ملخص: تم إقرار قانون جديد متعلق بمستقبل أدوات الصحة الرقمية من شأنه أن يسهل طرح الأدوات الجديدة والوقوف على فوائدها. وربما كان أهم أحكامه هو إضفاء الطابع الرسمي على "التطبيقات المُجازة" التي تشمل البرمجيات القياسية والبرمجيات كخدمة وتطبيقات الأجهزة المحمولة وكذلك التطبيقات المستندة إلى المتصفح، وإنشاء عملية المسار المعجَّل، وهو مسار تنظيمي يتيح للشركات طرح تطبيقاتها الصحية الرقمية في السوق على وجه السرعة. وستخلق دراسات التقييم كماً هائلاً من البيانات حول كيفية عمل الأدوات الرقمية لرعاية المرضى عن بُعد في إطار الممارسات العملية والتي يمكن أن تستفيد منها شركات التأمين وغيرها من الأنظمة الصحية، في ظل وجود ما لا يقل عن 50 تطبيقاً في الوقت الحالي ضمن عملية المسار المعجَّل ومئات التطبيقات الأخرى التي يتوقع ظهورها خلال السنوات المقبلة من جانب الشركات المصنعة في مختلف أنحاء العالم. كما تشكل الأدلة أهمية قصوى لمقدمي الرعاية الصحية، وستسهم بالتالي في إقناعهم بأهمية الأدوات الرقمية، سواءً في الاستخدامات العامة أو الخاصة.
أقر البرلمان الألماني أواخر عام 2019 "قانون الرعاية الصحية الرقمية" (DVG)، وهو قانون طموح يهدف إلى تحفيز التحول الرقمي لنظام الرعاية الصحية في ألمانيا التي لطالما عُرفت بتخاذلها في هذا المجال مقارنة بنظيراتها من الدول المتقدمة. يعتبر القانون خطوة جادة لإحداث تغييرات ملموسة متعلقة بمستقبل أدوات الصحة الرقمية، وسيشكل أداة فاعلة لتطويرها وتقييمها، بالإضافة إلى توليد رؤى ثاقبة حول القيمة التي تخلقها هذه الأدوات.
تجربة ألمانيا في اعتماد التقنيات الرقمية ضمن مجال الرعاية الصحية
ولم يلبث العالم أن ابتُلي بجائحة "كوفيد-19" في أعقاب تمرير قانون الرعاية الصحية الرقمية، وهو ما أكد الحاجة إلى أدوات رقمية آمنة وفاعلة لدعم مراقبة المرضى عن بُعد وتقديم الرعاية في مختلف أنحاء العالم. ويعني إقرار القانون في هذا الوقت بالذات أن ألمانيا تستعد لأن تكون مثالاً يُحتذى به للدول الأخرى في استشراف أسباب النجاح (وعدم النجاح) في اعتماد التقنيات الرقمية ونشرها لتحسين نتائج المرضى.
ربما كان أهم أحكام قانون الرعاية الصحية الرقمية هو إضفاء الطابع الرسمي على "التطبيقات المُجازة" (تطبيقات الصحة الرقمية أو DiGA) التي تشمل البرمجيات القياسية والبرمجيات كخدمة وتطبيقات الأجهزة المحمولة وكذلك التطبيقات المستندة إلى المتصفح، وإنشاء عملية المسار المعجَّل، وهو مسار تنظيمي يتيح للشركات طرح تطبيقاتها الصحية الرقمية في السوق على وجه السرعة، حيث يمكن بعد إجراء مراجعة بسيطة إضافة أي تطبيق إلكتروني إلى السجل المركزي للتطبيقات التي ينصح بها الأطباء والمعالجون النفسيون على أن يتم سداد تكاليفه من قبل كافة شركات التأمين الصحي المعتمدة في ألمانيا والتي تغطي 90% من السكان أو ما يقرب من 73 مليون فرد. وتُدار عملية المسار المعجَّل تحت إشراف "المعهد الفيدرالي للأدوية والأجهزة الطبية" (BfArM) الذي يؤدي الكثير من الأدوار في ألمانيا على غرار الأدوار التي تؤديها "إدارة الغذاء والدواء" في الولايات المتحدة)، ويحتفظ المعهد أيضاً بسجل تطبيقات الصحة الرقمية. وقد أُضيفت التطبيقات الخمسة الأولى فعلياً إلى السجل، وهي تقدم الدعم للمرضى لكي يتمكنوا من متابعة حالاتهم الصحية، بما في ذلك طنين الأذن والسمنة ورهاب الخلاء وهشاشة العظام والأرق.
يَعِد قانون الرعاية الصحية الرقمية بتوفير بيئة قياسية للرعاية تمكّن مصنعي أدوات الصحة الرقمية الحديثة من تقييم استراتيجيات التسعير وفهم كيفية مواءمة التطبيقات الصحية الرقمية مع ممارسات الرعاية الصحية والروتين اليومي للمرضى. ولا يمكن بحال من الأحوال إنكار أهمية إلزام مثل هذه الدولة الكبيرة كافة شركات التأمين بسداد ثمن الحصول على تطبيقات الصحة الرقمية. (خاصة وأن الغموض لا يزال يكتنف تحديد الجهات المنوطة بسداد ثمن العروض المقدمة من مصنعي منتجات الصحة الرقمية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول).
ولا يخلو اقتحام شركات الصحة الرقمية لهذه السوق بطبيعة الحال من القيود القانونية والتنظيمية. إذ يجب أن يستوفي التطبيق كافة المتطلبات لكي يتم إدراجه في سجل "تطبيقات الصحة الرقمية" والاستمرار فيه واستحقاقه للحصول على الثمن من شركات التأمين الصحي. وتشمل هذه المتطلبات حماية البيانات وأمن المعلومات وقابلية التشغيل البيني والبيانات الأولية حول الفوائد التي يوفرها التطبيق. علاوة على ذلك، يجب أن يكون التطبيق حاصلاً بالفعل على شهادة المطابقة الأوروبية (CE) كمنتج طبي في واحدة من فئتي الاتحاد الأوروبي الأقل خطورة (I أو IIa).
وإذا استوفى التطبيق هذه المتطلبات وقدم دليلاً على فائدته ("الآثار الإيجابية للرعاية" المرتبطة بالاستخدام)، فيمكن إدراجه مباشرة، وإلا وجب أن يُقدم التطبيق دليلاً على فوائده خلال مدة لا تتجاوز 12 شهراً من إدراجه في السجل. قد يتمثل هذا الدليل في فائدة طبية (مثل تقليل مدة المرض) أو تحسينات تعود بالفائدة على المريض في هيكل نظام الرعاية الصحية وآلية عمله (مثل زيادة التزام المريض بالبرنامج العلاجي أو رفع مستوى التوعية الصحية). سيثبت هذا النهج التدريجي أهميته الماسة، خاصة للشركات الصغيرة والشركات الناشئة التي غالباً ما تفتقر إلى التمويل لتطوير منتج طبي معتمد والتعامل مع الإجراءات التنظيمية وتمويل التقييم العلمي على نطاق واسع مقدماً.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: مفهوم الرقابة الإدارية
وستخلق دراسات التقييم كماً هائلاً من البيانات حول كيفية عمل الأدوات الرقمية لرعاية المرضى عن بُعد في إطار الممارسات العملية والتي يمكن أن تستفيد منها شركات التأمين وغيرها من الأنظمة الصحية، في ظل وجود ما لا يقل عن 50 تطبيقاً في الوقت الحالي ضمن عملية المسار المعجَّل ومئات التطبيقات الأخرى التي يتوقع ظهورها خلال السنوات المقبلة من جانب الشركات المصنعة في مختلف أنحاء العالم. كما تشكل الأدلة أهمية قصوى لمقدمي الرعاية الصحية، وستسهم بالتالي في إقناعهم بأهمية الأدوات الرقمية، سواءً في الاستخدامات العامة أو الخاصة.
مهام صنّاع القرار في مجال الرعاية الصحية
إذاً، ما الذي يجب أن يبحث عنه صنّاع القرار في قطاع الرعاية الصحية؟ بالإضافة إلى الدليل على فوائد تطبيقات الصحة الرقمية، يهتم صنّاع القرار في قطاع الرعاية الصحية بمدى قبول الفوائد من قبل كلّ من العاملين في المنظومة الطبية والمرضى كعنصر جديد في الرعاية القياسية. وإذا رأت شركات التأمين في الولايات المتحدة وغيرها من الدول أن الأدوات الرقمية تولد قيمة، فقد تكون أكثر انفتاحاً على دفع ثمن اقتنائها أو تزداد قدرتها على توضيح الظروف التي سيتم فيها دفع ثمن هذه المنتجات.
ويُرجَّح أن يشكل استخدام البيانات المستمدة من الواقع الحقيقي لدراسة تطبيقات الصحة الرقمية تحدياً وفرصة في الوقت ذاته. (تُعرِّف إدارة الغذاء والدواء البيانات المستمدة من الواقع الحقيقي بأنها "البيانات المتعلقة بالحالة الصحية للمريض أو تقديم الرعاية الصحية التي يتم جمعها بشكل روتيني من مصادر متنوعة" مثل السجلات الصحية الإلكترونية والمطالبات الطبية وبيانات الفواتير والبيانات المستمدة من سجلات المنتجات والأمراض وبيانات المرضى). وسيشكل استخدامها تحدياً لأن المعيار الذهبي للقرارات التنظيمية بشأن منتجات الرعاية الصحية الحديثة لطالما تُمثل في البيانات المستمدة من التجارب المنضبطة باستخدام عينات عشوائية. وإذ يُستخدم في تقييم تطبيقات الصحة الرقمية، فإن الإطار التنظيمي الألماني يمهد الطريق في المقابل لاستخدام الأدلة المستمدة من العالم الحقيقي (الدليل الطبي فيما يتعلق باستخدام منتج طبي مستمد من تحليل بيانات العالم الحقيقي أو فوائده أو مخاطره المحتملة).
وقد أقرت بعض الجهات الرقابية، مثل "إدارة الغذاء والدواء"، الدور متزايد الأهمية الذي بدأت تلعبه بالفعل البيانات والأدلة المستمدة من العالم الحقيقي في الدراسات الطبية وقرارات التغطية التأمينية والمراقبة المستمرة للمنتجات، على الرغم من أن أفضل الممارسات للمصنعين لم تتحدد إلا منذ فترة وجيزة.
بيد أن فرصة تعلم الكثير وتعلمه بسرعة وبشكل مستمر يمثل ميزة لا تقدر بثمن لاستخدام الأدلة المستمدة من العالم الحقيقي والتي لا يمكن استقاؤها من التجارب المنضبطة باستخدام عينات عشوائية في صورتها التقليدية. إذ تعتبر هذه فرصة ثمينة لكافة صنّاع القرار في مجال الرعاية الصحية، من الأطباء والجهات الرقابية وواضعي السياسات وشركات التأمين وشركات المنتجات والمرضى، لاتخاذ قرارات أكثر استنارة وأكثر ذكاء بشأن المنتجات التي يجب استخدامها وتوقيت استخدامها. علاوة على ذلك، فإن نظام السداد المستند إلى الأداء في النظام الألماني يقدم حوافز لتقييم الأدوات الرقمية بشكل مستمر، وهو ما سيولّد بيانات تتجاوز بكثير النتائج التي يتم الحصول عليها مرة واحدة والمستمدة من الدراسات التقليدية.
وسيتم تحديد أسعار التطبيقات الرقمية على المدى البعيد من خلال أدائها الطبي، ومن المتوقع أن تلعب الأدلة المستمدة من العالم الحقيقي دوراً رئيسياً في إثبات جدواها.
وفيما تعكف ألمانيا على تقييم الأدوات الرقمية الحديثة، فإنها ستحفز حتماً توليد كم هائل من الأدلة التي ستسهم في تشكيل بيئة عمل الصحة الرقمية بعد انقشاع أزمة "كوفيد-19" في مختلف أنحاء العالم. ومن هنا، فإننا نعتقد أن منهجية ألمانيا ستكون نموذجاً يحتذي به غيرها من أنظمة الرعاية الصحية الغربية التي تتطلع إلى إفساح المجال أمام أنظمتها للاستفادة من الابتكارات الرقمية في سبيل التطلع إلى مستقبل أدوات الصحة الرقمية.