سؤال من قارئة: أنا موظفة حكومية منذ 13 عاماً، عملت قبلها 20 عاماً في التسويق والاتصالات، ثم اتخذت منعطفاً كبيراً في حياتي المهنية وانتقلت إلى عملي الحالي في تطوير السياسات والحوكمة وأعاني من تبعات وجود منصب إداري جديد في سن الخمسين. لكنني أجيد هذا العمل جداً وتمكنت من تحويل النهج المتبع في القسم الذي أتبعه وفي المؤسسة ككل، وأحصل على كثير من التقييمات الرائعة من مديري ونظرائي في العمل. حققت سجل أداء ممتاز بالفعل بعد عامين فقط من بدء عملي فيه، ودائماً أغتنم كل فرصة للقيام بأعمال الإدارة غير الرسمية. المشكلة هي كما يلي: لقد بلغت الخمسين من عمري، وفيما مضى تنقّلت كثيراً بين الوظائف بسبب اضطراري للحاق بزوجي، ومضى زمن طويل منذ آخر مرة عملت فيها على إدارة فريق. لكنني أرغب بحق في الحصول على ترقية إلى منصب في الإدارة العليا. للأسف، الفرص في المؤسسة التي أعمل فيها محدودة، ويبقى كثير من المدراء في مناصبهم حتى يتقاعدوا. أخبرت مديري عن طموحي وشجعني على التقدم إلى المناصب الإدارية التي قد تتاح، لكن هذه الفرص قليلة ومتباعدة، وخصوصاً في أثناء الجائحة. وأشعر أن سني ومنافسة المرشحين الأصغر سناً والذين يتمتعون بخبرة أحدث في العمل كمدراء بصفة رسمية أكثر يشكلان عائقاً أمامي.
سؤالي هو:
هل فات الأوان للتقدم إلى هذا العمل؟ هل كانت النقلة التي قمت بها في منتصف حياتي المهنية خطأ؟ ما الذي يمكنني فعله الآن؟
يجيب عن هذا السؤال كل من:
دان ماغّين: مقدم برنامج "ديير آتش بي آر" من هارفارد بزنس ريفيو.
أليسون بيرد: مقدمة برنامج "ديير آتش بي آر" من هارفارد بزنس ريفيو.
إيلين فان أوستن (ELLEN VAN OOSTEN): أستاذة في كلية "ويذرهيد" للإدارة بجامعة "كيس وسترن ريزرف"، وهي مؤلفة مشاركة لكتاب "مساعدة الموظفين على التغيير: التدريب بأسلوب متعاطف من أجل التعلم والنمو مدى الحياة" (Helping People Change: Coaching with Compassion for Lifelong Learning and Growth)
إيلين فان أوستن: أعمل مع كثير من النساء وأساعدهن في تطوير قدراتهن القيادية. وصاحبة هذا السؤال مثال رائع عما تعانيه النساء في أوقات مختلفة، وهو التفكير بأننا تأخرنا كثيراً وأن قطار الفرص قد فاتنا. لكن، لم يفت الأوان، وبإمكان صاحبة السؤال السعي لتحقيق طموحاتها، وقد استخدمَت كلمة "طموح" وهي مهمة جداً بالنسبة لي. لكن بالنظر إلى السياق والوضع الذي تصفه، يتطلب السعي لتحقيق طموحها مزيداً من الجهد والتفكير، وربما اتخاذ بعض الخطوات أيضاً. لكن أولاً يجب التركيز على معرفة ما تود فعله.
أليسون بيرد: يبدو أنها ناجحة فعلاً في عملها بالمؤسسة الجديدة التي انتقلت إليها، والمثير للاهتمام أنها ترغب في الارتقاء وتولي مزيد من المسؤوليات. لكن، كيف ستتمكن من فعل ذلك في ظل شح الفرص؟ ما الخطوات التي يتعين عليها اتخاذها؟
إيلين فان أوستن: يبدأ الأمر دائماً بالعقلية، صاحبة السؤال واعية جداً لسنها، والسن تحدد موقع المرء نوعاً ما، ولا يمكننا تغييرها. كيف يمكنها تحويل سنها إلى نقطة قوة؟ هي تتمتع بالنضج الذي لا يتمتع به المهنيون الأصغر منها سناً نظراً لخبرتها، كما أنها أثبتت التزامها وحماسها، وهاتان سمتان مرغوبتان بشدة في جميع الشركات. لذا، بدلاً من التركيز على الماضي وما لم تتمكن من تحقيقه من قبل، يجب عليها التركيز على المستقبل وما ترجوه وتطمح لتحقيقه، بغضّ النظر عن حجم المنعطفات التي مرت بها سابقاً.
دان ماغّين: ما أهمية حقيقة أنها تعمل في الحكومة؟ إذ يُنظر إلى قطاع التكنولوجيا مثلاً على أنه يتحيز ضد المتقدمين بالسن ويعتبر الموظفين الأصغر سناً أفضل من الكبار. ألا يجب أن تخفف من مخاوفها المتعلقة بسنها لأنها في قطاع معروف تاريخياً بمنح الأفضلية للموظفين الأكبر سناً؟
أليسون بيرد: هذا صحيح، فسن الخمسين ليست كبيرة، وخصوصاً إذا كانت صاحبة السؤال تعتزم العمل حتى تبلغ سن التقاعد في السبعين، وهي تملك خبرة في التسويق والاتصالات والتعاون مع الآخرين والقيادة غير الرسمية. كما أننا في عصر يتميز بإمكانية نقل المهارات من قطاع إلى آخر. كتب أحد المساهمين الدائمين في مجلتنا، كلاوديو فرنانديز – أراوز، مقالة حول سبب إعجابه بالسير الذاتية غير التقليدية، يقول فيها: "عندما يقوم الشخص بأعمال خارج النطاق الذي التزم به جميع من عمل في القطاع أو الوظيفة، فسيتمكن من اتباع عقلية أكثر إبداعاً وبث طاقة أكبر في العمل". ومن المجدي أن تدرك صاحبة السؤال هذه الأمور وتتعامل مع ترشحها بثقة أكبر. لم يخبرها أحد بأنها غير مناسبة للترشح لهذه المناصب، بل شجعها مديرها على التقدم، وإنما تكمن المشكلة في عدم توفر الشواغر، لكنها ستتوفر لا محالة. ويتعين عليها التقدم لها وعدم الخوف من جميع المرشحين الأصغر سناً والذين قد يطغى بريقهم عليها بسبب امتلاكهم مواصفات أكثر. يمكنها الدخول إلى المنافسة وإثبات أنها قادرة على تقديم شيء مختلف وأفضل عن غيرها.
إيلين فان أوستن: صحيح، وهذا يقودني إلى الخطوة الطبيعية التالية، وهي التواصل وبناء شبكة معارف. فقد تحدثت إلى مديرها وحصلت منه على تقييمات إيجابية بحسب ما ورد في رسالتها. لذا، أشجعها على توسيع هذا التواصل والتعرف على من يشغلون المناصب التي تصبو إليها وتهتم بها، والسعي للتواصل معهم وترتيب مواعيد للقائهم. وأنا أشجعها أن تعتبر هذه اللقاءات مقابلات بغرض جمع المعلومات، وقد تذهلها قدرة هذه المقابلات والمحادثات المستمرة مع هؤلاء الأشخاص على فتح الفرص أمامها.
دان ماغّين: إيلين، هل يجب على صاحبة السؤال أن تقضي وقتاً أطول في البحث عن فرص خارج المؤسسة التي تعمل فيها حالياً؟
إيلين فان أوستن: بل يكفيها قضاء بعض الوقت في البحث خارج مؤسستها. ثمة قيود طبيعية بسبب شح الفرص الخارجية حالياً واحتمال عدم توفرها في المستقبل المنظور، لكن من واجبها تجاه نفسها أن توسع نطاق بحثها وتستكشف الفرص المتاحة خارج مؤسستها. وهذا قد يساعدها على تعزيز ثقتها بنفسها أيضاً، ورؤية كيف تعدها خبرتها الفريدة وغير التقليدية للنجاح في مؤسسة أخرى أو في سياق آخر. هذه فكرة سديدة ويجب عليها أخذها في حسبانها.
أليسون بيرد: سبب تردد صاحبة السؤال هو إدراكها أنه على الرغم من معرفة زملائها لها حق المعرفة وإدراكهم لمكامن قوتها ومهاراتها، ورؤيتهم لها على أنها جديرة باستلام منصب إداري وجاهزة له عندما تسنح الفرصة، فإن المؤسسات الأخرى ستنظر إلى ملف سيرتها الذاتية فقط، وقد لا تلفت نظر أي من هذه الشركات لأنها لا تملك خبرة بصيغة رسمية في قيادة الفرق. إذا بدأت بالبحث عن الفرص الخارجية، وقال لها أحدهم: "أنت لا تملكين خبرة في الإدارة"، فما الذي يجب عليها قوله؟
إيلين فان أوستن: هذا موقف خطير ومزعج دائماً، لكنني أرى أنها تتمتع بهذه الخبرة فعلاً، وهي تملك قصة لترويها وهي قصة رائعة. قد يتمثل جزء من إعدادها لخوض هذه المحادثات في أن تفكر بكل ما فعلته وتثبت لنفسها أنها أنجزت 3 أو 4 إنجازات جيدة في عملها، كي تتمكن من التحدث عنها وتوضيح أثرها للآخرين. ويتمثل الجزء الآخر في الوصول إلى أشخاص يمكنهم التحدث عنها، وهو أمر شائع جداً. قد يكون من الأفضل أن يكتب هؤلاء الأشخاص رسائل توصية تتحدث عن خبرتها السابقة لضمها في مقدمة ملف سيرتها الذاتية أو طلب التقدم إلى الوظيفة، كي تلفت أنظار الجهة الموظفة إلى خبرتها الفعلية ولا يتسبب عدم ورود لقب "مديرة" بشكل رسمي في الملف باستبعادها على الفور. يمكن لهذين الأمرين مساعدتها في هذا الموقف تحديداً.
دان ماغّين: هل يمكنها القيام بأشياء أخرى لتعزيز ملف سيرتها الذاتية، سواء من أجل التقدم لمنصب داخل مؤسستها أو خارجها؟
إيلين فان أوستن: ثمة مجال مهم ستستفيد من التركيز عليه، وهو أن تلقي نظرة صريحة إلى نفسها وأن تخاطب نفسها وتقيّم قدراتها. هل تملك المعارف والمهارات اللازمة كي تعتبر أنها تملك ما يلزم لاستلام منصب إداري والنجاح فيه؟ قد تكون لديها مجالات معرفية تحتاج إلى الدعم، أو مهارات تحتاج إلى مزيد من التطوير. وبسبب الجائحة، تتوفر اليوم فرص كثيرة للتعلم عبر الإنترنت، وبإمكانها الحصول على موارد مهمة تتمثل في الدورات التعليمية وورش العمل والمدونات الصوتية التي ستساعدها. يمكنها الاستثمار في هذه الأشياء من أجل تطوير نفسها، وتظهر للمدراء الذين يسعون لتعيين موظفين جدد في المناصب الإدارية أنها مستمرة بالتعلم وتعتزم الاستمرار بالتطور والنمو. وهذه الأمور لا يمكن اكتسابها، بل هي ميزات مهمة لا بد أن يمتلكها المدراء حتى يكونوا ناجحين بحق.
أليسون بيرد: أولاً، نود طمأنة صاحبة السؤال أن الأوان لم يفت. فهي سعيدة وناجحة وترغب بالارتقاء إلى منصب إداري، ونعتقد أن عليها السعي لتحقيق هذا الحلم. نشجعها على تغيير طريقة تفكيرها فيما يخص السن، فهي تمتلك خبرة ونضوجاً لا يملكهما زملاؤها الأصغر سناً، وتغيير طريقة تفكيرها فيما يخص انتقالها من قطاع إلى آخر لأنه من الممكن نقل المهارات بين القطاعات. نشجعها على تبني عقلية النمو، والتحرك في الاتجاه الصحيح، ونقترح عليها بناء شبكة علاقات والسعي للتواصل مع أشخاص في المناصب الإدارية التي تصبو إليها في مؤسستها، ومعرفة طبيعة العمل فيها. ونشجعها على اكتساب المعرفة والمهارات التي لا تملكها والتي تحتاج إليها لكي تُعتبر مديرة ناجحة. وإذا كانت تملك المعرفة والمهارات اللازمة بالفعل، فعليها الاستعداد لسرد روايتها وإعداد الأشخاص الذين يمكن الرجوع إليهم لشرح ما يجعل إنجازاتها السابقة وخبراتها ذات قيمة للمنصب الإداري الذي تحاول الحصول عليه بعدما بلغت الخمسين من عمرها.
اقرأ أيضاً: ما بعد التقاعد