كيف توظف مهارات التفاوض للحصول على صفقات مربحة

5 دقائق
فن التفاوض على الصفقات

تعد مهارة التفاوض أمراً ضرورياً ومرغوباً فيه لدى العديد من الثقافات التجارية لأنها تتكامل مع فن عقد الصفقات.

وفي الثقافة العربية تعتبر مهارات التفاوض أمرأ مهماً. إذ يقضي معظم تجار الأسواق التقليدية في المدن العربية، وقتاً طويلاً في مجادلة الزبائن إلى أن يصلوا إلى سعر يرضي الطرفين. لكن الحياة عموماً مليئة بحالات تقتضي فن التفاوض على الصفقات والأخذ والرد، من أجل الوصول إلى اتفاق ينظر إليه الطرفان على أنه يستجيب لمصالحهما في آن معاً.

وعادة ما يكون هذا النوع من مهارات التفاوض فطرياً وتقليدياً واجتماعياً، إلا أنه غير كافٍ للتعامل مع متطلبات حياة الأعمال المعقدة ومقتضيات البيع الحديثة.

وهناك الكثير من الأبحاث التي تناولت موضوع التفاوض ومهاراته، مستمدة مفاهيمها من علم النفس الاجتماعي، ونظرية الأدوار، والعلاقات الدولية، ومفاهيم العرض والطلب الاقتصادية، والدراسات الثقافية.

ويتعين على رائد الأعمال أن يتعرف على تلك الأبحاث ويستلهم المفاهيم والمهارات التي تعرضها ويجربها ثم يعمل بها بانتظام، لا سيما في حالات التفاوض مع المجتمعات الغربية. إذ لا بد لرائد الأعمال أن يمنع قيم الثقافة العربية التقليدية المترسخة لديه من أن تحول دون استعماله لأحدث الوسائل التفاوضية بغية الحصول على أحسن صفقة ممكنة.

ويمكن تلخيص مهارات التفاوض في مجموعة من المقاربات، التي أثبتت الأبحاث أنها أساسية في كل الحالات التي تقتضي نوعاً من التفاوض.

وتختلف هذه المقاربات تبعاً لنوعية مهارات التفاوض، كأن يخص دعاوى قضائية، أو صفقات تجارية، أو قضايا حماية الملكية الفكرية، أو مشاريع استثمارية، أو قضايا سياسية، أو قضايا تهم نزاعات مسلحة أو غير مسلحة.

كيفية إتقان مهارات التفاوض والإقناع والتأثير

1- فهم عملية التفاوض

وسنركز اهتمامنا هنا على القضايا ذات الطبيعة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وتلك المتعلقة بالملكية الفكرية والصناعية في مجال مهارات التفاوض.

قد تبدو أنها مهارات بسيطة لرائد الأعمال العربي، لكنها ليست كذلك على الإطلاق.

وعامة لا يدرك رائد الأعمال قيمتها ومدى أهميتها إلا عندما يجد نفسه في حالات تفاوضية تقتضي منه انتباهاً أقوى لقضايا نفسية واقتصادية وتواصلية وثقافية في آن واحد، بما في ذلك لحظة الاتفاق والمصافحة.

لذا، لا بد لرائد الإعمال معرفة ما الذي يستحق أن يتفاوض عليه، فليست كل الأشياء تتطلب أخذاً ورداً وتقديماً لعروض وعروض مضادة.

فإذا كنت تعرف تماماً ما تريد، وما الذي يناسب مصلحتك وأهدافك، يصبح من السهل جداً معرفة ما الذي يرضيك من جهة، وما الذي يتطلب عملية تفاوض من جهة أخرى.

كما يتعين على رائد الإعمال فهم أن عملية التفاوض تحدث عندما يكون كلا الطرفين يرغبان في التوصل إلى حل. فإن كان الطرف الآخر غير مكترث أو غير مبالٍ أو لا يهمه إن بقي الوضع على ما هو عليه أم لا، فإن عملية التفاوض ليس لها قيمة.

أما عندما يقتضي الأمر التفاوض، فعلى رائد الإعمال إذاً أن يبدأ بتحضير عناصر التفاوض، تلك التي لا نعيرها -في الوطن العربي- أي اهتمام ونتركها تتطور وحدها، وهذا خطأ فادح.

2- لا تترك أي شيء للحظ. فكر في كل شيء وحضّر كل شيء

يركز روجر فيشر وويليام أوري في كتابهما "الوصول إلى قول نعم: كيف تتفاوض من أجل اتفاق دون الاستسلام" (Getting to Yes: Negotiating Agreement Without Giving In)، على أهمية التفكير والتخطيط لما يسمياه بأحسن بديل لاتفاق غير متفاوض عليه.

وعليه، يتعين عليك أن تسأل نفسك - في حال لم تتوصل إلى اتفاق مع الطرف الآخر - ما الذي يرضيك؟ وما هي أفضل البدائل المتاحة؟

عليك أن تفكر في هذا الأمر وتكتبه بوضوح لأنه سيساعدك كثيراً في عملية التفاوض، حيث يفتح لك خيار عدم الاستمرار في التفاوض إن بدا لك الموقفان متباعدان إلى حد كبير.

كذلك، لا بد أن تضع حداً أدنى لا يمكن تجاوزه، الذي دونه لا يكون الاتفاق مرضياً.

وغالباً لا يُعلن المفاوضون عن طبيعة هذا الخط غير القابل للتجاوز، لأن ما يفكرون فيه من مكاسب تتعدى مستوى هذا الخط. لكن ومن خلال النقاش يبدأ هذا الخط بالظهور، لذا عليك أن تعرف جيداً ما الحد الذي لا تستطيع تجاوزه.

3- حدد هدفك من التفاوض وحاول التعرف على هدف الطرف الآخر

ينبغي عليك التفكير فيما تتطلع إليه، وهو ما تسميه مارغريت نيل في كتابها "الحصول على (أكثر) مما تريد: كيف تساعدك أسرار الاقتصاد والسيكولوجيا على التفاوض حول كل شيء في الأعمال والحياة" (Getting (More of) What You Want: How the Secrets of Economics and Psychology Can Help You Negotiate Anything, in Business and in Life) بالطموح. حدد ما هو طموحك أو ما تريد الوصول إليه؟ وما هو الهدف الذي تتفاوض من أجله؟

معرفتك لذاتك وتطلعاتك أمر ضروري، لكنه غير كافٍ للقيام بعملية تفاوض ناجحة.

إذ إن احتياجات الطرف الآخر ومصالحه وتطلعاته وأسلوبه في التفاوض، أمر لا يقل أهمية عن سابقه بالنسبة للمفاوض الناجح. كما عليك أن تجمع أكبر عدد ممكن من المعلومات عن الطرف الآخر لأنها تساعدك في فهم موقفه وتقربك أكثر من فهم الحد الأدنى الذي ينطلق منه.

كذلك لا تنسَ المعلومات المتعلقة بقضايا متماثلة، فضلاً عن أي معلومة ترتبط بالنسق الذي تطورت فيه القضية المتفاوض عليها.

ويشير ديبورا كولب وجيسيكا بورتر في كتابهما "التفاوض في العمل : حوِّل الانتصارات الصغيرة إلى أرباح كبيرة" (Negotiating at Work: Turn Small Wins into Big Gains) إلى أهمية المعلومات باعتبارها عناصر مساعدة لتوضيح هدفك من التفاوض وتحديد طموحات عالية بما فيه الكفاية، كما أنها تمدك بمزيد من الثقة عند التفاوض.

4- أساليب التفاوض الفعّال 

تختلف استراتيجيات التفاوض من وضع لآخر؛ ويميل المحامون في الدعاوى القضائية نحو مقاربة تنافسية وأسلوب غير تعاوني على العموم.

لذا، عندما يتفاوض رائد الأعمال على هامش دعوى قضائية، لا بد من أن يتوخى الحذر، وألا يفصح عن جميع ما لديه من المعلومات.

كما يؤكد خبراء نظرية لعب الأدوار (Game Theory) ضرورة أن يلعب رائد الأعمال الدور المنوط به بذكاء، وألا يقع بسهولة بما يسميه علماء النفس الاجتماعي بفخ "التوطيد النفسي" (anchoring)، ما معناه أن الانسياق وراء طروحات الطرف الآخر، يخلق حاجزاً أمام طرحك لمقترحات مضادة.

كما تتطلب عقود الاستثمار والقضايا التجارية والصفقات تعاوناً حثيثاً وفهماً أكثر لنهج الطرف الآخر ولأسلوب حل المشاكل عبر إتقان مهارات التفاوض.

إذ يحبذ الفرقاء الإبقاء على علاقات وطيدة كي يسهل التعامل في المستقبل.

لهذا فهم يتبادلون المعلومات، ويتحدثون عن المصالح المتناقضة والحدود الدنيا، كي يتمكنوا من الوصول إلى وضع يُمكنه التجاوب مع قضايا كلا الطرفين.

5- بناء الثقة بين الأطراف المتفاوضة

يقتضي بناء الثقة بين الأطراف، العمل على عقد صفقات مبنية على مبدأ رابح/رابح لا رابح/خاسر.

ويقول رونالد شابيرو في كتابه "قوة اللطف: كيف تفاوض بحيث يفوز الجميع، وخاصة أنت" (The Power of Nice: How to Negotiate So Everyone Wins - Especially You!)، أن مقاربة رابح/خاسر سرعان ما تتغير وتصبح خاسر/خاسر، لأن الاتفاق لا يكون متكافئاً وسرعان ما ينقلب الطرف الخاسر عليه أو يحاول نسفه من الداخل.

وفي هذا السياق، يقول كريس فوس وطال راز في كتابهما "لا تقسم الفرق أبداً، مارس التفاوض و كأن حياتك رهينة به" (Never Split the Difference: Negotiating as if Your Life Depended on It) أن بإمكان المفاوضين الجدد - من أجل كسب الثقة وتخطي العقبات الخفية - تعلّم ممارسة التعاطف (empathy) مع الأشخاص الذين يتفاوضون معهم.

إذ يعتبر التعاطف من الأمور الأساسية للوصول إلى حل يتفهم مصالح الطرفين وتوقعاتهم.

ويميل بعض المفاوضين إلى تجزئة المفاوضات إلى مكونات صغيرة، ظناً منهم أن ذلك يسهل المهمة، لكن ذلك غير صحيح.

حيث تنصح مارغريت نيل باعتماد أسلوب شمولي يسهل مقايضة أجزاء بأجزاء أخرى، وعدم السقوط في مفاوضات عسيرة ومكلفة حول كل جزء على حدة.

ويقول كوستاس كونستانتينو وكير وشارب في "دليل ساج للدبلوماسية" (The SAGE Handbook of Diplomacy): "إنه يمكن استخدام التفاوض لمواصلة العلاقات من أجل إحراز مصلحة أو الحيلولة دون تصعيد صراع، وقد يكون وسيلة لحل أوجه عدم توافق أو تحويلها إلى علاقات تعاونية".

لذلك فإن المفاوضين الماهرين لا ينجحون فقط في الحصول على أحسن الصفقات ولكنهم يصلون إلى صفقات رابح/رابح ترضي الطرفين معاً.

وبهذه الطريقة لا يكسب المفاوض رهان الحصول على أحسن صفقة فحسب، بل إنه ينجح أيضاً في صيانة العلاقة بينه وبين الطرف الآخر، وهو ما يعني حماية إمكانية العمل سوياً والوصول إلى صفقات أخرى في المستقبل.

لعل الكثير منا إما يخاف التفاوض أو يظن نفسه مفاوضاً ماهراً. ويظن رائد الأعمال العربي أنه يمتلك فن التفاوض منذ الصغر.

إلا أن مهارة التفاوض وتكريسها في فن عقد الصفقات مبنية على مجموعة مهارات وتجارب، تُكتسب من خلال المعرفة الدقيقة بأساليب وحيل التفاوض التي تم تطويرها في جامعات عريقة مثل "هارفارد" و"ستنافورد" و"تكساس" و"كولومبيا" وغيرها.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي