دور التعليم الريادي في قيادة التحول إلى مرحلة ما بعد النفط

5 دقائق
مرحلة ما بعد النفط
shutterstock.com/Khongtham

لطالما كانت المنطقة العربية -ومنطقة الخليج العربي تحديداً- سلة اقتصادية بسبب وفرة الموارد والمشتقات النفطية فيها، إذ يشكل إنتاج النفط والغاز أكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكن منذ قدوم جائحة فيروس "كورونا" أواخر العام الماضي واقتصادات العالم تتزعزع بسبب انخفاض أسعار النفط وانخفاض الطلب عموماً في هذا القطاع. فكيف أجبرت هذه الأزمة الدول العربية على إعادة هيكلة اقتصاداتها استعداداً لمرحلة ما بعد النفط؟ وهل ستصبح ريادة الأعمال ركيزة أساسية في عملية التنوع الاقتصادي؟

لماذا الانتقال إلى مرحلة ما بعد النفط؟

لا يُشكل انخفاض أسعار النفط السبب الوحيد للانتقال إلى عالم "اللا نفط"، بل تتكاثر العوامل التي تقودنا إلى هذه المرحلة وتتداخل فيها الكثير من الجوانب مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات تجاه البيئة ما يعني الانتقال إلى مصادر الطاقة البديلة أو الطاقة النظيفة كالشمس والهواء والماء، ولهذا باتت الشركات حول العالم تحدد لنفسها أجندة زمنية لتحويل أعمالها نحو الاعتماد الكلي على الطاقة المتجددة. إذ أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة "مورغان ستانلي"، أنه بحلول عام 2050 من المتوقع أن تمثل السيارات الكهربائية أكثر من نصف سيارات الركاب حول العالم، ولهذا رأينا كيف استطاعت شركات مثل "فولفو" أن تحصر إنتاجها باستخدام الطاقة الكهربائية المتجددة، وقد وضعت هذه الشركة لنفسها سقفاً زمنياً بأن يصبح تصنيع السيارات لديها عملية صديقة للبيئة تماماً بحلول عام 2025.

ومن أجل الاستعداد لعبور هذه المرحلة، اتجهت الدول في منطقة الخليج العربي خلال السنوات الماضية إلى دعم رأس المال البشري على اعتباره أحد أساسيات تسريع عملية التنوع الاقتصادي، ففي ويبينار "كيف سينعكس الانكماش الاقتصادي على دول مجلس التعاون الخليجي مع أزمة كوفيد-19"، أكد عصام أبو سليمان، المدير الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي في "البنك الدولي"، ضرورة تبني الدول لـ "مؤشر رأس المال البشري" الذي يقيس الإنتاجية المحتلمة للفرد بعمر 18 عاماً، وقد ذكر تقرير سابق لـ "البنك الدولي"، أن رأس المال البشري يسهم بتشكيل ثلثي ثروة الأمم بينما يشكل رأس المال الطبيعي (الذي يشمل المشتقات النفطية وغيرها من الموارد الطبيعية) 10% فقط من الثروة العالمية، وبالنظر إلى هذه النسب المتفاوتة، قد يكون من الأنجع والأكثر فعالية الاستثمار في البشر ولا سيما فئة الشباب حيث إنهم المحرك الأول للاقتصاد بدلاً من الاستثمار في مجال يتسم بارتفاع نسبة المخاطر وعدم الاستقرار.

التعليم الريادي: أحد متطلبات مرحلة ما بعد النفط

في دراسة أجريتها شخصياً تحت عنوان "تمكين الشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة عبر دمج المهارات الريادية في التعليم والتدريب المهني والتقني" (Achieving Youth Empowerment in UAE through Incorporating Entrepreneurial Skills in Technical Vocational Education and Training)، توصلت إلى أن الاقتصاد المعرفي في دولة الإمارات يحتاج إلى 10 خريجين من كل جامعة سنوياً لرفد معارفه، ويجب أن يكون هؤلاء الخريجون مجهزين بكل معارف التعليم المهني وتدريباته ليسهموا في بناء الاقتصاد المعرفي للدولة بطريقة ناجحة.

وأظهرت الدراسة أن التداعيات الاقتصادية لجائحة "كورونا"، مثل تعطل سلاسل الإمداد وتوقف العمالة الأجنبية، ألقت الضوء على ضرورة التخطيط الاستراتيجي لسياسة توطين الأعمال من أجل تدريب الشباب الإماراتي على الفرص الوظيفية المحتملة وتطوير خبراتهم المهنية، فوفقاً للإحصائيات التي توصلت إليها، فإن 3.64% فقط من الموظفين في القطاع الخاص هم من الشباب الإماراتي، كما أنهم يشغلون نسبة 7.62% فقط من إجمالي القوى العاملة في الدولة، وبإجراء مقارنة بسيطة بين عدد السكان وعدد مراكز التدريب والتطوير المهني بين دولتي الإمارات ونيوزيلندا، سنجد أنه على الرغم من أن عدد سكان دولة الإمارات العربية هو ضعف عدد سكان نيوزيلندا (أكثر من 9 ملايين نسمة بالنسبة لدولة الإمارات مقابل أقل من 5 ملايين نسمة لدولة نيوزيلندا)، فإن عدد مراكز ومؤسسات التعليم المهني في نيوزيلندا يفوق عدد المؤسسات الموجودة في دولة الإمارات على الرغم من تفاوت عدد السكان بين الدولتين، إذ إن من أصل 73 مؤسسة للتعليم العالي في دولة الإمارات، هناك 10 مؤسسات تعليمية تقدم برامج التعليم المهني (TVET). وتضم هذه المؤسسات 1,800 طالب، منهم 9,000 طالب ممن التحقوا في برامج التعليم المهني المكثف، ولهذا، فإن عدد السكان ليس معياراً لتقدير مدى حاجة الدولة إلى مراكز التدريب والتطوير في سبيل تحفيز رأس المال البشري وتطويره لديها.

ريادة الأعمال في مرحلة ما بعد النفط

إن التسارع العالمي للمعرفة يتطلب دمج ثقافة ريادة الأعمال في عقول الشباب الإماراتي استعداداً للمستقبل القادم الذي لن يكون نفطياً أو صناعياً وإنما ريادياً بكل المقاييس، وهذا ما أكده أحمد بن عبد الله حميد بالهول الفلاسي، وزير دولة الإمارات لريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة في مقاله المنشور في "هارفارد بزنس ريفيو"، إذ ذكر في مقاله أن بناء الإنسان هو أمر صعب ولكنه يستحق النضال والاستثمار باعتباره الثروة المستدامة والميزة التنافسية التي لا تنضب مع النفط أو من دونه، كما استشهد الفلاسي بقول عالمة الابتكار ماريانا مازوكاتو، مؤلفة كتاب "الدولة الريادية" (The Entrepreneurial State)، الذي ذكرت فيه أن بناء مجتمع ريادة الأعمال، يحتاج إلى دولة تمتلك عقلية ريادة الأعمال، ولأن هذه المقومات جميعها اجتمعت في نموذج بناء دولة الإمارت، نجد أنها حصلت على المركز الأول عربياً والسادس عشر عالمياً في سهولة ممارسة الأعمال، بحسب تقرير "البنك الدولي" لعام 2020، إضافة إلى احتلالها المركز الأول عربياً في "مؤشر رأس المال البشري" للعام ذاته.

كيفية خلق بيئة ريادية للشباب من أجل تهيئتهم لعالم ما بعد النفط

بناء اقتصاد قائم على الخدمات والمعرفة

في مقابلة سابقة مع الأستاذ لويس فيسيرا، كبير معاوني عميد "كلية هارفارد للأعمال" لشؤون التنمية الدولية، بعنوان: "اقتصاد المعرفة وجيل الألفية أهم أركان دول الخليج العربي"، ذكر أن المنطقة العربية في طريقها للتحول من اقتصاد النفط إلى اقتصاد المعرفة، وأن مدينة دبي تحديداً تقف في طليعة هذا المجال، إذ إنها تقود هذا التحول نحو إيجاد مصادر متنوعة للإيرادات الحكومية بعيداً عن النفط، لا سيما في مجال الاستثمار ضمن مجالات التعليم والموارد البشرية، وعند سؤاله عن أهم عقبات التحول إلى الاقتصاد غير النفطي، أكد أن التعليم هو الكلمة الفصل للوصول إلى اقتصاد مبني على الخدمات والمعرفة.

دعم المشاريع الريادية

وبالحديث عن دمج العملية التعليمية بمشروع بناء اقتصاد متنوع ومتين، فقد انتهجت الكثير من الجامعات في دولة الإمارات العربية المتحدة نهجاً قائماً على تبني ودعم المشاريع الريادية الطلابية وتحويلها إلى مشاريع ابتكارية يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وهذا ما اتبعته "كليات التقنية العليا" عبر إنشاء "منطقة اقتصادية إبداعية حرة" يكون على عاتقها دعم الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية بكليات التقنية من أجل تنفيذ الأنشطة المعنية بالابتكار وريادة الأعمال، وذلك وفقاً لما تحدث عنه عبد اللطيف الشامسي، مدير مجمع كليات التقنية العليا في مقاله المنشور في "هارفارد بزنس ريفيو" بعنوان: "تخريج الشركات الناشئة من المؤسسات التعليمية ضرورة أم خيار؟".

إدراج التعليم الريادي في كافة التخصصات

كما هو متعارف عليه في خضم الأزمات، فإن القطاعات عموماً تنقسم إلى قسمين: فئة الرابحين وفئة الخاسرين. وبتطبيق هذه النظرية على فكرة ريادة الأعمال ومرحلة العبور إلى عالم ما بعد النفط، سيصبح رواد الأعمال ضمن فئة الرابحين حتماً لأنهم يسهمون في تنمية اقتصاد بلدانهم بطريقة مستدامة، ومن أجل الوصول إلى هذا المعيار، فقد يتطلب الأمر دمج مناهج التعليم الريادي لكل التخصصات المتاحة في بيئة العمل، فإذا كنت طبيباً أو مهندساً، فعليك دراسة الفكر الريادي الصحيح لتؤسس لعملك بطريقة صحيحة، وهذا ما تم الحديث عنه ضمن ويبينار: "ريادة الأعمال في العالم العربي تعيد تشكيل مستقبل المنطقة".

إن الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط تتطلب جهوداً متكاتفة على مستوى الأفراد والدول، ولهذا فإن ريادة الأعمال ستكون جسر العبور بسلام إلى اقتصادات أكثر استدامة واستقراراً، وإذا طبقت الدول منهج ريادة العقول في عملها، فسنجد رواداً للأعمال في كل مفصل من مفاصل الدولة بعيداً عن الصدمات النفطية أو غيرها من الأزمات المقبلة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي