تكون أكثر فائدة للمتدربين على المدى الطويل.
يُعد توضيح التوقعات الأساسية نقطة انطلاق جيدة. في البداية، يجب أن يدرك الموجهون تفضيلاتهم. لذلك فكر في توقعاتك المتعلقة بمسؤوليات المتدربين، ثم جهز وثيقة تضم المعايير واحفظها لاستخدامها في المستقبل. على سبيل المثال: يجب أن يتسم المتدربون بالنشاط والسرعة وأن يضعوا جدول الأعمال وينظموا دعوات حضور الاجتماعات في جدول المواعيد (بما في ذلك إدراج روابط حضور الاجتماعات الافتراضية) وإنجاز بنود العمل.
يمكن أن تقدم القوائم الجاهزة توجيهات ودية ولكنها مباشرة لكل متدرب في بداية العلاقة بين الموجه والمتدرب. وفي أثناء هذه العلاقة يمكن للموجه والمتدرب مراجعة الوثيقة معاً وتحسينها. وفّر السياق وأخبر المتدرب أن هذه المعايير ستزوده بمهارات التنظيم والقيادة وستجعلك، بصفتك الموجه، مركّزاً على الاحتياجات الأكثر أهمية للمتدربين.
يتألف جزء مهم من تحديد التوقعات بصفتك موجهاً في وضع ميزانية لمقدار الوقت الذي تتوقع أن تقضيه سنوياً؛ على سبيل المثال، يمكنك تخصيص ساعتين إلى 6 ساعات سنوياً لكل متدرب بناءً على احتياجاته. شارك ميزانية الوقت الخاصة بك مع المتدرب. فهذا يسمح للمتدربين بالنظر إلى وقت الموجه على أنه عملة وتجهيز الأفكار والأسئلة قبل التواصل معه. ويمنحهم أيضاً الاستقلالية والثقة ويشجعهم على حل المشكلات بأنفسهم قبل تحديد موعد لعقد اجتماع.
وهذا لا يعني أنه لا ينبغي للموجهين الترحيب بالأسئلة، بل إنهم أكثر قدرة على توجيه المتدربين بعد دراسة الخيارات المتاحة أمامهم مسبقاً. لذلك، لاستهلاك طاقتك بفاعلية، انظر ما إذا كان من الممكن حل المشكلة بكفاءة عبر البريد الإلكتروني وفكر في تقليل مدة الاجتماعات مع المتدربين من 60 دقيقة إلى 40 دقيقة. وحوّل الاجتماعات التي تستغرق 30 دقيقة إلى اجتماعات قصيرة مدتها 20 دقيقة أو 10 دقائق.
وبعد ذلك، أعد النظر في الكيفية التي تنظم بها الاجتماعات مع المتدربين. عادة ما تكون العلاقة بين الموجه والمتدرب ثنائية: حيث يلتقي شخصان ويناقشان موضوعات تُصاغ غالباً في إطار موضوعات، مثل النمو المهني أو النزاعات الشخصية أو تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية.
وفي كثير من الأحيان، يجري الموجهون محادثات مماثلة مع عدد قليل من المتدربين كل على حدة، والإجابات التي يقدمونها لأحد المتدربين ستكون مناسبة للآخرين أيضاً. مع وضع ذلك في الاعتبار، بدلاً من قضاء 5 ساعات في الاجتماع مع 5 متدربين كل على حدة، فكر في دمج اجتماعات المتدربين الخمسة في اجتماع واحد لمدة ساعة. (من المنطقي اقتطاع هذه الساعة الواحدة من ميزانية الوقت الخاصة بكل متدرب).
فوائد "التوجيه الموفر للطاقة"
بالإضافة إلى توفير الوقت، لهذا النهج مزايا أخرى أيضاً: في إطار الفريق، يمكن للمتدربين تبادل وجهات النظر مع بعضهم بعضاً وتقديم التوجيه من زميل إلى زميل. وهذا يوفر الدعم والتأييد عندما يسمع المتدربون المصاعب المماثلة والتطلعات غير المحققة لزملائهم. ويسمح للمتدربين أيضاً ببناء مساحات ثقة وشبكات علاقات شخصية بصفتهم فريقاً من خلال مناقشة الأمور الخاصة في اجتماعات فردية. من خلال الجمع بين المتدربين، فإنك تؤثر على المزيد من المتدربين وتحدّ من إجهاد جدول مواعيدك.
لا يلزم عقد جلسات التوجيه الجماعية وجهاً لوجه؛ علمنا عصر "كوفيد-19" أنه من الممكن أن تسير على ما يرام إذا عُقدت الجلسات افتراضياً مع تشغيل الكاميرات وإلغاء كتم الصوت. ويمكن للمتدربين من مؤسسات ومواقع جغرافية مختلفة التعاون على نحو ملائم تحت إشراف الموجه. هناك طريقة أخرى لجمع المتدربين معاً وهي من خلال مجموعات المراسلة الإلكترونية. حيث يمكنك دمج المتدربين المتقاربين في التفكير من مجموعات متفرقة في مجموعة بريد إلكتروني واحدة أو مجموعة مراسلة إلكترونية واحدة، وتوجيه رسائل البريد الإلكتروني المهمة وذات الصلة إلى المجموعة الأكبر المجمعة بسهولة.
علاوة على ذلك، فكر في استخدام تطبيقات المراسلة الجماعية التي تتيح إجراء محادثات مستمرة بين المتدربين تحت إشراف الموجه عن بعد وبطريقة توفر طاقته. فهذا يجعل الموجه متفاعلاً وحاضر الذهن مع السماح بإلغاء الإشعارات أو الاحتفاظ بها بمرونة.
أخيراً، الآن بعد أن عرفت توقعاتك ووضعتها وغيرت أسس اجتماعاتك، انظر في الكيفية التي يمكن بها مضاعفة الالتزامات الأخرى لتصبح فرصاً للتوجيه. فكر في الفعاليات المتعلقة بالعمل أو فعاليات التطوير المهني، مثل الحلقات الدراسية عبر الإنترنت أو اللقاءات أو حتى اجتماعات مجلس الإدارة، على أنها فرصة لدعوة متدربيك لحضورها.
ففي ظل الجائحة، تعد الفرص الافتراضية فعالة ووفيرة. كما أن دمج الاجتماعات في اجتماع واحد يعد نهجاً رابحاً لعدة أسباب. حيث إن هذه الاستراتيجية تجمع الوقت الذي خطط الموجهون لقضائه بشكل مستقل مع الوقت الذي يقضونه مع المتدرب. وتسمح للمتدرب بمعرفة اهتمامات الموجه ومهاراته في التعارف ومدى تأثيره.
وختاماً، توفر هذه الاستراتيجية أيضاً فرصة لتقديم المتدرب إلى موجهين محتملين آخرين. حيث إن بناء فريق منسّق من الموجهين للمتدرب يعد بمثابة هدية له، وهو نهج موفر للطاقة ويساعد على تقديم مزيد من الدعم للمتدرب.
لا ينبغي أن يستنزف التوجيه طاقتك، بل يمكن أن يكون موفراً لطاقتك وجهدك. عليك فقط البحث عن طرق لإبلاغ المتدربين بتوقعاتك وجدولة المواعيد بفاعلية وجمع المتدربين معاً. فهذه الاستراتيجيات تفسح المجال أمامك لتعطي توجيهات فعالة للمتعلمين، وبذلك ستمضي قدماً في رحلتك بصفك موجهاً.