ملخص: إذا أردت أن تقدم أداءً حسناً في أي عمل تجاري، يجب أن تتصف شركتك بالقوة والذكاء في آن واحد. ولكي تتصف بالذكاء مثل الشركات الكبيرة، عليك أن تتخذ القرارات بسرعة وتجازف وتستعد لأي فشل محتمل، وعليك أن تعرف الفارق بين الفشل التجريبي وهو أمر محمود بالمناسبة، والفشل التشغيلي وهو أمر غير محمود بالمرة. ولكي تنشئ ميزة وتحافظ عليها، يجب أن تستعين بأشخاص قادرين على الابتكار وتوفر لهم أسباب النجاح.
ويجسد نظام "أمازون ويب سيرفيسز" (Amazon Web Services) المزايا الحقيقية لمنهج المجازفة والتجريب.
القوة والذكاء عناصر مهمة لتحقيق النجاح
من النادر بشكل لا يصدق أن يكون هناك جانب رابح وآخر خاسر في قطاع الأعمال. صحيح أن المباريات الرياضية قد تنتهي بفوز أحد الفريقين، حيث ينزل الفريقان إلى أرض الملعب فيفوز أحدهما ويخسر الآخر. وفي الانتخابات السياسية كذلك، يفوز مرشح واحد ويخسر المرشح المنافس. أما قطاع الأعمال فيتيح المجال أمام الكثير من المنافسين لتحقيق الفوز معاً. وهذا أمر طبيعي لأن القوة والذكاء هما أهم عنصرين يجب توافرهما لتحقيق النجاح في مواجهة المنافسين في قطاع الأعمال وساحات المواجهات العسكرية أيضاً كما أعتقد. وتعتمد القوة على ضخامة الحجم، لذا يعد الجيش الأميركي أقوى جيوش العالم بسبب ضخامة حجمه. وتشكل ضخامة الحجم ميزة هائلة لأنها تمنحك القوة. قد تتلقى لكمة لكن من الجيد أيضاً أن تتجنب لكمة، وهذا هو الذكاء. وكلما كبر حجمك، صرت أكثر قوة.
وتعتبر سرعة اتخاذ القرار أهم عوامل الذكاء؛ أما العامل الثاني من حيث الأهمية فهو الاستعداد للتجريب ولهذا عليك الاستعداد للمجازفة. وعلى الرغم من أن الناس لا يحبون الفشل، عليك الاستعداد للفشل.
اقرأ أيضاً: 10 مبادئ في الإدارة والريادة مستخلصة من سيرة جيف بيزوس مؤسس "أمازون"
الفشل التجريبي والفشل التشغيلي
أشير دائماً إلى أن هناك نوعين مختلفين من الفشل، فهناك الفشل التجريبي الذي يجب أن تحتفي به، وهناك الفشل التشغيلي. وقد أنشأنا المئات من مراكز تلبية الطلبات في شركة "أمازون" على مر السنين، ونعرف كيفية القيام بذلك. ونحن إذا أنشأنا مركزاً جديداً لتلبية الطلبات وتبين أنه عمل كارثي، فهذا يندرج تحت بند التنفيذ السيئ، ولا يمكن اعتباره فشلاً محموداً. ولكن إذا طورنا منتجاً جديداً أو خدمة جديدة أو جربنا أسلوباً مختلفاً، وباءت أي من محاولاتنا تلك بالفشل، فلا بأس بذلك لأن هذا فشل محمود. ولا بد أن تميز بين هذين النوعين من الفشل وأن تسعى بكل همة إلى الاختراع والابتكار.
ويجب أن تستعين بالأشخاص المناسبين الذين يملكون روح الابتكار إن أردت الحفاظ على هذا النهج. فالمبتكرين سيفرون من مؤسستك إن لم تتح أمامهم الفرصة لاتخاذ القرارات والمجازفة. قد تنجح في استقطابهم في البداية لكنهم لن يبقوا طويلاً، فالبناءون يحبون ممارسة أعمال البناء بطبيعتهم. وصحيح أن الكثير من هذه الأشياء هو في غاية في البساطة، ولكن كل ما هنالك أن القيام بها صعب في مجال الأعمال. ثمة شيء آخر يتعلق بالمنافسة وهو أنك لا ترغب باللعب في ساحات متكافئة، لذا فإنك تحتاج إلى الابتكار، خاصة في مجالات مثل الفضاء والإنترنت.
ستكون ساحة المنافسة المتكافئة مكاناً رائعاً لمباراة في كرة القدم في ليلة الجمعة. أما نحن، فقد استمتعنا منذ عقود باللعب في ساحات غير متكافئة في مجالات مثل الفضاء والتكنولوجيا. ما يقلقني أن هذا يتغير بسرعة. والابتكار هو الطريقة الوحيدة للبقاء في المقدمة والحفاظ على ساحة المنافسة غير متكافئة، وهو ما يسعى إليه الجميع بالتأكيد.
نواجه في مجال الفضاء خصوماً قادرين على الابتكار، وهذه هي القضية الحقيقية. فإذا كنت تواجه خصوماً لا يجيدون الابتكار، فلا داعي لأن تتميز في الابتكار.
وعند الحديث عن المنافسة، فإن اعتبارك أحد أفضل مَنْ على الساحة لا يكفي وحده. هل تريد حقاً التخطيط لمستقبل قد تضطر فيه إلى الصراع مع شخص يمتلك مؤهلاتك نفسها؟ أنا شخصياً لا أريد ذلك.
7 سنوات متصلة دون أي منافسة
لقد ظللنا نعمل على نظام "أمازون ويب سيرفيسز" خلف الكواليس لفترة طويلة من الزمن، ثم طرحناه على العلن أخيراً. أصبح هذا النظام شركة عملاقة من خلال إعادة ابتكار طريقة شراء الشركات للحوسبة السحابية. فقد جرى العرف على اضطلاع الشركات بإنشاء مراكز البيانات في حال احتاجت إلى حوسبة سحابية، ثم حشد الخوادم في هذه المراكز وتحديث أنظمة تشغيل هذه الخوادم والحفاظ على تشغيل كل الأجهزة والنظم، وما إلى ذلك. لم يضف أي من ذلك أي قيمة لما كان يجري في قطاع الأعمال. لقد كان نوعاً من إضافة الأعباء الثقيلة دون أي ميزة أو إضافة حقيقية.
كنا نفعل الأمر ذاته في "أمازون" وننشئ مراكز البيانات الخاصة بنا، ولكننا رأينا أن ذلك إهدار هائل للجهد الذي يبذله مهندسو التطبيقات ومهندسو الشبكات في شركتنا، أولئك الذين يديرون مراكز البيانات، لأنهم كانوا يعقدون الكثير من الاجتماعات حول كل هذه المهمات غير ذات القيمة المضافة. فقلنا لأنفسنا: "يمكننا تطوير باقة من واجهات برمجة التطبيقات الموحدة (APIs) التي تسمح لهاتين المجموعتين من مهندسي التطبيقات ومهندسي الشبكات بعقد اجتماعات تنسيقية بدلاً من هذه الاجتماعات التفصيلية". لقد أردنا أن ننشئ هيكلاً خدمياً تتاح فيه كل خدماتنا ضمن واجهات برمجة التطبيقات الموحدة التي تمتاز بإمكانية الاعتماد عليها بما يكفي بحيث يمكن لأي شخص استخدامها.
وبمجرد أن وضعنا هذه الخطة لأنفسنا، سرعان ما اتضح لنا أن كل الشركات في العالم تريد ذلك أيضاً. وفوجئنا بتوافد آلاف المطورين على واجهات برمجة التطبيقات هذه دون الكثير من الترويج أو الضجة من "أمازون". ثم حدثت معجزة تجارية لم أرها من قبل، أو ما يمكن اعتباره من وجهة نظري الحدث الأوفر حظاً في تاريخ الأعمال، إذ لم نواجه أي منافسة من أي جهة تفكّر بطريقة مماثلة لمدة 7 سنوات. إنه أمر لا يصدق.
عندما أنشأتُ موقع Amazon.com عام 1995، لم تلبث شركة "بارنز آند نوبل" أن أنشأت موقع Barnesandnoble.com ودخلت السوق بعدنا بعامين، وتحديداً في عام 1997. ويعتبر دخول منافس جديد بعد عامين أمراً مألوفاً للغاية إذا اخترعت شيئاً جديداً. وحينما طرحنا أجهزة "كيندل"، طرحت "بارنز آند نوبل" جهاز "نوك" بعدها بعامين. وحينما طرحنا أجهزة "إيكو"، طرحت "جوجل" جهاز "جوجل هوم" بعدها بعامين. عندما تحتل مكانة ريادية، فستبقى في طليعة الصفوف لمدة عامين فقط، هذا إذا كنت محظوظاً. ولم يسبق لأحد أن ظل في الطليعة لمدة 7 سنوات متصلة دون أي منافسة. هذا أمر لا يصدق!
أعتقد أن كبرى شركات البرمجيات العريقة لم تكن تنظر إلى "أمازون" كشركة برمجيات يمكن أن تنافسها يوماً ما، وكان هذا من حسن حظنا لأننا استطعنا استغلال هذه المدة الطويلة في بناء هذا المنتج والخدمة المذهلة والغنية بالميزات التي قدمناها، ولم يكف فريق العمل يوماً عن مواصلة تطويرها منذ خروجها إلى النور.
هذه المقالة منقولة بتصرف من المقابلات الشخصية التي أُجريت مع جيف بيزوس في "النادي الاقتصادي بواشنطن" عام 2018 و"منتدى ريغان للدفاع الوطني" عام 2019. وهذه المقابلات منشورة في كتاب "الاختراع والتجول: الكتابات المجمعة لجيف بيزوس" (Invent and Wander: The Collected Writings of Jeff Bezos)، الذي شاركت في نشره دار نشر "بابليك أفيرز" (PublicAffairs) التابعة لشركة "بيرسيوس بوكس" (Perseus Books) و"هارفارد بزنس ريفيو برس".