ملخص: قد يجعلنا التردد في طلب المساعدة منهمكين في أعمال تتجاوز مسؤولياتنا، ما يؤدي إلى شعورنا المستمر بالإرهاق في العمل. وتحدد المؤلفة في هذه المقالة ست استراتيجيات للتخلص من الأنماط القديمة غير المثمرة التي تمنعك من طلب المساعدة عندما تكون في أمسِّ الحاجة إليها.
ينتظر معظم الناس كماً هائلاً من المهام التي عليهم أداؤها، ولن يشعروا بالراحة بالفعل إلا إذا تضاءل حجم هذا العمل الملقى على كاهلهم. ومع ذلك، يُعرِض كثير منا عن طلب المساعدة، على الرغم من أنها إحدى الطرق التي يمكننا من خلالها إدارة أعباء عملنا وتقليل شعورنا بالإرهاق. لكننا بشر في النهاية، ولا يمكننا أن نؤدي كل المهام بأنفسنا أو أن نحقق النجاح ونبلغ طموحاتنا ما لم نطلب الدعم الذي نحتاج إليه.
ولا يكون السبب وراء إعراضنا عن طلب الدعم الذي نكون في أمس الحاجة إليه عائداً إلى جهلنا بهوية الأشخاص الذين يمكنهم مساعدتنا فعلياً أو وقت طلب المساعدة منهم، بل إلى ترددنا في طلب المساعدة عندما تثقل المسؤوليات والمهام كاهلنا. وينطبق ذلك بشكل خاص على أولئك الذين يحبّون تقديم "المساعدة"، والذين يكونون على استعداد لتقديم الدعم لأي زميل في أي لحظة لكنهم نادراً ما يطلبون المساعدة لأنفسهم.
لماذا يمتنع الناس عن طلب المساعدة؟
قد يجعلنا التردد في طلب المساعدة منهمكين في أعمال تتجاوز مسؤولياتنا، ما يؤدي إلى شعورنا المستمر بالإرهاق في العمل.
وفي دراسة عالمية أجريتها مؤخراً حول الإرهاق في أماكن العمل استطلعت فيها آراء 730 موظفاً عاملاً بدوام كامل، حلّلت العديد من العوامل الشخصية (وليس حجم العمل نفسه)، ووجدت أن الإحجام عن طلب المساعدة كان أحد أهم مؤشرات الإرهاق في العمل، وثاني أهم مسبب للإرهاق بالفعل. فقد بلغت نسبة شعور أولئك الذين لا يطلبون المساعدة بالإرهاق 23%.
ولاحظت بصفتي مدربة تنفيذية أن إحجام الناس عن طلب المساعدة عائد إلى المعتقدات أو الافتراضات المقيّدة حول عواقب طلب المساعدة من أحد الزملاء. وتتضمن بعض هذه المعتقدات المقيّدة الأكثر شيوعاً ما يلي:
- سأبدو ضعيفاً أو غير كفؤ
- سأبدو شخصاً يفرض آراءه أو بحاجة إلى مساعدة
- سأخسر ثقة الآخرين بي
- لا يمكنني الاعتماد على أي شخص، وسأتولى العمل على كل شيء بنفسي
ينطوي أحد أسباب شعورنا بالإرهاق على افتراضنا أننا نواجه تحدياتنا بمفردنا، وهو ما يحدث بالفعل عندما نُعرض عن طلب المساعدة. قالت المدربة التنفيذية والمؤلفة المشاركة لكتاب "مدّ يد العون: 31 استراتيجية لتقديم المساعدة وطلبها وقبولها" (Go to Help 31 Strategies to Offer, Ask for, and Accept Help:) ديبورا غرايسون ريغيل، إن اعتناقنا المعتقدات المقيّدة أعلاه، "يجعلنا نشعر بالتردد والإحراج والوحدة والخجل، وما إلى ذلك. ونُبدي نتيجة لتلك المشاعر سلوكيات تتمثّل في المعارضة والانسحاب والانعزال والإفراط في الأداء وغير ذلك".
وعندما تجعلك هذه الافتراضات المقيِّدة تؤدي مهامك بمفردك بدلاً من طلب المساعدة، فعليك حينئذ التخلص منها أو تجاهلها. وذلك هو الجزء الصعب من التغيير، وسبب اختياري مهنة التدريب بصراحة.
يؤدي تغيير طريقة تفكيرنا في طلب المساعدة إلى تغيير أكثر استدامة نتيجة تطور وجهات نظرنا، على الرغم من أن تغييرها يمثل تحدياً أصعب من فكرة طلب المساعدة نفسها.
كيف تغيّر طريقة تفكيرك حول طلب المساعدة؟
للتخلص من ترددك في طلب المساعدة، جرب الاستراتيجيات التالية:
1. حدد المعتقدات والافتراضات المقيّدة التي تعيقك
غالباّ ما تكون معتقداتنا هذه غير واعية تماماً، إذ عادة ما نميل إلى العمل بشكل تلقائي دون تفكير. وقد يكون سبب ترددك غامضاً بالنسبة لك وقد تفشل في تحديد مصدره الدقيق. اسأل نفسك: "ما الذي قد يحدث إذا طلبت المساعدة؟" بمجرد أن تجيب عن هذا السؤال، اطرح سؤالاً أكثر تفصيلاً: " وما هي العاقبة الوخيمة لذلك؟"
بالنسبة إلى أمل، وهي مسؤولة تنفيذية في شركة مساهمة خاصة، كانت تخشى أنها إذا طلبت المساعدة، فإنها ستشوه بذلك سمعتها بصفتها موظفة متميزة وقادرة على التعامل مع كل شيء بمفردها ومن فكرة أن يظن الآخرون أنها خسرت نفوذها.
لكن هذه المخاوف عاطفية وليست عقلانية، وقد يكون من الصعب الاعتراف بها حتى لأنفسنا. وهي ما تجعلنا بشراً أيضاً. فكّر في هذين السؤالين قليلاً واسمح لنفسك بالإجابة عنهما بصدق. وقد تساعدك كتابة اليوميات أو التحدث مع صديق أو زميل أو مدرب أو معالج موثوق على كسر الحواجز الداخلية التي تعيقك.
2. فكّر في مصدر معتقداتك المقيّدة
قد يوفر التفكير في السبب الرئيسي لإحجامك عن طلب المساعدة رؤى ثاقبة مفيدة.
لطالما افتخر سامي، الاستشاري المختص بالتسويق الرقمي، باعتماده على نفسه منذ أن بدأ مساره المهني. وقد ساعدته هذه الصفة على تحقيق النجاح في مسيرته المهنية بالفعل، لكنها أصبحت فيما بعد عقبة جعلته منهمكاً في العمل. كان يفترض أنه مضطر "إلى أداء كل المهام بنفسه لأنه لن يجد أحداً قادراً على مساعدته"، وكان ذلك صحيحاً في طفولته للأسف، فقد قضاها في غياب والديه أو إهمالهما. لكن لم يعد هذا الافتراض ينطبق على الأشخاص الذين يعملون معه اليوم بصفته شخصاً بالغاً. بمعنى آخر، عندما تحدد السبب الرئيسي لافتراضاتك المقيّدة بموضوعية أكبر، ستجد أنها لم تعد صحيحة بعد أن بدت لك صحيحة تماماً من قبل.
وأفادت ريغيل أيضاً أننا "نبدأ منذ سن السابعة تقريباً ربط طلب المساعدة بالأضرار التي تلحق بالسمعة. فقد ترعرعنا على فكرة أن الآخرين سيصفوننا بأننا أشخاص أغبياء أو سيئون أو كسالى أو ضعفاء إذا اعترفنا أننا بحاجة إلى المساعدة". ولعلّ ذلك هو السبب الذي يجعل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 55 عاماً الأكثر ميلاً لطلب المساعدة، كما يتضح من خلال دراستي حول الإرهاق في أماكن العمل؛ أي أننا نميل إلى تقليل الاهتمام بما يفكر فيه الآخرون بعد بلوغنا منتصف العمر. وبالمناسبة، شعرت هذه الفئة العمرية أنها أقل إرهاقاً في العمل من الفئات العمرية الأخرى.
وتفترض ريغيل احتمال أن يكون البعض قد "جربوا طلب المساعدة في الماضي دون أن تعود عليهم تلك المساعدة بالنفع، مثل الأشخاص الذين يعرضون المساعدة ثم يتولون المسؤولية بشكل كامل ويقومون بها بأنفسهم، أو الأشخاص الذين يعرضون مساعدتنا، ثم ينتقدوننا على طلبها"، أو الأشخاص الذي قدموا لنا نوعاً خاطئاً من المساعدة، ما عزز شعورنا بالإحباط. وقد يقودك وجود أي من هذه التجارب (أو العديد منها) إلى التعميم والاعتقاد أن "طلب المساعدة لن يعود عليك بالنفع" أو "أنه إذا فشل شخص ما في تقديم المساعدة، فسيفشل الآخرون في تقديمها أيضاً". وقد يتيح لك التفكير في تلك التجارب بعمق توضيح حدود تفكيرك بشكل أفضل.
3. أجرِ تجارب صغيرة
ابدأ بإجراء تغييرات سلوكية بسيطة لتحدد أثرها في مشاعرك أو الاستجابة التي تحصل عليها من الآخرين. على سبيل المثال، "هل يمكنني ممارسة العصف الذهني معك لمدة خمس دقائق؟" أو "هل يمكنك إلقاء نظرة على اقتراح موكلي ومشاركة ملاحظاتك معي؟"
يمكنك التفكير أيضاً في نظرتك عن الآخرين الذين يطلبون المساعدة منك. هل تعتقد أنهم أقل ذكاءً أو كفاءة؟ أم أنك تنظر إلى طلب المساعدة على أنه شيء طبيعي تماماً وشيء يسعدك القيام به (بغض النظر عما إذا كنت قادراً على تقديم المساعدة بالفعل)؟
4. شارك هدفك مع الآخرين
دع الآخرين يعرفون أنك تعمل على تحسين مهاراتك في طلب المساعدة، إذ تتيح لك مشاركة أهدافك مع الزملاء الحصول على دعمهم وتأييدهم، وتسهّل عليك طلب المساعدة عند الحاجة، كما أنها تشجعهم على أن يكونوا أكثر استجابة لطلباتك، ما يوفر دعماً معنوياً إيجابياً لسلوك طلب المساعدة ويقلل من ترددك في الحصول على الدعم.
5. اخلق فرصاً للممارسة وطوّر نظاماً لتحمّل المسؤولية وضع هياكل العمل
ضع لنفسك أهدافاً أو هياكل عملية محددة توفر لك فرصاً للممارسة وطوّر نظاماً لتحمّل المسؤولية. يمكنك وضع هدف يومي أو أسبوعي بشأن عدد المرات التي ستطلب فيها المساعدة. ويمكنك العمل مع مدرب أو تقديم تقرير إلى صديق أو زميل لتخلق نوعاً من المساءلة. أما إذا كنت جيداً في تحمّل المسؤولية، فيمكنك إعداد جدول تتبّع مخصص.
على سبيل المثال، من أحد التمارين التي اعتدت عرضه على العملاء (خاصة أولئك الذين يبحثون عن وظيفة جديدة، والذين يحتاجون بالفعل إلى طلب المساعدة من الآخرين) هو الحصول على 20 رفضاً من الآخرين، لكن لم يتمكّن أحد على مدى العقدين اللذين قضيتهما في التدريب من جمعها. يمكنك أيضاً تتبع مستوى توترك اليومي على مقياس من 1 إلى 10. فإذا كانت درجتك 8 أو أعلى، فحدد السبب الذي يجعلك تصل إلى أعلى مستويات التوتر، ثم اطلب المساعدة أو النصح حول كيفية تقليل مستوى التوتر إلى درجة 6 أو 7 على الأقل، أو إلى درجات أقل حتى. وقد يساعدك التدرب على طلب المساعدة في حياتك الشخصية على تعزيز هذه المهارة أيضاً.
6. فكّر قبل أن تتخذ أي خطوة
التفكير جوهر التعلم. خصص وقتاً منتظماً (على سبيل المثال، يومياً أو أسبوعياً) لتسأل نفسك بعض الأسئلة التأملية الجيدة مثل:
- متى تمكنت من طلب المساعدة؟
- ما الذي سهّل عليّ طلبها؟
- متى أحجمت عن طلب المساعدة في الوقت الذي كنت في أمس الحاجة إليها؟
- ما الذي أثناني عن طلبها؟
- هل توجد فرصة أخرى تتيح لي طلب المساعدة مجدداً؟
- ما الذي يمكنني تجربته بشكل مختلف في المرة القادمة؟
لا يجب أن يستغرق هذا التفكير كثيراً من الوقت (ربما من خمس إلى 10 دقائق)، لكن من المهم أن تخصص هذا الوقت للتفكير، سواء كنت تفكر في إجابات عن هذه الأسئلة في عقلك، أو تدوّنها على ورقة، أو تتحدث عنها مع شخص آخر، أو كل ما سبق.
باختصار، يتطلب التغلب على إحجامك عن طلب المساعدة ممارسة مستمرة وتفكيراً عميقاً وتبنياً للعقليات الجديدة. وستشعر عند التخلص من الأنماط القديمة غير المنتجة التي تمنعك من الوصول إلى المساعدة عندما تكون في أمس الحاجة إليها وإعادة تعلم طرق جديدة للعمل بمزيد من الدعم وسيقلّ شعورك بالإرهاق في العمل.