تعلم مهارة التحكم في الوقت حتى تُصبح سعيداً في عملك

5 دقيقة
تايو نوماتشي/غيتي إيمدجيز

ملخص: حلل مؤلفا هذا المقال بيانات دراسة استقصائية على عينة تمثّل طيفاً واسعاً من الموظفين، بهدف التوصل إلى فهم أفضل لأهمية قدرة الموظف على التحكم في وقته ودورها في رضاه عن عمله وحياته، وهذا ما توصّلا إليه: 1) الموظفون الذين يتمتعون بقدرة أكبر على التحكم في وقتهم لديهم أعلى درجات الرضا الوظيفي والرضا عن حياتهم عموماً، 2) الموظفون الذين يشعرون بندرة الوقت لديهم رضا أقل عن وظائفهم وعن حياتهم 3) لا يرتبط عدد ساعات العمل بمدى رضا الموظفين عن وظائفهم، 4) لا يؤثر الشعور بندرة الوقت في الرضا الوظيفي بالنسبة للذين يتمتعون بقدرة أكبر على التحكم في وقتهم بالقدر الذي يؤثر في الموظفين الأقل قدرة على التحكم في وقتهم. لذلك يجب على الشركات والمؤسسات وضع سياسات عمل مرنة وتكييفها لتلبية احتياجات الموظفين المتنوعة لتعزيز الرضا الوظيفي واستبقاء الموظفين.

يطالب العاملون منذ سنوات بالحق في التحكم في وقتهم، ولا سيما الذين تعتبرهم الشركات "عمال المعرفة" القادرين على إنجاز معظم أعمالهم، إن لم يكن كلها، باستخدام الكمبيوتر المحمول والاتصال بالإنترنت. أثبت العاملون لمدرائهم في فترة العمل من المنزل في عامي 2020 و2021 أنهم قادرون على الحفاظ على إنتاجيتهم وزيادتها في بعض الحالات عندما يكون العمل مرناً، لكن مدراءهم كانوا يدفعونهم في الاتجاه المعاكس؛ فقد كان المسؤولون التنفيذيون والمدراء يفعلون كل ما في وسعهم لإعادة العاملين إلى المكاتب التي تدفع الشركات الكثير من الأموال لاستئجارها. وقد أثّر هذا الصراع على العاملين والشركات على حد سواء. استقال العاملون بأعداد كبيرة خلال الفترة المعروفة باسم "الاستقالة الكبرى"، وبذلت الشركات التي أجبرت موظفيها على العودة إلى العمل جهوداً مضنية لتوظيف أفضل المواهب واستبقائها. والآن، وبخاصة مع تزايد نسبة الجيل زد بين العاملين وتزايد الجدل الدائر حول العمل الهجين والعودة إلى المكتب، ما زالت المطالب بزيادة المرونة في ترتيبات العمل تتصدر اهتمامات العديد من الموظفين والباحثين عن عمل.

تتصدر تفاعلات عديدة منها عناوين الأخبار منذ عام 2020، لكنها ليست جديدة في الواقع، إذ تتزايد الاستقالات باطراد منذ أكثر من عقد من الزمن وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل.

يبدو أن أحد أسباب هذه الزيادة هو تفكير العاملين في نوعية الحياة التي يرغبون فيها وفي الدور الذي يريدون أن يؤديه العمل فيها. والحقيقة هي أن العاملين يقضون الكثير من حياتهم في العمل، وبسبب ذلك، تحمل تجارب العمل اليومية تأثيراً كبيراً على مدى رضاهم عن حياتهم. العلاقة بين تجربة العمل والرضا عن الحياة معروفة منذ فترة طويلة، ولكن نظراً للنزاعات الأخيرة بين العاملين والشركات تساءلنا كيف يمكن أن تؤثر العوامل المتعلقة بمرونة العمل على هذا الرضا؟

هل قدرة العاملين على التحكم في وقتهم تجعلهم أسعد بالفعل، وتزيد احتمالية بقائهم في وظائفهم؟ للإجابة عن هذا السؤال حللنا بيانات استقصائية من الدراسة الوطنية للقوى العاملة المتغيرة (National Study of the Changing Workforce)، التي شملت عينة تمثل شريحة واسعة من العاملين على مستوى الولايات المتحدة تضم 1,516 عاملاً، وتتضمن مقاييس مثل مدى شعور الموظفين بأن لديهم ما يكفي من الوقت، ومدى قدرتهم على التحكم في جدول أعمالهم، ومدى رضاهم عن عملهم وحياتهم. تسمح لنا هذه المقاييس بدراسة العلاقة بين وقت الموظفين ورفاهتهم في العمل وعلى الصعيد العام.

وثّقت الأبحاث السابقة أن الطريقة التي يختبر بها الموظفون الوقت، وبالأخص إذا ما كانوا يشعرون بأنهم يتحكمون في وقتهم، تؤثر في دوافعهم للعمل على تحقيق مجموعة متنوعة من الأهداف الطويلة الأجل. أردنا معرفة إذا ما كانت هذه التفاعلات تؤدي دوراً مماثلاً بالنسبة إلى القوى العاملة الحديثة، كما أردنا أن نفهم الفرق بين الشعور بأنك لا تملك الوقت الكافي لأداء الأعمال التي تحتاج إلى إنجازها (أشرنا إليه في هذه الدراسة بالشعور بندرة الوقت) والشعور بأنك لا تتحكم في وقتك. من الممكن أن يتزامن هذان الشعوران، ولكن ليس دائماً. على سبيل المثال، قد تشعر بشعور ندرة الوقت عندما يمتلئ جدولك بالمهام التي لا تملك الوقت لإنجازها، حتى لو كانت لديك قدرة تحكم كاملة على هذا الجدول.

توصلنا إلى بعض الأنماط الرئيسية التي يمكن أن تساعدنا على فهم التوتر بين الموظفين والشركات في النزاع حول إذا ما كان يجب الطلب من الموظفين العودة إلى المكتب (وتحديد عدد الأيام التي يجب أن يعملوا فيها من المكتب). أولاً، الموظفون الذين يتمتعون بقدرة أكبر على التحكم في وقتهم؛ أي يتمتعون بمرونة أكبر في جداول أعمالهم، يكونون أكثر رضا عن عملهم وحياتهم عموماً. ثانياً، الموظفون الذين يشعرون بندرة الوقت يكونون أقل رضا عن وظائفهم وحياتهم. تعني هذه النتائج أن الشعور بعدم وجود وقت كافٍ والشعور بعدم القدرة على التحكم في الوقت المحدود المتاح مؤشران سلبيان على الرفاهة.

النتيجة الرئيسية الثالثة، وهي مهمة بصفة خاصة في ضوء الجدل القائم، هي أن عدد ساعات العمل لا يرتبط بمدى رضا الموظفين عن وظائفهم. وأخيراً، بالنسبة للموظفين الذين يتمتعون بقدرة أكبر على التحكم في وقتهم، فإن قلة الوقت -أي الشعور بندرة الوقت- لا تؤثر في رضاهم الوظيفي بقدر ما أثرت في الرضا الوظيفي بالنسبة للموظفين الذين يتمتعون بقدرة أقل على التحكم في وقتهم.

توضح لنا هذه النتائج مجتمعة بعض الأمور الأساسية عن العاملين وتجاربهم في أماكن العمل الحديثة. أولاً، لا يرتبط الرضا الوظيفي بحجم العمل الذي يتعين على الموظفين إنجازه فحسب. كان بعض قادة الأعمال (والكثير من النقاد) يرون في الآونة الأخيرة أن "لا أحد يريد العمل بعد الآن". لا تدعم تحليلاتنا هذه النظرة (التهكمية) للعاملين المعاصرين. لا يعني ذلك أن الموظفين الذين يعملون قليلاً يكونون أكثر رضا من أولئك الذين يعملون كثيراً.

يبدو أن العامل الرئيسي لرضا العاملين هو مدى شعورهم بالقدرة على التحكم في وقتهم. لا يعارض الموظفون العمل في المكتب لأنهم لا يرغبون في العمل أو يرغبون في تقليص حجمه، بل لأنهم يريدون أن يكونوا قادرين على التحكم في وقتهم لتأدية بعض الأعمال المنزلية بين اجتماعات زووم على سبيل المثال، أو ممارسة الرياضة بانتظام أكثر بدلاً من قضاء 10 أيام في السنة (أو ما يقرب من عام من حياتهم) في المواصلات.

لتلبية احتياجات الموظفين المتنوعة، يجب على الشركات فتح حوار مستمر معهم لفهم درجات التنظيم الإداري والاستقلالية التي يرغبون فيها. يمكن للشركات أن تضع سياسات مكان العمل التي توفر المرونة والقدرة على التحكم للعاملين، بما فيها خيارات العمل عن بُعد أو العمل الهجين أو غير المتزامن وسياسات الإجازات التي تتيح للموظفين مزيداً من الوقت مع أحبائهم. يمكن لهذه الأنواع من السياسات أن تساعد المؤسسات على أن تصبح أكثر إنصافاً وقدرة على تلبية احتياجات الموظفين بالإضافة إلى مساعدتهم على الشعور بمزيد من الرضا في العمل وزيادة احتمال استبقائهم.

وبطبيعة الحال، ثمة بعض القيود على النتائج التي توصلنا إليها. تحليلاتنا ذات طبيعة ارتباطية، فلم نوزع العاملين عشوائياً على أنواع مختلفة من ترتيبات العمل ولم نتتبع التغيرات في رضاهم بمرور الوقت، (نعتقد أن إجراء المزيد من التجارب من هذا النوع من شأنه أن يفيد الدراسات البحثية حول مستقبل العمل). من القيود الأخرى التي ذكرناها سابقاً ويجدر بنا إعادة ذكرها، هي أن التفاعلات التي كتبنا عنها لا يمكن تعميمها على جميع أنواع العمل، فبعض الوظائف لا يمكن أن تكون مرنة؛ ثمة وظائف ضرورية لاستمرارية الحياة في المجتمع والعمل في الشركات تتطلب العمل في أماكن العمل. ركزنا في الغالب على الوظائف ذات الأجور المرتفعة التي من الممكن أن تكون مرنة؛ وهذه المرونة مهمة لهؤلاء الموظفين. أخيراً، ناقشنا فوائد ترتيبات العمل المرنة عموماً، ولكن قد تزيد مرونتها عن الحد. يستفيد بعض الموظفين من ترتيبات العمل المنظمة عبر جداول محددة وفرص التوجيه والإرشاد، ما يعكس الحاجة إلى كل من المرونة والدعم المنظّم حتى في بيئات العمل عن بُعد، كما هي الحال مع الموظفين الذين يبدؤون حياتهم المهنية. في الوقت الذي تسعى فيه الشركات إلى تحديد ترتيبات العمل المستقبلية، من المهم لها ضمان حصول عامليها على كل الدعم الذي يحتاجون إليه.

في الوقت الذي تكافح فيه مؤسسات كثيرة من أجل هيكلة سياسات العمل فيها، حان الوقت لمعرفة كيفية منح الموظفين القدرة على التحكم في وقتهم بطرق تحفزهم على أداء أفضل ما لديهم من عمل، وتحقيق أكبر قدر من الرضا في العمل والحياة على حد سواء. توصلنا في دراستنا إلى أن الموظفين الذين يتمتعون بقدرة أكبر على التحكم في وقتهم يكونون أكثر رضا عن عملهم وحياتهم. ويوضح ذلك أن ترتيبات العمل التي تمنح الموظفين المزيد من القدرة على التحكم والمرونة لا تحسّن رفاهة الموظفين فحسب، بل تساعد الشركات على استبقاء أفضل المواهب التي تبذل جهوداً مضنية للاحتفاظ بها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .