أثناء انتقالنا من العمل في مقار الشركات إلى العمل من المنزل، تركنا شيئاً خلفنا، ألا وهو: مساعدة الموظفين في العمل عن بعد إضافة إلى التواصل الفعال مع المدراء. فقد ولّى عهد الحصول على إجابات فورية لمواصلة التقدم في سير العمل، والمعلومات التي يكون المدراء على اطلاع بها قبل بقية الموظفين في المؤسسة، وتقديم الملاحظات غير الرسمية والتوجيه أثناء السير معاً بعد أحد الاجتماعات، والعمليات والهياكل معروفة المسار للتواصل حول مهام العمل وضمان المساءلة المتبادلة.
أثناء جلسة تدريب إرشادي عبر الهاتف، قال لي أحد كبار المدراء معرباً عن أسفه: "أنا متعثر لأنني لا أعلم كيف يمكنني التواصل مع مديري حول الأمور الأقل رسمية كما كنت أفعل". في الواقع، ليس وحده مَن يعاني من ذلك، حيث إن وجود المدراء في مكان بعيد عن الموظفين يصيب الموظفين بالإحباط ويعطل العمل.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: وظيفة المساعد الإداري
ولكن المدراء يواجهون صعوبة أيضاً. فالموظف يحاول التواصل مع مديره فحسب، أما المدير فيحاول التواصل مع 6 أو أكثر من مرؤوسيه المباشرين إلى جانب محاولة الحصول على توجيهات من مديره. أجريت الأسبوع الماضي استطلاعاً لرأي عملائي الذين أقدم لهم التدريب الإرشادي حول أكبر التحديات التي تواجههم، وتمحورت مواضيعهم الرئيسية حول كيفية البقاء على تواصل مع كل عضو في الفريق، وإدارة شعورهم وشعور الآخرين بالتوتر والقلق، والحفاظ على معنويات الفريق وتحفيزه، وإدارة اجتماعات يندمج فيها الموظفون، وتتبُّع التقدم المحرز والإبلاغ به، ومساعدة فرقهم على التخلص من الأعمال غير الضرورية.
كيفية مساعدة الموظفين في العمل عن بعد
تعاونت أنا وعملائي الذين أقدم لهم التدريب الإرشادي، وهم مدراء في مجموعة متنوعة من المؤسسات، لوضع عدة سيناريوهات وتوصلنا إلى 6 استراتيجيات تساعد على إتاحة وقتهم بشكل أكبر للموظفين أثناء العمل عن بُعد. وقد رأينا دلائل مبكرة على أن تنفيذ تلك الاستراتيجيات يمكن أن يقلل من التوتر والضغط الذي يشعر به كل من المدير والموظف، ويعالج الشواغل المتعلقة بالتقدم الذي يحرزه الموظف في العمل، ويزيد إنتاجية المدراء والموظفين على حد السواء، ويساعد على استعادة قنوات التواصل الفعالة والمحافظة عليها.
اقرأ أيضاً: كيف يتحقق التعاون الفعال بين أفراد فريق يعملون عن بعد؟
تقريب المسافات بالتواصل بصفة مستمرة من أجل مساعدة الموظفين في العمل عن بعد
ياسر*، وهو رئيس تنفيذي لإحدى شركات التكنولوجيا الفائقة التي يعمل بها ألف موظف، يرسل رسائل لمرؤوسيه المباشرين أو يتصل بهم مرة يومياً على الأقل، وعادة ما يكون ذلك دون تحديد مواعيد مسبقة. ويقول لهم أشياء من قبيل "أتصل بك لأسألك ما إذا كنت تريد أي شيء مني"، و"ما هي الأسئلة التي ترغب في طرحها عليّ اليوم؟"، و"تعلمت للتو شيئاً حول 'كذا' وأود أن تكون أول مَن يعرفه"، و"كنت أفكر فيك وتذكرت النزهة التي قام بها فريقنا في الشتاء والحلوى الرائعة التي أعددتها لنا عندما كنت أنظر إلى الصورة المعلقة على حائط غرفة مكتبي بالمنزل". فبدلاً من أن يطلب ياسر من مرؤوسيه المباشرين ببساطة أن يتواصلوا معه عند الحاجة، أدار وتيرة التواصل معهم على نحو استباقي. وبهذه الطريقة، سيتمكن دائماً من متابعة تطورات فريقه بدقة، خاصة المرؤوسين المترددين في التواصل معه وإثقال كاهله في وقت نمر فيه جميعاً بأزمة.
معالجة المسائل اليومية أولاً بأول
يتخذ المدراء عشرات القرارات يومياً ويزودوا مرؤوسيهم بالكثير من البيانات خلال المحادثات غير الرسمية. وفي حين أن هذه التفاعلات لا تستحق عقد اجتماعات كاملة، إلا إنها عندما يتم تجاهلها فإن هذه الأشياء الصغيرة تتراكم وتتحول إلى مشكلات تلوح في الأفق. على سبيل المثال، بدأت مديحة، وهي مديرة تنفيذية لإحدى المؤسسات غير الربحية، في تخصيص ساعة في اليوم تدعو فيها مرؤوسيها للانضمام إليها عبر تطبيق لعقد الاجتماعات عبر الفيديو لإخبارها بما إذا كانت لديهم أي شواغل يمكن تناولها ومعالجتها في 10 دقائق أو أقل. عندما ينضم إليها أحد الموظفين، تغلق الاجتماع، وهي الطريقة المماثلة لإغلاق باب المكتب ولكن عبر الإنترنت. ويتفهم جميع الموظفين أن عليهم إعادة المحاولة بعد 10 دقائق طالما وجدوا الاجتماع مغلقاً. وفيما يتعلق بالمسائل الأكثر تعقيداً، تطلب مديحة من مرؤوسيها جدولة اجتماع مخصص. فتخصيص وقت للتعامل مع المسائل اليومية يحافظ على السلاسة في سير العمل ويمنع المشكلات الصغيرة من أن تتحول إلى مشكلات كبيرة.
توفير الاستقرار بتكوين عادات متسقة
في الأوقات المليئة بالمفاجآت والتغيرات المستمرة، فإن تكوين عادات متسقة يعزز القدرة على التنبؤ ويضع إطاراً للعمل. لا نعلم أي من التحديات سنواجهها في المستقبل، ولكننا نعلم بالتأكيد أننا سنواجه تحديات. يمكننا إدارة ما لا يمكن التنبؤ به على نحو أفضل من خلال تكوين عادات كلما أمكن ذلك. فيما يلي بعض الأمثلة للكيفية التي يمكن بها للمدراء تكوين عادات تساعد على تعزيز الترابط بينهم وبين الفريق: حيث يمكنهم التواصل لمدة 15 دقيقة في الصباح لمراجعة التطورات التي حدثت ليلاً وتحديد مسار اليوم، أو افتتاح الاجتماع بأن يصف كل شخص حالته المزاجية الحالية بكلمة واحدة متبوعة بعبارة مفصلة (أو يمكن قول "تجاوزني" إن كان العضو لا يرغب في المشاركة)، أو تحديد سمة لكل اجتماع أسبوعي كأن يرتدي كل عضو قبعة. فعندما يكوّن المدراء عادات ويكونون مثالاً يُحتذى به، يمكنهم بذلك تنمية الشعور بالترابط والأمان والمرح، حتى في الأوقات التي تعصف فيها قوى التغيير بفرقهم.
اقرأ أيضاً: كيف تعزز مساهمة الانطوائيين والموظفات والعاملين عن بعد في الاجتماعات
تعزيز السلامة بوضع حدود واضحة
زيادة أوقات توفّرك بوصفك مديراً يمكن أن يكون له أيضاً جوانب سلبية، حيث إن بعض أعضاء الفريق لا يحبذون التواصل بصفة مستمرة أثناء محاولتهم التكيف مع الوضع الجديد والتصارع مع مجموعة من المشاعر المعقدة. وقد يحتاج آخرون قدراً من وقتك أكثر مما تسمح به قدرتك. لذا تحلَّ بالشفافية حيال خطة توفّرك، ثم ضع حدوداً وشجّع الآخرين على فعل الأمر نفسه. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول "أعطي الأولوية للوقت الذي أخصصه لك. لذا سأتواصل معك بعدة طرق، تتراوح ما بين تفقُّد أحوالك يومياً إلى تخصيص ساعات عمل محددة لك. أرجو أن تخبرني في حال كنت تحتاج إلى بعض التفرغ ولا ترغب في تواصلي معك بصفة متكررة. وأنا سأبذل قصارى جهدي للرد على رسائلك في اليوم نفسه الذي ترسلها فيه. وسأنتهز هذه الفرصة الفريدة لأخبرك أنني سأقضي 30 دقيقة يومياً وقت الظهيرة في تناول الغداء مع عائلتي". فعندما نضع توقعات ونعطي مساحة للآخرين سنتمكن من التواصل معهم حيثما يكونون وسنمنحهم الإذن بأن يضعوا حدوداً خاصة بهم أيضاً.
كن استباقياً بالبحث عن المشكلات وليس فقط الحلول
قواعدنا السابقة لتحقيق الاندماج لم تعد صالحة، ولا أحد يمتلك حلولاً نهائية. لذا يجب أن تشجع أعضاء فريقك على أن يعرضوا عليك المشكلات التي يصادفونها، حتى إن لم يكن لديهم الحلول بعد. يمكنك أن تقول "نظراً إلى ما نعيشه في الوقت الراهن، لدينا جميعاً أسئلة، وقليل منّا فقط لديهم إجابات عليها. فإذا رأيتم بوادر لأي مشكلة لا أراها، لا تنتظروا أن تجدوا لها حلولاً لكي تعرضوها عليّ. شاركوا معي مؤشراتكم الأولية وسنحاول معاً التصدي لهذا التحدي". فعندما توضح بشكل صريح أنك ترغب في معرفة المشكلات الناشئة، سيمكّنك هذا من رؤية الأمور بشكل أفضل والتوصل إلى مجموعة واسعة من الحلول.
اقرأ أيضاً: ماذا تعلمنا كمؤسسة تعمل عن بعد لمدة 20 عاماً؟
تطوير القدرات بإبداء الملاحظات والتقييمات
عند العمل عن بُعد تغيب التفاصيل الدقيقة للتواصل غير اللفظي، حتى في حال التواصل عبر الفيديو. كما أن حاجة الأشخاص إلى التقدير وسماع الأخبار الجيدة تزداد في الأوقات العصيبة. لذا يمكنك أن تخصص وقتاً في نهاية كل يوم لإبداء ملاحظات محددة وإيجابية على ما قام به الفريق من عمل جيد (أي لا تجعل الملاحظات والتعليقات مقتصرة على الأعمال الرائعة للغاية فقط). فالإعراب عن التقدير يمكن أن يساعد على التخفيف من الشعور بالقلق والانزعاج. يمكنك أيضاً إجراء تقويم أداء تصحيحي في الوقت المناسب قبل أن تتسبب أوجه القصور في مفاقمة المشكلات التي لديك بالفعل، حيث إن عمليات توجيه الأداء الصغيرة والمتكررة تتغلب على التقويمات التصحيحية الكبيرة وتسمح للجميع أن يبقوا على وفاق على الرغم من بُعد المسافات بينهم والتغييرات اليومية التي يواجهونها.
درس الباحثان تيريزا آمابيل وستيفن كرايمر تحفيز الموظفين باستفاضة وتحديداً كيفية مساعدة الموظفين في العمل عن بعد بشكل صحيح، ووجدا أن إحراز تقدم في عمل هادف هو السبيل إلى الحفاظ على انخراط الموظفين في العمل وارتباطهم به. في حين أن الانتقال السريع إلى العمل عن بُعد قد يصيبنا بالتوتر ويضفي الكثير من التعقيدات على أنشطتنا اليومية، إلا أن وظيفتك بصفتك مديراً هي إزالة أكبر عدد ممكن من العقبات للمضي قدماً. ومن خلال وضع خطة توافر واضحة وإبلاغ أعضاء فريقك بها، ستجعلهم يشعرون بالراحة حيال التواصل معك ومعالجة أي شواغل أو مسائل بمجرد ظهورها.
*جرى تغيير جميع الأسماء والمعلومات المتعلقة بالهوية.
اقرأ أيضاً: لماذا على رواد الأعمال اعتماد تشجيع العمل عن بعد؟