لماذا يجب تغيير عقلية التعامل مع النفظ والغاز استعداداً للتحول القادم؟ وما هو مستقبل الطاقة المستدامة؟
تُقدم هارفارد بزنس ريفيو الجزء الثاني من سلسلة الأجزاء الأربعة الخاصة بالمناقشات الثرية حول مجموعة متنوعة من القضايا المتعلقة بالأعمال والريادة والإدارة في المنطقة العربية، مع بدر جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة "الهلال للمشاريع"، ورئيس شركة "نفط الهلال"، ومؤسس "مبادرة بيرل" من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الأفكار القيادية المهمة خلال هذه الأوقات الاستثنائية.
في المرحلة الجديدة القادمة التي فرضتها جائحة فيروس كورونا ستختلف معايير التعامل مع ثروات الدول لكي تظهر موارد اقتصادية جديدة لم تكن بالحسبان، فهل سيندثر الدور المهيمن لقطاع النفط والغاز؟ أم أن الأمر فقط يحتاج لإعادة النظر في كيفية تعامل الدول مع هذا القطاع استعداداً لمرحلة ما بعد النفط والغاز؟
تعمل مجموعة "الهلال للمشاريع" في قطاع النفط والغاز منذ أكثر من أربعة عقود عبر شركة "نفط الهلال"، فهلّا قدمت لنا لمحة سريعة عن رؤيتكم حول ما يجري في قطاع الطاقة العالمي اليوم بشكل عام، وليس فقط فيما يتعلق بفيروس كورونا، إضافة إلى تصوراتكم للمستقبل القادم؟
لقد تأسست شركة "نفط الهلال" عام 1969، وبالتالي مضى على عمل الشركة 5 عقود حتى الآن. وشهد قطاع النفط والغاز على مدى نصف القرن الماضي ثورات سياسية واقتصادية وتكنولوجية، وحقق توسعات ضخمة من الناحيتين الكمية والنوعية. لكنه سيواجه صعوبات كبيرة في التعامل مع تداعيات الثورة البيئية التي نشهد تفاعلاتها في الآونة الحالية، ولهذا فمن الواضح أن الطاقة المتاحة التي تحقق العناصر الأساسية التي تعرف باسم "العناصر الثلاثة للطاقة" وهي: الكميات الوفيرة والتكلفة الميسورة والانتشار الواسع لدى المستهلكين ستكون المحفّز الأساسي للرخاء والتقدم البشري خلال هذا القرن، وبالطبع لدينا اليوم عنصر جديد يجب ضمه إلى العناصر الثلاثة السابقة، ألا وهو "القبول"، ومن الواضح أن هذا الموضوع يعتبر موضوعاً سياسياً بقدر ما هو موضوع اقتصادي أو علمي.
إذ يستهلك عالمنا اليوم ما يقرب من 290 مليون برميل نفط مكافئ يومياً - مكافئ برميل النفط: هو وحدة طاقة تعتمد بالتقريب على الطاقة الناتجة من احتراق برميل واحد من النفط الخام- ومن الواضح أن هذا الاستهلاك لا يقتصر على النفط وحده، ولكن أكثر من 80% منه عبارة عن هيدروكربونات (مثل النفط والغاز والفحم). فيما تمثل الطاقة الشمسية 2% فقط من مزيج الطاقة اليوم.
ومع نمو عدد السكان على مستوى العالم وانتقال المزيد من الأفراد إلى الطبقة المتوسطة التي تتميز بارتفاع معدلات الاستهلاك، من المتوقع أن يرتفع الطلب على الطاقة إلى 350 مليون برميل نفط مكافئ يومياً بحلول عام 2040، وهو ما يعني أننا سنحتاج آنذاك إلى 6 دول أخرى كالمملكة العربية السعودية من حيث القدرة على إنتاج النفط لتلبية الطلب.
وإحدى أكثر الظواهر إثارة للاهتمام أن المجتمع بات يعتمد اليوم بصورة أساسية على الطاقة، وعلى الرغم من ذلك، فإن غالبية أفراده (بمن في ذلك معظم السياسيين) ليس لديهم أدنى فكرة عما يستهلكونه، ولهذا فأنا أعتقد أن انفصال الوعي بهذا الشكل بين مُنتِجي الطاقة ومستهلِكيها هو السبب الرئيس وراء فقدان الثقة بينهما، ولهذا ستكون النتيجة الحتمية هي اختلال التوازن بين السياسة الرشيدة التي يحتاجها العالم أجمع بصورة ماسة للتعامل مع مسألة الطاقة والسياسات الملتوية التي غالباً ما تهيمن على الموقف في نهاية المطاف.
وكما نعلم أن معدلات استهلاك الطاقة تختلف من منطقة لأخرى بشكل صادم، فالمواطن الأميركي العادي يستهلك 60 برميل نفط سنوياً، فيما يستهلك المواطن الصيني والهندي نحو 5 براميل في العام، أما معظم السكان في دول غرب إفريقيا فيستهلكون أقل من برميل واحد للفرد الواحد سنوياً.
لكن من المتوقع أن يزداد حجم الطبقة المتوسطة العالمية بمقدار 1.5 مليار نسمة عام 2030، وتأتي هذه الزيادة بنسبة 90% تقريباً من آسيا.
وستكون لهذه النقلة النوعية تداعيات هائلة على كافة الأصعدة، ولك أن تنظر إلى قطاع النقل الجوي كمثال حي على ذلك، فعلى الرغم من أن 80% من سكان العالم لم يجربوا السفر عبر الطائرات، إلا أن عام 2020 شهد أكثر من 5 مليارات رحلة جوية.
ولهذا فإن زيادة النهم العالمي للطاقة بسبب "التقدم" المتلاحق والتطور الذي يسير بخطى حثيثة أدى إلى ازدياد انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بنسبة 120% في الأعوام الخمسين الماضية، و75% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري قد نتجت عن الوقود الأحفوري.
لذا لا ينطبق على هذا الأمر مواصفات الطاقة المستدامة.
ومع ذلك فإن التغيير المنهجي على نطاق واسع ليس بالأمر الهين، فقد استغرقت التحولات السابقة، من الحطب إلى الفحم ومن الفحم إلى النفط والغاز، قرنين من الزمان ولا تزال تتواصل حتى يومنا هذا.
وحدثت هذه التحولات في الماضي بشكل طبيعي بسبب حتمية الكفاءة، بينما يحدث هذا التحول الأخير إلى مصادر الطاقة المتجددة لمواجهة آثار هذين التحولين السابقين على بيئتنا في المقام الأول.
ولكن مع نمو الطلب الأساسي على الطاقة بمعدلات قياسية، فإننا بحاجة ماسة إلى تبني سياسات أكثر ذكاء في التعامل مع الطاقة على المدى البعيد، وأن نتوخى الحذر الشديد في كيفية تصدينا للسياسات وألاعيب السلطة التي يمكن أن تزعزع استقرار التحول المنظم وتهدد الاستقرار والأمن العالميين.
تجدر الإشارة هنا إلى أن العام القادم لا يصلح كمعيار للتنبؤ بالاتجاهات المتوقعة على المدى البعيد. فمن الواضح أن جائحة فيروس كورونا قد تسببت في إحداث هزة كبيرة في العالم وتكثيف الضغوط على تحالفات الطاقة القديمة وربما شكّلت تحالفات جديدة. كما كشفت أيضاً عن الكثير من نقاط الضعف في العديد من نماذج العمل المطبقة في هذا القطاع، ولكن سلاسل التوريد العالمية ستفشل اليوم دون وجود النفط والغاز، شئنا أم أبينا.
وبالتالي يتمثل التحدي الحقيقي لتحول الطاقة في كيفية الحد من الانبعاثات العالمية دون تعطيل سلاسل التوريد، فهذه ليست مسألة أيديولوجية، وينبغي ألا تكون مجالاً للاستقطاب.
إذا كان لك أن تتوقع توقعاً واحداً حول اتجاه محوري سنشهده خلال السنوات الخمس المقبلة في قطاع النفط والغاز، فما عساه يكون هذا التوقع؟
يُقال إن التوقعات لعبة الحمقى، لذا أفضل دائماً اجتناب تخمين اتجاهات الأسعار، ولعلهم كانوا محقين حينما قالوا إن الوظيفة الوحيدة لتوقّع أسعار النفط هي إضفاء طابع الاحترام على مهنة التنجيم.
ولكن إذا كان عليّ أن أتوقع شيئاً، فإنني أتوقع أن تركز شركات النفط والغاز بشكل مكثَّف على مقاييس أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة في السنوات المقبلة. إذ تشعر كلٌ من الشركات العامة المدرجة في البورصة والشركات الخاصة على حد سواء بالهشاشة المتزايدة في وجه توقعات المساهمين وأصحاب المصلحة حول هذه المقاييس، وسيقفز الجميع إلى هذه العربة.
وآمل من أن يؤدي ذلك إلى تعزيز القطاع بشكل كبير وجعله أكثر مرونة و"قبولاً"، وهو العنصر الرابع للطاقة.
لكن يجب أن يتم ذلك مع وجود الاقتناع التام بنبل الغاية، أما الاكتفاء بنشر التقارير وإلقاء الخطب الرنانة المحشوة بالعبارات المنمقة عن الطاقة الخضراء فلا ينفع في شيء.
وسيكون على الكثيرين أن يتعمقوا في الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بنماذج عملهم وإثبات قدرتهم على التأقلم مع العالم الجديد بكل متغيراته، والتأكد من أن أعمالهم ليست مستدامة بيئياً فحسب، ولكنها مجدية اقتصادياً أيضاً، وإلا فإننا سننشئ نسخة جديدة من "شركات الطاقة الزومبي" الضخمة، وتعرف أيضاً باسم "الشركات الميتة الحية"، التي ابتلي بها المشهد الاقتصادي لدينا وتسببت في وقوع الكثير من المشاكل بمختلف أنواعها.
وفيما يتعلق بمسألة أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة، أود أن أقول شيئاً أهم عن هذه المسألة من وجهة نظر المستثمرين لأنها مسألة جدلية للغاية.
فكما هو الحال في المجالات الاستثمارية التقليدية، هناك الكثير من الاستراتيجيات المختلفة التي يمكنك اتباعها لتصبح مستثمراً يراعي أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة. إذ يمكنك اختيار الشركات منخفضة الكربون والشركات التي تضم عدداً أكبر من النساء في مجالس إدارتها والشركات التي تشجّع أفضل الممارسات في مكان العمل.
ولكن هل هذه هي الطريقة المثالية للوصول إلى مستقبل أكثر استدامة؟ أعتقد أن الاستثمار بطريقة تراعي قيمك يختلف تمام الاختلاف عن الاختيار المنهجي للشركات الأقدر على البقاء في مستقبل مستدام.
ويكمن مفتاح السر هنا في أن نسأل أنفسنا عن التحولات المجتمعية التي من المتوقع أن تحدث والتي ستؤثر على قطاع معين، وما إذا كانت شركة معينة في هذا القطاع قد تبنت نموذج عمل سيستفيد من هذا التحول، وما إذا كان قادتها يفكرون في مجريات الأحداث على المدى البعيد ويتمتعون بالمصداقية ويعقدون الشراكات لإحداث التغيير اللازم. بعبارة أخرى، لا يرتبط الأمر من قريب أو بعيد بما يرد في التقارير المنمقة الآن، بل يرتبط بالتقييمات المعمَّقة لاحتمالية عدالة النشاط التجاري في وقت لاحق.
بعد الحديث عن هذه العقبات المستقبلية، برأيك ما هو المسار الذي يجب على الشركات أن تسلكه وصولاً إلى مستقبل الطاقة المستدامة، وما الدور الذي تلعبه شركات النفط والغاز؟
هناك الكثير من الأشياء التي نود أن تحدث بالتوازي مع هذا الأمر، وهي جهود تستلزم مشاركة أطراف متعددة، وسأحاول تلخيصها ضمن محاور أساسية:
الإسراع بإحلال الغاز محل الفحم (وإحلال الغاز أيضاً محل النفط حيثما أمكن):
تحقق عمليات إحلال الغاز محل الفحم نتائج مذهلة، فحينما أقدمت المملكة المتحدة على اتخاذ هذه الخطوة، عادت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى مستويات عام 1890، في حين أن ألمانيا لم تحذُ حذوها ولم تنخفض الانبعاثات فيها إلا بنسب ضئيلة تكاد لا تُذكَر. ولكي يحدث هذا، يجب أن تبدي الصين والهند بطبيعة الحال استعدادهما للتعاون الجاد. ولوضع هذه المسألة في منظورها الصحيح، فلا بد من الإشارة هنا إلى أن استخدام الغاز الطبيعي بدلاً من الفحم في توليد الكهرباء خلال السنوات الخمس الماضية أدى إلى خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمية أكثر من كل السيارات الكهربائية في العالم بمقدار 100 مرة، أي ما يعادل نصف جميع السيارات في العالم التي تتحول إلى الطاقة النظيفة والطاقة الكهربائية بين عشية وضحاها.
وكمثال حي على ذلك، فإن عملياتنا في إقليم كردستان العراق لجأت منذ عام 2008 إلى توليد الطاقة باستخدام الغاز الطبيعي بدلاً من الوقود السائل، ولم تقتصر نتائج هذه الخطوة على توفير أكثر من 20 مليار دولار أميركي على الحكومة في دعم الوقود فحسب، ولكنها أدت أيضاً إلى ترشيد انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بمقدار 30 مليون طن كانت ستنبعث في البيئة لولا هذه الخطوة الشجاعة. هذا بالطبع بالإضافة إلى خلق عشرات الآلاف من فرص العمل والصناعات المحلية المرتبطة بها.
طرح مصادر الطاقة المتجددة الملائمة للاستخدامات المحلية:
لا يمكن القول في هذا المقام أن هناك حلاً موحداً يصلح للجميع. إذ تعتمد الجدوى التشغيلية بشكل كبير على عدد من العوامل، مثل الطقس المحلي والظروف المناخية، وتؤثر على القدرة التنافسية من حيث التكلفة، كما تؤثر أيضاً على كثافة الانبعاث الكربونية لتقنيات الطاقة المتجددة. وعلى هذا الأساس فإن دول شمال غرب أوروبا، على سبيل المثال، ليست مناسبة لتوليد الطاقة الشمسية بخلاف بعض أجزاء الشرق الأوسط، ولكن ظروفها المناخية تؤهلها لتوليد الطاقة بالرياح البحرية. كما أن بعض المناطق تعاني مشكلة عدم انتظام الظروف المناخية المناسبة لتوليد الطاقة المتجددة، وهو ما يحدث غالباً، وبالتالي فإن اقتران تقنيات الطاقة المتجددة بالغاز من شأنه أن يعزز أنظمة توليد الطاقة.
الضغط بقوة من أجل رفع كفاءة الطاقة عبر التكنولوجيا الحديثة لترشيد استهلاك الطاقة، وكذلك تشجيع سلوك المستهلك على تحقيق الاستدامة:
أمامنا شوط طويل يجب أن نقطعه في مضمار ترشيد الاستهلاك، وذلك من خلال سلوكيات بسيطة كضبط درجة الحرارة في منازلنا خلال فصل الصيف عند 23 درجة مئوية بدلاً من 20 درجة مئوية لتوفير 30% من معدلات الاستهلاك. لكن الواقعية تقتضي أيضاً تشجيع الممارسات التي تصنع فارقاً حقيقياً، فأنا على أتم استعداد، مثلاً، للامتناع عن استخدام الشَّفَّاطَة البلاستيكية، لكن كل الشَّفاطَات البلاستيكية في العالم تشكل ما يصل إلى 2,000 طن تقريباً من نحو 100 مليون طن من النفايات البلاستيكية التي تلوّث مياهنا سنوياً (أي ما يقرب من 0.002% من النفايات البلاستيكية)، وبالتالي، لا يحق لنا أن ندعي أننا نقوم بدورنا إذا اكتفينا باستخدام الشَّفاطَات الورقية، بل يجب أن نكون على دراية بالبيانات والأبحاث العلمية ونعالج الأسباب الجذرية للمشاكل.
وقد كان من دواعي السرور أن أرى بعض صور المدن النظيفة في أثناء عمليات الإغلاق الكلي، ويقول البعض إن ممارسات العمل الأكثر مرونة والعمل من المنزل بسبب تفشي فيروس كورونا سيقلل من الانبعاثات، لكن الحقيقة أن منازلنا أقل كفاءة في استخدام الطاقة من مكاتبنا، لذا فإن الزيادة التي نستهلكها في المنزل قد تمحو أثر ما نوفره في تنقلاتنا إلى مقرات العمل المكتبية. وقد يعني ابتعاد الناس عن وسائل النقل العام بطبيعة الحال انتشار المزيد من السيارات على الطريق. لذا فمن السابق لأوانه معرفة آثار الجائحة إلا عندما نصل إلى حالة الاستقرار.
إعادة التشجير وحماية التنوع البيولوجي:
تمثل إزالة الغابات اليوم نحو 15% من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون العالمية، ولكن الغابات تشكل أيضاً مصدراً مهماً لامتصاص الكربون من الجو وتخزينه، حيث تمتص ما يقرب من 30% من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، ومنذ عام 1990 ومساحة الغابات تتناقص سنوياً بحجم دولة الإمارات العربية المتحدة! وقد أدت بعض سياسات دول الغرب في واقع الأمر إلى نتائج عكسية من خلال تقديم حوافز مالية لدول أميركا الجنوبية وآسيا لتسريع إزالة الغابات لزراعة وبيع الوقود الحيوي للاستهلاك في الغرب، وهو ما مكّن الغرب من تحقيق أهدافه الخاصة لكن مع زيادة الانبعاثات العالمية.
وتجدر الإشارة إلى أن الحد من إزالة الغابات يحمي أيضاً الحياة البرية المهددة بالانقراض والتنوع البيولوجي والسكان الأصليين بطبيعة الحال. فهناك مليون نوع من النباتات والحيوانات معرضة حالياً لخطر الانقراض، ويرجع السبب الرئيس في ذلك إلى تدمير موئلها الطبيعي.
التخلص من وقود الكتلة الحيوية (كالخشب والفحم، وما إلى ذلك):
أنصح في هذا السياق بمشاهدة الفيلم الوثائقي لمايكل مور بعنوان "كوكب البشر"، هذا إن لم تكن قد شاهدته فعلياً. ربما كانت هناك بعض الإضافات التشويقية، كما هو الحال مع كل الأفلام الوثائقية المسلية، لكن الفيلم يسوق بعض الحقائق التي لا يمكن دحضها حول الكتلة الحيوية، كقطع الأشجار في غابات الأمازون لصنع الألواح الخشبية ووصف ذلك بالطاقة المتجددة.
وماذا عن التحولات في عادات الأكل، هل من المتوقع أن يصنع هذا فارقاً حقيقياً؟
تشكل عادات الأكل عنصراً مثيراً للاهتمام، إذ يلتهم سكان العالم اليوم أكثر من 50 مليار حيوان ونحو 150 مليون طن من المأكولات البحرية سنوياً، وهو ما يمثل نحو 15% من الانبعاثات العالمية. فهل سيقلل الجيل التالي من الإقبال على تناول اللحوم بهذه الكميات؟ أعتقد أن ذلك يعتمد على البدائل المتاحة، وما إذا كانت زراعة البدائل ستسبب الضرر في مكان آخر.
ماذا عن تكنولوجيا الهيدروجين؟ هل سينتظرها مستقبل مشرق بسبب مستقبل الطاقة المتجددة؟
أجل، خاصة أن الكثير من وسائل الإعلام باتت تنظر إلى الهيدروجين باعتباره الوريث النهائي للغاز الطبيعي وحلاً بديلاً لتخزين الطاقة المتجددة.
وهناك تقنيتان أساسيتان لإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون، تتمثل إحداهما في إنتاج الهيدروجين "الأزرق" من الغاز الطبيعي مع فصل الكربون وتخزينه، فيما تتمثل التقنية الثانية في إنتاج الهيدروجين "الأخضر" من المياه عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام الطاقة المتجددة، وكلاهما مكلفٌ للغاية اليوم، وعلى الرغم من وجود مجال لخفض التكاليف في المستقبل، فإن القدرة الحقيقية على خفض التكاليف تظل غير مؤكدة. وستظل تكلفة نقل الهيدروجين مرتفعة على الأرجح بسبب خصائصه الفيزيائية.
لذا، وعلى الرغم من أننا نرى أن الهيدروجين منخفض الكربون قادر على لعب دور مهم في خفض نسبة الكربون الناتج عن بعض الصناعات الثقيلة كثيفة الكربون (مثل الأمونيا وإنتاج الفولاذ)، فإن بعض الضجيج المثار حالياً حول إمكانات الهيدروجين قد يكون مبالغاً فيه.
وأرى أن الأمل منعقد بصورة أكبر على التقنيات الحديثة، مثل الطاقة النووية الهجينة باعتبارها وسيلة لتوليد الطاقة عن طريق استخدام مزيج من عمليات الاندماج والانشطار النووي، وتتمثل الفكرة الأساسية هنا في استخدام النيوترونات من مفاعل الاندماج لتحفيز الانشطار في الوقود غير الانشطاري. كما تتميز هذه التفاعلات بأنها غير حرجة، ما يعني أنها "آمنة" من الناحية النظرية.