تمثل اجتماعات الأعمال المنتجة ممارسة لا غنى عنها للتعاون ضمن الفريق وتبادل الأفكار وحل المشكلات القائمة، ولا ريب أنك تتوقع من جميع الحضور اجتماعاً مثالياً، والمساهمة بفعالية في طرح وجهات نظر متنوعة، والمشاركة في التفكير للوصول إلى فهم جديد. لكن قليلاً من الاجتماعات ترقى إلى هذا المثل الأعلى، ويعود ذلك إلى أن جزءاً كبيراً من المجتمعين غير قادر على المساهمة بفعالية في النقاشات. فكيف يمكن زيادة مشاركة الانطوائيين في الاجتماعات المنعقدة عن بعد؟
على سبيل المثال، طلبنا من موظفي بنك عالمي كبير الإجابة عن سؤال: "عندما يكون لديك شيء تريد طرحه في اجتماع، كم مرة يتاح لك تنفيذ ذلك فعلاً؟" وكانت النتيجة أن 35% من المجيبين فقط شعروا بأن المجال متاح أمامهم لتقديم مساهمة في جميع الأوقات.
كيفية مشاركة الانطوائيين في الاجتماعات
توجد ثلاثة قطاعات من العمال يتم تجاهل وجودهم كثيراً، هم الأشخاص الانطوائيين، والعاملون في المناطق النائية، والنساء. لكن، بصفتك قائداً في الشركة، فأنت لا تشارك فعلاً في إسكات أصوات تلك الفئات إلا أنه على الأرجح يوجد في أوساط العاملين لديك نوع من التحيز الخفي ضدها. ولهذا دعنا نناقش تلك الظاهرة وما تستطيع فعله لتخفيف تأثيرها.
اقرأ أيضاً: ماذا تعلمنا كمؤسسة تعمل عن بعد لمدة 20 عاماً؟
الفئة الأولى: الهادئون
التحيز اللاواعي: الأذكياء يتخذون القرارات سريعاً
ما يحدث في الواقع: يدعو مدير برنامج إلى اجتماع لدراسة مسألة الموارد. يلخص الوضع ويوزع على المشاركين أحدث نتائج تحليل التوظيف في الشركة، ويجهز عناصر المناقشة. لكن هذه التحضيرات مناسبة تماماً للمنفتحين (الذين يفكرون بصوت مرتفع). وتجعل الانطوائيين من اللحظة الأولى (الذين يفكرون قبل الكلام) في وضع لا يفيدهم.
لا يمانع المنفتحون في تلقي معلومات جديدة خلال اجتماع ما، ثم فهمها وبناء صورة منطقية منها خلال الحديث عنها ومناقشتها. بينما يصل المفكرون الانطوائيون إلى أفضل مساهماتهم عندما يحظون بوقت لمعالجة البيانات، وتترك لهم مدة مناسبة لاختيار الكلمات بعناية وتبادل الاستنتاجات المدروسة. وهكذا، بينما يثير المفكرون المنفتحون عاصفة من الكلام، يظل المفكرون الانطوائيون هادئين ريثما يعالجون المعلومات في أذهانهم. وغالباً ما يسيء المنفتحون تفسير هذا الصمت على أنه عدم اتفاق أو عدم اهتمام أو انفصال عن المسألة المدروسة أو قلة خبرة فيها. وهم غالباً لا يبذلون أي جهد للسماح للانطوائيين بالمشاركة في النقاش. ينتهي الاجتماع، ويتفرق الموظفون حتى الاجتماع المقبل، وتضيع فرصة التفكير بحلول المشكلة معاً. ونتيجة لتكرار الأمر وبمرور الوقت تثبط همة الانطوائيين وتتراجع أرواحهم المعنوية وينفصلون تماماً عن القضايا المدروسة بسبب عدم قدرتهم على المساهمة بفعالية.
كيف تتغلب على التحيز:
قبل الاجتماع: شارك مع الجميع الغرض من الاجتماع، وقدم جميع البيانات المتوفرة لديك عن الموضوع مسبقاً، بالإضافة إلى قائمة محددة من الأسئلة التي تخطط لمناقشتها.
اقرأ أيضاً: لماذا على رواد الأعمال اعتماد تشجيع العمل عن بعد؟
خلال الاجتماع: امنح الانطوائيين المجال للتحدث بشكل استباقي، من خلال طرح أسئلة مثل: "سلمى، من المناقشة التي جرت حتى الآن، ما الذي لاحظته حتى الآن" أو "عزيز، أثناء الاجتماع: امنح الانطوائيين مساحة للتحدث بشكل استباقي ، من خلال طرح أسئلة مثل: "جانيت ، من المناقشة التي جرت حتى الآن ، ما الذي لاحظته حتى الآن؟" أو "أكشاي ، في رأيك ما الذي يجب أن نفكر فيه، ولم نأخذه في الحسبان حتى الآن؟".
بعد الاجتماع: وزع ملخص الاجتماع واطلب استباقياً الأفكار التي قد تتبادر إلى الذهن بعد الاجتماع. تستطيع مثلاً إنهاء رسائلك الإلكترونية بعبارة مكنك إنهاء رسائلك الإلكترونية بعبارة "هل توصل أي منكم إلى نظرة جديدة عن هذا الوضع بعد أن التقينا؟ يسعدني أن أسمع ذلك".
الفئة 2: أعضاء الفريق البعيدين
التحيز اللاواعي: بعيد عن العين، بعيد عن الفكر
ما يحدث في الواقع: تشتهر المؤتمرات الهاتفية بأنها غير منتجة حتى أنها صارت مثاراً للسخرية. على سبيل المثال، يحتفظ البنك العالمي الكبير الذي أشرت إليه في بداية هذه المقالة بفريق صغير لكنه استراتيجي في سنغافورة. على الرغم من أن موظفيه يحضرون كثيراً الاجتماعات عبر مؤتمرات الهاتف إلا أنهم يعانون عادة من صعوبة تقديم مساهمة خلالها. وعكست إجاباتهم في استطلاع الرأي ما يلي: "يصعب جداً الدخول في محادثة خلال مؤتمر هاتفي" و "يجب على الاجتماعات أن تكون أكثر مراعاة للآخرين وتشمل أولئك الموجودين على الهاتف". على الرغم من أن استراتيجية نمو الشركة تتوقف على تلك القواعد الأمامية الصغيرة، إلا أن الفرق الموجودة فيها تستبعد بانتظام خلال الاجتماعات.
كيف تتغلب على التحيز:
قبل الاجتماع: عمم غرض الاجتماع وأهدافه والمواد المتعلقة به، حتى يستطيع الموجودون على الهاتف المتابعة بسهولة. رتب الاجتماعات عن بعد باستخدام تقنية الاجتماعات الافتراضية، مثل "سكايب" للمؤسسات، أو "ويبيكس"، أو "جوتوميتنج" فهي تسمح للمشاركين عن بعد متابعة ما يحدث في الوقت الحقيقي. ادرس تكليف شخص بمسؤولية المحافظة على تفاعل أعضاء الفريق البعيد مع الموضوع طوال الاجتماع.
اقرأ أيضاً: كيف يكوّن العاملون عن بعد صداقات عمل؟
خلال الاجتماع: إذا كان لديك خيار استخدام مؤتمرات الفيديو، فمن الأفضل استخدامه، وإذا كنت تستخدم تقنية الاجتماعات الافتراضية، اطلب من المشاركين عن بعد استخدام ميزة الدردشة وذلك للسماح للمجتمعين بمعرفة متى يرغبون في قول شيء ما خلال النقاشات. وعندما يرفعون اليد الافتراضية الخاصة بهم، امنحهم فرصة الكلام. تحقق بانتظام من أن المشاركين عن بعد قادرون على سماع الحوار ومتابعته والمساهمة فيه.
بعد الاجتماع: وزع مذكرة متابعة قصيرة ودقيقة تسرد التحليلات والقرارات والإجراءات الرئيسة.
الفئة 3: النساء في الاجتماع: محور هام من أجل مشاركة الانطوائيين في الاجتماعات
التحيز اللاواعي: يملك الرجال أفكار أكثر يسهمون بها.
ما يحدث في الواقع: توصلت دراسات متعددة إلى النتيجة ذاتها: تتعرض المرأة إلى المقاطعة أكثر في الاجتماعات، وتؤخذ أفكارهن بدرجة أقل على محمل الجد. حتى إن بعض الباحثين ابتكر تصنيفاً لغوياً يصف كل ذلك مثل "الرجل الذي يقاطع حديث امرأة دون داعٍ" (manterrupting) إلى "الرجل الذي يقاطع امرأة لشرح شيء تعرف عنه فعلاً أكثر منه" (mansplaining) وصولاً إلى "الرجل الذي يسرق التقدير عن فكرة أبدعتها امرأة" (bropropriating).
كيف تتغلب على التحيز:
إعادة تأطير المحادثة: إنها مشكلة في أداء الأعمال، وليست مشكلة "نسوية"، ومن مصلحة جميع الرجال والنساء التغلب على هذا التحيز. اجعل بعض الرجال التقدميين مثالاً يحتذى به، وامنحهم مسؤولية إفساح المجال لزميلاتهم للمساهمة.
حقق التوازن على أرض الحدث مع بعض القواعد الأساسية مثل "يمنع مقاطعة بعضكم البعض والتحدث أثناء تحدث شخص آخر" أو اطلب رأي الجميع حول الطاولة دورياً واحداً بعد الآخر عندما تريد سماع رأي كل المجتمعين بشأن اتخاذ قرار حاسم.
عزز ثقافة تشجع الرجال والنساء على حد سواء على التحدث علانية عندما يرون شخصاً ما يتم إسكاته عن غير قصد خلال المناقشة.
تحدث جانباً مع من يمارسون تلك السلوكيات السيئة بحق زميلاتهم ونبههم إلى سلوكهم، فربما يفعلون ذلك عن غير وعي أو قصد.
اقرأ أيضاً: كيف يستطيع المدراء مساعدة الموظفين العاملين عن بعد؟
وفي نهاية الحديث عن كيفية مشاركة الانطوائيين في الاجتماعات بشكل فعال، تعاني معظم الاجتماعات من هفوات وعيوب واضحة، لكن تلك الأمثلة الثلاثة عن التحيز تقوض خاصة الحوار المفيد. ومن خلال تلافيها، تستطيع الشركات تعزيز التفكير الجماعي، ومنح جميع العاملين فرصة أكبر في إبراز إمكاناتهم الكاملة، وليس فقط الاستماع إلى قلة يمكنهم إسماع أصواتهم بسهولة.