لماذا يصعب حمل الناس على التغيير؟ هذا السؤال يطرح واحدة من بين أكثر الشكاوى الشائعة التي أسمعها من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الأخرى. يتخذ هؤلاء المسؤولون هم ومجالسهم الإدارية قرارات ثم يرسلون الأوامر ثم... لا شيء يحدث.
وبسبب إحباطهم مما يعتقدون أنه عجز لدى موظفيهم في تنفيذ القرارات، يلتفت هؤلاء المسؤولون التنفيذيون غالباً بحثاً عن المساعدة الخارجية من الاستشاريين الذين يرشدونهم في التعامل مع ما يسمى مبادرات "إدارة التغيير".
مشاركة الموظفين في اتخاذ القرارات
أعرف ما أتحدث عنه بالضبط لأنني عمِلت في مجال الاستشارات. وقد اعتدنا على تلقي اتصالات خصوصاً عندما تكون الشركات في مواجهة قرارات كبيرة تتطلب تغييرات كثيرة في كيفية إنجاز الموظفين لعملهم لأن هذه التغييرات من الصعب جداً إدخالها. وتأخذ هذه الجهود عموماً وقتاً طويلاً إذ يمكنها أن تستمر لسنوات، كما أنها مكلفة من حيث الموارد التي تتطلبها. ومن شبه المؤكد أن جهود إدارة التغيير تتطلب المزيد من الوقت والطاقة والمال أكثر مما ينفق على اتخاذ القرار في مراحله الأولى - وهذا هو سبب الإحباط الذي يحسه أولئك المسؤولون التنفيذيون.
لكن استدعاء استشاري لا يعتبر حلاً. فعلى سبيل المثال، في إحدى الدراسات التي أجرتها شركة "آي بي إم" (IBM) عام 2008، استقصى الباحثون آراء 1,500 مسؤول تنفيذي في 15 بلداً ووجدوا أن حوالي 60% من المشاريع الكبرى تفشل في تنفيذ أهدافها ما يؤدي إلى خسارة مليارات الدولارات من الموارد والإنتاجية.
فهل هناك سر ما وراء التنفيذ الأفضل للمشاريع؟
يبدو أن هناك سراً فعلاً. فما تعلمته كرئيس تنفيذي لشركة البرامج "ريد هات" (Red Hat) هو القيمة المتمثلة في إشراك رفقاء العمل (الموظفين) في إبداع الحلول بدلاً من الاقتصار على تقاسم القرارات معهم بعد اتخاذها. نسمي هذا الأمر صناعة القرار التشاركي.
كنا نشرك مجموعات واسعة من بين 8,300 من شركائنا في المراحل الأولى من صناعة القرارات وليس لاحقاً بعد اتخاذها. إن أفضل وصف لما استشعرناه هو أننا ننقل جل أنشطة "إدارة التغيير" إلى عملية صناعة القرار نفسها.
صناعة القرار التشاركي
لقد فهمت أن هناك قيمة مدهشة تظهر عندما نشرِك رفقاء العمل في إبداع الحلول بدلاً من الاقتصار على توقع تنفيذهم لقرارات الإدارة أيا كانت. فمن خلال استعمال تقنيات بسيطة كالبريد الإلكتروني وبالاعتماد على منتديات الإنترنت يمكننا الوصول إلى عدد أكبر من الناس في المؤسسة، ويستطيعون الانضمام إلى أي غرفة اجتماعات عبر الإنترنت وتسجيل ملاحظات عن الأفكار التي نفكر في تنفيذها. وعندما نتقاسم أفكارنا وخططنا نكون منفتحين وصادقين وصريحين. وأعتقد باعتباري قائداً في شركة "ريد هات" أن أسوأ الأخطاء التي قد أرتكِبها هو أن أفاجِئ المؤسسة بقرار أتخذه.
ليست كل الأفكار شائعة بالطبع، وهناك العديد من الأفكار التي تكون محل النقاش. لكن الناس بصفة عامة لا يريدون سوى فرصة للتعبير عن آرائهم، ويتوقعون الاستماع إليهم لكنهم لا يتوقعون دائماً الاهتمام بكلامهم. وحتى إذا لم يعجبهم القرار المتخذ في النهاية فستكون أمامهم فرصة تقبُّله الآن بدلاً من أن يفعلوا ذلك مستقبلاً بعد 6 أشهر أو 6 سنوات، وهكذا تزيل الحواجز والمعارضين من طريق عملية التنفيذ.
لكنني سأعترف بأن ذلك ليس سهلاً. فالعمل بهذه الطريقة يبطئ صناعة القرار جداً، ويستنزف فترات زمنية طويلة من الجميع. وهذا أمر محبط، ويكون مثيراً للسخط في بعض الأحيان. فهو يتحدى غرورك كقائد، وليس من المحبذ أن يشكك الناس مراراً وتكراراً في كل قرار تتخذه.
بعد فترة قصيرة من تحملي مسؤولية الرئيس التنفيذي لشركة "ريد هات" اتضح لي أن رسالة الشركة لا ترتبط ارتباطاً مباشراً بالعمل اليومي للشركاء.
لكنني عرفت أننا إذا أردنا تحفيز كل موظفي المؤسسة للالتزام برسالة جديدة للشركة فإنني لن أستطيع بلورتها وحدي أو مع فريقي التنفيذي فقط. فهذه هي الحالة التي تنتهي بنشر ملصقات لا يهتم بها أحد في قاعة الاستراحة.
مشاركة الموظفين في بلورة رسالة الشركة
ولهذا بدلاً من بلورة رسالة الشركة خلف أبواب مغلقة عرضناها على الجميع على شكل مشروع عبر بريدنا الإلكتروني الداخلي، ثم سألنا الجميع عن آرائهم فيها. سألناهم عن الجوانب التي يتردد صداها ولها وقع أفضل عليهم، وعما يجب تغييره. كما طلبنا منهم اقتراحات لتحسين المشروع، وكان باستطاعة الجميع تقديم رأيه وقد فعل العديد منهم ذلك. ودار نقاش عميق وظهرت بعض الاقتراحات الرائعة لتغيير الصياغة، بل وحدث بعض الجدل والخلاف حول ما إذا كان المشروع يعكس ما كانت تحاول الشركة إنجازه. وأعتقد أن الشركة كانت في حاجة إلى هذه النقاشات. فقد منحنا لموظفي شركة "ريد هات" حق ملكية الرسالة من خلال جعلهم جزء من العملية ثم أخذ بعض أفضل ملاحظاتهم بعين الاعتبار وتوظيفها في تحسين مضمون الرسالة نفسها.
وأنا سعيد بإخباركم أن استخدام عملية شفافة تماماً لبلورة رسالة الشركة حقق نجاحاً عظيماً. وقد لقيت الرسالة صدى لدى موظفينا ليس فقط فيما يتعلق بنوعية العمل وإنما أيضاً فيما يخص كيفية القيام به. ولكن يمكنكم أن تحكموا على الأمر بأنفسكم:
أن تكون عاملاً مساعداً لمجموعات العملاء والمساهمين والشركاء وتخلق تقنيات أفضل بطريقة مفتوحة المصدر.
على الرغم من أن ذلك تطلب منا مجهوداً كبيراً لتحقيقه، إلا أن النتيجة تعتبر مثالاً عظيماً عن كيفية تقديم رفقائنا لجواب أفضل بكثير مما كان سيقدمه لنا بعض المسؤولين التنفيذيين (مهما كانت درجة موهبتهم). لقد كان هؤلاء الرفقاء ملتزمين وراضين عن هذه النتيجة، ولم نقتصر في النهاية على بلورة رسالة هادفة للشركة فقط، بل إنني أراهن أن أغلب أو كلّ المنتمين لشركة "ريد هات" يحفظونها عن ظهر قلب.
لكن ما الذي يدفع أحدهم لهذا العمل؟ إن الجواب البسيط لهذا السؤال هو أن هذا العمل يؤدي إلى اتخاذ أفضل القرارات، وتحقيق أفضل مستويات الارتباط والتنفيذ. ونتيجة لذلك نستطيع التحول بسرعة وسهولة، ما يمنحنا مزايا تنافسية مدهشة. وبناء على ذلك فإن السؤال الأهم في اعتقادي الآن هو: لماذا لا تتخذون قراراتكم بهذه الطريقة؟
إن الخبر السار المتعلق بجواب هذا السؤال هو أنه من السهل البدء في تطبيق صناعة القرار التشاركي في مؤسستك مهما كان حجمها كبيراً. اخرج من مكتبك وتحدث مع الذين تعمل معهم. تستطيع ببساطة أن تسأل بعض الناس في مؤسستك عن رأيهم في أي قرار تكون بصدد اتخاذه، فهم لن يشككوا في كفاءتك أو تصميمك، بل ربما سيشعرون بالإطراء. فالأمر يتعلق بسلسلة متصلة، وهذا يعني أنه يمكنك بصفتك القائد أن تختبر معهم كيفية التوسع في إشراك الآخرين. حاول اختيار مشكلة ومناقشتها بصراحة مع مجموعة أوسع سواء في اجتماع للموظفين أو في أي اجتماع غير رسمي، وبعد فترة سيصبح هذا الأمر طبيعياً. كلما مارست نهجاً شارك فيه الموظفين في اتخاذ القرارات، لاحظت أن مؤسستك تدخل في إيقاع ستؤدي فيه القرارات المتأنية مع مرور الوقت إلى نتائج سريعة.
اقرأ أيضاً: كيفية التعامل مع مقاومة التغيير