كيف يمكن التغلب على مشكلة التردد في قبول اللقاحات بتقديم تجربة أفضل للمرضى؟

7 دقائق
مشكلة التردد في قبول اللقاحات

ملخص: يشكل التردد في قبول اللقاحات من قبل شريحة كبيرة من السكان إحدى كبرى العقبات التي تحول دون القضاء المبرم على الجائحة. ويكمن مفتاح السر في التغلب على ترددهم هذا في توفير تجربة مميزة قبل التطعيم وفي أثنائه وبعده. ومن هذا المنطلق، تستعرض هذه المقالة إطار عمل من 7 عناصر لتحقيق هذه الغاية.

بعد أن تسببت التحديات اللوجستية في إبطاء طرح لقاحي "فايزر بيونتك" و"موديرنا" على الرغم من ثبوت فاعليتهما في الوقاية من فيروس "كوفيد-19"، ظهرت أمامنا عقبة أخرى يجب التغلب عليها وتتمثل في رفض أعداد كبيرة من سكان الولايات المتحدة الحصول على التطعيم بنسبة تصل إلى 40% من إجمالي السكان.

التصدي لمشكلة التردد في قبول اللقاحات

ويرى الخبراء أنه لا بد من الوصول إلى مناعة القطيع التي تعتمد على حصانة 70% أو أكثر من السكان ضد الفيروس للقضاء على هذا الوباء قضاء مبرماً. ويستلزم عبور الفجوة للوصول إلى هذه النسبة التصدي للمخاوف بشأن التطعيم، وهو ما يستدعي منح الأشخاص تجربة مميزة قبل التطعيم وفي أثنائه وبعده. وإليك إطار عمل لتحقيق هذه الغاية.

بناء جسور الثقة

يُعزى الجانب الأكبر من التردد في التطعيم بلقاح "كوفيد-19" إلى انعدام الثقة في نظام الرعاية الصحية وشركات الأدوية التي أنتجت اللقاحات وطرحتها في السوق في وقت قياسي، علاوة على انعدام الثقة أيضاً في بعض دعاة التطعيم وفي الحكومة الأميركية التي تنظم عملية توزيع اللقاحات وتشجع مواطنيها على التطعيم بها. ومن هنا، كان لا بد من بذل جهود مكثفة لبناء جسور الثقة مع الجمهور، إضافة إلى استراتيجيات مكافحة المعلومات المضللة.

ويمكننا تحقيق هذه الغاية من خلال تسخير قوة البيانات، إذ يجري، على سبيل المثال، تشجيع أولئك الذين يتلقون اللقاح حالياً على الاشتراك في تطبيق "في-سيف" (V-safe) التابع لـ "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (CDC)، وهو عبارة عن نظام للإبلاغ المبكر عن أي أعراض جانبية، ويقوم على جمع البيانات عبر الهاتف الجوال حول أي أعراض قد تظهر على متلقي اللقاح. ويمكن نشر البيانات المجمعة من خلال التطبيق ثم تصنيفها بطريقة جذابة بصرياً حتى يرى الجمهور بنفسه ضآلة عدد الأشخاص الذين يعانون أعراضاً جانبية مقارنة بعدد مَنْ حصلوا على اللقاح حتى الآن. ويمكن الاستفادة من تقنيات التصوير المبسّط للبيانات المستخدمة في شركات وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لإظهار مدى ضخامة "القطيع" وتمييز الأشخاص الذين حصلوا على اللقاح ضمن شبكات العلاقات الاجتماعية للفرد، وهو ما يعزز فكرة أن التطعيم أمر شائع ومعتاد في الغالب الأعم.

بالإضافة إلى ذلك، فيجب أن نأخذ بيد المهمّشين ونساعدهم على الاقتناع بأن اللقاح هو الخيار الصحيح بالنسبة لهم لأن عدم المساواة كفيل بتقويض عنصر الثقة. ولا يخفى على المتابعين أن بعض فئات المواطنين من الأقليات والمواطنين الأكثر عرضة للخطر، كالحوامل وكبار السن الذين تزيد أعمارهم على 75 عاماً، لم يكونوا ممثلين بالقدر الكافي في التجارب السريرية (الإكلينيكية) للقاحين المعتمدين. ولإصلاح هذا الخلل، يمكن لهيئات الصحة العامة على المستويين الوطني والمحلي ومواقع إدارة اللقاحات توفير البيانات الدالة على أمان اللقاحات على أرض الواقع، وذلك لمساعدة الأشخاص من مختلف الأعراق وفي مختلف الظروف على معرفة أثر اللقاح في المجموعات التي ينتمون إليها.

التوعية العامة

قد تحتاج مجتمعات معينة في النهاية إلى توظيف طرق مبتكرة من أجل حصول الأفراد على المعلومات الصحية حول اللقاح بما يتناسب مع مختلف البيئات. وتزداد أهمية اتباع هذا الأسلوب عند مخاطبة الشرائح السكانية المهمّشة التي لا تملك القدرة على الوصول إلى الأطباء. ويمكن اتباع عدة منهجيات في هذا السياق، بدايةً من نظام المراسلات النصية البسيطة على غرار تطبيق "تكست 4 بيبي" (Text4Baby)، وهو نظام مجاني يتيح للحوامل كتابة "BABY" باللغة الإنجليزية أو "BEBE" بالإسبانية لتلقي رسائل تثقيفية تناسب مرحلة الحمل، وصولاً إلى برنامج "وي ميونايز" (WeMUNIZE) الذي يدعم خاصية الـ "جي بي إس" (GPS) بوصفه خدمة حققت نجاحاً ملموساً في نيجيريا باستخدام منهجية المكالمات الآلية التي تحاكي التسجيلات الصوتية لقادة المجتمع المؤثرين لتشجيع المواطنين على التطعيم. ولا بد من إتاحة التوعية بأكثر من لغة.

تبسيط عملية الاشتراك

غالباً ما تحول التعقيدات الهائلة لنظام الرعاية الصحية دون حصول الكثيرين على الرعاية المناسبة. إذ يجب أن يعرف المرء مكان وزمان حصوله على اللقاح بمجرد إبداء اهتمامه بالحصول عليه. وبما أن اللقاح يُوزَّع على مجموعات سكانية مختلفة، فيمكن استخدام "وسائل حسابية" كتلك الموجودة على منصة صحيفة "نيويورك تايمز" لمساعدة المواطنين الأميركيين على معرفة متى سيحين دورهم لتلقي التطعيم.

وعندما يحين دورهم، يجب أن نسهل عليهم العثور على المكان الذي سيتلقون فيه التطعيم وتحديد موعد تلقيه بالضبط. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب أن نتيح إمكانية البحث عن المواقع الجغرافية المخصصة لتلقي التطعيم على محركات البحث الرئيسية والتطبيقات المستقلة وأن نوفر نظاماً لتحديد المواعيد يشبه الجدول المفتوح بحيث تتوفر للفرد القدرة على تحديد موعد لنفسه لتلقي جرعة التطعيم بسهولة ويسر، على غرار الأسلوب المتبع فعلياً في الأنظمة الصحية للعاملين في الخطوط الأمامية بالقطاع الصحي. وربما كان أبسط وأفضل نظام للتعامل مع مجموعات سكانية معينة، ككبار السن وأولئك الذين تعوزهم المعرفة الرقمية، أن يتم الاتصال بشخص يمكنه مساعدتهم على تحديد موعد والتحدث معه في هذا الشأن. قد تكون هذه الخدمة شبيهة بتلك المقدمة من شركة "آكولايد" (Accolade) المتخصصة في تقديم حلول صحية ومزايا مخصصة لأصحاب العمل والتي يعمل فيها أحدنا (شانتانو)، حيث توظف "آكولايد" مساعدين صحيين لمساعدة الموظفين وأسرهم على تحديد مواعيد زيارة الطبيب.

تلقي التطعيم

ليس هناك ما يبعث على المتعة في الحقن بإبرة حادة، ولكن هناك الكثير مما يمكننا فعله لجعلها تجربة مميزة، فيمكننا مساعدة الفرد على الشعور بالطمأنية قدر الإمكان وأن يفخر بإسهامه في الحفاظ على سلامتنا جميعاً.

يجب علينا تخصيص مواقع يسهل الوصول إليها لتلقي التطعيم وتقليل وقت الانتظار وتوفير المزيد من الوقت والاهتمام لمن يحتاجون إليه. وتشكل سبل الراحة كلمة السر فيما يخص الوصول إلى مواقع التطعيم. ولحسن الحظ، يمكننا الاستفادة من المبتكرات والبنى التحتية المصممة لاختبارات "كوفيد-19". فيمكن، على سبيل المثال، استغلال المواقع المخصصة لإجراء الاختبارات دون خروج الفرد من سيارته، وذلك من خلال إضافة خدمة التطعيم باتباع المبادئ التوجيهية لـ "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" بشأن تلقي التطعيم في السيارات. كما يمكن أن تحدد المواقع المخصصة لتلقي التطعيم موعداً لأي شخص يريد أن يتعرف على التجربة عن قرب، مثل الأطفال وكبار السن وذوي التحديات الجسدية وأولئك الذين يخشون الحُقَن.

ولمساعدة الفرد على الارتياح لفكرة الحصول على اللقاح والإسهام الإيجابي في المجتمع، يمكننا توجيه القائمين على التطعيم بتهنئة متلقي اللقاح أو السلام عليهم بتلامس الكوعين، أو إرسال رسالة نصية لهم عبر تطبيق "في-سيف" للترحيب بانضمامهم إلى زمرة الحاصلين على التطعيم، أو إنشاء مؤثرات خاصة لرسائل الآيفون تُظهر ألعاباً نارية عندما يرسل المستخدم رسالة نصية إلى صديق يخبره فيها بحصوله على اللقاح، مثلما يحدث اليوم عندما يرسل المستخدمون رسالة نصية إلى أصدقائهم أو أفراد أسرتهم لتهنئتهم بحلول عام جديد.

دعم التعافي

تعتبر أصعب مرحلة في عملية التطعيم هي تلك التي تعقب تلقي الجرعة بيوم إلى 3 أيام، وهي الفترة التي يعاني فيها الكثيرون أعراضاً جانبية تتراوح ما بين الألم في موضع الإبرة أو الشعور بالصداع أو الحمى البسيطة. ولا بد التعامل مع التوقعات بشأن هذه الأعراض الجانبية. فإذا لم يكن الفرد يتوقع أي أعراض جانبية ولكنه شعر بالتعب، فسيخيل له وكأنه يعيش تجربة مريرة، والعكس صحيح أيضاً، فإذا شعر بالتعب بصورة أقل مما كان يتوقع، فسيحس بأنه يخوض تجربة أفضل.

ولا أنسب لإرساء التوقعات من فترة الانتظار البالغة 15 دقيقة والمطلوبة حالياً بعد التطعيم مباشرة لرصد الأعراض الجانبية. قد تكون هذه اللحظة المناسبة أيضاً للتعريف ببعض المعلومات التثقيفية المهمة. ويمكن إعداد اختبار أو مقطع فيديو تفاعلي ودمجه في التطبيقات الإلكترونية للجهات المخصصة للتطعيم، مثل صيدليات "سي في إس" (CVS) أو صيدليات "وولغرينز" (Walgreens)، بهدف التعرف على مستوى وعي المستخدم بفيروس "كوفيد-19" ومفهومه عن الحصانة والسلوكيات الواجب اتباعها بعد تلقي التطعيم، ثم تقديم قسيمة خصم على المشتريات بناءً على الدرجة التي يحصل عليها المستخدم. كما يمكن للحاصلين على اللقاح أيضاً تلقي رسائل تثقيفية لكل فرد على حدة في الأيام التي تعقب تلقي التطعيم على النحو المبين في المثال التالي "اليوم الأول بعد تلقي التطعيم: إذا شعرت بألم في ذراعك أو أحسست بالغثيان، فلا تقلق، كل ما هنالك أن هذا يعني نجاح مفعول اللقاح!"

وسيحتاج البعض أيضاً إلى طريقة مبسّطة للتواصل مع مقدم الرعاية الصحية إذا أبدوا قلقهم من ظهور أعراض جانبية أو تخوفوا من إصابتهم بفيروس "كوفيد-19". وتتوافر في الوقت الحالي أدوات مخصصة لإبلاغ هيئات الصحة العامة بمنتهى البساطة عن أي أعراض جانبية قد تظهر في المستقبل على متلقي التطعيم، ومن أبرز أمثلة هذه الأدوات تطبيق "في-سيف". ويمكن اتباع نهج أكثر تمحوراً حول المستخدم يمنح متلقي اللقاح الذين يبدون مخاوف أكثر خطورة طريقة بسيطة لإرسال رسائل إلى إخصائي الرعاية الصحية أو التحدث إليه في الموقع الذي تلقوا فيه اللقاح. يمكن أن يساعدهم هؤلاء الأطباء في تشخيص أعراضهم وتحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى العناية الطبية أم إبداء بعض التعاطف وطمأنتهم بالإشارة إلى أن ما يمرون به طبيعي وأن هذه الأعراض ستختفي من تلقاء نفسها.

استمرارية التواصل

لا يعني حصول الفرد على جرعة التطعيم بكل أسف أن بإمكانه العودة فوراً إلى نمط حياته المعتاد قبل 2020. حيث يستغرق بناء المناعة ضد اللقاح أياماً، ولا بد من الحصول على جرعة ثانية من اللقاح، وبالتالي لا غنى عن ارتداء الكمامة الطبية بعد التطعيم. وتعتمد مناعة القطيع على فهم عموم الناس لهذا الأمر.

ويمكن لـ "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (عبر تطبيق "في-سيف") أو مقدم الرعاية الصحية أو الصيدلي إرسال رسائل يومية مؤتمتة للفرد خلال الأيام التي تعقب حصوله على جرعة التطعيم الأولى لمساعدته على معرفة موقعه على منحنى المناعة كطريقة لتشجيع متلقي التطعيمات على توخي الحذر خلال فترة بناء المناعة وتشجيعهم على الحصول على الجرعة الثانية بعد شهر من الحصول على الجرعة الأولى. وقد يلاحظ متلقي الرسالة ارتفاع مناعته من 20% إلى 50% في الأيام التالية ثم يفاجأ بثباتها عند 50% حتى موعد حصوله على الجرعة الثانية. وبعد تلقيه الجرعة الثانية، سيلاحظ ارتفاع مستوى حمايته حتى يتجاوز 90%. قد يكون هذا أقوى أثراً بمراحل من مجرد الاكتفاء بإرسال تذكير للشخص بحلول موعد تلقيه الجرعة الثانية.

النشر على أوسع نطاق

يعتبر انتشار الابتكارات عملية اجتماعية في المقام الأول. ومع ازدياد الإقبال على اللقاحات وتطعيم أكبر عدد ممكن من الأفراد، ستزداد صعوبة استقطاب الفئات المترددة من الأشخاص الأكثر مقاومة للتطعيم أو من يعرفون بـ "المتلكئين". وبالإضافة إلى الأساليب المذكورة أعلاه لبناء جسور الثقة والاحتفاء بمَنْ يحصلون على جرعة التطعيم، يمكننا أيضاً استعارة الأساليب التي جرى اتباعها في الآونة الأخيرة لتشجيع الناخب الأميركي على الإدلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية، مثل إطارات صور "فيسبوك" المكتوب عليها "لقد أدليت بصوتي" والاستعانة بالمشاهير المؤثرين والتواصل المباشر عن طريق المنظمات غير الربحية. ويمكن أن تضيف منصات وسائل التواصل الاجتماعي، مثلاً، خاصية تسهّل على الفرد إخبار الأعضاء المنتمين إلى شبكته الاجتماعية بأنه قد حدد موعد الجرعة الأولى أو بأنه تلقى الجرعة الأولى وفي سبيله إلى تلقي الجرعة الثانية.

ولا يفوتنا أن نشير أخيراً إلى أن النجاح في تصميم تجربة التطعيم يستلزم التكيف مع الظروف المحلية، حيث تختلف مقومات النجاح في المجتمعات الحضرية التي تتألف في الغالب من المتعلمين والمثقفين عن مقومات النجاح في المجتمعات الريفية المكونة في الأساس من الطبقة العاملة. كما يستلزم النجاح أيضاً سرعة إجراء الاختبارات والتكرار. وقد يتمثل أحد أهم الأساليب في قياس صافي نقاط الترويج (NPS) لمشاعر الأفراد حيال تلقي التطعيم. ويعتمد صافي نقاط الترويج على الإجابة عن سؤال بسيط: "على مقياس من 0 إلى 10، إلى أي مدى يمكن أن تنصح صديقاً أو زميلاً بمنتج أو خدمة هذه الشركة؟" فسؤال أولئك الذين تلقوا التطعيم عما إذا كانوا سينصحون غيرهم به سيساعدنا بلا شك على فهم ما إذا كانت عملية التطعيم والتحسينات التي أُدخلت عليها تسير بنجاح أم تنكّبت الطريق.

وإذا نظرنا إلى اللقاح باعتباره منتجاً استهلاكياً، وإلى التطعيم كخدمة، وإلى رفع صافي نقاط الترويج كهدف منشود، يمكننا أن ننجح في تصميم عملية شاملة للتطعيم وطي صفحة هذه الجائحة في أسرع وقت ممكن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي